رواية «بوركيني».. بين معتقد الروح ولغة الجسد

رواية «بوركيني».. بين معتقد الروح ولغة الجسد

في‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬كتبت‭ ‬الناقدة‭ ‬والصحفية‭ ‬اللبنانية‭ ‬مايا‭ ‬الحاج،‭ ‬تجّلت‭ ‬فلسفات‭ ‬كثيرة‭ ‬وتضاربت‭ ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬روح‭ ‬امرأة‭ ‬بلسان‭ ‬نساء‭ ‬كثيرات،‭ ‬تغيّر‭ ‬البوركيني‭ ‬من‭ ‬‮«‬حجاب‭ ‬للسباحة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬وطن‭ ‬للكلمة‭ ‬والرسم‭ ‬والسيمفونية‭... ‬قال‭ ‬ابن‭ ‬عربيّ‭:  ‬‮«‬أدين‭ ‬بدين‭ ‬الحب‮»‬‭ ‬لتعود‭ ‬اليوم‭ ‬مايا‭ ‬في‭ ‬روايتها‭ ‬‮«‬بوركيني‮»‬‭ ‬وتدين‭ ‬بدين‭ ‬الطيف،‭ ‬تغوص‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الحجاب‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬متمرّد‭ ‬خارج‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬وتأسر‭  ‬ألباب‭ ‬من‭ ‬يقرأونها‭ ‬بصدق‭ ‬بين‭ ‬السطور‭ ‬ليجدوا‭ ‬إجابات‭ ‬جمّة‭ ‬عن‭ ‬تساؤلات‭ ‬تحاول‭ ‬التعريف‭ ‬بالإنسان‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬معتقد‭ ‬روحه‭ ‬ولغة‭ ‬جسده‭... ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬إنّ‭ ‬أسلوبها‭ ‬كان‭ ‬بسيطا،‭ ‬ذهبت‭ ‬الكاتبة‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬المجتمع‭ ‬المسلم‭ ‬‮«‬خطا‭ ‬أحمر‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬فُسّر‭ ‬الحجاب‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬‮«‬اللباس‭ ‬الشرعي‭ ‬للمرأة‮»‬‭ ‬دينيا،‭ ‬فكيف‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭:  ‬‮«‬اعترافات‭ ‬محجبّة‭ ‬لم‭ ‬تتحجب؟‮»‬‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬أدبي‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬مائة‭ ‬وخمس‭ ‬وسبعين‭ ‬صفحة‭.‬

ما أبعاد الحجاب ... تاريخيا، دينيا, حضاريا, فلسفيا واجتماعيا ...؟ هل يمكن أن يتنافى مع فن الرسم الذي حملت أجمل لوحاته منذ البداية وجوه النواعم وأجساد الحوريات والملائكة؟... كيف يمكن لرجل وامرأة أن يلتقيا دون أن يكون ثالثهما الخزي والعار والفضيحة؟... 

حميمة الأسلوب كانت فأسرت قلب قارئها وألانت ناقدها وجعلتني - وأنا قارئة وكاتبة - أرضى إلى حد كبير عمّا خطته وأحترم ذكاءها الإبداعي في التطرق إلى فكرة صغيرة في عنوانها، متعددة الزوايا في مضمونها، مثيرة للضجة بموضوعها ... ساءلتها كامرأة - محجّبة بأخلاقي - علّني أشبه من وصفتها سطور الرواية فوجدتُ خلف الكتابة قلبا جريئا وسيدّة فاضلة ومثقفة تعادل بتفاصيل وجهها حكايات بيروت كلّها. 

‭- ‬لو‭ ‬سألتك‭ ‬من‭ ‬أنت،‭ ‬كيف‭ ‬تُجيبين؟

قد يبدو السؤال في ظاهره بسيطًا وطبيعيًا، لكنّه في الواقع يحمل في طيّاته من الصعوبة ما يجعلني أعجز عن إيجاد الجواب المناسب. نعم، أنا ناقدة، وروائية، وامرأة، وإنسانة... ولكن ثمة شيئا آخر نود أن نضيفه هنا لكي نمنح هذه الأنا خصوصيتها. وهذا الشيء هو ما أبحث عنه، ومازلت أبحث عنه. وفي روايتي الأولى «بوركيني» سيتجلّى للقارئ بوضوح أنّ وراء البطلة المتمزقة والمتخبطة في متناقضات حياتها، تختبئ كاتبة تسعى جاهدة لأن تكتشف أناها. وعندما أصل إلى الجواب قد أعتزل الكتابة، أو بمعنى آخر قد أفقد شهيتي إلى مواصلة هذا العمل الفكري الشاق.

‭- ‬كيف‭ ‬قرّرت‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬الصحافية‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبية؟

لم أنتقل من الصحافة إلى الرواية، بل إنني كتبت روايتي الأولى بالتزامن مع عملي كمحررة ثقافية وناقدة أدبية في جريدة الحياة اللندنية. 

‭- ‬اخترت‭ ‬في‭ ‬روايتك‭ ‬الصادرة‭ ‬حديثًا‭ ‬عن‭ ‬منشورات‭ ‬‮«‬ضفاف‮»‬‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬والاختلاف‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬بوركيني‮»‬‭ ‬التي‭ ‬اخترت‭ ‬لها‭ ‬عنوانًا‭ ‬فرعيًا‭ ‬‮«‬اعترافات‭ ‬محجبة‮»‬،‭ ‬موضوعا‭ ‬شائكًا‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الحجاب‭. ‬لماذا؟

في معظم الأعمال الأدبية والسينمائية العربية كان الحجاب يُقدّم في صورته النمطية على أساس أنّه مرادف للتزمّت الديني أو تقليدًا للأعراف الاجتماعية في البيئة الإسلامية العربية. لكنّ الحجاب قد يحمل أبعادا أكبر بكثير من كونه رمزًا عقائديًا أو سوسيولوجيًا, من هنا أحببت أن أعمل على هذه الفكرة المنتشرة حاليًا, والتي هي مثار جدل كبير في العالم اليوم من خلال تصوير الأبعاد النفسية للمرأة المحجبة. كيف تعيش المرأة حين تحاول إلغاء أنوثتها؟ كيف تنظر إلى جسدها؟ وكيف يُنظر إليها؟ ومن هنا، لم أرصد موضوع الحجاب فقط، بل درست موضوع الجسد بذاته، سواء في حجابه أو حتى في عريه. 

‭- ‬كيف‭ ‬تقوّمين‭ ‬الحالة‭ ‬الإعلامية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والوطن‭ ‬العربي؟

عندما تكون الثقافة بخير يكون الفنّ بخير والإعلام هو أيضًا بخير. إنها سلسلة مترابطة، إذ لا يمكن أن تكون الحالة النقدية حقيقية وموضوعية وواعية وأن نرى في المقابل حالة من الاستسهال في الكتابة والفنون عامة. والواقع الرهان يتحدّث عن نفسه طبعًا، عندما تفقد الأوطان أمنها وأمانها ماذا يُمكن أن ننتظر منها أكثر؟ ما نمرّ اليوم به جميعنا في الدول العربية من تونس ومصر إلى سورية واليمن وليبيا والسودان صعب جدًا، لكنّ أملنا كبير بأن تتغيّر الأمور نحو الأحسن. وعندما نرتقي بوضعنا السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، سينعكس ذلك حتمًا على بقية المجالات الفنية والعلمية والأدبية. 

‭- ‬كمثقفة‭ ‬عربية‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تقييم‭ ‬الحراك‭ ‬السياسي‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭... ‬المسمى‭ ‬ثورات؟

الثورات تحتاج دومًا إلى قائد وإلى استراتيجية وإلى تكاتف بين الثوّار، لكنّ ما شاهدناه كان أشبه بحركات تمرّد شعبية فاقدة للتنظيم والرؤية والإستراتيجية. بدأت الثورات قوية وفرحنا بها جميعًا ومن ثم أخذت تتقهقر وتضيع وتودي بنا نحو أنفاق مظلمة. نحن مجتمعات لم تعتد الديمقراطية ولا التخطيط السياسي، لذلك هي مرحلة عصيبة نشهدها الآن، لكننا اعتدنا أن نقول ستُفرج إن شاء الله، علمًا أنّنا لا نعوّل على شيء، لا ثقافة ولا فكر ولا أخلاقيات سياسية.

‭- ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأدباء‭ ‬الذين‭ ‬تأثرت‭ ‬بهم؟

أنا أعتقد أنّ كلّ قراءة هي كتابة، بحيث إنّ كل كتاب نقرأه يُمكن أن يؤثّر فينا بطريقة معينة، وكلّ كاتب يُمكن أن يترك فينا أثره في مكان ما. ولكن من أكثر الكتّاب الذين قرأت لهم وأحببتهم دوستويفسكي، ألبير كامو، بيكيت، فرناندو بيسوا، ميلان كونديرا، نجيب محفوظ، طه حسين، محمد شكري، غادة السمّان.

‭- ‬ما‭ ‬هي‭ ‬منابع‭ ‬الوحي‭ ‬الكتابي‭ ‬لديك‭..‬؟‭ ‬وما‭ ‬موقع‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬حياتك؟

الوحي ليس كما يعتقد بعض الناس أنّه إلهام يهبط على الكاتب من السماء، بل قد يكون مشهدًا أو كلمة أو حادثة تُحرّك فينا أحاسيسنا الخامدة وتستفزّ طاقتنا للتعبير عن تلك الاختلاجات. أمّا الحبّ فهو أساس طبعًا في حياة أي كاتب وأي شاعر وأي إنسان، وأنا أعتبر الحبّ وقود الحياة، من دونه يتعب الإنسان وقد يعجز عن مواصلة الحياة. وأقصد الحبّ هنا بأوجهه المختلفة. 

‭- ‬هل‭ ‬هنالك‭ ‬مشاريع‭ ‬سترى‭ ‬النور‭ ‬قريبا‭ ... ‬وكلمة‭ ‬أخيرة؟‭ ‬

هنالك كثير من الأفكار ستتجسد قريبا وسأفصح عن تفاصيلها في الوقت المناسب ... وأشكركِ وأشكر هذا المنبر الثقافي على الالتفاتة الطيبّة .