هنا الشارقة.. هنا المسرح «ريتشارد» تونس يقتنصها من العرب

هنا الشارقة.. هنا المسرح «ريتشارد» تونس يقتنصها من العرب

بكلمات‭ ‬مواكبة‭ ‬للواقع،‭ ‬علّق‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للهيئة‭ ‬الدولية‭ ‬للمسرح‭ ‬توبياس‭ ‬بيانكي،‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتبارى‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الزعماء‭ ‬بدعم‭ ‬ثقافة‭ ‬العنف،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬د‭.‬سلطان‭ ‬القاسمي‭ ‬حاكم‭ ‬إمارة‭ ‬الشارقة‭ ‬هو‭ ‬الداعم‭ ‬لثقافة‭ ‬المحبة‭ ‬والسلام‭ ‬والإبداع‭ ‬ومخاطبة‭ ‬الآخر‮»‬‭. ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬ضمن‭ ‬كلمته‭ ‬المرتجلة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬جمعنا‭ ‬كمسرحيين‭ ‬مع‭ ‬حاكم‭ ‬الشارقة‭ ‬في‭ ‬دارته‭ ‬للدراسات‭ ‬الخليجية،‭ ‬خلال‭ ‬انعقاد‭ ‬الدورة‭ ‬السادسة‭ ‬لمهرجان‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬نظمته‭ ‬الهيئة‭ ‬العربية‭ ‬للمسرح‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬الماضي‭.‬

سبعة أيام مغمّسة بعرق حشد من الممثلين، وأفكار عشرات من عشاق المسرح، نقاد ومؤلفين ومخرجين وفنيين، جاءوا من جميع أنحاء الوطن العربي، ليشاركوا إمارة الشارقة عيدها المسرحي الذي أطلقته منذ ست سنوات، لتتوّج في كل عام نجما يتباهى ويفتخر بجائزة الهيئة العربية للمسرح، كأفضل عرض مسرحي عربي.

 تنافست على النسخة السادسة لمهرجان هذا العام 162مسرحية، جاءت من مختلف أقطار الوطن العربي، تمت تصفيتها لتصل 9 عروض مسرحية منها للمنافسة على الجائزة الكبرى والوحيدة.

كما شارك على هامش المهرجان، من سورية، عرض «ليلي داخلي» إخراج سامر إسماعيل، ومن تونس «الدرس» عن نص ليونسكو اقتبسه وأخرجه غازي الزغباني، و«سيبني نحلم» الذي حمل توقيع «انتصار عيساوي»، إضافة لمجموعة من الورشات المسرحية في خيال الظل والأراجوز والدمى والحكواتي من مصر وتونس والجزائر وليبيا.

 

صندوق‭ ‬الدنيا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الشارقة‭ ‬بعد‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬

نطل من شباك الفندق في الشارقة، ملتقى ضيوف المهرجان على كورنيش بحيرة خالد، التي تتوسطها ثالث أطول نافورة في العالم، المتماثلة – إلى حد ما - ونافورة بحيرة جنيف، متلهفين منذ اليوم الأول لحفل افتتاح المهرجان، وبدء التنافس بين العروض المسرحية العربية، نلتقي في ردهات الفندق بضيوف جاءوا من مختلف بقاع الأرض العربية، ممثلي المسرح ونجومه، سادة الكلمة والخيال من مؤلفي النصوص المسرحية، أعضاء لجنة تحكيم المهرجان، مخرجي المسرح العربي، نقاد العروض المسرحية اليومية، وثلة كبيرة من الإعلاميين من مختلف الصحف والقنوات التلفزيونية العربية، الذين دعتهم الشارقة للتباهي بهذا الإنجاز الفني الكبير.

 في أول أيام افتتاح المهرجان، الذي أقيم تحت رعاية سمو الشيخ د.سلطان القاسمي حاكم الشارقة، الرجل الذي ارتبط بالمسرح منذ الصغر وجعله في أول قائمة اهتماماته، وبحضور وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، والأمين العام للهيئة العربية للمسرح السيد إسماعيل عبدالله، وجمع غفير من ضيوف المهرجان ومحبي المسرح، أطل علينا الفنان د.حبيب غلوم وحرمه الممثلة البحرينية هيفاء حسين، ليقدما مراسيم حفل الافتتاح، الذي تضمن كلمات الترحيب وعرضا للمسرحيات المشاركة وبانوراما للعروض التي تنافست في العام الماضي، ثم جرى تقديم لجنة التحكيم التي تكونت برئاسة د.خالد أمين من المغرب، وعضوية كل من غانم السليطي من قطر، خالد أمين من الكويت، مكي سنادة من السودان، وهشام كفارنة من سورية.

ثم بدأ عرض الافتتاح القادم من تايوان، الذي حمل عنوان «seventh sense» وهو عرض راقص يتشكل من عنصري الموسيقى والرقص التعبيري، ويعتمد بصورة أساسية على عنصر الإضاءة بنظام «3D»، شابه عدم التفاعل بين الشخصيات وعنصر الإضاءة، فجاء العرض بلا إبهار حقيقي كما كان متوقعا لعرض الافتتاح!

 مفاجأة حفل الافتتاح تمثلت في «صندوق الدنيا» الذي أهدته الهيئة العربية للمسرح للشيخ القاسمي وصنعه رجل من فلسطين، يعد آخر صانع لمثل هذا النوع من الصناديق، وجاءت تلك المبادرة تذكيرا من الهيئة لطفولة القاسمي التي بدأت مع المسرح، من خلال الصندوق الذي جال به ذات يوم منذ أكثر من 50 عاما، ذلك الرجل العراقي الذي وصل الإمارات حاملا على ظهره صندوق الدنيا، الذي ظل في ذاكرة القاسمي وكتب عنه.

 

صمت‭ ‬حكواتي‭ ‬البحرين‭!‬

 منذ اليوم الثاني للمهرجان توالت العروض المسرحية المتنافسة، حيث افتتحت البحرين أول العروض بـ «حين صمت عبدالله الحكواتي» لمسرح الصواري، وهو عرض مقتبس عن مجموعة من القصص والحكايات التراثية والمعاصرة. يدور العرض حول (عبدالله) المولع بسرد القصص والحكايات المستمدة من خياله الخصب، معبرا بها عن ذاكرة أهل المكان، لكنه يصاب بالخرس فجأة، مما يُحزن أهل المدينة ويحاولون إيجاد الطرق الكفيلة بإعادته إلى الحكي ثانية. اقترب العرض من فن الحكواتي وقدم على مسرح دائري محاط بالجمهور في فضاء مفتوح ضمن «حوش» جمعية المسرحيين، كما تميز العرض بالأداء الجيد لممثليه: عبدالله السعداوي، محمد الصفار، محمود الصفار، باسل حسين، محمد المرزوق، إضافة لمخرج العرض حسين عبد علي، وإن كان السعداوي الأكثر بروزا بصوته الرخيم ومرونة جسد، إلا أن الإطالة التي اتسم بها العرض، والتي جاءت بعد صمت الحكواتي وخروجه من على الخشبة، تسببت في بعض الرتابة وبطء الإيقاع، وسربت الملل إلى المتلقي. 

وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي بذلته الإضاءة لإدخال عنصر التغيير اللوني وتجسيد الحالة، فإن إصرار المخرج على الاستمرار في سرد الحكايات ساهم في فقدان العرض لوهجه الذي كان لافتا للانتباه في نصف الساعة الأولى منه، بوجود قامة فنية كبيرة مثل السعداوي، بالإضافة إلى الجهد الذي بذله بقية الشباب. وبعد أن أسدل الستار، عقّب على العرض الناقد سالم أكويندي.

 

حلم‭ ‬مصري‭ ‬

 في العرض المصري «حلم بلاستيك» مجموعة من الشباب يقودهم مخرج شاب هو شادي الدالي، حيث يقدمون تجربة تقترب من مسرح «ستاند آب شو» في عرض يعبر عن أحلامهم وطموحاتهم وصراعهم مع الحياة بشخوصها وسوداويتها.

عرض قوامه قطعة قماش سوداء كبيرة تمثل البديل عن الديكورات والأزياء، تتوارى حينا وتظهر حينا آخر بصور متعددة معبرة عن الحالة الدرامية للحدث.

أساس العمل في عرض «حلم بلاستيك» يقوم على الحب الذي يجمع هؤلاء الشباب، فانعكس متوهجًا على خشبة المسرح بشكل واضح.

صحيح أن العرض شابته بعض الخطابية المباشرة، التي تناثرت في الكثير من مشاهده، وطريقة الإخراج التي اقتربت أو تناصت مع عرض «قهوة سادة»، الذي قدمه مركز الإبداع بدار الأوبرا قبل سنوات للمخرج خالد جلال، لكن ذلك لم يقلل من حجم تجربة المخرج، الذي حاول أن يجرب كل ما يتقنه، بدءا بالطابع الحركي لأداء الممثلين ضمن التصور التعبيري، الذي حقق بعدا جماليا ميز العرض، وانتهاء بتلقائية الأداء التي أشعلتها حماسة الشباب على خشبة المسرح، وإن كان الأمر بحاجة إلى تدريب أكبر، وخاصة في مناطق الغناء التي كانت بحاجة إلى المزيد من التمرين الصوتي. في جميع الأحوال، جدد «حلم بلاستيك» الأمل بمصر عبر شبابها الذي كان كالشعلة، معبرا عن الجمال والحب والحياة التي عرفت بها مصر دوما. وبعد انتهاء العرض، عقّب عليه الناقد هشام زين الدين.

 

مسارات‭ ‬‮«‬علول‮»‬‭ ‬الإماراتي

 «رصاصهم ميت ونحن أحياء»، بهذه العبارة المدوية انطلق العرض الإماراتي «نهارات علول»، ليغوص في حكاية الشاب المشرد علول، الذي يبحث عن قوت يومه، فيتعرض له حارس القصر الذي تعمل فيه زوجته، ويوجه له بندقيته، فيصاب برصاصة لا تقتله لكنها تحول حياته إلى جحيم، لكونها تظل تجول في جسده الفقير المسحوق، فتنقل مشاعره من حالة إلى أخرى، فتارة هو حزين وتارة سعيد، يضحك مرات، ويبكي مرات أخرى، ولا يعد يهتم لأمر من يحكم المدينة، ما يجعله بمنزلة الولي لحرافيش المدينة الذين يتبعونه ويؤيدونه في مواجهة فساد السلطة، حتى يقرر قاضيها الفاسد إعدامه بمحاكمة صورية في ساحة المدينة.

يتكئ العرض الإماراتي على نص فنتازي للمؤلف مرعي الحليان، يفجر أسئلته عبر نبش المسكوت عنه.

تميز العرض بنبضه الحي، فكان حافلا بالإيقاع السريع، حاول فيه المخرج أن يلعب على جميع مناطق الخشبة بحركات أفقية وعمودية، دائرية ومتقاطعة، بالإضافة إلى السرعة في تحريك قطع الديكور الصغيرة والمعبرة التي تستخدم عبر استخدامات عدة، لتواكب حركة الممثلين السريعة واللغة الجسدية التي يعتمد عليها أبطال العرض، وخاصة «علول»، وقام بالأدوار: جاسم الخراز وجمال السميطي ومرعي الحليان ومحمد جمعة وبدور الساعي وأحمد ناصر ومجموعة كبيرة من الممثلين.

حاول المخرج أن يستخدم جميع أنواع الفرجة المسرحية في عرضه هذا، فانطلق وراء ممثليه لاهثا، وكأنه يجلدهم بسياط الحاكم، وسلطة المخرج، الذي أراد ألا تبقى لحظة واحدة في العرض المسرحي دون فعل، مصرًا على عدم الارتكاز على شخصية «علول» فقط - رغم قدراته الأدائية – فحوّل جميع ممثلي العرض إلى أبطال، بدءًا بحارس القصر الذي يجسد الطبيعة الأنثوية ليوصل رسالة عن عجز السلطة وفسادها، مرورا بالقاضي الباحث عن شهواته ومتعه الخاصة، وصولا للمحامي الفاسد وزوجة علول، المنقسمة ما بين حبها لزوجها ومتعة السلطة التي تتاح لها عبر عملها بالقصر.

بجانب ما سبق، وقع العرض في تناقضات جلية بعد التحول الذي طرأ على شخصية «علول»، وخاصة في ما يتعلق بلغته العميقة التي لم تتناسب ووضعه الاجتماعي والطبقي كـ«عتال»، مشرد في الشوارع. حتى مع افتراضنا أنه تأثر بالرصاصة، لكوننا ندرك أن التأثير خاص بحالته المزاجية لا مستوى تفكيره الذي لا يتفق ومحدودية خبراته ومنظومته الثقافية، والمعرفية.

كما أن العرض الذي ظل مشدود الإيقاع بعيدا عن الملل، أفسده بعض التطويل الذي تركز بعد إعدام علول، ما ساهم في هبوط الإيقاع حينها، وأثر في ذلك عدم مواءمة الإضاءة لبعض المشاهد.

استخدم المخرج حسن رجب في عرضه هذا جميع الإمكانات، التي يمكن أن يعمل عليها مخرج محترف، مثل «العرائس الكبيرة»، و«الدمى القفازية» و«خيال الظل»، وحاول ألا يكتفي بتنفيذ النص كما كتبه مؤلفه، بل ارتقى به مفسرا بحس جمالي وتعبيري، فكان أحد العروض التي لفتت الأنظار منذ البداية ورُشح لجائزة أفضل عرض، وإن لم ينلها. عقّب على العرض في الندوة التطبيقية الناقد عمر فطموش.

 

عربة‭ ‬الألم‭ ‬العراقي‭!‬

صاحب العربة الخشبية «حنون» رجل يحاول الابتعاد عن السياسة والعيش ضمن إطار تفاصيل حياته التعسة مع زوجته «فضيلة»، رغم كونه يحمل شهادة في الأدب الإنجليزي. لكن السياسة لا تعتق «حنون» وتلاحقه بلعناتها، وتستمر في تدمير حياته حتى تنهكه الحروب والتقلبات السياسية إلى أن تقتله، فيذهب بعيدًا إلى عالم افتراضي لا يجد فيه العدل، ويبقى يحوم باحثا عن معنى الحياة ضمن إطار الربيع العربي الذي اكتسح عالمنا فأصبحنا لا نعرف هل هو نعمة أم نقمة؟!

بتلك التفاصيل الموجعة، جاءتنا عربة بلاد الرافدين محملة بهاجس المؤلف حامد المالكي والمخرج عماد محمد، فقدما الألم للمتلقي العربي عبر اللعب على وتر الكوميديا السوداء، والتركيز على الحكاية بدلا عن الممثلين، عدا شخصية «العربنجي»، التي لعبها الممثل الكبير عزيز خيون والتي شكلت محور العمل وأساسه، حيث تتطلب ممثلا يمتلك قدرات كبيرة ليملأ العرض أداء، إلقاء، وغناء، ساعده في ذلك ممثلون أساسيون، زوجته (قامت بدورها لمياء بدن)، بالإضافة للشخص الذي يظهر له بصور عديدة بين السياسي الكاذب والسياسي القاهر والأجنبي وشخصيات أخرى (لعب الدور بهاء خيون).

العرض لا يكتفي بلغة الصورة المسرحية، التي لا تحتاج للغة منطوقة، بل تشكل فيه الكلمات بعدا فكريا يساهم في بناء العرض على المستوى الدرامي، ما جعل من تقديمه باللهجة العراقية معضلة شكلت حاجزا بين العرض وبين بعض المتلقين من العرب، حيث كانت اللهجة مناسبة للعرض المحلي، وعائقا عند تقديمها ضمن محفل عربي. النص الذي كتبه حامد المالكي يستنهض الفترة التي مر بها العراق في ظل حزب أحادي، ثم حروب غير مبررة ومن ثم احتلال وإرهاب، وفي كل تلك الفترات ترتفع أسهم السياسيين، ليزدادوا سطوة وغنى وتنخفض أسهم المواطنين، ليزدادوا بؤسا وفقرا في بلد يعد من أغنى بلاد العالم في الموارد الطبيعية!

 اعتمد العمل في السينوغرافيا على العربة التي شكلت عنصرا أساسيا في العرض، فأحيانًا تتحول إلى بيت صاحب العربة وزوجته، وأحيانا أخرى تتحول إلى منصة للخطابة، ثم إلى سلاح حرب، ولعب الفيديو دوره في إبراز الصورة الأخرى، الموازية للحدث، فكانت الشاشة عنصرا أساسيا في عمل المخرج عماد محمد، وتم توظيفها بصورة جيدة ومؤثرة في كثير من الأحيان. عرض «عربانة» كان أحد العروض المميزة التي نافست على الجائزة ورُشحت لها. عقـّب على العرض المخرج المسرحي عصام السيد.

 

درجات‭ ‬السلم‭ ‬اللبناني‭!‬

عائلة تعزل نفسها عن محيطها الخارجي وتعيش على ارتفاع 80 درجة من درجات السلم، بفضل تقاعد رب الأسرة الجنرال، الذي كانت له صولات وجولات، ثم غدا دون أي دور في الحياة (فائق حميصي)، وزوجته المتصابية التي ترغب في الحياة والملذات دائما (رائدة طه)، وأخته (لينا الأبيض) التي تظل تحلم بعريس يأتيها بعد أن فاتها القطار فأصبحت مصدر إزعاج لزوجة أخيها، وابنته (نزهة حرب) تحاول الخروج من أسر هذه العائلة الشاذة فتعجز عن الفكاك، وخادم يظل هو الوحيد الذي يشكل خيط وصل بالعالم الخارجي، حتى يتم طرده دون مبرر درامي مقنع!

 شاب العمل الذي كتبته رندة الخالدي الكثير من الرتابة والبطء في الإيقاع، ما ساهم في إدخال حالة الملل في نفوس المتلقين، حيث خلطت المخرجة علية الخالدي بين الملل كحالة ذاتية لشخوص المسرحية، وبين إغراق المتلقي بالملل كحالة فنية. عقّب على العرض المسرحي مهند هادي.

 

جميلات‭ ‬الجزائر‭ ‬

 خمس من المناضلات الجزائريات اللاتي واجهن المستعمر الفرنسي قبل تحرير الجزائر، يجمعهن معتقل واحد، يواجهن مرارة السجن بالحديث عن بطولاتهن وبطولات المناضلات اللاتي سطرن بشجاعتهن ملحمة التحرير الجزائري.

 العمل نسائي بأكمله، حيث تصدت لكتابته نجاة طيبوني وأخرجته المخرجة الجزائرية المعروفة صونيا ببطولة خماسية نسائية، في حين ظهر الرجل كسجان في دور هامشي لم يكن له تأثير أو ضرورة.

ظهرت ممثلات العرض: لينده سلام، لعريني ليديا، هواري رجاء، منى بن سلطان، حنيفي آمال، بأداء جيد متماسك جمع بين التمثيل والرقص التعبيري، وإن تسببت الرؤية الإخراجية بتقديمهن بصورة لا تعمل على إبراز إحداهن عن الأخريات، حيث بدت الممثلات متقاربات في الأداء والشكل، ما أفقد المتلقي فرصة التعرف على إمكانية كل ممثلة على حدة، وجعله يتساءل عن المبرر الدرامي لاستخدام خمس ممثلات، بما أنهن كن نسخة عن بعضهن البعض!

لعل الخطابية المباشرة والسردية التي طغت على معظم تفاصيل العرض، أبرز الأسباب التي أدت بالعمل للوقوع في فخ الرتابة، واقترابه في الكثير من أجزائه إلى التقريرية، حتى اقترب في مشهده الأخير من روح المسرح المدرسي بتكراره للجمل التي ترددها الممثلات!

 ويبدو أن صناعة العرض – خصيصا - من أجل الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر ساهمت في اقترابه من الشكل التوثيقي، المشبع بحس الأوبريت، مما كبل العرض بمقاييس أخرى خارج الأطر المسرحية. وهذا ما اختلط على كثيرين ممن حاولوا الدفاع عن العرض، حيث وقعوا فريسة الخلط ما بين التعبير عن حب الوطن، وهذا أمر مطلوب ومرغوب لا يختلف أحد عليه، وما بين قدرة العمل على معالجة الهم الوطني بصورة فنية بعيدة عن شعارات المنابر. عقّب على العرض كاتب السطور.

 

دومينو‭ ‬إماراتي‭ ‬

عبر مجموعة من قطع الدومينو، حاول المؤلف طلال محمود والمخرج مروان عبدالله صالح أن يصنعا حالة درامية لقطع من أحجار الدومينو، حيث يولد ذلك الحجر الأبيض دون أرقام، ما يعرضه للمتاعب في حياته، ويجعله مصدر سخرية وعداء من بعض القطع الأخرى، وخاصة عندما يقع في حب إحدى بنات الأحجار المميزة.

 اعتمد العرض في أغلبه على روح المسرح الاستعراضي، لكن النص جرفه إلى ضفة اللغة المنطوقة، عبر صـــناعة قضية من حدث بسيط، مما أخل بالعرض الـــذي كان سيظهر بصورة أكثر تماسكا لو قدم بشكله الاستعراضي، الغنائي، الموسيقي، ولاسيما أن مصممة الكيروغرافيا عبير رياض استطاعت أن تقود مجموعة الشباب قليلي الخبرة إلى مناطق معبرة أدائيا ضمن مشاهد الاستعراض، كما برزت الشخصيتان النسائيتان ريم زهير، عذاري السويدي، حيث استطاعتا الوقوف بثبات على الخشبة، وقدمتا إلقاء يعكس قدراتهما الأدائية الجيدة.

عاب العرض تقليدية الحكاية التي لم تتسق وتجريبية الإخراج، وأضعفته كثرة المجاميع، رغم محاولات المخرج توزيعهم بصورة ملأت المسرح حيوية. كما أن الإطارات التي حملها الممثلون طوال العرض قيدت من حركة الجسد وجعلته مقتصرا على أداءات بسيطة لا تتواءم ومسرح ينحو نحو الاستعراض والرقص. بعد انتهاء العرض عقّب عليه الناقد عبدالفتاح الشادلي.

 

‮«‬ريتشارد‮»‬‭ ‬تونسيًا‭.. ‬بامتياز‭!‬

منذ الوهلة الأولى لدخولنا المسرح يوم عرض تلك المسرحية، شعر أغلبنا بأننا أمام عرض سيظل في الذاكرة.

 كان الممثلون يتحركون على خشبة المسرح وقت دخول الجمهور بحركات دائرية، يتناوب فيها ثمانية ممثلين على ممارسة العنف ضد بعضهم البعض، ويستمر العرض الذي يقوم على شقين؛ شق محلي يتحدث اللهجة التونسية، يدور حول أب ديكتاتور يزرع بعد وفاته ديكتاتورا آخر من نفس العائلة من خلال مجموعة الإخوة والأم وزوجات الإخوة، ضمن عائلة مشتتة تقتات على بعضها. أما الشق الثاني فيستند إلى نص شكسبير «ريتشارد الثالث» الذي يتحدث العربية الفصحى ويأخذنا إلى مسار صنع الديكتاتور وولادة طاغية جديد، وبين هذين الشقين تنسج الحكاية.

 اعتمد مخرج العرض جعفر القاسمي على المسرح الفقير، الذي يتخذ من الممثل وحده أداته الرئيسة، واكتفى بالإظلام والإضاءة التي كانت بطلا آخر، إلى جانب الممثلين الذين ظهروا بلياقة عالية جدا وأداء جسديًا مرنا، واستطاعوا أن يؤدوا كل ما طلب منهم بقدرة وصلت إلى حد آلية التمثيل (البيوميكانيك)  بمصاحبة إضاءة تمددت وتشابكت ارتفاعا وانخفاضا وتنوعت بين الإضاءة الثابتة والمتحركة التي استخدمها الممثلون، فعكست بكل براعة الحالات التعبيرية والجمالية لوجوه الممثلين وحركاتهم، وقام بالأدوار: فاطمة الفالحي، صبحي عمر، عاصم بالتوهامي، منال الفرشـــــيشي، سمــاح التوكابري، ربيع إبراهيم، خالد الفرجاني، يوسف مارس.

 ما يؤخذ على العرض فقط أنه كان بحاجة إلى دراماتورج – يمتلك نظرة مغايرة عن نظرة المخرج – ليقوم بتكثيف العرض وتهذيبه من زوائد النص (الذي صاغه باقتدار محفوظ غزال)، حيث اتضح للمتلقي تكرار بعض الحالات، والتدفق العالي للعبة الركحية التي أرهقت الممثل، وبذرت بعض لحظات الترهل في العرض. 

وفي ظل عرض تشكل فيه اللغة المنطوقة أهمية كبرى، قد يساهم الدراماتورج في الخروج من قوقعة اللهجة المحلية إلى عربية وسطى تـفهم من الجميع، وخاصة أن العرض قدم في محفل عربي ولم يعد بحـــاجة إلى استقطاب الجمهور التونسي الذي خاطبه سابقا، الأمر الذي أكده المخرج من دون أن ينتبه، حين أشار في الندوة التطبيقية إلى أن العرض احتوى على لهجات محلية متعددة بناء على خصوصية كل ممثل! عقّب على العرض المسرحي د.جان داوود. 

 

على‭ ‬خشب‭ ‬الأردن

بالتناص مع نص العميان لميترلنك، ينطلق عرض المخرج زيد خليل بعنوان «ع الخشب» الذي كتب النص أيضا، ليضيء مسارات الإنسان أمام عالم يفتقد البصيرة وما يتبع ذلك من جهل وقهر، وعالم ما بعد الحياة وما يفتحه من أفق واسع على الحقائق الإنسانية والكونية في العالم الآخر.

 كما أنه حاول أن يلقي بظلاله على الحالة العربية الآنية، ويعكس الأوضاع التي سادت إبان ثورات الربيع العربي، وأعتقد أن كثرة المواضيع التي أراد العمل أن يتطرق إليها أضاعت بوصلته، وساهمت في تشتيت العرض الذي حظي بممثلين ذوي قدرات جيدة، وإضاءة ساهمت في تجسيد حالات العرض بشكل احترافي. عقّب على العرض الناقد محمد المديوني.

 

ندوات‭ ‬وتكريم

إضافة للعروض المسرحية، اشتمل المهرجان على مجموعة من الندوات الفكرية بحثت في الهويات الثقافية، والمسرح في الإمارات. كما ناقشت إحداها أحقية ريادة المسرح العربي بين مارون النقاش، وإبراهيم دانيوس، وذلك عبر مناظرة أجريت بين كل من د.سيد علي والباحث الجزائري مخلوف بو كروح، واللافت للأمر أن المناظرة انتهت من دون أن يتم حسم الأمر!

توجت الشارقة مهرجانها المسرحي برجال بذلوا أعمارهم لتبقى شعلة المسرح متقدة على مر السنين، بدءا بالشخصية المسرحية العربية المكرمة لعام 2014، الفنان الإماراتي القدير محمد عبدالله آل علي كأحد الرجال الذين أفنوا حياتهم في هذا المجال، واكتمل التكريم باختيار 20 مؤلفا مسرحيًا من عدة دول عربية، ليحظوا بشرف الاحتفاء بهم من قبل حاكم الشارقة، نذكر منهم: فلاح شاكر من العراق، عبدالكريم برشيد من المغرب، عبدالعزيز السريع من الكويت، ومنير أبودبس من لبنان. كما تم الإعلان عن الفائزين بمسابقة التأليف المسرحي لعام 2013 .

د‭. ‬القاسمي‭ ‬مكرما‭ ‬الفنان‭ ‬الاماراتي‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله

‮«‬حين‭ ‬صمت‭ ‬عبدالله‭ ‬الحكواتي‮»‬‭..‬ من‭ ‬العرض‭ ‬البحريني‭ ‬