العصافير

العصافير

ليس‭ ‬يسبقني‭ ‬لصباح‭ ‬الحديقةِ

إلاّ‭ ‬العصافيرُ‭..‬

توقظني‭ ‬من‭ ‬سباتي،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تأخرتُ‭ ‬عن‭ ‬موعدي‭..‬

وتنادي‭ ‬الهداهدَ‭.. ‬ثم‭ ‬تسابقهن‭ ‬إلى‭ ‬غابة‭ ‬الأقحوانْ‭..‬

تبدأ‭ ‬الشدوَ‭ ‬والنقرَ‭ ‬فوق‭ ‬زجاجِ‭ ‬النوافذِ،

حتى‭ ‬أفيقَ‭ ‬وأخرج‭ ‬للعشبِ‭..‬

تبدأ‭ ‬أصبوحةَ‭ ‬اللهوِ،‭ ‬والوثبِ‭ ‬فوق‭ ‬غصون‭ ‬الأَكَسْيا‭..‬

وتحسو‭ ‬رحيقَ‭ ‬العناقيدِ‭ ‬زاهيةِ‭ ‬الأُرجوان‭..‬

ثم‭ ‬تنقضُّ‭ ‬فوق‭ ‬النجيل،‭ ‬كعاصفةٍ‭..‬

أو‭ ‬ترفرف‭ ‬ناعسةً‭ ‬نحوهُ،

كسقوط‭ ‬الوريقات‭ ‬من‭ ‬فرعها‭ ‬في‭ ‬الخريفِ‭..‬

وتقفز‭ ‬مسرعة‭ ‬تارة‭ ‬للأمامِ،‭ ‬ومبطئة‭ ‬تارةً‭..‬

تتوقف‭.. ‬ثم‭ ‬تميل‭ ‬على‭ ‬رِسْلها‭ ‬للحوافِّ‭ ‬الظليلةِ،

مثل‭ ‬الوريقاتِ،

يغدو‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬يروح‭ ‬النسيمُ‭ ‬الرقيقُ‭..‬

ويوقفها‭ ‬حائط‭ ‬البَيلسانْ‭..‬

‭***‬

غرِّدي‭.. ‬غردي‭ ‬يا‭ ‬عصافيرُ

ترجعْ‭ ‬هنا‭ ‬صاحباتُ‭ ‬الطفولةِ،

مثل‭ ‬الفَراش‭ ‬المرفرفِ‭..‬

يرفلن‭ ‬في‭ ‬أرجِ‭ ‬الفلَّ،‭ ‬و«الموسيلِّينَ‮»‬‭ ‬الشفيفِ‭..‬

صبايا‭ ‬كما‭ ‬كُنَّ‭..‬

أصواتُهنِّ‭ ‬كما‭ ‬كنَّ‭ ‬حنينِ‭ ‬الكمانْ‭..‬

‭***‬

غردي‭ ‬يا‭ ‬طيور‭ ‬يَعُدْ‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬المنونِ‭ ‬أبي،

ثم‭ ‬يصعد‭ ‬إلى‭ ‬سطح‭ ‬بيتي‭.. ‬ويُثْنِ‭ ‬على‭ ‬طفله،

‭- ‬وهو‭ ‬يُلقي‭ ‬الطعام‭ ‬لسرب‭ ‬العصافير‭ - ‬مبتسمًا‭..‬

والدي‭ ‬أسد‭ ‬الثغر‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬جاء‭ ‬بهذا‭ ‬الحنانْ؟‭!‬

غرِّدي‭ ‬يَتَبَدَّ‭ ‬هنا‭ ‬صامدًا‭ ‬كالصخورِ‭..‬

ومنتصبًا‭ ‬كالجبالِ‭..‬

يقول‭ ‬وهم‭ ‬يقبضون‭ ‬عليه،‭ ‬ودمعي‭ ‬يسيلُ‭:‬

‮«‬أنا‭ ‬ذاهبٌ‭ ‬كي‭ ‬تعيشَ‭ ‬عزيزًا‭..‬

فكن‭ ‬رجلاً‭! ‬لا‭ ‬تُرِ‭ ‬الدمعَ‭ ‬للغاضبينَ‭..‬

يفِرُّون‭ ‬من‭ ‬بأسِنا‭ ‬ذاتَ‭ ‬يومٍ،

وأرجع‭ ‬كالفجر‭ ‬لما‭ ‬يَئينُ‭ ‬الأوانْ‭!‬‮»‬‭.‬

يا‭ ‬أبي‭ ‬يا‭ ‬أبي‭.. ‬يا‭ ‬حبيبي‭.. ‬يا‭ ‬نجمَ‭ ‬عمري‭ ‬البعيدَ‭..‬

تعالَ‭.. ‬تعالَ‭.. ‬تعالَ‭ ‬لثانيةٍ‭.. ‬ستراني‭ ‬كما‭ ‬شئتَ

منتصبًا‭ ‬كالجبالِ‭..‬

سأخفي‭ ‬دموعَ‭ ‬الحنين‭ ‬إليكَ‭..‬

الفِراق‭ ‬يَشُبّ‭ ‬سعيرًا‭ ‬بقلبي‭..‬

لقد‭ ‬طالَ‭.. ‬طالَ‭ ‬عليه‭ ‬الزمانْ‭..‬