أمين معلوف ومِنَح الصلح

أمين معلوف ومِنَح الصلح

روى الكاتب اللبناني - الفرنسي الكبير أمين معلوف أنه التقى مرة في شبابه بالمفكر الكبير منح الصلح أمام سور الجامعة الأمريكية في بيروت. كان أمين يومها في حدود العشرين من عمره، وكان يعرف أن آل الصلح، ومنهم منح، تربطهم صلة وثيقة بأسرته وخاصة بوالدة الشاعر رشدي المعلوف. لذلك كان من الطبيعي أن يسأل كل منهما الآخر عن أخباره. وقد فوجئ منح الصلح عندما قال له أمين إن لديه مشروع زواج قريبًا من صديقة له في مثل سنه. وعندما صمت منح ولم تظهر على وجهه أسارير الراحة للخبر، سأله أمين عن رأيه بالزواج، فقال له الصلح: «الزواج مؤسسة سيئاتها أكيدة وحسناتها مشكوك فيها».

ويبدو أن أمين معلوف كان عاقد العزم يومها على الزواج، فلم يكن أحد قادرًا على ثنيه عنه، لا الصلح ولا كل الفلاسفة وعلماء الاجتماع. ولكنه قال لي مرة إنه إلى اليوم مازال يضحك كلما تذكر رأي منح الصلح بالزواج. ولكن الزواج حتى ولو كانت سلبياته أكيدة وإيجابياته مشكوكًا فيها، مازال يلقى رواجًا كبيرًا إلى اليوم في بيئات كثيرة، وفي العالم الثالث بوجه خاص.

فالكثيرون يقبلون عليه بشغف وإن ارتدّ بعضهم عنه خائبين مقسمين بأنهم لن يكرروها مرة أخرى.

على أن من الناس من يقاوم فكرة الزواج، ويقسم بأن مقاومته لها لا تراجع فيها، ولكنه يتراجع مع الوقت. من ذلك ما روته لي سيدة من الجبل عن جار لها أدار ظهره حينًا طويلا للزواج، مصرا على أن يبقى عازبا، إلى أن كان يمضي سهرة ذات ليلة في منزل صديق له، حيث تعرف إلى فتاة سلبت لبّه بشكلها ومضمونها. عند ذلك، والسهرة لم تنته بعد، استأذن مغادرا على عجل إلى منزله، حيث تقيم معه والدته الطاعنة في السن التي كانت تحضه في الماضي على الزواج دون جدوى. قال لها وهو مازال يلهث من السير إنه تعرف إلى فتاة وقعت موقعا حسنا في قلبه، وإنه يريد منها أن ترافقه الليلة إلى منزل أهلها لإتمام العقد. سألته الأم التي كانت تغط في نومها: كم الساعة الآن؟ فأجابها: إنها في حدود الواحدة، وعندما اقترحت أمه أن يؤجل الأمر إلى الغد، هتف وكان لايزال يلهث: «الليلة! الليلة».

ولكن الزواج حتى لو كان مؤسسا على علاقة عاطفية قوية، كثيرا ما يفرط من أول الطريق، فكأن مجرد نقل الفكرة إلى عالم الواقع، يعني وضع حد له. فهل الزواج - تأسيسا على ذلك - عدو لدود للحب؟ فإذا سكن الإلف إلى إلفه، ارتجف الحب من البرد ومات من السكتة القلبية، وراح كل من العاشقين السابقين «يفتش عن حب جديد»، على حد تعبير فيروز في أغنيتها الشهيرة.

ولكن من الزواج ما قاوم عوامل البلى وانتصر عليها. 

وهو ينتصر بالفعل إذا كان مبنيًا على ألفة روحية وعاطفية عميقة، وكان الإلفان عارفين مسبقا بمزالق الطريق ومشقاتها. من ذلك أن تكون رفيقة الدرب ذات عقل كبير وأفق واسع، فلا تسقط بسرعة في فخ الغيرة عند مصادفة أول فخ، ولا تستسلم للخمول، وما أكثر دواعيه وأسبابه، ولا تفقد بخاصة غوايتها السابقة، معتبرة أنها تزوجت وانتهى الأمر .