متحف بيناكي للفن الإسلامي في أثينا
تكاد تتفرد اليونان بين البلدان الأوربية بإقامة متحف مخصص لفنون العالم الإسلامي، والحق أنها تجربة تستحق الثناء والتقدير؛ وذلك على خلاف الشائع في المتاحف العالمية، حيث تعرض التحف الإسلامية في أجنحة خاصة، أو بين المقتنيات الأخرى. ومتحف بيناكي يُعرف باسم مؤسسه أنطونيوس بيناكي (1873-1954م)، أحد أفراد العائلة الشهيرة بتجارة القطن في مدينة الإسكندرية، وبدأ في تكوين مجموعته الفنية أثناء وجوده في الإسكندرية أواخر القرن التاسع عشر، وكان جلّ اهتمامه مركَّزا على التحف الخشبية، والخزفية، والمنسوجات، والمشغولات المعدنية، واللوحات الفنية، والأسلحة الحربية الشرقية، فلم يُعن كثيرا بجمع المخطوطات والكتب المزينة بالصور.
بعد عودة بيناكي الدائمة إلى أثينا قام بتأسيس المتحف وتم افتتاحه في العام 1931م، حيث عرضت فيه التحف الإسلامية بجانب مجموعة فنية ترجع إلى تراث مدن حوض البحر المتوسط الإغريقي- الروماني، وتوزعت المعروضات على غرفتين في الطابق الأرضي، وغرفة بالطابق الأول، والزائر للمتحف في هذا الوقت كان يرى التحف مرتبة وفق نوعها، مع عدم الإشارة إلى موطن التحفة أو الحقبة التاريخية التي ترجع إليها. استمر بيناكي بعد تأسيس المتحف في شراء التحف، ففي سنة 1948م قام بشراء 35 قطعة فنية تمثل روائع فن الحفر على الخشب من العصرين الفاطمي والمملوكي. وثماني قطع نادرة من الخزف الفاطمي. مع مرور الوقت زادت المقتنيات الإسلامية بالمتحف، سواء بالإهداء أو الشراء، حتى بلغت الآن ما يربو على ثمانية آلاف قطعة، فقرر مجلس أمناء المتحف تخصيص مبنى منفصل لها يتكون من أربعة طوابق، يقع بمنطقة كيراميكوس وسط أثينا؛ افتتح في العام 2004م، ورتبت المعروضات فيه زمنيا، فيختص كل طابق بفترة زمنية معيَّنة في تاريخ الفن الإسلامي.
التحف الخزفية
وهي مجموعة رائعة من الخزف ذي البريق المعدني، بعضها يرجع للعصر العباسي، منها قطعتان تتسمان بالندرة من مدينة سامراء، عبارة عن سُلطانية، وطست ذي خلفية زرقاء، ومن الخزف الفاطمي طبق يرجع إلى زمن الخليفة الحاكم بأمر الله (القرن 5هـ/11م)، يحمل اسم صانعه مسلم بن الدهان، وطبق كبير مزين بكتابات بالخط الكوفي على سطح أبيض، عبارة عن أدعية بالحظ السعيد والبركة لصاحبها، ومجموعة من أواني المرمر، كانت تستخدم لحفظ الطعام، مزينة بزخارف آدمية وحيوانية؛ ومجموعة آنية فخارية، مزينة بطلاء مزجج ترجع للقرن 4هـ/10م، موطنها مدينتا الفيوم والفسطاط. وعموما كانت زخارف هذه القطع مستمدة من التراث المصري، مثل رسوم الطيور، والأرانب البرية، والسمك، وأرضية التحف تزدان بعناصر زخرفية ثانوية، عادة هي مناظر تمثِّل حياة البلاط، ومجالس الشراب والطرب. ومن الخزف الفارسي مجموعة ترجع للعصر السلجوقي، مغطاة بطلاء مزجج، موطنها مدينة قاشان، مركز هذه الصناعة، منها دوارق وأطباق، تزدان بزخارف نباتية وحيوانية، ورسوم حيوانات أسطورية كالعنقاء والتنين، ومجموعة من الخزف المعروف باسم «مينائي»، وهو خزف شعبي كان ذائعا في هذا الوقت، وعُثر على هذه القطع في التنقيبات الأثرية بقصور الإيلخانيون. أما القطع الخزفية من سورية ومصر خلال العصر المملوكي، فكانت زخارفها ورسومها عبارة عن الرنوك أو شارات السلاطين والأمراء، منها سُلطانية مزينة بشارات النسر والأسد والنبلة، بجانب مجموعة من الأواني يغلب على زخارفها الطابع الهندسي، مدهونة بالأزرق والأسود على خلفية شفافة مزججة، وكانت مدن الفسطاط ودمشق والرقة من أشهر مراكز هذه الصناعة. ومن التحف الخزفية العثمانية مجموعة ذات قاع عميق وأرضية زرقاء، تزدان بمراوح نخيلية، وتأخذ أشكالا متنوعة، ومجموعة من البلاطات الخزفية كانت تستخدم في تغطية جدران المساجد والمحاريب، مزينة برسوم الحرمين الشريفين والحجر الأسود، وكانت مدينة «إزنك» مركز هذه الصناعة.
الزجاج والعاج
مجموعة الزجاج بالمتحف بعضها وصل إلينا من خزائن الفاطميين، منها تحفة من البللور الصخري وكوب من الزجاج المشطوف، ومرآة من الفضة مزينة بالكتابات الكوفية. تحف زجاجية أخرى جاءت من التنقيبات الأثرية بمدينتي الفسطاط وسامراء، أغلبها كان يستخدم في الأغراض المنزلية، ومن العصر المملوكي تُعرض مشكاة مموهة بالمينا، مؤرخة بمنتصف القرن 8هـ/14م، تحمل نقوشا كتابية باسم السلطان المملوكي الأشرف علاء الدين كجك بن الناصر محمد بن قلاوون. أما التحف العاجية فمنها قطعتان ذات حجم كبير ترجعان للقرن 2هـ/8م، جاءت من قصور الأمويين في سورية، قطع أخرى من العاج ترجع للعصر الفاطمي، مزينة بصور عازفين، منها علبة كانت تستخدم لحفظ الكُحل، وأشكال عرائس، وعدد من علب حفظ الجواهر والأشياء الثمينة، بعضها موطنه صقلية تزدان بزخارف مذهَّبة وطيور.
الخشب والرخام
مجموعة التحف الخشبية بالمتحف معظمها يرجع إلى العصر الفاطمي في مصر، وهي فترة بلغت فيها فنون الخشب درجة كبيرة من الروعة والإتقان، منها عدد من الألواح الخشبية والأفاريز، مصدرها مساجد القاهرة، مزينة بنقوش كتابية بالخط الكوفي المُزهر، وألواح أخرى مُزينة برسوم حيوانية وطيور موزعة على الزخارف النباتية، لكن من أندر التحف الخشبية في متحف بيناكي باب خشبي عُثر عليه بالقرب من بغداد، ومؤرخ بمنتصف القرن 2هـ/8م، يُمثل روعة فن الحفر على الخشب في الطراز الأموي بالعراق، ومُزين بالزخرفة المعروفة بشجرة الحياة، بجانب بعض الحشوات الخشبية من مدينة سامراء، وعلى الأرجح مصدرها الجوسق الخاقاني الذي شيده الخليفة المعتصم. من فنون الرخام يُعرض محراب مصدره أحد مساجد إيران مؤرخ بالقرن 6هـ/12م، ومزين بأشكال عقود معمارية ومشكاة، بجانب ألواح رخامية من عمائر العصر المملوكي بالقاهرة، منها أجزاء من نافورة، وواجهات منازل.
الكتب المخطوطة
منها مخطوطات قرآنية مؤرخة بالقرن 3هـ/9م، موطنها المغرب، مكتوبة بالخط الكوفي على الرَّق؛ وجزء من غلاف كتاب مذهَّب ومزيَّن بزخارف هندسية، ربما وصل إلينا من بقايا الكتب التي كانت بخزائن الفاطميين، بجانب بعض الرسوم التخطيطية الأولية المُعدة للتنفيذ على الخشب والملابس والتحف المختلفة. من المخطوطات الأخرى نسخة من تفسير القرآن للإمام الزمخشري المعروف بالكشاف، مؤرخة سنة 747هـ/1346م. ومن الكتب المزينة بالصور (المنمنمات) تعرض نسختان من ملحمة «الشهنامة» للشاعر الفردوسي، ونسخة من ديوان «خمسة» للشاعر نظامي الكنجوي، مؤرخة بمنتصف القرن 10هـ/16م.
المنسوجات
يقتني المتحف مجموعة من المنسوجات النادرة المعروفة بنسيج الطراز، من العصرين العباسي والفاطمي، منها قطعتان من الكتان، صنعت في مصر، ومطرزة بنقوش كتابية، عبارة عن أسماء الخلفاء العباسيين، المُعتصم بالله، والمُطيع لله، وتمثِّل هذه القطع آخر المنسوجات التي عُملت في مصر باسم خلفاء الدولة العباسية، قبل دخول الفاطميين. قطعة طراز أخرى كانت تستخدم كعمامة، مُزينة بنقوش كتابية بالخط الكوفي المُزهر، عُملت بمدينة تنيس في دلتا مصر، بأمر الخليفة الفاطمي العزيز بالله.
المشغولات المعدنية
ترجع التحف المعدنية بالمتحف إلى حقب ومناطق جغرافية مختلفة، منها شمعدان من النحاس المُكفت، وهو نموذج رائع يحمل توقيع صانعه «علي بن عمر بن إبراهيم السنكاري الموصلي» مؤرخ سنة 717هـ/1318م، ويزدان برسوم آدمية، ورموز بعض الأبراج السماوية، وزوجين من الطيور، وعُمل هذا الشمعدان لسلطان الأراتقة في ماردين. ومن التحف المملوكية صينية من النحاس المُكفت بالذهب والفضة، عُملت للسلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 730هـ/1330، ونُقش اسمه بالذهب في منتصف الصينية، يوجد أيضا سُلطانِية وإبريق تحملان اسم الناصر محمد. لكن من أروع التحف المملوكية سُلطانية كبيرة تحمل رسوم الأمراء المماليك في مجموعتين بين يد السلطان، يحمل كل منهم «رنّك» أو شارة الوزارة أو المهام التي يتولاها، منها رمز الكأس والصولجان وعصا البولو والسيف والإوزة وقطعة من النسيج. سُلطانية أخرى مؤرخة بنهاية القرن 7هـ/13م موطنها سورية، تحمل رسوما تمثِّل لعبة البولو، إحدى الألعاب الشائعة في العصر المملوكي، عُملت للأمير سنقر الأعسر، وبعد وفاته انتقلت إلى حوزة ابنته فاطمة. من التحف المملوكية الأخرى صندوق أسطواني الشكل، يزدان بمناظر تمثل مجلس طرب، وعلبة من النحاس تحمل توقيع الصانع «إسماعيل بن ورد الموصلي»، وشمعدان نحاس مُكفت من الحجم الكبير كان السلطان الأشرف قايتباي قد وقفه على الحرم النبوي بعد ترميمه وإصلاحه سنة 886هـ/1482م. ومن فنون اليمن المعدنية يعرض سلطانِية من النحاس مُكفتة بالفضة، ومزينة بمنظر بلاط ملكي، وتحمل اسم ملك بني رسول، ومن العصر الأيوبي مقلمة من النحاس مؤرخة سنة 614هـ/1218م، تحمل اسم السلطان الأيوبي العادل أبوبكر.
وفي أواخر العصر المملوكي كانت المشغولات المعدنية تُعمل من النحاس المطلي بالقصدير، عوضا عن النحاس المُكفت بالذهب والفضة؛ نظرا للحالة الاقتصادية في هذا الوقت، فلجأ المزخرفون إلى أسلوب الحفر بدلا من التكفيت بالمعادن النفيسة، من هذه التحف ست صينيّات مُزينة بزخارف هندسية ونباتية، ونقوش كتابية بالخط الكوفي، عبارة عن أدعية لصاحبها، وتحفة عبارة عن صندوق كان يستخدم لحمل الطعام في السفر والحروب، عُمل لأمير مملوكي، وهو فريد في شكله وحجمه. قطع أخرى عبارة عن طست وسُلطانية تحملان شعار السلطان الأشرف قايتباي، وسُلطانية من النحاس مُزينة بكتابات، وشعار المقلمة رمز كاتب الإنشاء في الدولة المملوكية. مجموعة المعادن الأخرى بعضها يرجع إلى إيران وتركيا، وقد استبدل الصناع الإيرانيون أيضا التكفيت بالذهب والفضة بزخرفة الأرابسك والنقوش الكتابية من الأشعار الفارسية، منها إبريق وطبق يرجعان إلى أواخر القرن 9هـ/15م، من مدينة هراة (أفغانستان حاليا)؛ وسُلطانية تأخذ شكلا نصف دائري، ومشعل عمودي مُزين بمنظر طرب ورقص، يرجع إلى العصر الصفوي.
الآلات الفلكية
يقتني متحف بيناكي من الآلات الفلكية «إسطرلاب» فريد من نوعه في العالم، وأكثر صعوبة أيضا في استخدامه، صنعه أحمد بن السراج في حلب سنة 729هـ/1329م، لمحمد بن محمد التنوخي، وتملَّك هذا الإسطرلاب العالم الفلكي المصري عبدالعزيز الوفائي في العصر المملوكي، وعندما وجده شديد التعقيد، قام بكتابة رسالة لكيفية استخدامه، محفوظة الآن بجامعة برنستون الأمريكية، والمعروف أن المسلمين كانوا يستخدمون الإسطرلاب في العديد من الأغراض الفلكية، منها تحديد مواقيت الصلاة واتجاه القبلة. مجموعة أخرى من الآلات الفلكية والأواني السحرية، موطنها إيران وتركيا والهند، منها بوصلة من الفضة تحمل اسم الصانع «محمد تيمور» وإسطرلاب من النحاس، يحمل اسم صانعه «حاج علي» ومؤرخ سنة 1207هـ/1792م، وكلاهما من إيران، وبوصلة من تركيا، ترجع إلى القرن 13هـ/19م، تحمل أسماء ثماني وعشرين مدينة في الإمبراطورية العثمانية، بجانب مجموعة من الأختام والأواني تستخدم بغرض الحماية من السحر والحسد، مزينة بكتابات عبارة عن آيات قرآنية وأدعية .
خامات مقتنيات المعرض من الخزف والزجاج والعاج والخشب والرخام والمعادن تنتمي لأساليب وعصور مختلفة, كما تحمل نقوشا وكتابات تاريخية
ترجع التحف المعدنية بالمتحف إلى حقب ومناطق جغرافية مختلفة، منها شمعدان من النحاس المُكفت، وهو نموذج رائع يحمل توقيع صانعه «علي بن عمر بن إبراهيم السنكاري الموصلي» مؤرخ سنة 717هـ/1318م، ويزدان برسوم آدمية، ورموز بعض الأبراج السماوية، وزوجين من الطيور،
تدل مقتنيات المتحف على استخدام الفنان للغة الإبداع الفريدة والخاصة في أدوات الحياة اليومية
يرجع بعض هذه المجموعة الخزفية إلى العصر العباسي ومنها قطعتان نادرتان من مدينة سامراء