أغاريد لا تهجرها الأرصفة
(1)
هَمْسُ النَّدَى الشَّادي
بِأَسْمَاءِ الْعَذَارَى
كَان رَقْرَاقاً، وَمَيْسوراً،
يُدَنْدِنُهُ هُدَى ضَوْءِ الْفَوَانيسِ
الَّتي انْسَكَبَتْ بِبَسْمَتِهَا السُّطورُ
عَلَى النُّحورِ،
وَكَانَ صَفْوُ سُلَافَةِ
الْكَلِمَاتِ
يَشْرَبُ مِنْ شِفَاهِ اللَّيْلِ
وَشْوَشَةَ الشُّروقِ،
وَكَانَ آدَمُ يَلْتَقي حَوَّاءَ،
وَالْحَوَّاءُ كَانَتْ تَلْتَقي
جِسْرَ الْبَرَاءَةِ في جَدْاوِلِ آدَمِ
الْمَحْمودِ، وَالْمَعْمودِ،
وَالْمَنْشودِ
والـْ،
لَمْ يَأْكُلِ النِّصْفَانِ مِنْ
شَجَرٍ جَحودٍ،
في جِنَانِ الرِّيفِ يُثْمِرُ سَوْأَةً،
لَمْ يَخْصِفَا وَرَقاً،
فَمَسَّ مَرَامَ بَابِ السَّتْرِ بَعْضٌ
مِنْ رَذَاذِ الْحُلْمِ
وَابْتَكَرَ الْمُخَضَّبُ بِالرِّسَالَةِ
رِحْلَةَ الْأَشْيَاءِ
لِلْأَشْيَاِء
مِنْ حَرْفٍ جَديدْ
(2)
وَ«أَنَا» الطُّفولَة
لَا تَغيبُ عَنِ الطُّفولَة
في أَغَاريدِ الْغَيَارَى الْقَادِمينَ
عَلَى بِسَاطِ الرِّيفِ،
أَوْ فَوْقَ الْأَعَاصيرِ الَّتي تَدْنو،
وَلَا تَدْنو لِثَقْبٍ مِنْ ثُقُوبِ الرَّيْبِ
أَوْ فَوْقَ اسْتِغَاثَاتِ النَّدَى
لكِنَّ بَوْحَ الْمَاءِ
يُلْهِمُهَا مِنَ الْأَشْوَاقِ
مَا تَغْفو بِهِ بَيْنَ الْفَسيلِ،
وَبَيْنَ أعرَاسِ الْسِّلَالِ،
وَفَوْقَ أَفْوَاجِ الْبَيَادِرِ،
أَوْ عَلَى سِرْبٍ
مِنَ الصِّفْصَافِ
مَجْنونٍ بِسَاقِيَةٍ،
وَمَا تَرْسو بِهِ
فَوْقَ ابْتِهَالَاتِ الْعَنَاوينِ
الَّتي سَجَدَتْ،
وَطَرَّزَهَا الصِّبَا صَبْراً،
فَرَفْرَفَ في ذُؤابَةِ نَجْمِةِ،
أَوْ طِفْلَةٍ،
مَوَّالُ عيدْ
(3)
وَهَديلُ أَرْصِفَةٍ
يُلَمْلِمُ عِفَّةَ الْأَصْوَاتِ
لَيْلاً
كَيْ يُسَافِرَ في سُؤالِ وُرَيْقَةٍ
عَطْشَى
وَتَنْتَظِرُ انْهِمَارَ الْغَيْبِ
في كَفَّيْ،
وَفي عَيْنَيْ خَرَائِطِهَا
الَّتي رَسَمَتْ سَنَابِلَهَا
تَجَاعيدُ الشُّيوخِ عَلَى رُفوفِ
اللَّامَكَانِ،
وَفَوَق أَضْلَاعِ الصَّرَائِفِ،
أَوْ عَلَى
بُشْرَى حِكَايَاتِ الْمَوَاقِدِ،
فَاْنْتَشَى الرَّيْحَانُ بِالْقَبَسِ
الْمُخَبَّأِ بِالنُّفُوسِ،
أَوْ الْمُخَبَّأِ بَيْنَ أَجْرَاسِ الْمَطَارِقِ،
وَالْفُئوسِ
أَوْ الَّذي تَأْتي
بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ
زَمَنٍ وَليدٍ
أَوْ بَعيدْ
(4)
لَا
لِلْهَجيرةِ تُنْشِدُ الْأَفْيَاءُ
لِلْأَحْيَاءِ،
أَسْوَارٌ مِنَ السَّعفِ الْمُقَفَّى
تَشْرَئِبُّ،
يُزَغْرِدُ الْبِرْحِيُّ في حَفْلِ
الْفَسَاتينِ الَّتي سَكَرَتْ بِلَحْنِ قُنُوتِهِ
وَتَرَاقَصَتْ،
وَتَغَنَّجَتْ،
وَقَوَافِلُ الْوَرَعِ الْمُتَيَّمِ بِالشَّذَا
تَتَلَقَّفُ الْأَنْوَارَ
مِنْ وَهَجِ الْقَرَاطيسِ
الَّتي يَرْنو إِلَيْهَا الْكَوْكَبُ
الْمَخْبوءُ
في أَهْدَابِ نَافِذَةٍ
تَمُرُّ مَوَاكِبُ الْبَرَكَاتِ
مِنْهَا لِلسَّمَاءِ
بِنِيَّةِ الرُّجْعَى
غَدَاً مِنْهَا بِميلَادٍ سَعيدْ
(5)
شَمْسٌ تَغيبُ
وَلَا يَغيبُ الدِّفْءُ عَنْ
بَوْحِ الشَّواطِئِ
وَهْوَ يَنْحَتُ في الرِّمَالِ
مَنَاسِكَ الْوَجَعِ الَّذي
يَتَوَسَّدُ الصَّمْتَ
الْمُضَمَّخَ بِالنُّضَارِ،
أَوْ الْغِبَارِ،
وَلَا يَغيبُ الصَّوْتُ عَنْ
زَجَلِ الزَّوَارِقِ،
وَهْيَ تَحْتَضِنُ الْهَيَامَ،
فَيَرْقُصُ الْقَصَبُ احْتِفَاءً
بِالمَشَاويرِ
الَّتي تَلْهو بِهَا الْأَمْوَاجُ
بَيْنَ جَوَىً،
وَغيدْ
(6)
فَجْرٌ يُطِلُّ،
فَتَشْرَبُ الْأَرْيَاُفُ صَوْتَ
أَذَاِنِه،
وَتُكَبِّرُ الْأَصْدَافُ،
وَالْمَحَارُ يَفْتَحُ لِلَّآلِئ صَدْرَهُ
وَتُبَسْمِلُ الْأَنْهَارُ،
وَالبَرْدِيُّ يَخْفِقُ قَانِتاً،
وَتُسَبِّحُ الْأَشْجَارُ،
وَالْأَزْهَارُ،
وَالْآيَاتُ تَنْشُرُ في
الْأَزِقَّةِ حُجَّةً
تَسْتَافُهَا الْأَكْوَاخُ بِالصَّلَوَاتِ،
كَانَ نِدَاءُ صُبْحِ الْعُمْرِ
يَرْتَشِفُ النَّهَارَ بِكَأْسِ أُنْثَى،
تَسْتَعيرُ الْعُذْرَ مِنْ
مَاضٍ تَدَبَّرَهَا
وَمِنْ غَدِهَا الَّذي
وَصَفَتْهُ أَفْلَاكٌ،
وَبَارَكَهُ الدُّعَاءُ،
وَخَطَّهُ وَحْيٌ،
وَكَانَ هُوَ الشَّهيدْ
(7)
لَيْلٌ يَنَامُ
عَلَى مَنَاسِكِ سَهْرَةٍ
بَيْضَاءَ
تَحْرُسُهَا سَجَايَا الْقَمْحِ
مِنْ صَدَأِ الرَّحيلِ
فَيَنْزَوي أَلَمُ الْمَسَافَةِ
بَيْنَ مَنْ بَسَطَ الْيَدَيْنِ
نَدَىً
وَمَنْ حَمَلَ الرِّضَا كَنْزاً
يُطَرِّزُ جَبْهَةَ الْفُقَرَاءِ
في طُرُقَاتِ
مَنْ يَمْضونَ لِلْفِرْدَوْسِ
بِالتَّقْوَى
عَلَى لَوْحٍ مِنَ الْحُسْنَى،
فَيَفْتَرُّ الْغَمَامُ عَلَى
سُفوحِ الرُّوحِ
يَسْقيها زُلَالَ مَؤونَةِ الْعُقْبَى،
وَيَسْكُبُ لَهْفَةَ الْمَعْنَى
عَلَى النَّشْوَانِ بالذِّكْرَى
إِذَا نَادَى بِهَا
هَلْ مِنْ مَزيدْ؟
(8)
أَمَلٌ يُرَدِّدُهُ الْحُفَاةُ
أَوْ الرُّعَاةُ:
بَلَى، غَداً،
سَيَعودُ مَوْسِمُهَا
الَّذي مُذْ غَادَرَتْ عَيْنَاهُ
ريفَ الرُّوحِ
غَابَتْ بَسْمَةٌ قُرَوِيَّةٌ
عَنْ وَجْهِهَا الْقَمَرِيِّ،
فَاحْتَفَلَتْ
وَأَشْعَلَتِ الشُّمُوعَ بِحَضْرَةِ الْآسِ،
اسْتَفَاقَ الْوَرْدُ
مَذْعوراً بِفِضَّةِ خَدِّهَا
وَاغْرَوْرَقَ الْخِصْرُ الْمُهَفْهَفُ
بِالصَّهيلِ،
تَزَاحَمَتْ بِظُنُونِ لُجَّةِ صَدْرِهَا
لُغَةُ الرَّفيفِ،
فَكَيْفَ،
كَيْفَ سَتَلْتَقي،
وَبِأَيِّ دُنْيَا
ذلِكَ الْمَغْروس في أَعْوَامِ غُرْبَتِهَا
بِنِيَّةِ آيَةٍ كُبْرِى،
يَمَسُّ حُروفَها قَلْبٌ عَميدْ .