إشبيليـة.. جــوهـرة الأندلـس

إشبيليـة.. جــوهـرة الأندلـس

عرفت‭ ‬إشبيلية،‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬الطويل،‭ ‬غزاة‭  ‬وفاتحين‭ ‬قدموا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬كثيرة‭, ‬منهم‭ ‬الفينيقيون‭ ‬والإغريق‭ ‬والقرطاجنيون‭ ‬والقوط‭ ‬والفاتحون‭ ‬المسلمون،‭ ‬وقد‭ ‬ترك‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬آثارهم‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬بحيث‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬صروف‭ ‬الدهر،‭ ‬وهي‭ ‬كثيرة،‭ ‬من‭ ‬محوها‭ ‬أو‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭. ‬لهذا‭ ‬ظل‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬إشبيلية‭ ‬دخولاً‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬كثيرة‭: ‬متجاورة‭ ‬حينًا‭, ‬متراكبة‭ ‬حينًا‭ ‬آخر،‭ ‬خفية‭ ‬مرة،‭ ‬واضحة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.. ‬وهذه‭ ‬العصور‭ ‬التي‭ ‬تمثّل،‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬كيان‭ ‬المدينة،‭ ‬وذاكرتها‭ ‬الذاهبة‭ ‬بعيدًا‭ ‬في‭ ‬الزمن‭. ‬لكن‭ ‬إشبيلية‭ ‬التي‭ ‬استضافت،‭ ‬خلال‭ ‬عمرها‭ ‬الطويل،‭ ‬حضارات‭ ‬كثيرة‭ ‬وثقافات‭ ‬مختلفة‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬أبدًا‭ ‬روحها‭ ‬المتوسطية‭ ‬وملامحها‭ ‬الشرقية‭. ‬فهي‭ ‬من‭ ‬أقرب‭ ‬مدن‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب،‭ ‬رفدته‭ ‬واسترفدته،‭ ‬أخذت‭ ‬منه،‭ ‬وأعطته،‭ ‬فتاريخها‭ ‬ظل،‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬ألفي‭ ‬سنة،‭ ‬موصولاً‭ ‬به‭, ‬لهذا‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬إشبيلية‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الجنوب،‭ ‬ونجد‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬إشبيلية‭.‬

 

لكن هذا لا يعني أن إشبيلية أهملت الحضارات الأخرى التي عرفتها، كلا، كل حضارة تركت شيئًا في هذه المدينة، قد يكون في المعمار أو في اللغة أو في أساليب العيش، فهيسباليس، كما كان يسميها الرومان، لا تنسى، إنها تحتفظ، من كل عصر من عصورها ببعض الشواهد، ببعض المعالم، ببعض الرموز, تفاخر بها مدن إسبانيا الأخرى.

 

المدينة‭ ‬المتاهة

كان الوصول إلى مطار إشبيلية في وقت متأخر من الليل، والحافلة التي أقلّتنا إلى الفندق قطعت الطريق بسرعة فائقة. فلم نشاهد، من المدينة، غير شوارعها المستقيمة، وبناياتها الشاهقة، بحيث بدت، للوهلة الأولى، مدينة شبيهة بالمدن الأوربية الأخرى.

لكن لقاءنا الأول بالمدينة كان في الصباح حين غادرنا الفندق وسرنا بعض الأمتار. كان اللقاء مدهشًا، إذ وجدنا أنفسنا، فجأة داخل المدينة العتيقة. أزقة متداخلة، متشابكة يفضي بعضها إلى بعض. تعلوها المشرببيات الخشبية وتزيّنها أصص الأزهار المعلّقة فوق جدرانها. لابد وأنت تتوغّل في هذه المتاهة من الدروب الضيقة أن تتذكّر مدن فاس والقيروان ودمشق، فالروح واحدة، وإن اختلفت الملامح والأشكال.

هذه الأزقة تتخللها ميادين صغيرة تحيط بها محال بيع المراوح التي حذق أهل إشبيلية صناعتها.. مراوح أنيقة تنمّ عن رهافة في الذوق. هذه المراوح لا تستخدمها النساء الإشبيليات لاستجلاب الهواء عند اشتداد الحر بقدر ما يستخدمنها للزينة، تمامًا مثل الحلي والثياب ذات الذيول الطويلة، وفوق هذا تعد المروحة رمزًا للانتماء إلى الأندلوثيا، أي المناطق الإسبانية الجنوبية، وأفخر أنواع المراوح هي التي تصنع في إشبيلية بتعاون أطراف عدة منها الفنانون الذين يضعون عليها بعض رسومهم ممهورة بتوقيعاتهم.

لكن الأهم من كل ذلك أن المروحة أداة تواصل وحوار بين العشاق.. وفي إشبيلية يتحدث الناس عن لغة المروحة، فانغلاقها أو انفتاحها وإمساكها باليد اليمنى أو اليسرى ووضعها على الصدر أو على الكتف.. كلها رموز يعرف تأويلها العاشق الإشبيلي. فالمروحة تتكلم حين يعجز العشاق عن الكلام تهيبًا أو خوفًا.

تجرفك أمواج السيّاح إلى حيث لا تعلم تستسلم إلى هذه الأمواج، تمضي على غير هدى إلى أن تجد نفسك في قلب المدينة التاريخية أمام معالم المدينة الباهرة.

 

الخيرالدا‭ ‬أو‭ ‬صومعة‭ ‬المنصور

كانت إشبيلية عندما فتحها موسى بن نصير سنة ثلاث وتسعين للهجرة على حد عبارة ابن حيان «أعظم مدائن الأندلس شأنًا، وأعجبها بنيانًا، وأكثرها آثارًا، وكانت دار الملك قبل القوطيين، فلما غلب القوطيون على ملك الأندلس، حوّلوا السلطان إلى طليطلة، وبقي رؤساء الدين فيه». أقيمت هذه المدينة، على حد عبارة الجغرافيين القدامى في أرض كريمة التربة، دائمة الخضرة، «لا تكاد تشمس منها بقعة، لالتفاف الزيتون واشتباك غصونه».

وفي ظرف وجيز نما خراجها وتكاثر سكانها وبنيت أسواقها وباتت «أكثر ديارها لا تخلو من الماء الجاري والأشجار المتكاثفة» أما ضفتا واديها الكبيرتين فقد أصبحتا مطرّزتين بـ«المنازة والبساتين والكروم» وملئت أسواقها بشتى البضائع حتى قال الشقندي «لو طلب لبن الطير لوجد».

وامتد عمرانها في عهد الولاة وقدمت إليها أسر من الشام حتى سميت حمصًا تيمنًا بحمص الشام.

أما في العهد الأموي فقد أصبحت مدن الأندلس وأكثرها إشعاعًا، وتعددت حولها القرى والحصون. ولما قام ملوك الطوائف في الأندلس استولى بنو عباد على مقاليد الأمور بإشبيلية عام 433هـ/1042م، وشهدت في عصرهم ازدهارًا لم تشهده من قبل، حتى أصبحت أعظم مدن إسبانيا الإسلامية، بعد أن تخلت لها قرطبة عن الزعامة. ولم يحل دخول الموحّدين إليها دون المزيد من الازدهار، بل يجمع المؤرخون أن هذه المدينة قد بلغت في عهد الموحدين وخاصة في عهد أبي يعقوب يوسف ابن عبدالمؤمن وابنه أبي يوسف يعقوب المنصور ذروة مجدها وعظمتها. وفي عصر هؤلاء شيّد جامع القصبة ومنارته التي تحولت إلى برج للنواقيس.

تقول كتب التاريخ إن الموحدين لاحظوا أن جوامع المدينة ومساجدها قد ضاقت بهم عند استيطانهم، فأمر السلطان أبويعقوب ببناء الجامع الكبير الجديد بإشبيلية وصومعته سنة 572/1176 فهدّمت الديار داخل القصبة وأخلي المكان ليحتضن هذا المعلم الكبير. وقد أثارت هندسة المنارة إعجاب المؤرخين الذين قالوا إنها من ابتكار عرفاء المهندسين، وأشاروا خاصة إلى شيخ العرفاء أحمد بن باسة، وتحدّثوا عن حفر هؤلاء المهندسين أساسه حتى وصل الحفر إلى الماء، ثم وضع أساسه من الآجر والجير والجص والأحجار.

وتحدثوا طويلاً عن «تفاحاتها الثلاث الغريبة الصنعة الكبيرة الجرم الرفيعة الاسم»، ويقال إن يعقوب المنصور قد وضع هذه التفاحات في أعلى المنارة بعد انتصاره الباهر على ألفونسو الثامن ملك قشتالة في غزوة الأراك الشهيرة. ويقال إن وزن الذهب الذي طليت به هذه التفاحات «سبعة آلاف مثقال يعقوبية عملها المهندسون بين يدي أمين المخزن وحضوره، وقد ركّبت في عمود عظيم، ولما كملت هذه التفاحات سترت بالأغشية من شقاق الكتان ثم رفعت بالهندسة إلى الصومعة في احتفال بهيج بحضور الخليفة يعقوب المنصور.. وشيوخ الموحّدين وحاشيته وقاضي إشبيلية.. ثم كشفت عن أغشيتها فكادت تغشي الأبصار من تألقها من الذهب الإبريز ومن شعاع رونقها».

تحوّلت هذه المئذنة الرائعة بعد سقوط إشبيلية عام 1248م إلى برج للأجراس ثم أزيل الجزء العلوي من المئذنة وأقيم مكانه طابق جديد من البناء نصب في أعلاه تمثال من البرونز يدور مع الرياح، ولهذا أطلق عليه اسم خيرالدة أو دوارة الهواء، وتحول هذا الاسم إلى خيرالدا، وأصبح يطلق منذ أوائل القرن الثامن عشر على البرج بأكمله. هذه المئذنة بالرغم من التحويرات التي أدخلها الإسبان عليها ظلت إسلامية الطابع والزخرف تذكر بأخواتها في مراكش والرباط وتلمسان: متانة في البناء ورقّة في الزخرف والنقش.

هذه المئذنة تأخذ شكل حصن منيع وشاهق يتضاءل أمامه المرء، يوحي بدنها المصنوع من الآجر بمعاني السؤدد والقوة، لكن ذلك لم يمنع صنّاعها من إبراز مهاراتهم في فن النقش والرقش وتحويل كواها إلى عمل فني مدهش، ولهذا افتتن المعماريون بهذه التحفة الفنية، وعملوا على محاكاتها في العديد من المدن الأوربية والأمريكية. ولم يكن مصير الجامع بأفضل من مصير المنارة، فغداة سقوط إشبيلية في يد فرناندو الثالث تحوّل المسجد الجامع إلى كنيسة سانتا ماريا، وحفظت بها رفات فرناندو الثالث ملك قشتالة، وشيّد قبر للرحالة كريستوفر كولومبس مكان المحراب، ثم قرر المجلس الكنسي بإشبيلية هدم الجامع وبناء كاتدرائية إشبيلية مكانة والتي تعد أكبر كاتدرائيات العالم.

تدخل الكاتدرائية فلا تعثر إلا على القليل من بقايا الجامع: بعض أعمدة وأبواب، فأساليب المعمار مختلفة، فإذا كان الجامع يجنح إلى البساطة التي منها يستمد أجواءه الروحية، فإن الكاتدرائية تعمد إلى الإبهار لتخلق هذه الأجواء: كتل من الذهب، إسراف واضح في الزينة، إمعان في تحويل الكاتدرائية إلى متحف باذخ تملؤه التماثيل.

وراء هذه الكاتدرائية مازال فناء النارنج الذي كان جزءًا من الجامع تملؤه إلى الآن أشجار البرتقال، إذ لا يمكن للمعماري المسلم أن يغفل عن الطبيعة وهو يصمم بناءه. لهذا ظلت الطبيعة جزءًا من المعالم العربية، أصلا مكينا من أصولها.

 

الكازار‭ ‬أو‭ ‬القصر‭ ‬الملكي

غير بعيد عن المسجد الجامع يرتفع «الألكازار»، هذا القصر الذي يذكّر لأول وهلة بقصر الحمراء في تصميمه وتوظيفه المحكم للفضاء وتعويله على العناصر المعمارية والزخرفية نفسها مثل أقواس حدوة الحصان والخزف المزجج والسقوف الخشبية البارزة. لكن أهم ما يشدّ الانتباه، في هذا القصر، أنه حوّل البناء إلى ضرب من النسيج والحجارة إلى ضرب من الدنتيل.

وكما هي الحال بالنسبة إلى قصر الحمراء، فإن قصر إشبيلية قد قام على حوار باهر بين الحجارة والماء، بين الخشب والعشب.. بين الضوء والظل، بين الداخل والخارج، فهذا القصر قائم على الجمع بين الأضداد والمتباينات جمع انسجام وتلاؤم.

بني هذا القصر في عهد الخليفة الأموي عبدالرحمن الثالث ليكون دارًا للإمارة، وأعيدت تهيئته في عهد ملوك الطوائف وأطلق عليه اسم القصر المبارك. وبعد سقوط إشبيلية أعاد بناءه الأمير بدورو الأول الذي اشترط الالتزام بالأسلوب العربي في ترميمه الجديد، ودعا إلى استبعاد كل العناصر القوطية، ويقال إنه استدعى أمهر البنّائين المسلمين الذين مازالوا يسكنون قرطبة، وأوكل لهم مهمة إنجاز هذا المشروع الضخم، ولهذا تعددت في القصر الكتابات العربية التي تعظم الله وتشيد بمآثر الأمير الإسباني.

هذا القصر البديع يعد آية من آيات المعمار العربي الإسلامي، كل ما فيه يدل على رهافة في الذائقة المعمارية وشاعرية باذخة في اختيار الألوان والأشكال والزخارف، ومن أجمل قاعاته قاعة السفراء التي كانت محاكاة لقاعة السفراء في قصر الحمراء.. هذه القاعة تعتبر مهرجانًا من الألوان والأشكال والمنمنمات، حيث تنتشر العناصر الزخرفية الجصية ممتزجة مع أشكال هندسية وكتابات عربية في السقوف والجدران.

قبل سنين قليلة أعلنت إدارة القصر الملكي أن الحفريات التي تمت تحت «فناء العذارى» في القصر قد كشفت عن وجود فناء مع بركة مشابهة لفناء الريحان في قصر الحمراء، أو فناء جنة العريف في غرناطة وهو ما يؤكد أن هذا القصر قد بني فعلاً على أنقاض قصر عربي يحتمل أن يكون قصر المعتمد بن عبّاد أعظم ملوك الطوائف.

 

برج‭ ‬الذهب‭ (‬توري‭ ‬دو‭ ‬أورو‭)‬

وأنت تسير على ضفة الوادي الكبير، لابد أن يطالعك برج شاهق سمّاه  الإسبان ببرج الذهب لسبب مجهول، بعضهم قال لأن قمته كانت مكسوّة بالذهب، والبعض الآخر قال لأن لونه يميل إلى الأصفر الذهبي.

يعود تاريخ هذا المعلم الفريد من نوعه إلى القرن الثالث عشر، بناه الموحّدي أبوالعلاء إدريس بن يعقوب المنصور ليكون برج مراقبة، يرتفع على ضفة الوادي الكبير، يشرف من طوابقه الشاهقة الجنود على المدينة من ناحية، وعلى الطرقات التي تفضي إليها من ناحية أخرى. وهو في الواقع جزء من سلسلة الأبراج والأسوار التي كانت، قديمًا، تحيط بمدينة إشبيلية ترد عنها غائلة الأعداء. وهذا ما جعل المؤرخين العرب يعتبرون هذه المدينة من أكثر المدن الأندلسية مناعة وقوة.

تهدّمت هذه البروج والأسوار ولم تبق منها إلا بعض الآثار الدارسة تشهد على ما بلغته الحضارة الأندلسية من تطور في مجال العمارة. ومن هذه الآثار بعض أقسام من السور تمتد داخل المدينة القديمة، وهذا المعلم الجميل الذي سمّاه الإسبان برج الذهب. هذا البرج الأنيق الذي يعدّ من أجمل الآثار الإسلامية في هذه المدينة مثمّن الشكل، مكوّن من ثلاث طبقات، وارتفاعه يبلغ خمسة عشر مترًا. تحوّل اليوم إلى متحف بحري يعرض عن طريق الخرائط والأدوات الملاحية والعقود التجارية تاريخ إشبيلية البحري.. والنهري أيضًا.

 

ميدان‭ ‬إسبانيا‭ (‬بلازا‭ ‬دو‭ ‬إسبانيا‭)‬

سيرا على الأقدام يمكن الوصول إلى ميدان إسبانيا وهو الميدان الذي يشد الانتباه للمبنى الضخم الذي يحيط به، بقنوات الماء التي تخترقه، بمراكب العشّاق التي تعبر هذه القنوات، وبلوحات الخزف البديعة التي تروي، عن طريق الرسوم، تاريخ إسبانيا وعلى وجه الخصوص تاريخ انتصاراتها.

باهر هذا الميدان الفسيح، وهذا البناء الضخم الذي يذكّر بإشبيلية المستكشفين من أمثال كولومبوس وماجلان وكرتيس وأميريغو فيسبوتشي، أولئك الذين اقتحموا العالم الجديد واستحوذوا على ثرواته الهائلة وحملوها إلى إشبيلية التي أصبحت، خلال القرنين الرابع عشر والسادس عشر، أغنى مدن العالم وأكثرها رفاها، على ضفاف نهرها كانت ترسو السفن المليئة بسبائك الفضة والذهب تصنّعه ثم تبيعه إلى كل الشعوب وإلى كل البلدان.

في هذا الميدان، تم في ستينيات القرن العشرين، تصوير بعض مشاهد شريط ديفيد لين «لورنس العرب».. وفي السبعينيات تم تصوير بعض مشاهد «حرب النجوم» لجورج لوكاس.

 

إشبيلية‭ ‬مدينة‭ ‬العلماء‭ ‬والفنانين

ظلت إشبيلية، على امتداد تاريخها الطويل مدينة العلماء والشعراء والمبدعين، فهي مدينة بني خلدون (أجداد المفكر الكبير ابن خلدون)، الذين تولوا مناصب سياسية مهمة فيها ثم غادروها قبل سقوطها بيد الإسبان إلى سبتة ثم إلى تونس، وهي مدينة بني عباد، وأشهرهم الشاعر المعتمد بن عبّاد، كما أنها مدينة أبي عبيد البكري الجغرافي المعروف, ومدينة الصوفي أبي مدين شعيب، وبعد خروج المسلمين عرفت هذه المدينة مهندسين معماريين مرموقين من أمثال هيريرا، وأنجبت رسامين كبارا مثل فلاسكويز وموريللو. وفي العصر الحاضر تعد إشبيلية مدينة الشعراء في إسبانيا دون منازع, لعل أشهرهم ماشادو.

ومن الطريف أن نشير إلى أن الكثير من الشخصيات الروائية  تنسب إلى هذه المدينة مثل دون جوان وكارمن وفيغارو.

وأنت تغادر المدينة لابد أن تلتفت إلى الوراء، تستعيد بضعة من مشاهدها، فهذه المدينة ستترك في النفس أثرا لا يمكن محوه، وفي الذاكرة صورًا لا يمكن نسيانها. فإشبيلية ليست مدينة فحسب، وإنما هي حديقة ومتحف ومدرسة للفنون ومعرض كبير يضم مختلف الأساليب المعمارية، وفوق هذا هي نشيد طويل يحتفي بالحياة والفرح والحب.

لهذا لابد، وأنت تلقي نظرة الوداع عليها، أن تمني النفس بزيارة جديدة إليها .

 

خيول‭ ‬وعربات‭ ‬تحمل‭ ‬زوّار‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬تجوالهم‭ ‬عبر‭ ‬دروبها‭ ‬التاريخية

عمارة‭ ‬أندلسية،‭ ‬عابرة‭ ‬للقرون

جولة‭ ‬سياحية‭ ‬بالقوارب‭ ‬الصغيرة

الكاتدرائية‭ ‬ومبنى‭ ‬الأرشيف‭ ‬في‭ ‬أشبيلية