ما صنعته نازك الملائكة ... محايثًا لتجربتها الشعرية

ما صنعته نازك الملائكة ...  محايثًا لتجربتها الشعرية

عرفت‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬بالشعر،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬بالشعر‭ ‬الحديث‭ ‬الموصوف‭ -‬‭ ‬في‭ ‬خطأ‭ ‬شائع‭ - ‬بأنه‭ ‬‮«‬الشعر‭ ‬الحر‮»‬،‭ ‬واشتبك‭ ‬حضورها‭ ‬مع‭ ‬أمر‭ ‬الريادة‭ ‬فيه،‭ ‬فقدمت‭ ‬على‭ ‬سواها‭ ‬في‭ ‬تاريخيتها،‭ ‬وأخرت‭ ‬عن‭ ‬السياب،‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬مرهونًا‭ ‬بخصوبة‭ ‬تلك‭ ‬الريادة‭ ‬وتواصل‭ ‬منجزها‭ ‬والتمسك‭ ‬بروح‭ ‬التجديد‭ ‬ووعيه‭ ‬حتى‭ ‬أشواط‭ ‬متقدمة‭ ‬فيها،‭ ‬والتأثير‭ ‬وخلق‭ ‬مريدين‭ ‬وأتباع‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬الكثير‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لنازك‭ ‬الملائكة‭ ‬نصيب‭ ‬منه‭ ‬كله‭ ‬أو‭ ‬معظمه،‭ ‬ولاسيما‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬تناول‭ ‬ريادة‭ ‬السياب‭ ‬مقارنة‭ ‬بها‭.‬

وإذ‭ ‬تغيب‭ ‬تجربة‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬الشعرية‭ ‬عن‭ ‬التأثير‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الجمالي‭ ‬الراهن‭ -‬‭ ‬حين‭ ‬تقارن‭ ‬بتجارب‭ ‬سواها‭ ‬من‭ ‬الرواد‭ - ‬فإن‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬معرفية‭ ‬متعددة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬لنازك‭ -‬حين‭ ‬إبراز‭ ‬جهدها‭ ‬فيها‭ - ‬أن‭ ‬يستتب‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬ثقافي‭ ‬متوهج‭ ‬في‭ ‬عطائه،‭ ‬ومعلن‭ ‬عن‭ ‬محتوى‭ ‬من‭ ‬المثاقفة‭ ‬الخصيبة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬قولًا‭ ‬مدعى‭ ‬حين‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬شاعرية‭ ‬نازك‭ - ‬المتداولة‭ ‬جهدًا‭ ‬أساسًا‭ ‬لحضور‭ ‬شخصيتها‭ - ‬لم‭ ‬تغيّب‭ ‬ذلك‭ ‬الحضور،‭ ‬ولم‭ ‬تتركه‭ ‬في‭ ‬الظل‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬جهودها‭ ‬المعرفية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬أضرت‭ ‬بشخصية‭ ‬نازك‭ ‬الثقافية،‭ ‬وحددت‭ ‬لها‭. ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬الذي‭ ‬نتلقاه‭.‬‭ ‬مساحة‭ ‬مبتسرة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوزها‭ ‬وحجمتها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬الذي‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬حقًا‭ ‬من‭ ‬وعي‭ ‬واهتمامات‭ ‬ثقافية‭ ‬ومنجز‭ ‬معرفي‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬إمكانات‭ ‬فكرية‭ ‬متعددة‭ ‬المآلات‭ ‬ومتسعة‭ ‬الاشتغال‭. ‬

ولنعد‭ ‬لتأمل‭ ‬المسألة‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ ‬المشخص‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬نازك‭ ‬الشعرية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يختلف‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نازك‭ ‬شاعرة‭ ‬مجددة،‭ ‬وأن‭ ‬تجربتها‭ ‬الشعرية‭ ‬تنضوي‭ ‬في‭ ‬التداول‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬للشعرية‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‭ ‬أن‭ ‬تدلفه،‭ ‬وتعلن‭ ‬عن‭ ‬مثاله‭ ‬الجديد‭. ‬

ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جرأة‭ ‬موضوعية‭ ‬في‭ ‬طرحه،‭ ‬وجرأة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضوعية‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬الإجابة‭ ‬الصريحة‭ ‬عنه‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬منجز‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬الشعري‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬‮«‬مسألة‭ ‬الريادة‮»‬‭ ‬وأسس‭ ‬التجديد‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬عليها؟

إن‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬تستوجب‭ ‬تقصي‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬لنازك‭ ‬من‭ ‬حصة‭ - ‬في‭ ‬الإنجاز‭ ‬وسماته،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تاريخيته‭ - ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬تأشير‭ ‬متحقق‭ ‬نازك‭ ‬الشعري‭ ‬وتجليات‭ ‬حضوره،‭ ‬والمساحة‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬استعادته‭ ‬فيها‭. ‬

‭ ‬لعل‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬سيند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نازك‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬الريادة‭. ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليها‭. ‬وقلنا‭ ‬عنها‭ ‬إنها‭ ‬الريادة‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬التاريخي‭. ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحسم‭ ‬لها‭ ‬بإجماع‭. ‬وما‭ ‬يحسب‭ ‬لها‭ ‬منها‭ ‬أنها‭ ‬عززت‭ ‬تجربتها‭ ‬في‭ ‬التجديد‭ ‬بوعي‭ ‬تنظيري‭ ‬مبكر‭ ‬راحت‭ ‬تبشر‭ ‬به‭ ‬ومن‭ ‬خلاله‭. ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تواصل‭ ‬المسعى،‭ ‬بل‭ ‬تجافت‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬طروحاتها‭ ‬فيه،‭ ‬ليصار‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬تجديدها‭ ‬الشعري،‭ ‬فيؤشر‭ ‬عليها‭ ‬نقضها‭ ‬لوعيها‭ ‬الذي‭ ‬انطلقت‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬الوجهة‭ ‬التجديدية،‭  ‬والقول‭ ‬بنكوصها‭ ‬عنه،‭ ‬وتبنيها‭ ‬لمواقف‭ ‬تقنينية‭ ‬راحت‭ ‬تحاكم‭ ‬باشتراطاتها‭ ‬ذلك‭ ‬التجديد‭ ‬وتسحب‭ ‬عنه‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬قناعاتها‭ ‬فيه،‭. ‬فلما‭ ‬وقفت‭ - ‬والقول‭ ‬لبنت‭ ‬الشاطئ‭ - ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬لزملائها‭ ‬أن‭ ‬يستمروا‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬التنمية،‭ ‬وكتبت‭ ‬كتابًا‭ ‬نقديًا‭ ‬حاولت‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬ما‭ ‬يلزمهم‭ ‬بالثبات‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬جهدها‭ ‬الشخصي،‭ ‬ويحرّم‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يزيدوا‭ ‬عليه‭ ‬انطلاقًا،‭ ‬واحتجت‭ ‬لمحاولتها‭ ‬هذه‭ ‬بحجج‭ ‬غريبة،‭ ‬لو‭ ‬طبقناها‭ ‬لرفضنا‭ ‬جهدها‭ ‬نفسه‭ ‬‮«‬‭(‬د‭. ‬جلال‭ ‬الخياط،‭ ‬الشعر‭ ‬العراقي‭ ‬الحديث‭. ‬مرحلة‭ ‬وتطور،‭ ‬ص168‭. ‬وينظر‭ ‬مصدره‭).‬

أما‭ ‬حين‭ ‬يصير‭ ‬أمر‭ ‬التناول‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬متحقق‭ ‬نازك‭ ‬الشعري‭ ‬بسماته‭ ‬الفكرية‭ ‬والجمالية،‭ ‬فلعل‭ ‬ما‭ ‬تجمع‭ ‬عليه‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬قرأته‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬تميز‭ ‬بانغلاقه‭ ‬على‭ ‬خصوصيات‭ ‬له،‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يغادرها‭ ‬حتى‭ ‬يعود‭ ‬ليجد‭ ‬طمأنينته‭ ‬الأدائية‭ ‬فيها‭. ‬فما‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الانشغالات‭ ‬الشعرية‭ ‬المغرقة‭ ‬في‭ ‬الذاتية،‭ ‬وبما‭ ‬انتهجت‭ ‬فيه‭ - ‬ومنذ‭ ‬دواوينها‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى،‭ ‬ولم‭ ‬تنأ‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬دواوينها‭ ‬اللاحقة‭ - ‬مسارًا‭ ‬من‭ ‬التخير‭ ‬الشعري‭ ‬صار‭ ‬دالًا‭ ‬عليها‭ ‬وحدها‭ ‬‮«‬قوامه‭ - ‬طبقًا‭ ‬لقراءة‭ ‬الدكتور‭ ‬جلال‭ ‬الخياط‭ - ‬اليأس‭ ‬والألم،‭ ‬واستعادة‭ ‬الماضي‭ ‬وإثارة‭ ‬ذكرياته‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬تفتحًا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الشعر‮»‬‭. (‬المصدر‭ ‬نفسه،‭ ‬ص‭ ‬166‭).‬

 

وجود‭ ‬ثقافي

يستجلي‭ ‬انتزاع‭ ‬الوجود‭ ‬الثقافي‭ ‬لنازك‭ ‬الملائكة‭ ‬خارج‭ ‬تجربتها‭ ‬الشعرية‭ ‬وجوها‭ ‬مهمة‭ ‬وجديرة‭ ‬بالتناول‭ ‬في‭ ‬شخصيتها،‭ ‬تنعكس‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مساحة‭ ‬الوعي‭ ‬الثقافي،‭ ‬والنزوع‭ ‬المعرفي‭ ‬الناضج‭ ‬الذي‭ ‬تهيأت‭ ‬لها‭ ‬مراميه‭ ‬ومقدراته،‭ ‬وذلك‭ ‬كله‭ ‬ما‭ ‬تكشفه‭ ‬المراجعة‭ ‬المتمعنة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تهيأ‭ ‬لنازك‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الثقافة،‭ ‬وأعلنت‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬تناولات‭ ‬قرائية‭ ‬قدمتها‭ ‬عبر‭ ‬دراسات‭ ‬وأبحاث‭ ‬وكتابات‭ ‬ومواقف‭ ‬تشهد‭ ‬لشخصيتها‭ - ‬بوصفها‭ ‬ذاتًا‭ ‬مثقفة‭ - ‬بعلو‭ ‬الإمكانات‭ ‬والتوافر‭ ‬المعرفي‭ ‬والعطاء‭ ‬الذي‭ ‬يستشرف‭ ‬مناطق‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مأهولة‭ ‬كتابيًا‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬تتداولها‭ ‬فيها‭. ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬لدينا‭ ‬اليقين‭ ‬بأن‭ ‬تجربتها‭ ‬الشعرية‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬سمات‭ ‬شخصيتها‭ ‬في‭ ‬أبعادها‭ ‬الثقافية‭ ‬كلها،‭ ‬ولا‭ ‬مؤهلات‭ ‬خطابها‭ ‬وما‭ ‬تحقق‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬مجادلات‭ ‬معرفية‭ ‬رصينة‭. ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تستجب‭ ‬تمامًا‭ ‬لما‭ ‬تهيأ‭ ‬لصاحبتها‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬وعي،‭ ‬وتمثل‭ ‬لتخير‭ ‬قرائي‭ ‬جاد،‭ ‬وتأمل‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الثقافية،‭ ‬وإبداء‭ ‬الرؤية‭ ‬الناضجة‭ ‬في‭ ‬تأملها‭ ‬واستنطاق‭ ‬قيمها‭. ‬

لقد‭ ‬توافرت‭ ‬لنازك‭ ‬الملائكة‭ ‬بيئة‭ ‬عائلية‭ ‬تكرس‭ ‬للثقافة‭ ‬وأسبابها‭ ‬جانبًا‭ ‬من‭ ‬اهتمامها،‭ ‬لتواصل‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ - ‬لاحقًا‭- ‬دأبها‭ ‬فيها،‭ ‬عبر‭ ‬الانهماك‭ ‬المعرفي‭ ‬الحصيف‭ ‬والمثاقفة‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬لاحقت‭ ‬أسبابها‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬عدة،‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬تواصلًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬مع‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬والإنساني،‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬نهل‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬العصر‭ ‬بسبلها‭ ‬الحديثة‭. ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تنقطع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬المكتوبة،‭ ‬أو‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالجانب‭ ‬الأدبي‭ ‬منها‭. ‬لقد‭ ‬عمقت‭ ‬ثقافتها‭ ‬اللغوية‭ ‬عبر‭ ‬مسعى‭ ‬تعلم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬غربية‭ (‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ - ‬الفرنسية‭ - ‬اللاتينية‭)‬،‭ ‬مثلما‭ ‬اهتمت‭ ‬بالفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬فدرست‭ ‬الموسيقى،‭ ‬كما‭ ‬دخلت‭ ‬فرع‭ ‬التمثيل‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬ببغداد‭. ‬ثم‭ ‬واصلت‭ ‬دراستها‭ ‬الأكاديمية‭ ‬خارج‭ ‬العراق،‭ ‬فذهبت‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬لتدرس‭ ‬‮«‬الأدب‭ ‬المقارن‮»‬‭ ‬هناك،‭ ‬تلك‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مذكراتها‭ ‬إن‭ ‬ثقافتها‭ ‬قد‭ ‬تضاعفت‭ ‬بها‭ ‬عشر‭ ‬مرات‭ (‬انظر‭ ‬مجموعتها‭ ‬القصصية‭: ‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬وراء‭ ‬القمة،‭ ‬ص8‭). ‬وحين‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬انضوت‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬فمارست‭ ‬التدريس‭ ‬الجامعي‭ ‬الذي‭ ‬عززت‭ ‬فيه‭ ‬قدراتها‭ ‬المعرفية‭ ‬والفكرية،‭ ‬وبما‭ ‬شرع‭ ‬أمامها‭ ‬آفاق‭ ‬البحث‭ ‬والتدارس‭ ‬والعمق‭ ‬المنهجي‭ ‬الذي‭ ‬سيتجلى‭ ‬في‭ ‬مؤلفاتها‭ ‬النقدية‭ ‬والثقافية‭ ‬التي‭ ‬عالجت‭ ‬فيها‭ ‬الأدب‭ ‬بفنونه‭ ‬والمسرح‭ ‬وقدمت‭ ‬جهدًا‭ ‬رائدًا‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬ما‭ ‬يؤهلها‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬النقد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬بامتياز‭. ‬

وهكذا‭ ‬تكاملت‭ ‬أبعاد‭ ‬نضج‭ ‬معرفي‭ ‬ورؤيوي‭ ‬متميز‭ ‬لشخصية‭ ‬نازك،‭ ‬تؤشر‭ ‬جانبًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬منه‭ ‬‮«‬حدة‭ ‬وعيها‭ ‬بما‭ ‬حولها،‭ ‬وتشربها‭ ‬عوامل‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬بيئتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬تلك‭ ‬البيئة‭ ‬المغلقة،‭ ‬لكنها‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬وعيها‭ ‬النقدي‭ ‬التساؤلي‭ ‬الذي‭ ‬منحها‭ ‬مجالًا‭ ‬سريًا‭ ‬لأن‭ ‬تراقب‭ ‬وتتلصص‭ ‬وتغامر‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬أيضًا‭ ‬لأن‭ ‬تذهب‭ ‬بعيدًا‭ ‬في‭ ‬تعرُّفها‭ ‬على‭ ‬بيئات‭ ‬لغوية‭ ‬أخرى‭ ... ‬وقراءتها‭ ‬لمتون‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬وتجاربه‭ ‬القديمة‭ ‬والمحدثة‮»‬‭ (‬علي‭ ‬الفواز،‭ ‬الشعرية‭ ‬العراقية‭ - ‬أسئلة‭ ‬ومقترحات‭ ‬للقراءة،‭ ‬ص113‭). ‬

 

ثلاثة‭ ‬مقتربات

يمكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نؤشر‭ ‬منجز‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬غير‭ ‬الشعري‭ ‬وتجليات‭ ‬خطابها‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬مقتربات‭ ‬من‭ ‬التداول،‭ ‬نقف‭ ‬عندها‭ ‬بإيجاز،‭ ‬آملين‭ ‬أن‭ ‬نقاربها‭ - ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬لاحقة‭ -‬‭ ‬بتفصيل‭ ‬هي‭ ‬جديرة‭ ‬به،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭: ‬

أولًا‭: ‬أعمالها‭ ‬السردية‭ - ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬مجموعتها‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬وراء‭ ‬القمة‮»‬‭ (‬القاهرة‭ ‬1997‭). ‬أشار‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالهادي‭ ‬محبوبة‭ (‬زوج‭ ‬الشاعرة‭)‬‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬تلك‭ ‬المجموعة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لنازك‭ ‬رواية‭ ‬عنوانها‭ ‬‮«‬ظل‭ ‬على‭ ‬القمر‮»‬‭ ‬لم‭ ‬نطلع‭ ‬عليها‭.‬

وربما‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬نشاط‭ ‬إبداعي‭ ‬محايث‭ ‬أن‭ ‬نازك،‭ ‬وحين‭ ‬وجدت‭ ‬الشعر‭ ‬غير‭ ‬كاف‭ ‬لاستيعاب‭ ‬كل‭ ‬قدراتها‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬فقد‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬استنبات‭ ‬شكل‭ ‬سردي‭ ‬لكتاباتها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬خطابها‭ ‬الثقافي‭ ‬ذاتها،‭ ‬ولاسيما‭ ‬حين‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬وجهة‭ ‬السرد‭ ‬لديها‭ ‬تأخذ‭ - ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عليها‭- ‬شكلًا‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالهادي‭ ‬محبوبة‭ ‬في‭ ‬تقديمه‭ ‬لهذه‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ (‬ص7‭)‬،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬وجهة‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬نادت‭ ‬به‭ ‬الملائكة‭ ‬متجذر‭ ‬الحضور‭ ‬فيها‭: ‬‮«‬فإن‭ ‬اهتمامات‭ ‬الأديبة‭ ‬وطموحاتها‭ ‬وأهدافها‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬عنها‭ ‬ونظمت‭ ‬فيها،‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬صاحبتها‭ ... ‬فإن‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬ومساواتها‭ ‬بالرجل،‭ ‬والوحدة‭ ‬العربية،‭ ‬وحرية‭ ‬المواطن،‭ ‬ومقاومة‭ ‬الاستعمار‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وإنقاذ‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬الصهيونية‭ ‬العنصرية‭ ‬اللاإنسانية،‭ ‬وأمثالها،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬ذهن‭ ‬صاحبة‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية،‭ ‬ولكنها‭ ‬تتردد‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬أشخاص‭ ‬ابتكرت‭ ‬أسماءهم‭. ‬وكان‭ ‬للمرأة‭ ‬النصيب‭ ‬الأوفر‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأسماء‮»‬‭.‬

ثانيًا‭: ‬كتاباتها‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬كتبها‭ ‬الثلاثة‭: ‬‮«‬قضايا‭ ‬الشعر‭ ‬المعاصر‮»‬،‭ (‬بيروت‭ ‬1962م‭) ‬و«الصومعة‭ ‬والشرفة‭ ‬الحمراء‮»‬،‭ (‬القاهرة‭ ‬1965م‭) ‬و«سيكولوجية‭ ‬الشعر‭ ‬ومقالات‭ ‬أخرى‮»‬،‭ (‬بغداد1993م‭) ‬وما‭ ‬حملته‭ ‬من‭ ‬قراءات‭ ‬تنظيرية‭ ‬وأخرى‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النقد‭ ‬التطبيقي،‭ ‬وفيها‭ ‬تهيأ‭ ‬لنازك‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬ينهمك‭ ‬في‭ ‬معاينتها‭ ‬المشهد‭ ‬النقدي‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬لتقف‭ ‬عندها‭ ‬عبر‭ ‬وعيها‭ ‬وحساسيتها‭ ‬الخاصين،‭ ‬مثيرة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬حولها‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬والأسئلة‭ ‬وردود‭ ‬الأفعال،‭ ‬ولاسيما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ناوأتها،‭ ‬ووقفت‭ ‬بالضد‭ ‬منها،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬إنكار‭ ‬ما‭ ‬لنازك‭ ‬من‭ ‬مقدرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬آفاقًا‭ ‬جديدة‭ ‬ومثيرة‭ ‬أطلت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سيطيل‭ ‬النقد‭ ‬العربي‭ ‬لاحقًا‭ ‬وقوفه‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬مفاهيم‭ ‬نظرية‭ ‬وفكرية‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬البنية‭ ‬الشعرية‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬عنها‭ ‬الدكتور‭ ‬صلاح‭ ‬فضل‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬جهد‭ ‬بنيوي‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬العربي‮»‬‭. (‬الفواز،‭ ‬ص106،‭ ‬وينظر‭ ‬مصدره‭).‬

ثالثًا‭. ‬كتاباتها‭ ‬الثقافية‭. ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬دراساتها‭ ‬التي‭ ‬ضمها‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬التجزيئية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‮»‬،‭ (‬بيروت‭ ‬1974م‭) ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬قارئه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬بوصفه‭ ‬تجربة‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬التناولات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬آفاق‭ ‬النقد‭ ‬الثقافي‭ ‬وانشغالاته‭ ‬الراهنة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬نازك‭ ‬بوعي‭ ‬متقدم‭ ‬عن‭ ‬مرحلتها‭.‬

لقد‭ ‬تبدت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الخصائص‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬النضج‭ ‬الحصيف‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬ومنجزها‭ ‬الكتابي‭ ‬عبر‭ ‬فاعلية‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬التأمل،‭ ‬والتحليل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والنفسي‭ ‬للظواهر‭ ‬المرصودة‭ ‬وبمقدرة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬المصارحة‭ ‬والكشف،‭ ‬واستحضار‭ ‬للمقولات‭ ‬والوقائع،‭ ‬مدعومة‭ ‬بأفكار‭ ‬الآخرين‭ ‬وأسمائهم‭ ‬ومواقفهم،‭ ‬مبينة‭ ‬للعلل‭ ‬الفكرية‭ ‬والسلوكية‭ ‬وصورها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬بأبعاده‭ ‬كلها‭. ‬وكان‭ ‬منطلقها‭ ‬الفكري‭ ‬في‭ ‬التناول‭ ‬نزعة‭ ‬عروبية‭ ‬متدفقة‭ ‬وتبنٍ‭ ‬للدعوات‭ ‬الجادة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الراهنة‭. ‬أما‭ ‬عَنْونات‭ ‬المضامين‭ ‬وانشغالاتها‭ ‬فلعلها‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تشخصت‭ ‬في‭ ‬قصصها‭ ‬القصيرة‭. ‬

ومع‭ ‬تباعد‭ ‬تاريخ‭ ‬مقالات‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬التجزيئية‭ ...‬‮»‬‭ ‬فإنها‭ ‬تقدم‭ ‬مشهدًا‭ ‬متكاملًا‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬المنظم‭ ‬الذي‭ ‬توافرت‭ ‬عليه‭ ‬شخصية‭ ‬نازك‭ ‬الثقافية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المقالات‭ ‬لتكمل‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭.‬

وكما‭ ‬في‭ ‬قصصها‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬عن‭ ‬انهماك‭ ‬بيّن‭ ‬بقضية‭ ‬المرأة،‭ ‬حتى‭ ‬ليجد‭ ‬القارئ‭ - ‬طبقًا‭ ‬لمقدمة‭ ‬تلك‭ ‬القصص‭ - ‬فيها‭ ‬‮«‬ثراء‭ ‬يصل‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬صف‭ ‬الأدب‭ ‬النسائي‭ ‬العالمي،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬تقدم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬نسائية‭ ‬معاصرة‮»‬‭ (‬ص16‭) ‬فإن‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬التجزيئية‭...‬‮»‬‭ ‬أبدى‭ ‬ما‭ ‬لنازك‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬المبكر‭ ‬بالشؤون‭ ‬النسوية،‭ ‬وبما‭ ‬يؤهلها‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬رائدة‭ ‬للدرس‭ ‬الثقافي‭ ‬النسوي‭ ‬ومشكلاته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬هويته‭ ‬الأدبية‭ ‬المؤشرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شخصية‭ ‬الكاتبة‭ ‬ووجهة‭ ‬الإبداع‭ ‬الأدبي‭ ‬المتمثلة‭ ‬فيها‭ ‬والناضحة‭ ‬في‭ ‬آنية‭ ‬كتاباتها‭. ‬

وإذا‭ ‬كنا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفي‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جدير‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬التناول‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬قراءتنا‭ ‬هذه،‭ ‬فلنا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬قد‭ ‬استوفى‭ ‬في‭ ‬مضامينه‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القراءات‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬مساحة‭ ‬الوعي‭ ‬المعرفي‭ ‬والثقافي‭ ‬وعمق‭ ‬المعاينة‭ ‬والرصد‭ ‬الذكي‭ ‬لبعض‭ ‬كشوفات‭ ‬الواقع‭ ‬الإنساني‭ ‬والعربي،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬تأمل‭ ‬تفوهات‭ ‬البيئة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬معتقداتها‭ ‬وأشعارها‭ ‬وغنائها‭.‬

وعودة‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬نقول‭: ‬لقد‭ ‬أنجزت‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ - ‬ومنذ‭ ‬الخمسينيات‭ - ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬الكتابية‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬المعرفية‭ ‬وبوعي‭ ‬ثقافي‭ ‬ناضج‭ ‬في‭ ‬مدركاته‭ ‬وتحسسه،‭  ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬الجهد‭ ‬المتميز‭ ‬كله‭ ‬فإنها‭ ‬تدعونا‭ ‬اليوم‭ - ‬وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ -‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬مشهد‭ ‬وجودها‭ ‬الثقافي،‭ ‬وألا‭ ‬نكتفي‭ ‬بقراءتها‭ ‬شاعرة‭ ‬فقط،‭ ‬لنصدر‭ ‬الأحكام‭ ‬عنها‭ ‬وفق‭ ‬ذلك‭ ‬وحده‭.