من أجل نجاحهم المستقبلي ... علِّموا أولادكم الموسيقى

من أجل نجاحهم المستقبلي ... علِّموا أولادكم الموسيقى

في العام 1991 أصدر الدكتور ألفرد أ. توماتيس كتابا بعنوان «لماذا موزارت؟»، حيث طرح فيه نظرية تقول: إن الاستماع للموسيقى وخصوصا الموسيقى الكلاسيكية، وعلى نحو أدقّ موسيقى موزارت، يطور القدرة على الإصغاء، وبالتالي يسمح للدماغ بأن يعيد ترتيب بعض العمليات المهمة التي يقوم بها. وأصبحت تلك النظرية تعرف بـ «تأثير موزارت»، ولم يمض وقت طويل حتى أجرى علماء آخرون أبحاثا إضافية في هذا المجال. في عام 1997 شجّع الموسيقي المعروف دون كامبيل، الناس على إسماع أطفالهم الموسيقى الكلاسيكية، لكي يستطيعوا تطوير قدراتهم الفكرية. ولكن على الرغم من الحماسة التي أحدثها «تأثير موزارت» في تلك الفترة والأبحاث التي قامت بعدها، لم يكن هناك أي دليل قاطع بأن الإصغاء للموسيقى الكلاسيكية يزيد من معدل الذكاء ويطور القدرات الفكرية على المدى الطويل.
ولكن ماذا عن عزف الموسيقى بدلا من مجرد الإصغاء إليها؟  إن معظم النظريات المتعلقة بتأثير الموسيقى ذات أوجه عديدة ومعقدة، إلا أن معظمها يؤكد تأثير التمرين في العزف على مختلف الآلات الموسيقية في التركيبة الدماغية. تقول الأستاذة في علم النفس فرجينيا بينهيون: إن العزف على أي آلة موسيقية يتطلب التنسيق بين اليدين والمحفزات البصرية والسمعية، وتضيف أن تعلم الموسيقى «يعزز النضج بين المناطق الحسية والحركية في الدماغ، ويساعد على بناء إطار يتطور مع التمرين المستمر». وقد أجريت دراسة باختبار 36 شخصا بدأوا تدريبات موسيقية منذ صغرهم وتمت مقارنتهم بمجموعة لم يتلق أفرادها أي تمرين موسيقي بحياتهم. أظهر أفراد المجموعة الأولى توقيتا أفضل بالنسبة للمهارات الحركية. وبعد مقارنة البنى الدماغية لكلتا المجموعتين اكتشف فريق الباحثين أنهم وجدوا في أدمغة الموسيقيين كمية أكبر من المادة البيضاء المعروفة بالجسم الثفني، الذي هو عبارة عن مجموعة من الألياف العصبية التي تربط بين المناطق الحركية في القسم الأيمن من الدماغ وتلك الموجودة في القسم الأيسر.
لا يوجد هناك أي دليل عملي واضح على تأثير تطور تلك الروابط الدماغية لدى الأشخاص الذين لديهم خبرة في التمرين على الآلات الموسيقية في نجاحهم وتطور قدراتهم الفكرية في مختلف المجالات الحياتية. ولكن، على الرغم من ذلك، فهناك مسح أجري على مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين يشغلون مراكز كبرى في مجالات مختلفة من مجال صناعة التكنولوجيا إلى المجال المالي والمصرفي إلى المجال الإعلامي إلى مجالات أخرى. وكان لكل هؤلاء الأشخاص تاريخ حافل بالتدريب الموسيقي الجدي، وجميعهم ربطوا تدريبهم الموسيقي وإنجازاتهم المهنية البارزة. يقول ألن غرينسبان الذي يعتبر من أنجح من ترأسوا البنك المركزي الأمريكي لفترات طويلة والذي له تاريخ حافل في التمرين على آلة الكلارينيت: إن النجاح الذي يؤمنه تعلم الموسيقى ليس مجرد صدفة، ويضيف أنه كمتخصص بالإحصاءات يمكنه التأكيد أن إمكان وجود الرابط بين تعلّم الموسيقى والنجاح عالٍ جدا وهذا ما يمكن الحكم عليه من خلال الوقائع والمعطيات. أما السؤال الأساسي فهو: كيف يوجد هذا الرابط؟
يؤكد بول ألن، المؤسس المشارك لشركة ميكروسوفت، أن الموسيقى تعزز القدرة على الإبداع. بدأ السيد ألن بالعزف على آلة الكمان في عمر 7 سنوات، وتحول إلى العزف على آلة الجيتار في سن المراهقة. وفي كلتا الحالتين يقول إنه في تعلم الموسيقى «هناك ما يدفعك إلى النظر إلى أبعد مما هو أمامك في الفترة الراهنة، وإلى أن تعبّر عن نفسك بطريقة جديدة». وهذا لأن الأبحاث تشير إلى أن تعلم الموسيقى يعزز التفكير بطريقة مجردة والقدرة على تخيل وتصور ما ليس محسوسا. فتعلم الموسيقى يحتّم تخيل جميع النوتات الموسيقية وتداخلاتها، وهي مهارة يمكن أن تترجم فكريا من خلال القدرة على إيجاد روابط في شبكات متعددة في مجالات مختلفة. وفي هذا الإطار، يقول بروس كوفنر، رئيس مجلس أمناء مدرسة جوليارد الشهيرة للموسيقى، الذي يترأس في الوقت ذاته صندوق التحوط الائتماني، إن هناك أوجه شبه بين العزف الموسيقي واستراتيجيات الاستثمار، حيث إن كليهما له علاقة بالتعرف على الأنماط المختلفة، وهناك بعض الأشخاص الذين يعمدون إلى توسيع نطاق تلك النماذج عبر مجالات مختلفة.