المطبخ العربي في رمضان

المطبخ العربي في رمضان

بفضل الحضارة العربية، عُرفت في العالم في القرن التاسع الميلادي موجة جديدة للطبخ، ولدت على أرض بغداد، حيث الحدائق والبساتين والقصور والأدب والمساجد والأسواق. صحيح أن موجة الطهي، البغدادي لم تكن بغدادية صرفا، فقد حملت أطياف المذاقات التي أغناها خليط سكاني يمثل أطياف الأرض في ذلك الوقت.

 وثقت موجة الطبخ الجديدة هذه توثقيا تاريخيا بفضل اثني عشر اسما من علماء وأطباء وشعراء، وخلفاء الحضارة العباسية، وهم المأمون والواثق والمعتصم (خلفاء) وإبراهيم بن عباس الصولي (شاعر) ويحيى بن خالد البرمكي (وزير) ويحيى بن أبي منصور (فلكي) ويوحنا بن ماسوية (طبيب) وأربعة طباخين مجهولين لم نتعرف إلا على أحدهم وهو: «أبا سمين» الطباخ الخاص للخليفة الواثق. أما المصدر الثاني عشر والأهم فهو أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي الأخ الأصغر للخليفة هارون الرشيد وعم الخليفة المأمون والواثق وصديق الطبيب ابن ماسوية صاحب أول مؤلف شامل جامع للطبخ في اللغة العربية. ولد إبراهيم بن المهدي عام 163هـ/779م في قصر الرصافة شرق بغداد وتوفي والده الخليفة المهدي وهو لم يتجاوز بعد السادسة، ومما يذكر أنه كان عادلا وكريما وممن له باع في الأدب، وله ذوق رفيع في ما يتعلق بالطعام. إبراهيم متذوق اللقمة والكلمة تربى بعد وفاة والده تحت إشراف أخيه هارون الرشيد. وقد أصابه الولع بالموسيقى والأدب والطبخ. ولأن ليالي الشعر والغناء لم تكن تكتمل بغير الطعام والشراب، حتى في مجالس السياسة فلم يكن الطعام مجرد حلية أو لازمة من لزمات السهر، لكنه بحد ذاته كان موضوعا للبحث والجدل والشعر. فقد كان إبراهيم يخصص مجلسه في ليالي رمضان من كل عام للحديث عن الطعام. وقد نظم أشعارا في محاسن «الملح» وأعد شعرا وصفات للطعام فقد كان طاهيا شاعرا أو شاعرا طاهيا وفي الحالتين كان ذواقة مبدعا خلاقا. اخترع بعض الأكلات والحلويات التي حملت اسم «الإبراهيمية» نسبة وإكراما للمعلم الكبير الذي أثر في أجيال وكون مدارس وجعل من الطبخ معرفة، وثقافة لا تخص الطباخين وحدهم وسمي بـ «المتذوق الأكبر». امتد العمر بإبراهيم حتى عصري الخليفة المأمون والمعتصم وتوفي في عمر الستين (226هـ/839م) 
وهذه قائمه بأسماء مؤلفات الطبخ العربية فبالإضافة لكتاب «الطبيخ» لإبراهيم بن المهدي، هناك كتاب «الطبيخ» لإبراهيم بن العباس الصولي وكتاب «الطبيخ» لابن الأنباري، و«الأنموذج فيما ورد في الفلوذج» لمحمد بن طولون الدمشقي، وكتاب «الطبيخ» للبغدادي، وكتاب الطبيخ ليحيى بن علي أبي منصور الموصلي، وكتاب «الطبيخ» لابن خرداذبه وكتاب «الخبز والزيتون»، وكتاب «حرب اللحم والسمك» لابن الشاه الظاهري، ثم الكتاب الفريد «كتاب الطبيخ» الذي كتبه السرخسي للمعتضد على الشهور والأيام.  
وهكذا نرى أن الأدب خلَّد فن الطبخ، وفن الطبخ جزء من الثقافة ومؤشر للثقافة.

حلويات رمضانية من المطبخ العربي
شهر رمضان إلى جانب كونه شهر صوم وعبادة وتلاوة آيات الله من الذكر الحكيم، فإنه أيضاً شهر ينعم فيه الإنسان بالخيرات في مأكله ومشربه بعد نهار الصوم الطويل.
وفي شهر رمضان تنتشر مظاهر الفرح الإنساني التي تتجلى في بعض العادات الاجتماعية الخاصة بالطعام وموائده، فعلى هذه الموائد الرمضانية العامرة بالخيرات، تُقدم أصناف شتى من الأطعمة والأشربة وخاصة ذات المذاق الحلو والمشبعة بالسكريات، التي يتميز أو يختص بها هذا الشهر الفضيل، حتى وإن وجدت طوال العام، مثل التمور بأنواعها، والتين المجفف والمشمشية (المشمش المجفف) والقراصية (البرقوق المجفف) والزبيب (العنب المجفف) وجوز الهند، والخروب، والعرقسوس، والخشاف، و«أمر الدين» (وهو المشروب الشعبي الأكثر تناولاً في رمضان في بلاد كثيرة)، والتمر الهندي، والكنافة، والقطايف، والمهلبية، وحلاوة الشمسية، والجلاش (البقلاوة)، والأرز باللبن، والمفروكة، وعيش السرايا، والمكسرات، وغيرها من المأكولات والمشروبات، التي يجب تناولها بكميات معقولة أو كميات محسوبة، حتى لا تترك أثرا عكسياً في صحة من يتناولها.
والعرب بعامة يحبون الحلواء وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يعجبه أن يفطر على الرطب وعلى التمر إذا لم يكن رطباً ويختم به، وقد سأله عبدالله بن عباس أي الشراب أفضل؟ فقال: الحلو البارد – أي العسل - وتقول العرب كل طعام لا حلواء فيه فهو خداج، أي ناقص غير تام. وكانت الحلواء يختم بها الطعام كما نفعل نحن الآن. يقول بختيشوع: الحلواء كلها، حقها أن تؤكل بعد الطعام، لأن للمعدة ثورانا عقب الامتلاء كفوران الفقاع - شراب يرتفع الزبد في رأسه - فإذا صادفت الحلاوة سكنت. ثم يقول، قول الناس إن في المعدة زاوية لا تسدها إلا الحلاوة على أصله، والآكل إذا اشتهى الحلاوة ثم فقدها وجد حواسه ناقصة.

الكنافة والقطائف
يتفق المؤرخون على انتماء الكنافة والقطايف إلى الشام، وعلى أنهما قدمتا -أول ما قدمتا- داخل قصر الحكم، ثم يختلفون في تحديد اسم ومرتبة الحاكم الذي استمتع بأول طبق من خيوط الكنافة الذهبية وكرات القطايف المحشوة بالفواكه المجففة، بعضهم يقول إنه معاوية بن أبي سفيان وبعضهم يقول سليمان بن عبد الملك والصحيح ما قاله ابن فضل الله العمري من أن أول من اتخذ الكنافة من العرب معاوية بن أبي سفيان زمن ولايته على الشام في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت تقدم له في السحور، فمعاوية اشتهر بشهيته المفتوحة أو بأنه كان من الأكلة المشهورين – كما يقول ابن فضل الله - فشكا إلى طبيبه محمد بن أثال ما يلقاه من الجوع في صيامه فوصف له الكنافة وكان ذلك في عام 35هـ (641ميلادية). أما القطايف، فإن طهاة حلب قدموها للخليفة سليمـــــان بن 
عبد المــــلك في خلافته التي بدأت عام 96هـ (712م) فقد كان سليمان محبا للطعام لا يمكنه الصبر على الجوع، والظاهر أنه لم يكن يطيق أن يبقى بلا طعام في ليالي رمضان الطويلة التي يقضيها في مجلس الحكم، ولهذا ابتكروا من أجله «القطايف» وهي لقم من عجين محشو، يمكن للخليفة أن يتناولها وهو في مجلس خلافته، من غير أن تنتقص هيبته أو أن يختل نظام المجلس.
وقد بلغ من شهرة الكنافة والقطائف أن جلال الدين السيوطي جمع ما قيل فيهما في كتاب سماه «منهل اللطائف في الكنافة والقطائف». والقطائف في لسان العرب طعام يسوى من الدقيق الرق بالماء وشبهت بخمل القطيفة التي تفترش، أما الكنافة فلم يتركها أحد من أئمة اللغة ولا يوجد في الألفاظ اللغوية ما يصلح أن يكون مادة لها.
وقد شغلت الكنافة والقطائف الشعراء والأدباء منذ جاءت دولة بني أمية إلى الآن. يقول أحد الشعراء وكان من محبي القطائف: 
 ألذ شيء على الصيام
من الحلاوات في الطعام
قطائف نضدت فصارت 
فــــــرائـــــد الـــــــــدر فــــــــــي الـــــــنظام
وهذا هو شاعر العربية الكبير ابن الرومي يسر بالكنافة والقطائف سرور عباس بن الأحنف بقرب حبيبته فوز فقال:     
قطائف قد حشيت باللوز 
والسكر المـاذي حشو الموز
تسبح في آذى دهن الجوز
سررت لما وقعت في حوزى
سرور عباس بقرب فوز

ومن الحكايات الطريفة التي تروى عن القطائف أن أحد بخلاء العصر العباسي، كان لديه طبق منها نسي أن يأكله، ففسدت فخشي البخيل أن يأكل ما في الطبق فيمرض، ولم يطاوعه قلبه على رمي القطائف، فأهداها إلى الشاعر جحظة البرمكي، وكان الأخير من مشاهير المتطفلين في زمانه، فما أن رأى الطبق حتى انكب يلتهم القطائف غير عابئ بطعمها الحامض، فتعجب البخيل وندم، وحاول استرجاع ما تبقى من القطائف بحجة خوفه على جحظة من الموت لأنها تالفة لكن عبثاً، فقال جحظة راوياً الحكاية:
 دعاني صديق أكل القطائف فأمعنت فيها وما كنت خائف
فقال بحزن: رويداً ومهلا فإن القطائف إحدى المتالف
 فقلت له: ما سمعنا بميت يقال عليه «قتيل القطائف»
أما الشاعر سعد الدين بن عربي فقد فضل القطائف على الكنافة بقوله:
 قالَ القَطائِفُ للكًُنافة ما بالي أراك رقيقة الجسدِ
 أنا بالقلوب حلاوتي حُشيتْ فتقطعي من كثرة الحسدِ. 

وقال:
وقطايف مقرونة بكنافة 
من فوقهن السكر المذرور
هاتيك تطربني بنظم رائق 
 ويروقني من هذه المنثور
وكتب النصير الحمامي إلى السراج الوراق ملغزاً في كنافة: 
يا واحداً في عصره بمصره
ومن له حسن السناء والسنا
تعرف لي اسماً فيه ذوق وذكا
حلو المحيا والجنان والجنى
والحل والعقد له في دسته 
ومجلس الصدر وفي الصدر المنى
إن قيل يوماً هل لذاك كنية
فقل لهم لم يخل يوماً من «كنا»
فكتب الوراق الجواب:
لبيك يا نعم النصير والذي 
أدنت به المنية لي كل المنى
عرفتني الإسم الذي عرفته
وكاد يخفى سره لولا «الكنا»
له من الحور الحسان طلعة
تقابل المرآة منها الأحسنا
 وخدنه بعض اسمه طيراً غدا
أصدق شيء إن بلوت الألسنا
وهو لسان كله وبعد ذا
تنظره عند الكلام ألكنا
وفي خوان المجد كانا مألفي 
عند الصيام رب فاجمع بيننا
الزلابية (شبابيك الذهب)
أما الزلابية فهي من الحلويات التي يقبل على تناولها الصائمون طيلة شهر رمضان، ويختلف لونها بين الأصفر والأحمر, وتكون بأحجام مختلفة، والزلابية في اللغة: حلواء معروفة، وهي عربية الأصل لأنها وردت في إحدى الأراجيز الشعرية العربية القديمة. ولكن لم نهتد إلى أشعار وافرة عنها في الأدب العربي، فقد قال عنها ابن شهيد الأندلسي على لسان فقيد شَرِهٍ في وصف الزلابية: «ورأى الزلابية، فقال: ويل.. أبأحشائي نُسِجت، أم من صفاقِ قلبي أُلفَت؟ فإنني أجد مكانها من نفسي مكيناً. وحَبْلُ هواها على كبدي متيناً. فمن أين وَصلت كف طــــــــابخها إلى باطــــني، فــــــــــــأقـــــتــــــطعها من دواجِنِي، والعزيز الـــــغفار، لأصلها بالنار؟». ووصف الشاعر ابن الرومي الطباخ الذي يُقلي الزلابية فقال:
وَمُستَقرٍ على كُرسيه تَعبٍ 
روحي الفداء له من مُنصِبٍ تَعَبٍ
رأيته سَحَراً يُقلي زلابيةً
في رقة القِشْرِ والتجويف كالقصبِ
يُلقي العجين لُجيناً من أنامله 
فَيستحيلُ شبابيكا من الذهبِ

«أمر الدين»
أمر الدين - بالهمزة - حلوى المشمش المعروفة والتي تكتب «قمر الدين» وهذا خطأ شائع وترجع التسمية إلى مدينة «أمر الدين» بالشام، التي اشتهرت بزراعة المشمش ثم حور الناس الاسم إلى «قمر الدين» جهلا بسبب التسمية، واعتقادا أن العامة قلبوا القاف همزة حسب اللهجة الدارجة حتى اليوم في كثير من مناطق مصر والشام، وزعموا أن التسمية ترجع إلى شخص يدعى «قمر الدين» كان يزرع المشمش وأراد تخزينه ليصنع منه مشروبا في رمضان، فجففه على النحو المعروف، وصنع أول لفافة من لفافات «أمر الدين» وقد أعجب عبد الملك بن مروان بطعـــمه وأمــــر بتقديمه لـــلناس في رمــضان، ومن هنا اكتسب شـهرته وارتــــبط بالشــهر الكــريم.

الخشاف والمرطبات
اعتاد الناس في رمضان تناول المرطبات أو الخشاف عند انطلاق مدفع الإفطار. ودلت الأبحاث على استحسان هذه العادة صحياً لأن المرطبات أو ماء الخشاف المحلى بالسكر تمتصه الأمعاء في نحو خمس دقائق فيرتوي الجسم الذي لوعه العطش وخاصة في أيام الحر الشديد، وتزول عنه أعراض نقص السكر والماء أثناء فترة الصيام، ولهذا يبقى أثر تغذيتها في الجسم فترة طويلة إذا تناولها الإنسان أثناء السحور لأنها تحول دون الشعور بالظمأ والتعب وقت الصيام.

التمر مع الزبد
 من أنواع الحلواء الرمضانية، يحبه أهل البداوة بخاصة، وفيه يقول الشعبي: «ما رأيت فارسا أحسن من زبد على تمر». وقال الحجاج لجلسائه: «ليكتب كل رجل رقعة في أحب الطعام إليه، ويجعلها تحت مصلاي»، فإذا الرقاع كلها الزبد والتمر. 

اللوزينج
بسكون الواو وكسر الزاي وفتح النون، شبه القطائف يقدم بدهن اللوز، وكان يسمى عند العرب القدماء: «قاضي قضاة الحلاوات». ولابن الرومي قصيدة في وصفه، ويعد اللوزينج والفالوذج أنفس الحلويات على الإطلاق، وكانت المنافسة بينهما أو قل بين أكليهما شديدة.

الفالوذج
بفتح الذال: حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل. وقد جاء الفالوذج بهذه الصيغة في القاموس، وحكي الرازي في مختار الصحاح: الفالوذ والفالوذق معربان، قال يعقوب: «ولا تقل الفالوذج». وفي الحديث: «أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل الدجاج والفالوذ».

الخبيصة أو الخبيص
ويعمل في الأصل من السمن والتمر، وقد يعمل من العسل ونقي الدقيق، وكان سفيان يقول: لابد للعاقل في كل أربعين يوما من خبيصة تحفظ عليه قوته. ويحكي مالك بن أنس عن ربيعة الرأي: أكل الخبيص يزيد في الدماغ. وأول من خبص الخبيصة عثمان بن عفان رضي الله عنه (خلط بين العسل ونقي الدقيق) ثم بعث بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في منزل زوجه السيدة أم سلمة، فقال: من بعث بهذا؟ فقالوا: عثمان، فرفع الرسول الكريم وجهه إلى السماء وقال: «اللهم إن عثمان يسترضيك فارض عنه».

الهريسة
من أنواع الحلوى، تصنع من دقيق أو جريش البر والسمن والسكر، والهريس أو الهريش: طعام معروف بدأ ظهوره ببلاد اليمن وشبه الجزيرة العربية، مصنوع من الحب المدقوق بالمهراس قبل طبخه. 
المكسرات
المكسرات أغذية نباتية تسمى في بعض البلاد: النُقُل، وهي أنواع من الأطعمة الصلبة بعض الشيء أو ذات الجدار (مثل البندق والفستق والجوز وعين الجمل) وتؤكل نيئة في معظم الأحيان، ولا تفقد شيئا من عناصرها الغذائية إذا طبخت.
والمكسرات مزيج مركب من البذور والفواكه، ومن المعروف أن معظم البذور تأتي من الفواكه وبعض المكسرات يأتي من نوايات البرقوق والخوخ والمشمش عـــلى سبيل المثال.
ومــــن أنـواع المكسرات التي ارتبطت بشهر رمـــضان الكريم في بلاد كــثيرة عربـــــية وإسلامية: البندق واللوز والجوز وعين الجمل والفستق والفول السوداني والصنوبر والكاجو (الكاشو) وفصفص دوار الشمس (بذر دوار الشمس) وغيرها.
ومثل هذه المكسرات تُضاف إلى أنواع كثيرة من الحلويات الرمضانية التي عرفت في بلاد كثيرة من العالمين العربي والإسلامي، مثل الكنافة والقطايف والأرز باللبن والسحلب، وبعضها يُضاف على أنواع أخرى من أطباق الرز واللحوم والمعجنات والأسماك والسلطات، كما هي دون طحنها، أو بعد طحنها ومزجها مع الأطعمة.

القرقيعان
عادة من أهم العادات الشعبية الرمضانية انتشارا في بلدان الخليج العربي وتكون ليلة اكتمال البدر في شهر رمضان، حيث يخرج الأطفال، وهم أبطال هذا المهرجان، ليجوبوا الشوارع والأزقة مبتهجين بهذه المناسبة الرمضانية التي توارثوها عبر الأجيال وهم يلبسون الملابس الجديدة التي تخاط لهم خصوصاً لهذه المناسبة، ويحملون معهم أكياسا يجمعون فيها الحلوى والمكسرات التي يحصلون عليها من أصحاب البيوت.
وهي عادة محلية في كثير من دول الخليج العربي أساسها تشجيع حديثي الصوم من البنات والأولاد على إنجازهم الصوم لنصف الشهر، داعين الله على تمامه، وتستعد الأسر للقرقيعان بتجهيز الحلويات والنخج (النخج: بذور بعض الخضار كالجح والبطيخ والقرع، مسلوقة ومملحة ومجففة), وأيضاً يعدون بعض الأطعمة مثل الزردة والكليجة الحساوية. وعند مرور الأطفال زرافات ووحداناً على البيوت التي تكون أبوابها مشرعة لاستقبالهم ينشدون:

قرقع قرقع قرقيعان
عام عام يا صيام
عطونا الله يعطيكم
بيت مكة يوديكم
ويـــــعــــــــودكــــــم لهاليكم
عطــــــــونا يــــــــا أهــــل السطوح 
عــــــــــطــــــــــــونــــاولاَّ بنـروح.
ويستخدمون القرقيــــــعانة لإظهار الصوت، وتباشر الأم أو البنيات في البيت بتوزيع الحلويات والنخج أو الأطعمة، وهم يرددون غالباً اسم أصغر طفل في البيت (عطونا قرقيعان، يذكر اسمه) وعند رحيل الأطفال ينشدون «عساكم من عواده ولا تقطعوا العادة».
 
موائد الرحمن
كان أحمد بن طولون (مؤسس الدولة الطولونية بمصر سنة 870م) أول من دعا إلى إقامة موائد الرحمن، حيث قام بدعوة الأمراء والأغنياء والحكام إلى موائد إفطار رمضانية حافلة بأنواع البذخ، وفوجئ المدعوون من كبار القوم بوجود حشد كبير من الفقراء والمساكين معهم على المائدة، ووقف ابن طولون خطيبا وأعلن أنه دعاهم لينظروا إلى ما يجب أن يكونوا عليه من سخاء وكرم طيلة شهر رمضان، فتبارى الأمراء والأغنياء في إقامة موائد الرحمن حتى كان بعضهم يبعث بالخدم إلى بيوت الفقراء ليحملوهم بالقوة إلى موائدهم، وهكذا أصبحت موائد الرحمن سمة من سمات رمضان في الدولة الطولونية، وسار على نهجها من أتى بعدهم من الأمراء والحكام، وبذلك فإن أحمد بن طولون هو أول من دعا لإقامة موائد الرحمن الرسمية في التاريخ. 
- ومن طريف ما يذكر أن الإمام الليث بن سعد كان مشهورا بكرمه الشديد، وكان يقدم «الهريسة» لضيوفه وزائريه في رمضان وكان الإمام الليث واسع الثراء شديد الغنى، ومع ذلك لاحظ أحد المتطفلين أن خادم الإمام يغدو ويروح حاملا أطباق الفول، فسأله: هل يأكل خدم الليث الفول رغم ثروته الطائلة؟ فضحك الخادم وقال: كلا والله إنا نأكل اللحم طبيخا وشواء وصنوف الأطعمة الأخرى وأنواع الحلو، وهذا الفول للإمام أطال الله عمره وأدام نعمته.
- وممن اشتهروا بالاحتفاء بشهر رمضان وإطعام الفقراء والمساكين فيه، الأمير الصاحب بن عباد، فقد كان لا يدخل عليه أحد في شهر رمضان بعد العصر كائنا من كان ويخرج من داره إلا بعد الإفطار عنده، وكانت داره لا تخلو كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس مفطرة فيها، وكانت صلاته وصدقاته وقرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يُطلق منها في جميع شهور السنة، وهو القائل في رمضان:
قد تعدَوا على الصيام وقالوا: حُرِم العبد فيه حسن العوائد
كذبوا.. في الصيام للمرء مهما كان مستيقظا أتم الفوائد 
موقف بالنهار غير مريب  واجتماع بالليل عند المساجد.
 - وممن اشتهر بالسخاء أمير يدعى أبا الحسن في عصر كافور الإخشيدي، وكان أكثر ما يكون سخاء في شهر رمضان. وكان الشعراء يتسابقون لمدحه، وكان إذا مدحه شاعر بشعر لم يعجبه جلده عشر جلدات، وفي رمضان يأمره بصلاة مائتي ركعة فتحاشاه الشعراء إلى أن أتاه أحدهم وقال:
 أردنا في أبي حسن مديحا
كما بالمدح تنتفع الولاة 
 فقالوا: يقبل المدحات لكن جوائزه عليهن الصلاة
 فقلت لهم: وما تغني صلاة عيالي؟ إنما شأني الزكاة
ومما يذكر في هذا المجال أن قائد المماليك البحرية (لؤلؤ الحاجب) كان يوزع كل يوم في رمضان اثني عشر ألف رغيف مع قدوم الطعام، ويشرف بنفسه على توزيع الصدقات، وكان يضع ثلاث مراكب كبيرة مملوءة بالطعام للفقراء، فإذا فرغ من إطعام آلاف الفقراء بسط سماطاً (مأدبة) لجنوده ثم يجلس معهم لتناول الإفطار.
كما كان الملك الظاهر بيبرس يقيم عددا كبيرا من المطابخ في القاهرة، وبقية أنحاء مصر لتقديم جميع أنواع الأطعمة والحلوى للفقراء والقادمين إليها من الفقهاء والعلماء، فتقام المائدة أو توزع الأطعمة الناتجة من المطابخ عليهم ليتناولوها مع أسرهم داخل دورهم. كما كان هناك تقليد جميل يتبعه الظاهر بيبرس، وهو توزيع عدد من أحمال الدقيق والسكر والمكسرات ولحم الضأن على الفقراء تحت إشراف المحتسب أو ناظر الدولة، حتى يتمكن الفقراء من إقامة المآدب التي تحلو لهم داخل دورهم. وكان من عادة الأغنياء وقتها وجود مطبخين في بيوتهم، أحدهما للرجال والثاني للحريم، وعند الإفطار تمد الموائد وتكون مباحة لكل الناس، وهـــي نـــفس الحـــال في مـــــــنازل الـــــــــــطــــــــــــبقتين الـــــــــوسطــى والــعـــليا، حــــــيث يوضع كـــرسي علــــــيه صــــينية مملوءة بالـــــــــطعام بغرفة الاستقبال قبل غروب الشـمس، وتضم هذه الـــــموائد المــــــــرطــــــــبـــــات والمكسرات والبلح والتين واللحم والأرز، ويجلس بعض من أهل البيت في انتظار الوافدين على غير انتظار، وبعد الإفطار يؤدون الصلاة ثم يشربون القهوة. 
كما اعتاد بعض الحكام والسلاطين على صرف التوابل للفقراء في رمضان من خزانة التوابل، خاصة ماء الورد والعود والبخور. 

وقفية السكر
من المظاهر الاجتماعية التي ارتبطت بشهر رمضان «الوقف»، حيث يوقف أهل الخير المباني والأرض على مختلف الأغراض، ومن أطرف هذه الأوقاف «وقفية السكر» للسلطان حسن بن محمد بن قلاوون، صاحب المسجد المشهور بالقلعة، حيث يقرر فيها صرف رواتب إضافية من السكر لطلبة العلم والأيتام في رمضان، نظراً لزيادة استهلاك السكر في ذلك الشهر الكريم، بسبب الإقبال على عمل الحلوى، ولم يكتف السلطان حسن بذلك بل حدد تفصيلا نصيب كل فرد من السكر، كل على حسب منزلته ومكانته، ولم تقتصر الوقفية على السكر فقط ولكنها اشتملت أيضا على توزيع الطعام المكون من اللحم والخبز والأرز والعسل وحب الرمان، ونص الوقفية كالآتي: «يصرف كل يوم من أيام شهر رمضان ثمن عشرة قناطير من اللحم الضأن، وثمن أربعين قنطارا من خبز القرصة وثمن حب رمان وأرز وعسل وحبوب وتوابل وأجرة من يتولى الطبخ وتفريقه، وثمن غير ذلك مما يحتاج إليه من الآلات التي يطبخ بها، علاوة على السكر الذي يوزع بمعرفة رجالنا».

الطباخون عملة نادرة في شهر رمضان
إذا عدنا إلى نص الوقفية السابقة (وقفية السكر) طالعنا مدى أهمية هذه الفئة في رمضان، حيث نصت الوقفية على إخراج مرتب من يتولى أعمال الطبخ. لذا أسس خمارويه بن أحمد بن طولون مدرسة لتعليم الطهاة في فن الأكل وإعداد المائدة، وذاعت شهرة الطباخين حتى تخاطفهم الملوك والأمراء والأثرياء بأعلى سعر وأغلى أجر، فكانوا عملة نادرة في ذلك الوقت. 
وفي عهد الملك بيبرس أقيم عدد كبير من المطابخ في القاهرة وبقية أنحاء مصر لتقديم جميع أنواع الأطعمة والحلوى للفقراء والقادمين إليها من الفقهاء والعلماء، فتقام الموائد وتوزع الأطعمة الناتجة من المطابخ عليهم ليتناولوها مع أسرهم داخل بيوتهم.

متى يشتري هؤلاء الضعفاء إفطارا لعيالهم؟
 لأحمد بن طولون كلمة مشهورة يحفظها كل أعضاء نقابات العمال في مصر إلى يومنا هذا عندما كان يزور مسجده عند بنائه، وكان يشاهد العمال والبنائين في مثل هذه الأيام المباركة وهم يعملون إلى المغرب فقال: «ومتى يشتري هؤلاء الضعفاء إفطارا لعيالهم؟!». وأمر أن ينتهي العمل ساعة العصر، فدعوا له بالخير والصحة وراحة البال.
هكذا عُني المسلمون بشهر رمضان المعظم وأحاطوه بأنواع التكريم، وأغدقوا فــــــــــيه الــــــــخير علـــــى الفـــــــقراء والــــــمحــــــــتــــاجــــــيـن. 
واهـــــتم كـــــثيرون منــــــهم عــــــبر الـــتـــــــاريــــــــخ ولايــــــزالـــون بالمــــوائد المـــــليئة بصنوف المرطبات والحلوى وعلى رأسها القطائف والـــــــــــكنافة وأصابع الزبيب وغيرها.