صُحار العمانية خزانة التاريخ وعرش آل الجلندى

صُحار العمانية خزانة التاريخ وعرش آل الجلندى

تتميز سلطنة عُمان بتاريخها البحري المجيد، وتسطع في ذاكرتها العديد من المدن التي لعبت أدوارًا كبرى في تاريخ عمان، مثل مدينة قلهات التابعة لولاية صور في المنطقة الشرقية، التي استوطنها القائد الأزدي مالك بن فهم، وأسس فيها مملكته، إثر انهيار سد مأرب في اليمن. وبعد انتقال المُلك من أبناء مالك بن فهم إلى آل الجلندى بن المستكبر، جعلوا من صحار في سهل الباطنة عاصمة لمملكتهم. ومما لا شك فيه أن اختيار آل الجلندى مدينة صحار لتكون عاصمة لمملكتهم يأتي بناء على أهميتها الحضارية والاقتصادية والاستراتيجية والثقافية والدينية، وهو ما وثّقه التاريخ وأثبته الرحّالة والكتّاب والمؤرخون عبر القرون.

 

 

 هذه المدينة تمتدّ اليوم بقلعتها المهيبة وخيلاء تاريخها العريق، على شاطئ بحر عُمان الأسطوري الذي يحكي قصص البحارة والغواصين والمغامرين والملّاحين والتجّار والعابرين والغزاة والقادمين إليها من قارات العالم. تقف اليوم في وداعة وسكينة متناهية، مشرعةً أبوابها على المطلق الأزرق الذي ينضح تحت قدميها منذ الأزل، حاملًا روائح الأزمنة وضجيج العصور.

علاقات مع حضارات العالم القديم
كانت لهذه المدينة التاريخية ارتباطات وصلات عميقة بكثير من الحضارات القديمة، مثل حضارة بلاد الرافدين وحضارة الرومان وحضارات الهند والسند والحضارتين الصينية والفارسية وغيرها. وقبل اكتشاف الطريق البحري، كان طريق الحرير التاريخي يمرّ بصحار، وتؤكد الكثير من المكتشفات القديمة في صحار علاقتها الوثيقة مع حضارات العالم القديم، باعتبارها ميناء عمان وبوابتها المفتوحة على العالم. يقول عبدالرحمن الهنيامي في كتابه «مدينة صحار العمانية... تاريخ عريق ومستقبل مشرق»: «وقد تعاقبت على مدينة صحار مجموعة من البعثات بدأت بالبعثة الدنماركية والأمريكية والفرنسية، وجميعها أكدت أن صحار قديمة قِدَم التاريخ، بدأت قبل الميلاد، واستمرت إلى يومنا هذا، مؤكدين في الوقت نفسه التواصل الحضاري لصحار مع بقية الحضارات، وأنها كوّنت حلقة وصل بين تلك الحضارات كبلاد السند والرافدين وبلاد الشام».
ويقول الباحث علي بن محسن آل حفيظ، في ورقة له بعنوان «صحار في مواجهة الأحداث»، نُشرت ضمن كتاب «صحار عبر التاريخ»، الصادر عن المنتدى الأدبي: «لعله من البديهي القول أن اسم صُحار قد ارتبط وجدانيًا بالعديد من المسميات أو الصفات ذات الدلالات القيمية والتاريخية والثقافية. فحينما تُذكر «مجان التاريخ» ونحاسها ذكرت صُحار، وحينما يُذكر ازدهار التجارة في موانئ الخليج في العصور الوسطى تذكر صحار، وحينما يُذكر الحرير وتجارته وأسطورة السندباد تذكر صُحار، وحينما تذكر أسواق العرب في الجاهلية تذكر أيضًا صُحار».

صحار وإسلام أهل عمان
  تطلّ صحار على بحر عمان، وهي تقع في الطرف الشمالي من ساحل الباطنة الذي يمتد من مسقط جنوبًا إلى حدود دولة الإمارات العربية المتحدة شمالًا، وتقدّر مساحة صحار بحوالي 2025 كيلومترًا مربعًا، وهي الآن العاصمة الإدارية والاقتصادية لمحافظة شمال الباطنة، وتتبع لها تسع وتسعون قرية تتوزع بين الشريط الساحلي والمنطقة الجبلية. قال عنها السلطان قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراه: «صحار المدينة العريقة التي يفوح من جنباتها عبق التاريخ العاطر، ويلوح في محيّاها ألق الحاضر الزاهر، ورونق المستقبل الناضر».
وقد شرُفت صحار باستقبال رسالة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى أهل عمان، يدعوهم فيها للإسلام، على يد الصحابيَّين الجليلين عمرو بن العاص وأبو زيد الأنصاري، اللذين حملا رسالة النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى ملِكَي عُمان عبد وجيفر ابني الجلندى، في السنة الثامنة للهجرة، ومنها انبثق نور الإسلام على القُطر العماني التاريخي قاطبة.
وقد بقيت صلة النبي، صلى الله عليه وسلم، وثيقة بأهل عمان عامة، بما فيها صحار، حتى فارق الدنيا. يقول أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه «أنساب الأشراف»: «ذُكِرَ أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أحرم في حجة الوداع في ثوبين من صحار هما إزار ورداء». ويذكر علي بن الحسين المسعودي في كتابه «التنبيه والأشراف» أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كُفِّن في ثلاثة أثواب، منها ثوبان صحاريان».


المدينة عبر التاريخ
يقول د. سعيد بن سليمان العيسائي في ورقته المعنونة «صحار ودورها الثقافي» المنشور في كتاب «صحار عبر التاريخ»: «شرُفت هذه المدينة باحتضان عدد من العلماء والأعلام الذين كان لهم دور في المجالات الدينية والسياسية والأدبية والشعرية والتاريخية على امتداد الحقب التاريخية المتعاقبة، ويكفيها فخرًا احتضانها لهذين العلَمين البارزين عبد وجيفر ابني الجلندى اللذين كان لهما الفضل في دخول أهل عمان في الإسلام. وكانت صحار بسببها أول من استقبل النور الإلهي لتحمله بدورها إلى ربوع الأرض العمانية كافة، ومنها إلى بقاع العالم وأصقاعه القصية كالصين والهند وشرق إفريقيا وإندونيسيا وغيرها من دول العالم».
ويقول د. عبدالغفار بن محمد شريف الشيزاوي، في كلمته بكتاب «بهجة الناظرين في تراجم فقهاء صحار المتأخرين» للشيخ علي بن إبراهيم المعيني: «لقد ساهم أهل صحار في نشر الإسلام من خلال مزاولتهم التجارة في مختلف الأماكن التي كانوا ينزلون فيها لبيعهم وشرائهم، وعن طريق تعاملاتهم مع أهل تلك الأماكن التي أحسّ أهلها بروح التعامل الطيب والصادق، وحُسن المعاملة، والتحلّي بالقيم الفاضلة خاصة الأمانة، مما جعلهم يُقبلون على هذه القيم والتعرف على حقيقتها وحقيقة الدين الذي يبثّها. وهكذا ظهرت مراكز إسلامية على سواحل جوجرات ومليبار وجزر إندونيسيا وماليزيا وسواحل فيتنام، وغيرها من المناطق في تلك البقاع، حتى أن بعضها يحمل أسماء أولئك التجار من أهل صحار كعبيدالله بن القاسم التاجر الصحاري».

صحار... الميناء والتجارة
هذا يقودنا إلى الحديث عن المكانة التجارية التي بلغتها صحار وصناعاتها وأسواقها في الجزيرة العربية منذ قبل الإسلام، فقد اشتهرت بصناعة النسيج والنحاس، وكان سوق صحار يعدّ أحد أسواق العرب المهمة ويعجّ ميناؤها بالحركة. 
ووفقًا للموسوعة العمانية فإنه: «كان الناس يجتمعون فيه خلال موسم معيّن، فكان يقام في أول شهر رجب، ويستمر لخمسة أيام متواصلة». ويقول أندرو ويليا مسون في كتابه «صحار عبر التاريخ»، (ترجمة محمد أمين عبدالله): «وكان هذا السوق قبل الإسلام سوقًا أدبيًا، إلى جانب كونه سوقًا تجاريًا، وكان يجتمع فيه الكثير من التجار من جنسيات مختلفة كالهنود والفرس والعرب».
وكان لصحار ميناء تاريخي ذكرته أغلب المصادر والكتابات القديمة. وينقل الباحث حسن عبدالرحمن الهنيامي في كتابه «مدينة صحار العمانية... تاريخ عريق ومستقبل مشرق» بتصرّف عن كتاب «صحار تاريخ وحضارة» لجون ويليكنسون قوله: «تؤكد الدراسات التي اعتمدت على الكتابات القديمة والحديثة وجود ميناء نشط في صحار قديمًا امتد عطاؤه إلى عهد قريب، وكان هذا الميناء أحد ثلاثة مراكز تجارية نشطت قبل الإسلام، ثم تطورت بعد ذلك إلى موانئ رئيسية هي مركز الأُبلة، والبصرة، ومركز سيراف، ومركز صحار، والذي يتمركز بموقعه خارج الخليج العربي، ووقوعه على أطراف المحيط الهندي، وتأثّر أكثر بالرياح الموسمية المحددة للتجارة والسفر في المحيط». وكان هذا الميناء يرتبط بالعديد من الموانئ في العالم منها موانئ الصين وجنوب آسيا وموانئ ساحل إفريقيا الشرقية وموانئ شبه الجزيرة العربية المطلة على المحيط الهندي وموانئ الهند ومكران وموانئ الخليج العربي.
وتقديرًا لهذا الدور التاريخي الذي لعبته صحار في مجال الملاحة البحرية، واعتزازًا بريادة العمانيين في ارتياد البحار والمحيطات على مرّ العصور، وسعيًا لإحياء الأمجاد البحرية العمانية التليدة، فقد صدرت التوجيهات السامية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراه، بتسيير رحلة بحرية من عمان إلى ميناء كانتون في الصين، الذي كانت تربطه بعمان قديمًا علاقات وثيقة، وذلك باستخدام سفينة تقليدية كتلك التي كان يستخدمها البحّارة العمانيون الأوائل. ومن أجل تحقيق هذا المشروع جرى بناء سفينة عملاقة تحمل اسم «صحار»، وفق الطرق العمانية التقليدية، وقد انطلقت إلى الصين عام 1981، لتعيد كتابة فصول هذه الملحمة التاريخية العمانية المجيدة.

مقصد الرحالة والمستكشفين
هذه المكانة الحضارية المرموقة التي بلغتها صحار جعلتها محط أنظار الرحالة ومقصد المستكشفين والتجار والغزاة، وقد ورد اسم صحار في معظم المدونات التاريخية. يقول الإصطخري (ت 340 هـ ـ 951 م) في كتابه «مسالك الممالك»: «وعمان مستقلة بأهلها كثيرة النخيل والفواكه كالموز والرمان والنبق وغيره، أما قصبة بلاد عمان فهي صحار، تقع على البحر، وبها متاجر البحر، وتقصدها المراكب، وهي أكثر مدينة عامرة بعمان، وأكثرها مالًا، ولا تكاد تعرف على ساحل البحر بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالًا من صحار».
أما المقدسي (ت بعد 390 هـ ـ 999 م) فيقول في كتابه «أحسن التقاسيم»: «وأما قصبة عمان فهي مدينة صحار». ويضيف: «إنه ليس على بحر الصين اليوم بلد أجمل منه، عامر آهل خصب طيّب نَزِه، ذو يسار وتجار وفواكه وخيرات، وهي أيسر من زبيد وصنعا اليمنيتين، بها أسواق عجيبة، وهي بلدة ظريفة، ممتدة على البحر، ودورها مبنية من الآجر والساج شاهقة نفيسة». إلى أن قال: «وصحار دهليز الصين، وخزانة الشرق والعراق، ومغوثة اليمن».

مدينة جميلة
ورد في وصف عمان لدى الرحالة الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني، الذي عاش في القرن الرابع الهجري: «كورتها العظمى صحار». ووصفها ياقوت الحموي قائلًا: «وقصبة عُمان صحار»، مشيرًا إلى أن «فيها أسواقًا عجيبة وآبارًا عذبة ذات مياه غزيرة، وهي دهليز الصين وخزانة الشرق»، وهي حسب وصفه: «مدينة طيّبة الهواء والخيرات والفواكه، مبنية بالآجر والساج، ليس على بحر العرب بلد أجل منها، وهي أعمر مدينة بعمان، وأكثرها تجارة وأموالًا ويسارًا».
أما ابن حوقل فيصف صحار في كتابه «صورة الأرض» قائلًا: «لا توجد في كل أنحاء العالم مدينة تضاهي صحار في ثراء تجارها».
وقال الإدريسي عن صحار: «إن تجار البلاد يقصدونها في كل سنة بما لا يُحصى عددهم... وإليها تجلب جميع بضائع اليمن ويتجهز منها بأنواع التجارات، وأحوال أهلها واسعة، وبها النخيل والموز والرمان والسفرجل وكثير من الثمار الطيبة».
وقال عنها جيمس ريموند ولستد عام 1836: «إنها أعمر ساحل عُمان وأكبرها على الإطلاق، وهي تلي مسقط بكونها مركزًا تجاريًا مهمًا». في حين قال القائد البرتغالي البوكيرك مسوغًا غزوها بجيوشه المعتدية: «إنها مدينة جميلة، ذات منازل أنيقة، أراضيها واسعة وممتدة، مزروعة بالقمح والذُّرة والشعير».

فخر واعتزاز
ونظرًا لهذه الأهمية التاريخية والحضارية التي تمثّلها صحار في التاريخ العماني، فقد نظم فيها العديد من العمانيين قصائد الفخر والاعتزاز. ومن بين هؤلاء الشيخ العلّامة سالم بن حمود السيابي، الذي قال:
هذي صحار فحيِّ حصنها العالي
    وانشد حقائق في تاريخها الغالي
وسر رويدًا على أرجاء ساحتها
    مهد الأكابر أحبار وأقيال

كما قال عنها الشيخ عبدالله بن راشد السيابي في إحدى قصائده:
جدّد الذكر عن صحار المعالي
    تلقَ مجدًا سما لأوج الكمال
واقرَ عنها صحائفًا ناصعـات
    من قديم من العصور الخوالي
سجل الدهر كل فخر تليد
    لصحار وطارف في النضال
فلعبد وجيفر ابني جلندي
    خير ملك بها بعرش الجلال

وكغيرها المدن والحواضر البشرية التي تعرض للعوامل والمؤثرات المختلفة، فقد شهدت صحار في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي تراجعًا وضعفًا في تجارتها مع شرق آسيا، إذ تحوّل النشاط التجاري إلى قلهات وعدن اليمنية.
 لكن ما لبثت صحار أن قامت من جديد، واستعادت دورها الحضاري والتجاري، إلّا أنها تعرّضت في مطلع القرن السادس عشر الميلادي إلى أحد أبشع أنواع الاحتلال، وهو الاحتلال البرتغالي، لكنّها انتفضت ضد الاحتلال بقيادة الإمام ناصر بن مرشد الذي حررها عام 1643، لتعاود دورها الحضاري والملاحي والتجاري والثقافي من جديد.
وبعد نحو قرن من تحريرها، وتحديدًا عام 1744 أُسست في صحار مرحلة جديدة من تاريخ عمان على يد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، الذي تمكّن من طرد الفرس من صحار وبقية المناطق العمانية، ليؤسس حكم الأسرة البوسعيدية التي ما زالت تتولى مقاليد الحكم في عمان إلى يومنا هذا، ومنها يتحدّر الإمام سعيد بن سلطان والسلطان قابوس بن سعيد والسلطان هيثم بن طارق.

صحار... مركز حضاري
وكما أن لصحار تاريخًا تجاريًا وسياسيًا بارزًا، فهي أيضًا تعد أحد مراكز الحضارة والثقافة عبر امتداد تاريخها المشرق، وكانت أحد أسواق العرب قبل الإسلام، مثل سوق عكاظ وسوق ذي المجاز وغيرها.
وقد أنجبت هذه المدينة الكثير من أعلام عمان الذين تركوا إرثًا معرفيًا خالدًا في مختلف المعارف والعلوم كاللغة والأدب وعلوم الدين والتاريخ والأنساب وغيرها. ومن أوائل شعراء صحار، في القرن الثالث للهجرة ومطلع القرن الرابع أبوبكر محمد بن الحسن بن عتاهية الأزدي، المعروف بابن دريد. يقول محمد بن راشد بن عزيز الخصيبي في كتابه «شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان»: «سكن في صحار من الباطنة، ویُقال أيضًا سكن في دما التي كانت مأوى الأخيار والعلماء، وهي بلد السيب من خط الباطنة». وكما هو معرف أن ابن دريد وُلد في البصرة شأن الكثير من العلماء والأدباء العمانيين في تلك الحقبة. وتروي مصادر الأدب العربي أنه انتقل للعيش في عمان عام 257 للهجرة، وأقام اثني عشر عامًا.
ويذكر ياقوت الحموي في معرض حديثه عن صحار في كتابه «معجم البلدان» شاعرًا عمانيًا يُقال له بن زوزان، إذ يقول: «وإليها يُنسَب أبو علي محمد بن زوزان الصحاري العماني الشاعر، وكان قد نُكِبَ فخرج إلى بغداد».
ومن أبرز أعلامها في القرن الثاني الهجري الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي، وهو صاحب المسند في الحديث النبوي، الذي يُطلق عليه «الجامع الصحيح»، ويعدّ المرجع في الحديث النبوي لدى الإباضية.

أعلام وعلماء
من أعلام صحار، الإمام محبوب بن الرحيل الذي تتلمذ على يد الإمام الربيع، ثم ابنه محمد بن محبوب، وبشير بن محمد بن محبوب، وسعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب. ومن أعلام القرن الرابع الهجري أبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة، المعروف بـ «ابن بركة»، ومنهم المقرئ أبو محمد العماني، وقد تتلمذ على يد ابن بركة.
ومن علماء القرن الخامس الهجري بصحار، أبو المنذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري، صاحب الكتاب الشهير «الأنساب»، والمختار بن عوف الأزدي المعروف بأبي حمزة الشاري.
ومن شعراء القرن الحادي عشر، وفق ما جاء في كتاب «شقائق النعمان»، عبدالله بن خلفان بن قيصر بن سليمان الصحاري، واشتهر بابن قيصر، وقد كتب سيرة الإمام ناصر بن مرشد، وهي «جامعة لفتوحات ووقائع وأحداث وأحوال هذا الإمام، ومعها مدائح ورثاء وتاريخ، فينثرها أولًا ثم ينظمها».
ومن الشعراء الذين وُلدوا بصحار في القرن الثاني عشر الهجري الإمام سعيد بن الإمام أحمد بن سعيد، مؤسس دولة البوسعيد. تولى الإمامة بعد أبيه وتوفي في الرستاق. ومن أشهر قصائده «يا باخلًا بالوصل»، التي ما زال الناس يتناقلونها ويرددها الكثير من المغنين في أغانيهم ومواويلهم:
يا من هواه أعزّه وأذلني
    كيف السبيل إلى وصالك دّلني؟
وتركتني حيران صبًّا هائمًا
    أرعى النجوم وأنت في نومٍ هني
عاهدتني ألّا تميل عن الهوى
    وحلفت لي يا غصن ألّا تنثني

ولسنا هنا بصدد ذكر جميع أعلام صحار، وإنما نورد بعضًا ممن برز منهم على سبيل الذكر لا الحصر، إذ إنه من الصعوبة بمكان الإحاطة بكل أعلامها في مقالة موجزة تهدف إلى تقديم صورة بانورامية عامة عن هذه الولاية العريقة. 
إلى جانب ذلك، تتميز ولاية صحار بفنونها العمانية العريقة التي تجمع بين فنون البحر وفنون أهل البادية، نظرًا إلى طبيعتها التي تجمع في جغرافيتها الساحل والجبل. ومن هذه الفنون القصافي وهمبل البوش (الجمال) والقصافي والرزحة والونة والتغرود والطارق والويلية والتومينة والميدان والباكت والوهابية والعيالة والعازي والدائرة، وغيرها الكثير.

صحار والنهضة العمانية الحديثة
انطلاقًا من هذه الأهمية التاريخية لهذه المدينة العريقة، فقد حظيت صحار باهتمام كبير في النهضة العمانية الحديثة التي أرسى دعائمها السلطان قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراه، إذ باتت اليوم تمثّل واحدة من أهم المدن العمانية على الإطلاق، فهي إلى جانب أنها العاصمة الإدارية لمحافظة شمال الباطنة، تضمّ العديد من المعالم التاريخية والتنموية والاقتصادية، منها ميناء صحار الذي بدأ العمل فيه عام 2004م، ويعدّ من أهم الموانئ على بحر عمان، وهو يرتبط بالعديد من موانئ المنطقة والعالم، وقد أضيفت إليه عام 2008 منطقة حرّة، وبات من أكثر الموانئ تطورًا عبر العالم ويقدّم خدماته الملاحية والبحرية والتجارية واللوجستية المختلفة.
 كما تضم ولاية صحار منطقة صحار الصناعية التي افتتحت عام 1992، وتضم العديد من المصانع، وهي في تطور مطّرد. إلى جانب ذلك، تضم الولاية العديد من الفنادق والاستراحات والشقق الفندقية والنوافير والمجسّمات الفنية والمكتبات والمدارس والمعاهد ومؤسسات التعليم العالي والحدائق، مثل حديقة اليوبيل الفضي وحديقة شاطئ صحار ومتنزه صحار العام وحديقة فلج القبائل العامة، إضافة إلى الأسواق الحديثة والتقليدية والمطاعم والمرافق السياحية والترفيهية المتنوعة.
وتحتضن صحار بيت بهجة «بهجة الأنظار»، وهو المقر الخاص بجلالة السلطان، وقد جرى تشييده منذ بداية تولي جلالة السلطان قابوس، طيّب الله ثراه، مقاليد الحكم، يقيم فيه عند زيارته لصحار، ويستقبل فيه الضيوف وكبار القادة والمسؤولين.

«بهجة الأنظار»
يقع بيت بهجة الأنظار في مزرعة غنّاء في قلب صحار، شرقي الشارع العام، يقابله من جهة الغرب جامع السلطان قابوس، الذي أنشئ على مساحة مقدارها 16 ألفًا و992 مترًا مربعًا، ويعدّ أحد أكبر جوامع السلطان على مستوى المنطقة، ويحتوي على مكتبة كبيرة، وتحيط به مسطحات خضراء، تجعل منه مزارًا سياحيًا ومَعْلمًا شاهقًا من معالم الولاية. ويعتقد أن الجامع يقع في موقع «مبرك الناقة»، وهو المكان الذي بركت فيه ناقة النبي ، حينما قدِم وفد النبي الكريم لأهل عمان يدعوهم إلى الإسلام، وكان فيما مضى موقعًا لمسجد صحار القديم. وقد ورد ذكر هذا الموقع عند المقدسي في حديثه عن صحار، إذ قال: «ومسجد صحار على نصف فرسخ، حيث بركت ناقة الرسول .
إلى جانب ذلك، توجد في صحار قلعة صحار التاريخية التي جرى ترميمها، وتضم نفقًا كبيرًا تحت الأرض يبلغ طوله 10 كم، إضافة إلى قبر السيد ثويني بن الإمام سعيد بن سلطان، ومتحف قلعة صحار الذي افتتح عام 1993م، في إطار احتفالات البلاد بالعيد الوطني الثالث والعشرين، ومن أبرز محتوياته رسالة النبي، صلى الله عليه وسلم، لأهل عمان.

لمسة جمالية
تتزين واجهة صحار البحرية بشارع ساحلي (كورنيش) يعطي للمدينة لمسة جمالية، ويوفر مساحة مثالية للسكان والزائرين لقضاء أوقات ماتعة في المشي والتنزه على الشاطئ. ومن المعالم الحديثة البارزة للولاية بوابة صحار التي أنشئت عام 2003م، وهي المدخل الجنوبي للولاية للقادم من جهة الجنوب، وهي بوابة ضخمة تعبر أسفلها المركبات من الاتجاهين، وتتميز بمعمارها العماني الفريد، وتزيّنها الأضواء ليلاً، لتشكّل فضاء جماليًا أمام القادمين إلى الولاية على الشارع العام.
ومثل كل الولايات العمانية العريقة تحتضن صحار العديد من القلاع والحصون والأبراج التاريخية التي شيّدت عبر مختلف الأحقاب التاريخية، مثل قلعة العراد، وقلعة الغضيفة، وقلعة مجز، وحصون الطريف، والصويحرة، وصلان، والخد، وحيبي، وغيرها.
وها هي صحار اليوم، تقف شامخة كما هي منذ قرون سحيقة، تستقبل الشمس الطالعة من وراء البحر الذي ينضح تحت قدميها، مثل فاتنة قادمة من غابات الأساطير، تمشّط ضفائرها وتغتسل بمياهه كل صباح، حينما تفتح عينيها البحريتين على أولى خيوط الشمس الخجولة. تصغي إلى زقزقات النوارس وهدير الأمواج الأزلي. تستنشق عبير البحر وروائح الموانئ والحقول، وتغفو كل مساء على مواويل البحّارة وأغاريد النهّامة. تتمدد هاجعة في سكينة متناهية على رمال الشاطئ الأسطوري الذي شهد مرور التواريخ والأزمنة، وكان مسرحًا للحياة بكل تفاصيلها يروي للعالم حكايات الغواصين والربابنة والقراصنة والغزاة والمستعمرين والتجار القادمين من كل بقاع الدنيا ■

 

صورة علوية للواجهة البحرية لصحار

 

بوابة صحار

 

مسجد السلطان قابوس في مدينة صحار مبني على الطراز الفارسي

 

حصن حيبي

 

باحة مسجد السلطان قابوس الخارجية

 

سوق الأسماك، على هيئة سفينة تمثّل التاريخ البحري للمدينة

 

القمر مطلًا على جامع السلطان قابوس بصحار

 

قلعة صحار

 

قلعة صحار المبنية في الفترة ما بين القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر

 

منطقة صهبان

 

صورة علوية لحديقة اليوبيل الفضي بصحار

 

الواجهة البحرية للمدينة

 

حديقة صحار العامة

 

دوار الصويحرة

 

فتاة من صحار في أحد الاحتفالات الوطنية