شعاع من التاريخ

  شعاع من التاريخ
        

ماجلان يلقى مصرعه

         المسلمون في الفلبين يعتبرون يوم السابع والعشرين من أبريل عام 1521 يوم الانتصار العظيم. ففي ذلك اليوم استطاع مجموعة من الصيادين المسلمين الفقراء الوقوف في وجه الارمادا الإسبانية الزاحفة على جزر الفلبين بقيادة الاستعماري الإسباني فردناند ماجلان. وتمكن زعيمهم الوطني (لابو لابو) من إنهاء الهجمة الاستعمارية على جزيرة (ماكيتان) والقضاء نهائيا على قائد الأسطول الإسباني. وعندما عادت السفينة (فيتوريا) الهاربة إلى ميناء سانلوكو في جنوب شرقي إسبانيا ذات يوم من شهر سبتمبر عام 1522 كانت تحمل على متنها ثمانية عشر رجلا هم البقية الباقية من رجال ماجلان تاركين جثته مشقوقة الجمجمة إلى نصفين بعد أن سحبوها إلى شاطئ الجزيرة وأسرعوا إلى سفينة القيادة ضمن الأسطول عائدين إلى إسبانيا.

         قبل هذه المعركة كانت الأنباء قد تواترت عن اقتراب قطع الأسطول الإسباني التي يقودها المستكشف البرتغالي التابع للتاج الإسباني, بعد أن قمع عصيانا قام به رجال الأسطول قبل عثوره على البوغاز الذي يسلمه إلى المحيط الهادي. فخلال إبحاره للوصول إلى جزر الفلبين تحالف على رجاله مرض الإسقربوط والجوع والعطش حتى أصبحت رحلته كابوسا مخيفا من الرعب والفزع. غير أنهم وصلوا أخيرا إلى جزر مارياناس الواقعة في أواسط جزر الأرخبيل, وكان أقربها إليهم جزيرة سيبو وتوابعها, وبينها جزيرة ماكيتان, مركز الصيادين المسلمين.

         ولم يجد ماجلان مقاومة تذكر في سيبو حيث اتسم الترحيب الذي قدمه هومابون رئيس القبيلة وحاكم الجزيرة بمودة كبيرة. وقدم ماجلان للحاكم صليبا خشبيا طويلا وهو يحاول اجتذابه إلى المسيحية التي كلفه  ملك إسبانيا الكاثوليكي نشرها في المناطق التي يستكشفها.

         وانطلق ماجلان بسفنه جنوبا ليضع قدميه على سواحل جزيرة الصيادين المسلمين الذين أعلنوا تصميمهم على الوقوف في وجه الغزاة الإسبان يقودهم زعيمهم (لابو لابو).

         وهنا وقعت الواقعة!

تفاصيل المعركة

         توقفت سفن ماجلان غير بعيد من الشاطئ, وأنزلت القوارب وعليها ستون من الرجال المدججين بالسلاح والخوذ والتروس والدروع. واستمر الإسبان يتقدمون متدافعين وقد نزلوا من قواربهم التي عجزت عن مواصلة السير على الرمال الضحلة.. والتقى الجمعان!

         انقض الإسبان يتقـدمهم قائدهم ليمزقوا الأجساد نصف العارية بسـيوفهم الحادة ويضربوا الرءوس بالتـروس ومقـاليع الحديد. ولم يهتموا أول الأمر بسـهام البامبو المدبـبة وهي تنهال عليهم من كل صوب, فقد كانوا يصـدونها ساخرين بالخوذ والدروع. وتلاحمـت الرماح والسـيوف وكان لابد من لقاء المواجـهة بين لابولابو وماجلان.

         انقض ماجلان بسيفه ـ وهو يحمي صدره بدرعه الثقيلة ـ على الفتى العاري الصدر, ووجه إليه ضربة صاعقة. وانحرف الفتى بسرعة بينما الرمح في يده يتجه في حركة خاطفة إلى عنق ماجلان. لم تكن الإصابة قاتلة. ولكن انبثاق الدم كان كافيا ليعطل ساقي القائد الغائصتين في الماء والرمال وهو يتراجع إلى الخلف لينقض بالترس الحديدي على رأس الزعيم الشاب.

         وتفادى لابولابو الضربة لينقض بكل قوة بسيفه القصير فيشق رأس ماجلان الذي سقط مضرجا بدمائه بينما ارتفعت صيحات الصيادين :لابولابو.

         وحمت المعركة. ولكن سقوط القائد هز كيان من بقي حيا من رجاله الإسبان فأسرعوا يتراجعون إلى سفن الأسطول الذي لم يكن أمامه إلا أن يبتعد هاربا تاركا خلفه جثة قائده ماجلان.

الانتصار الكبير

         مشاهد هذه المعركة, أعادتها إلى الحياة لوحة رائعة رسمها الوطنيون المسلمون في مواجهة نصب تذكاري برونزي كبير أقامه المستعمرون الإسبان بعد ذلك قرب مكان وقوع المعركة للمستكشف الكاثوليكي, فردا على هذا النصب الاستعماري أقام الفنانون المسلمون بصدر الساحة في مواجهته تمثالا شامخا للزعيم الوطني لابولابو وقد اتجه ببصره إلى حيث المياه الضحـلة التي شهدت انتصـاره الكبير, وقد كتب على النصب الذي يرقد تحته جثمان الزعيم الوطني الكبير (هنا في يوم 27 أبريل 1521م, انتصر لابولابو أول بطل فلبيني ينتصر على العدوان الأوربي) هذا الانتصـار الوطني تمثله أيضا لوحة كبيرة رسمـها الوطنيـون الذين اعتـبروه بطل الأبطال. اللوحـة عبارة عن لوحة بانورامية عرضها حوالي عشـرين مترا تمثل المعتدين وهم يهـاجمون الوطنيين في سـاحة المعركة, وفي وسـط اللوحة يبـدو شيخ الصيادين وهو ينقـض بسيـفه القصـير على رأس ماجـلان الذي يبـدو وقد انحـنت هامته وهو يسقط تحت قدمي البطل الوطني, وفي العـمق من اللوحة يبدو الإسبان وهم يهربون إلى قواربهم طالبين النجاة.

         ويحكي التاريخ أنه بعد هذه الهزيمة المهينة عاد الأسطول الإسباني بعد نصف قرن متجها إلى مانيلا لتدور معركة يسقط فيها حاكمها راجا سليمان المسلم ويهزم تحت وطأة مدافع الإسبان التي أصبحت أكثر تدميرا.

         ولكنهم لم يجرؤوا طوال فترة الاستعمار الإسباني للفلبين أن يقربوا تمثال البطل الوطني لابولابو أو يمسوا اللوحة الوطنية التي تسمهم بالعار الأبدي.. حتى بعد أن تحطمت الأرمادا الإسبانية عام 1588 على يد الإنجليز في ميناء قادس بـعد حرب طويلة المدى ولم تفكر إسـبانيا بعدها في أن تسـتعيد سيادتها على البحار.

 

سليمان مظهر   

 
  




لوحة تمثل معركة ماكيتان ويبدو البطل لوطني لابولابو وهو يشق رأس ماجلان