معرض العربي

  معرض العربي
        

التقنية في خدمة الدعاية السياسية

         تميزت المدرسة النيو كلاسيكية التي سادت الفن الأوربي (وحتى الأمريكي)  في الثلث الأول من القرن التاسع عشر, بتقنيتها الراقية وبرودتها العاطفية في آن واحد. وتمحورت معظم أعمال هذه المدرسة حول فئتين من المواضيع: الأساطير والتاريخين الإغريقي والروماني من جهة, وصور الشخصيات المعاصرة من ملوك ونبلاء وعلماء وفنانين من جهة أخرى.

         الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي كان من أكبر رعاة هذه المدرسة, وصاحب الإنجازات الضخمة على الصعد العسكرية والسياسية والعمرانية والثقافية, لم يحظ في حياته كلها برسام واحد تمكن من سبر أعماقه النفسية وتسجيل عظمته الداخلية بما يتلاءم وهذه الإنجازات أو الدور التاريخي الذي لعبه.

         الرسام المعتمد رسمياً في بلاط بونابرت, جاك لوي دافيد (1748 ـ 1825) حاول ذلك. ولكن من خلال لجوئه إلى مجموعة من (الخردة) والعناصر الخارجية التي تروي اللوحة.

         نعرف تماماً أن الإمبراطور لم يقف أمام الرسام عند إنجازه هذه اللوحة. إذ نراه هنا يرتدي بذلته الخاصة المؤلفة من خليط من بذلة جنرال في سلاح المشاة, وملابس ضباط الحرس الإمبراطوري, وهذه البذلة لم يكن يرتديها الإمبراطور إلا أيام الآحاد وفي المناسبات الخاصة.

         هنا, نرى نابليون واقفا في مكتبه, عيناه الحمراوان تكشفان أثر التعب والعمل ليلا على إعداد الدستور الفرنسي الذي نرى نسخة منه على الطاولة. كما نرى الساعة تشير إلى الرابعة وعشر دقائق فجراً, والشموع المحترقة تشارف على نهايتها.

         الخطاب الوارد في هذه اللوحة هو تماما ما أراده الزبون. والزبون الذي أوصى دافيد عليها هو الدوق أوف هاملتون البريطاني. فقد كان هذا الأخير كاثوليكيا متحمساً, يعتبر نفسه متحدرا من سلالة جيمس الأول, ويطمح الى استعادة عرش أسكتلنده كما كان صديقا للأميرة بولين شقيقة نابليون, ويرى في الإمبراطور الفرنسي خير حليف محتمل في مسعاه السياسي.

         عندما شاهد نابليون هذه اللوحة في محترف الرسام عند إنجازها قال له: (لقد عرفتني جيدا يا دافيد. إنني أعمل ليلا لرفاهية شعبي ونهارا لعظمته..) الأمر الذي يؤكد مدى نجاح هذه اللوحة في الدعاية السياسية التي كانت هاجس نابليون الأول.

         يقول حفيد دافيد إن جده رسم هذه اللوحة سنة 1810. ولكن تاريخها الصحيح مثبت من خلال المقعد الظاهر في اللوحة. فقد صمم دافيد هذا المقعد, بنفسه وأوصى على صناعته سنة 1812 كما تؤكد بعض الوثائق المتوافرة, الأمر الذي يشير إلى أنه رسم لوحته هذه في شتاء تلك السنة.

         اليوم, يحاكم النقاد والمؤرخون بقسوة هذا النوع من التصنع في الرسم, ولكن نجاح اللوحة في عصرها كان كبيرا إلى درجة أن دافيد نفسه (بالتعاون مع تلامذته ومساعديه في محترفه) أنجز حسب ما يقال أربع نسخ عنها, منها واحدة لاتزال في مجموعة الأمير نابليون وريث البيت البونابرتي. في حين أن الأصلية الأولى انتهت في متحف الناشيونال غاليري في واشنطن.

 

عبود عطية   

 
  




جاك أوي دافيد 1748 - 1825 نابليون في مكتبه 1812 ناشيونال غاليري - واشنطن