«الحُلم» قصة نشأة بلدية الكويت
هذا الكتاب هو تحقيق لأمنية ونشر لمشاهدات وشهادة رغب في تدوينها ونشرها محمد صقر المعوشرجي للحقبتين (ما قبل النفط - وما بعده) اللتين مرّت بهما الكويت من خلال قصة توثيقية عن نشأة بلدية الكويت خلال الفترة منذ عام 1940-1930.
استهل الراحل المعوشرجي تدوينه للمخطط الذي كان ينوي إصداره بهذه الفقرة عن الشعب الكويتي في ذاك الزمن:
«هم أولئك الذين أنجبتهم هذه البلاد وصدقوا وأخلصوا في حبها وخدمتها، وحرصوا على تقديمها وضحوا في سبيل نهضتها، وحققوا الكثير من الأماني والآمال التي كانت أحلامًا ليس من السهولة تحقيقها، وذلك بفضل تعاونهم وإنكارهم لذواتهم أولئك الرجال وقائدهم شيخهم أحمد الجابر المبارك الصباح ومحبوبهم عبدالله السالم المبارك الصباح».
عمل على مادة هذا الكتاب وجمعها محمد صقر المعوشرجي، ومن ثم أعدّ الكتاب ابنه خالد، في حين حرره ووثّقه بدر ناصر الحتيتة المطيري، الذي زامل المعوشرجي الأب في العمل آنذاك.
وعن طريق دفتر خاص ضم مخطوطة الكتاب، عثرت عليه عائلة الراحل المعوشرجي في مكتبته، حفزت الرغبة لدى أبنائه في إكمال مسيرة والدهم في نشره، وذلك للإسهام في زيادة الوعي بما شهدته دولة الكويت من تحديات وآمال كبيرة وطموحات عالية في ذلك الوقت.
احتوى الكتاب على ذكر للمجالس البلدية من الأول إلى الخامس، والحال بعد مجلس الأمة التشريعي، كما شمل أيضًا بابًا للملاحق والصور والمراسلات.
بدا تقسيم الكتاب سلسًا، فأتى الفصل الأول عن الأوضاع في الكويت قبل نشأة البلدية من الناحية العمرانية والمعيشية والثقافية إلى فكرة إنشائها.
ضم الكتاب بعض الأبيات الشعرية للشاعر عبدالله الحرب، التي أنشدها في ديوانه الشعري «عسر الدهر» المنشورة عام 1926، واصفًا معاناته ومعاناة جيله من الفقر والمشقة ومن العمل في الغوص، والتي حفظها الناس ورددوها لزمن. ومما جاء فيها:
عسر الدهر كابح زنودي بكمبار
وألوي على العرقوب زنجيل الافكار
وظليت أنا من دار لي دار محتار
تايه بغبات الفكر والهواجيس
ففي ظل شحّ الموارد بذاك الزمن، حيث لم يكن النفط قد اكتُشف، ولم تكن للحكومة الكويتية موارد مالية ثابتة، كان لا بُدّ من تضافر الجهود المشتركة بين الحاكم الأمير الشيخ أحمد الجابر الصباح ورجال كرام من الشعب لدفع الإعانات والرسوم للبلدية، وبدعم إضافي من الأمير لتأسيس أول مؤسسة للخدمات العامة تم إنشاؤها في الكويت، حيث أصبحت جهازًا قام بدور فعّال في كل النواحي، إلا أنها كانت مقتصرة على المدينة فقط، ولم تشمل القرى وجزيرة فيلكا إلّا بعد عشرين عامًا أو يزيد، أي أوائل الخمسينيات من القرن العشرين.
ذكر المعوشرجي في دفتره الخاص، الذي ضمّ مخطوطة الكتاب، أنه حرص على تدوين تاريخ إنشاء بلدية الكويت منذ شغل وظيفة مدير الشؤون الإدارية فيها، حيث كان أغلب المؤسسين على قيد الحياة آنذاك، إلّا أن مشاغل العمل حالت دون الاتصال بهم. وقد أصدر نشرة إعلامية عن البلدية بالكتابة في عددها الأول عن إنشائها وتاريخ تأسيسها.
في الكتاب تمت الإشارة أيضًا إلى مصادر التمويل والرسوم وبعض التبرعات، التي وردت في محاضر قرارات المجلس البلدي منذ تأسيسه عام 1930، وتضمن بعضها مراسلات موجهة من إدارة البلدية للمواطنين ومطالباتها بدفع رسوم البلدية وغيرها، في وقت كان إعلان البلدية بمنزلة القانون بعينه، فتلمس تعاونهم وامتثالهم لأوامر البلدية التي لم تتّسم بالفرض أو الحزم.
المعوشرجي العصامي
أفرد الكاتب للتعريف بشخصية المعوشرجي صفحات تحدث فيها عن مولده ونشأته ودراسته في مدرسة المباركية عام 1934، وانتقاله إلى الحياة المهنية في سنّ الرابعة عشرة للعمل عند بعض تجار الكويت، حيث اكتسب خبرة كافية في العمل الكتابي والمحاسبي بالقطاع الخاص.
وبعد بسنوات اشتغل بالقطاع الحكومي في بلدية الكويت، حيث تدرج شاغلًا مناصب عدة، إلى أن أصبح مديرًا عامًا للبلدية، وكانت له مشاركات عدة في تنظيم المناطق السكنية وتخطيط هياكل المناطق التجارية والصناعية.
ذكر الكاتب إنجازاته حين تقلّد المعوشرجي حقيبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عام 1991 بعد تحرير دولة الكويت، وما كان له من مساهمات مهمة في القطاع الحكومي، وكذلك بالقطاع الأهلي من خلال العمل التطوعي والخيري طوال حياته.
ولم يغب الأدب عن شخصيته، حيث كان من جيل الروّاد المثقفين الحريصين على القراءة والاطّلاع ولقربه من الكتب والمكتبات بإصداراتها المختلفة.
أحداث البدايات
تم إنشاء أول مؤسسة للخدمات العامة بتضافر الجهود المشتركة بين الحاكم الأمير الشيخ أحمد الجابر ورجال كرام من الشعب الكويتي كانوا يعملون بتحد، رغم ضآلة الموارد المالية آنذاك، لتأسيس هذا الجهاز الفعّال لخدمة البلد.
وقد نقل الكاتب بأسلوب توثيقي ما جاء في المجالس البلدية الخمسة، وذكر كل منها في باب منفصل، حيث كتب عن عقد الاجتماع الأول في المدرسة المباركية للدعوة إلى تأسيس بلدية الكويت بتاريخ 14 من ذي القعدة 1348 هجرية، الموافق 9 أبريل 1930، وانتخب فيها أول رئيس مجلس بلدي في تاريخ الكويت.
وذكر الكاتب تفاصيل الاجتماع والحضور الذين بلغ عددهم خمسين من الشخصيات البارزة في جميع المناطق، مثّلوا هيئة الناخبين، وانتخاب اثني عشر شخصًا من الأعضاء.
مسيرة المجالس البلدية
مع بداية إعلان المجلس البلدي الأول توالت الإعلانات التي تتضمن تعليمات عديدة لتنظيم شؤون المدينة، وتم إعلام الأهالي والساكنين في الكويت بقوانين إلزامية ستطبّق بها جزاءات في حال وُجد من يخالفها. وعلى الرغم من تكدّس التعليمات الجديدة، فإن الناس تقبّلتها وشرعت بتنفيذها، لما كان فيها من مصلحة مشتركة للجميع، بل لاقت استحسانًا وتجاوبًا شاملًا.
ومن أمثلة تلك القوانين ما يتعلق بنظافة الشوارع والأماكن العامة وحقوق الجار والسوق والسيارات، وكذلك عرجت على النباتات وتفريغ النفايات المنزلية ومخلفات البناء، إضافة إلى قوانين الرفق بالحيوان. كما تم تحديد موعد لربابنة سفن الغوص فيما يختص بـ «القفال»، أي عودة السفن إلى البلاد قبل موسم الغوص.
وقد فصل الكاتب بدقة تلك القوانين التي جاءت على شكل إعلانات مرقّمة مرفقة بتعليق يشرح فيه تفاصيل كل منها.
الحل لـ «البلدي» والتأسيس التشريعي
وأكمل عرض تاريخ بلدية الكويت حتى مع مرور البلاد بتطورات وأحداث سياسية أدت إلى تأسيس المجلس التشريعي الأول في يونيو 1938، والذي اتخذ قرارات تتعلّق بتنظيم البلدية من جديد، لذلك تمت الدعوة إلى عقد انتخابات جديدة بعد حل المجلس البلدي الخامس ومباشرة المجلس البلدي أعماله على وجه السرعة. ومن أهم قراراته المتخذة سَنّ قانون جديد للبلدية بدلًا من قانونها القديم، فقد تقرر إبطال الاحتكارات السابقة الممنوحة لشركة النقل والتنزيل البحري المعروفة آنذاك باسم «حمالباشي» وتعويض ملّاكها، وذلك بسبب الشكاوى العديدة التي جاءت عليها، في الوقت الذي كان الشعب الكويتي يعاني ضائقة معيشية حادة بسبب ضعف النشاط الاقتصادي العام ومحدودية فرص العمل وضعف موارد الحكومة آنذاك.
لذا كان لزامًا بعد قرار تأميم نشاط النقل والتنزيل، أن تؤول إيراداته إلى تمويل خدمات البحرية بالمناصفة مع الحكومة، حيث يُرصد نصف لحساب مديرية المعارف، والنصف الآخر يُرصد للمنشآت الصحية.
استمر الكاتب في ذكر إعلانات البلدية حتى بعد حل المجلس التشريعي (الأول) عام 1939، واستمرت قوانين البلدية تتزايد لما فيه منفعة للصالح العام.
وإثراءً للكتاب، فقد أغنى الكاتب باب الملاحق بمجموعة ثرية من المقالات القديمة وبجزء من قوانين البلدية الأولى، إضافة إلى محاضر المجالس البلدية وبعض المراسلات وصور للكويت قديمًا، وصفحات من المخطوطة الأساسية التي كتبها المعوشرجي بخط اليد.
إنه كتاب تاريخي وثائقي، يأخذك إلى كويت الماضي والتحدي، وأيضًا إلى استشراف المستقبل ■