نحو بلورة أسس جديدة للعلاقات بين العرب

 نحو بلورة أسس جديدة للعلاقات بين العرب

هل بات من الضروري إعادة النظر في الشعارات التي ظلت مطروحة منذ بداية القرن، دون أن يثبت جدواها في منع الكوارث العربية؟

إن مفهوم العلاقات بين العرب، أو ما درج على تسميته العلاقات العربية ـ العربية، يأخذ بعدين مختلفين في نظري طالما ساد الخلط بينهما، الاول وهوالشائع ويقصد به العلاقات بين الدول أو الأنظمة العربية، أي العلاقات الرسمية. والثاني، وهو الأهم ونقصد به العلاقات بين العرب كأفراد ومنظمات أهلية وتيارات فكرية وتجمعات مهنية وسياسية ونحوها. وهذا النوع من العلاقات إن نجحنا في بنائه على أسس سليمة، فسنكون قد خلقنا قاعدة صلبة، تقوي التأرجح المعهود في العلاقات الرسمية، ونواة لمستوى جديد من العلاقة بين العرب.

لا أظن أن هنالك حاجة للتدليل على وجود مقومات لمثل هذه العلاقات بين العرب، وأن هنالك رغبة حقيقية من جميع الأطراف للارتقاء بمستوى العلاقات وفاعليتها. إلا أن من الملاحظ أن هذه العلاقات ظلت تتعثر، وبانت في بعض الأحيان أنها في تراجع. كما اعترتها مفاهيم وأسس وقواعد حملتها في بعض الأحيان أكثر مما تحتمل، أو سادتها طموحات طوباوية، مما عزز الشعور العام باليأس والإحباط، والعجز عن تحقيق مردود إيجابي وملموس.

ولأغراض الموضوع سنعرف إطار العلاقات المقصود بالعلاقات بين العرب كأفراد ومنظمات أهلية وتيارات فكرية وتجمعات مهنية وسياسية ونحوها، وسنستثني من الموضوع العلاقات العربية بين الدول التي طالما لقبت بالشقيقة، أي العلاقات الرسمية. ولعل هذا التحديد مفيد ومهم في آن الوقت، على اعتبار أن أساس أي علاقة هو الإنسان بتشكيلاته المختلفة: فردية وأسرية ومجتمعية. فإن نجحنا في بناء علاقات إنسانية على أسس متينة، ضمنا الديمومة والموضوعية في التعامل. كما سيعفينا هذا التحديد من التقلبات التي تطرأ على العلاقات الرسمية، كما خبرنا خلال النصف الأخير من القرن الماضي.

وازعم في هذه المقالة أنه منذ نشأة الوعي القومي والوطني الحديث في نهايات القرن التاسع عشر، وتطوره مع قيام الدول العربية المستقلة بعد نهايات الحرب العالمية الثانية، تلبست العلاقات بين العرب بثوب فضفاض من الشعارات السياسية والثقافية لم يقو أمام صدمات الواقع الفعلي وحركة التاريخ ومستجدات الساحة الدولية.

وساهم في ذلك قيام تنظيمات سياسية منذ الثلاثينيات من القرن الفائت، مثل الإخوان المسلمين وحزب البعث العربي وحركة القوميين العرب، وما تلاها من تشكيلات سياسية موازية ومتفرعة، لعل أبرزها أثراً المد الناصري في منتصف الخمسينيات، فجمعيها ساهم في بناء منظومة من الأفكار والمبادئ والشعارات تقوم على أسس عامة، تنشد الوحدة بين العرب وتبشر بدولة تمتد من المحيط إلى الخليج، وتخاطب العرب في هذه البقعة من العالم وكأنهم شعب واحد. وتستند جميعها إلى التاريخ المشترك بين العرب، وتستلهم الشعور العام بالتراث واللغة والدين. وكان العنصر المشترك للخطاب السياسي لهذه الحركات هو الدفع القوي نحو هدف استراتيجي "أو هو حلم"؟ لبناء دولة الوحدة، بغض النظر عن التفاصيل المعقدة والمهمة. بل لم يهتم الكثيرون بوسائل تحقيق هذا الهدف، ولم يمانعوا من استخدام القوة العسكرية والعنف.

عمومية الشعارات

كان الهدف والشعار أسمى من التفاصيل، والقول أبلغ من الفعل. والحلم أغلى من الواقع. في تلك الأجواء كانت التساؤلات المشروعة هي تشكيكا وصنوانا للكفر والخيانة. لا يمكن أن تكون عربياً دون الايمان بحزمة من الشعارات تتردد في كل مناسبة، مثل الوحدة العربية والمصير المشترك للعرب ومحاربة الرجعية والاستعمار وتحرير فلسطين.

هذه الأجواء شكلت قاعدة سياسية طوباوية لعدة أجيال من الواعين من العرب، لاتعنيها التفاصيل فهي مملة. تتحدد لها العلاقات بين العرب على أساس هذه الشعارات فحسب.

وعمومية هذه الشعارات انعكس على طبيعة العلاقات العربية، فأفقدها المقومات الأساسية للنجاح التي تحتاج إليها أي علاقة، فانكشفت أمام كل هزة وسقطت أمام أدنى امتحان، فلم تقو أمام الأزمات، وبالتالي تعثرت العلاقات بين العرب.

فلنأخذ مثالا على شعار كبير استحوذ على عقل العرب لأجيال متعاقبة واعتبروه من المسلمات التي لا تقبل النقاش، وهو الوحدة السياسية العربية، أي قيام كيان سياسي عربي واحد كبديل عن الدول العربية المستقلة. كان هنالك كم هائل من التعبئة والخطب والكتابات حول هذا الموضوع، وصار ترديد هذا الشعار من مستلزمات القبول السياسي لأي حزب أو زعيم أو نظام.

واستغل النظام الحاكم في العراق هذا الشعار أبشع استغلال، أسوة بشعارات أخرى، عند غزوه للكويت في أغسطس من عام 1990. وهو سلوك ليس بغريب على هذا النظام مما لا مجال التدليل عليه في هذا المقام. لكن اللافت للنظر، والمؤسي في آن الوقت، تلك الاستجابة الواسعة في أوساط الجماهير والعديد من التنظيمات السياسية العربية وقطاع لا يستهان به من المثقفين والكتاب العرب، لمقولة صدام حسين وأبواق إعلامه أن غزو الكويت هو خطوة لتحقيق حلم العرب في الوحدة واعادة توزيع الثروة العربية ومحاربة الرجعية، وجميعها من مفردات مردها شعارات مرحلة الخمسينيات والستينيات كما بينا سابقاً.

فجاء الثمن الباهظ الذي دفعه الجميع نتيجة لحماقة نظام دكتاتوري وسيادة الغوغائية وتهافت المعتقدات وغياب العقلانية. وحتى اليوم وبعد عشر سنوات على تلك الحماقة هنالك قطاع يعتقد أن ما حصل مؤامرة، ويتمنع عن الاعتراف بالأخطاء ومراجعة النفس والمواقف.

وغزو الكويت وردود الفعل العربية عليه تجسد البون الشاسع بين الحلم والخيال من جهة، والحقيقة والواقع من جهة أخرى، فيما يتصل بشعار الوحدة العربية وحزمة استحقاقاته. لم يكترث أحد منهم بالتفاصيل الدقيقة والمعوقات واستحقاقات تطبيق هذا الشعار، مثل وجود أنظمة سياسية غير متجانسة، ونظم اقتصادية متباينة، واختلاف مستويات النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الكيانات القائمة، وتنوع العلاقات الدولية التي تحكم الدول العربية المستقلة. ولم يدر بخلد من تبنى هذا الشعار حق شعوب الدول المعنية في تقرير مصيرها، ناهيك عن تجاهل حزمة من الأسئلة المهمة مثل: على أي نموذج سياسي واقتصادي سيقوم الكيان الموحد الجديد? ومن سيحدد ذلك? وما هي حقوق المواطنة في الكيان الجديد؟ إلى آخره من الأسئلة.

هذه الحماسة لشعار الوحدة العربية تجاهلت الحاجة لبناء علاقات اقتصادية متينة بين الدول العربية لتهيئة الظروف اللازمة لنجاح التقارب أولاً قبل الوحدة، وبناء المصالح الاقتصادية المشتركة على أسس متينة. ولم تلتفت لطبيعة النظام السياسي الذي يوفر المشاركة العادلة لجميع المواطنين، ويصون الحقوق وينظم المسئوليات على أسس دستورية وقانونية متينة. كما قفزت على البون الشاسع في مراحل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل حملت الشعار أغراضاً طوباوية أخرى، تفوق القدرات الفعلية مجتعة، مثل تحرير الأراضي العربية المحتلة ومحاربة الاستعمار والقضاء على الرجعية العربية وبناء المجتمع الاشتراكي. فأثار الشعار المخاوف واستعدى أطرافاً نافذة ومؤثرة قبل أن تتوفر له فرص النجاح.

منطلقات جديدة

ما المقومات اللازمة لبناء علاقات عربية في القرن الحادي والعشرين? وهل يمكن الاستعانة بأدوات وشعارات بدايات القرن الفائت? وكيف نستوعب قواعد العلاقات الدولية الجديدة في منظومة العلاقات العربية؟

لا يحتاج الفرد لعناء كبير ليتبين أن عدة الماضي، من شعارات وممارسات ووسائل، تحتاج لتجديد واستبدال لاضفاء الحيوية والفاعلية والواقعية لبناء علاقات عربية على أسس سليمة. وطليعة هذه المستلزمات هي أن نتجاوز فكرة تلازم العلاقات العربية مع شعار الوحدة السياسية، وأن نفك الارتباط التاريخي الذهني بين الموضوعين، ونسخر الطاقات والجهود لتقوية المنطلقات الجديدة.

وأول هذه المنطلقات لبناء علاقات عربية سليمة هو أن نحترم سيادة الدول العربية المستقلة على أراضيها وثرواتها، بنظمها السياسية والاقتصادية القائمة، وبغض النظر عن تقييمنا لها. وأن نقر بأن مسئولية التغيير الداخلي والتطوير في كل دولة هي شأن مواطنيها فحسب، وأن ارادة التغيير في أي اتجاه كان هي حق مطلق لمواطني هذه الدول، ولا يجوز إلغاؤها أو اغتصابها أو التعدي عليها تحت أي ذريعة. وهذا المفهوم يسقط بالتبعية مجموعة من الشعارات التاريخية البالية التي أثبتت الأيام أن لا معنى لها، مثل "بلاد العرب أوطاني" و"نفط العرب للعرب".

والإقرار بالسيادة الوطنية لا يعني مصادرة حق الاهتمام والمتابعة والتحري وحق النقد الموضوعي. بل هي أمور مطلوبة لتعزيز العلاقات بين العرب، ومنسجمة مع التوجه العالمي لترسيخ مبادئ القانون والعهود الدولية. فعالم اليوم يشهد توسعا مطردا لقواعد دولية صارمة تحكم عددا متزايدا من الأمور التي هي من صلب اختصاص الدولة السيادية الحالية، مثل حقوق الإنسان والحريات العامة وقواعد التجارة.

وثاني هذه المنطلقات هو أن يؤمن العرب ومثقفوهم ومؤسساتهم الأهلية، بصدق وانفتاح، بالقواعد الدولية بشأن حقوق الإنسان كما جاءت في العهد الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق اللاحقة بشأنها.

وإيماننا هذا يجب ألا تعتريه أية نزعة أو تحيز، شوفينية كانت أو عرقية أو مذهبية أو جنسية أو دينية. فهذه الحقوق ملازمة للبشر. وهذه المبادئ تشمل حق التعبير بكل وسائله وحق التنظيم وحرية الاختيار والمساواة والعدل والمشاركة السياسية، ونحوها من الحقوق الطبيعية. واحترام هذه الحقوق وتعزيزها والمساهمة في انتشارها في المجتمعات العربية وتوفير ضمانات سيادتها هي الدعائم الحقيقية للبناء والتنمية. فلا قيمة للحديث عن عرب وعروبة ووحدة وانتماء ما دامت مبادئ حقوق الإنسان العربي مغيبة، ومحروما منها شرائح واسعة من أبناء المنطقة.

وثالث هذه المنطلقات هو بلورة فهم مشترك للحرية والمشاركة والتعددية السياسية في المجتمعات العربية. فهذه مفاهيم لاتزال محدودة جداً في بيئة العرب، وتراثنا، سواء الحديث منه أو القديم، ناقص بشأنها بشكل فاضح، والثقافة العربية السائدة ونظم التعليم والتربية المعمول بها لا تعيرها أي اهتمام يذكر. وإن وجدت بشكل أو بآخر، فلا تدعمها مؤسسات وأدبيات ومنتديات ودراسات، تعزز من بنيتها وتعمق من فهمها. وما لجوء بعض فئات المجتمع للعنف إلا أحد تجليات غياب ثقافة الاختلاف وادوات حل النزاعات سلمياً، ومصادرة أو تجاهل حقوق الأقلية من قبل الأغلبية، وحتى نبني قواعد مشتركة بين العرب لابد من بناء ثقافة مشتركة تستلهم التراث الإنساني وتجارب الغير وتراعي المواثيق الدولية. والدعوة لاحترام وتعزيز هذه المفاهيم يجب أن تبدأ بالأقرب ثم القريب وثم البعيد. فلا معنى للانتصار لحرية الشعوب الأخرى وحقوقها بينما ترزح شعوبنا وأهلونا تحت الظلم والقهر والحرمان بكل تجلياتها.

ورابع هذه المنطلقات هو السعي لبناء علاقات اقتصادية متينة بين العرب خارج الأطر الرسمية، تتشابك فيها المصالح من أدنى المستويات إلى أعلاها. فعلى سبيل المثال، متى ما صار لتجار المغرب ومؤسساته الاقتصادية الأهلية مصالح تجارية أو استثمارية قوية مع نظرائهم في دول الخليج، تكونت القاعدة والبنية التحتية اللازمة للشراكة والتعاون، ويصبح الحديث عن العلاقات العربية ذا معنى وجوهر في هذه الحالة. وهذا المثال ينسحب كذلك على بقية مفردات منظومة العلاقات الاقتصادية مثل التبادل السلعي والمنتجات والائتمان والنقل والمواصلات والاتصالات.

والنقيض صحيح كذلك، فمتى غابت أو ضعفت العلاقات الاقتصادية بين العرب ولأي سبب كان تراجعت معها فرص التكامل والوحدة. فان كانت مصالح المنتجين الزراعيين في مصر، على سبيل المثال، أقوى مع المستهلكين في أوربا من نظرائهم في دول عربية، فسيضعف الارتباط بين العرب وسيصعب التكامل الاقتصادي الذي هو اللبنة الأساسية في الوحدة. وأزعم أن غياب المصالح الاقتصادية المشتركة بين العرب، كأفراد أو مؤسسات أهلية، أسهم في الفرقة بين العرب، ووفر الأرضية الخصبة للعداء والظنون وعدم الاكتراث بمصالح الغير وحقوقه. فالمصالح الاقتصادية المشتركة هي حجر الزاوية في كل العلاقات الاخرى.

وخامس هذه المنطلقات هو تغليب العلاقات الفردية والمؤسسية والأهلية والفكرية "كما سبق وأن عرفنا العلاقات العربية المعنية بموضوع المقال" على العلاقات الرسمية بين الدول العربية. فالعلاقات الرسمية كما عهدناها طوال العقود الماضية عرضة للتقلبات، وتحكمها أمزجة حكام ومصالح حكم، وليست بالضرورة مقياساً حقيقياً للمصالح الوطنية والاستراتيجية. وبكل أسف كانت، ولاتزال العلاقات الفردية والمؤسسية الأهلـية والفـكـرية بين الـعـرب أولـى ضحايـا الاختلافات الرسمية بين الدول العربية. وهذه الوضعية نتاج لهيمنة الدولة على حياة المواطن، وغياب حرية التعبير وحكم المؤسسات. والشواهد والأمثلة على هذه الحالة أكثر من أن تحصى. فانظر مثلا كيف تتلون الصحافة وتتشكل أعمدة الكتاب حال تبدل السياسة الرسمية للدولة. وهذه سقطة لا يجوز التساهل أو القبول بها، وإلا رهنا مستقبل العلاقات العربية لأمزجة متأرجحة.

وسادس هذه المنطلقات هو أن نبني مؤسسات مجتمع مدني وسياسي مستقلة وسليمة وقوية لترعى وتصون وتبشر بالمفاهيم السالفة الذكر. فقيام مؤسسات مجتمعية مستقلة، كالمنظمات والجمعيات والنقابات والأحزاب، ضرورة ملحة لتعزيز البناء الوطني، وهي الجسر الذي سيعبر عليه العرب لبعضهم البعض، ويقود إلى وحدتهم على أسس قوية. فليس من الواقعي مثلا أن نقيم جمعية عربية لحقوق الإنسان في غياب جمعيات وطنية نشطة ومعنية بحقوق الإنسان داخل كل دولة. والمثال ينسحب كذلك على الأحزاب السياسية، فلا معنى على الإطلاق لأحزاب قومية بينما العمل الحزبي على مستوى الدولة غائب أو ضعيف أو مدجن. فهذه الحالة كمن ينوي تشييد عمارة دون قواعد وأساسات، فمصيرها السقوط. ومتى ما قامت وقويت مؤسسات المجتمع المدني والسياسي في كل دولة، وتشابكت العلاقات بينها وبين مثيلاتها في الدول العربية الأخرى، صار للعرب قواسم مشتركة تعزز المصالح على أسس متينة.

وآخر هذه المنطلقات، وليس أقلها أهمية، هو بناء علاقات صحية تعاونية مع كل دول الجوار المحيطة بالعالم العربي، والتسامي على الخلافات التاريخية، وتغليب المصالح الآنية المشتركة على التناقضات. وأن ننظر للعالم الآخر وشعوبه وأنظمته وثقافاته ومعتقداته، بما فيها الدول العربية الأخرى، بنظرة موضوعية، خالية من المسلمات والنماذج النمطية (ستريو تايب). فكما نشكو كعرب ومسلمين من العنصرية والنمطية التي ينتهجها بعض غلاة التطرف في المجتمعات الأخرى، غالباً ما نقع نحن كذلك في نفس المنزلق، سواء تجاه الغير أو تجاه بعضنا الآخر. ولا حاجة للاستدلال ببعض النماذج، فكل منا يمتلك حصيلة معتبرة من مفردات التعصب والصور النمطية عن الغير. وقبل أن نقلع عن هذه العادة السيئة لن نتمكن من بناء علاقات صحية، لا مع بعضنا البعض أو مع غيرنا من الشعوب.

هذه محاولة أولية لبناء أسس جديدة ومتينة للعلاقات بين العرب، تتجاوز حدود الماضي ومآسيه وإفرازاته. ودون أن تنسف مرتكزاته إن لم تعززها على أسس راسخة. وهي تتزامن مع الذكرى السنوية المرة لغزو النظام العراقي لدولة الكويت، ذلك الحدث الذي انكشفت فيه أشكال مختلفة لعلل الواقع العربي. وهو لا يخلو من النقد الموضوعي للذات، ولو بقسوة أحياناً، لكنه من دون جلد مؤذٍ. وهو إطار مختلف عن المعهود في محاولة جادة ومخلصة لتعزيز القواسم المشتركة بين العرب، كأفراد ومؤسسات وهيئات أهلية وتيارات فكرية. والإطار المقترح ومنطلقاته متجانسة مع التوجهات المتجددة في العلاقات بين الشعوب والأمم، ويستمد مشروعيته وواقعيته من التجارب الناجحة للأمم والشعوب الأخرى، التي طالما أغفلها العرب، عمداً أو جهلاً أو تعالياً.

 

أحمد بشارة