الأرض

الأرض

الأرضُ عافتْ في النَّدى صحراءَها
    واستنفرتْ في عجزِها أرجاءَها
ملّتْ حروبًا ليس تَعرِفُ كُنهَها
    أضحتْ تنقّلُ، ضيّعتْ أسماءَها
غطّى السوادُ سماءَها في نزوةٍ
    أهدتْ لعشَّاقِ السّنا حرباءَها
ماتتْ سنابلُ زهوِها في هجمةٍ
    ألقتْ على صدرِ الثَّرى أشلاءَها
أغفتْ على جوعٍ تغوّل سادرًا
    ما كانَ أجملَ لو حمَتْ أنحاءَها
الجدبُ حاصرَها فأفنى طلعَها
    أنّى اتجهتَ فلن ترى أفياءَها
فقرٌ يُزلزلُها ويُشهرُ سيفَهُ
    لم تحتملْ، إذ أثقلتْ، أرزاءَها
الأرضُ حنّتْ للرّبيعِ يزورُها
    يبني لفرحةِ عمرِها أجواءَها
تاقتْ لألوانِ الجمالِ المُشتهى
    فكأنَّ بغيتَها دعتْ أشياءَها
الأرضُ تعرفُ من أماطَ لثامَها
    واستلَّ من أرحامِها أبناءَها
حُمّى الخيانةِ زمجَرتْ في برِّها
    تدعو على مرِّ المدى أعضاءَها
وبحارُها للغدرِ كانت مَرتعًا
    رِيَبٌ تنيخُ لنشرِها أهواءَها
وإذا المصالحُ عربَدتْ في جورها
    صعُبتْ على من يرتجي إنهاءَها
تلك المجازرُ للكنوزِ تبرّرت
    من ألفِ طاغيةٍ رأى إهداءَها
وحشُ المجاعةِ في المدائنِ سادرٌ
    كم طافَ في صمتِ الرَّحى أحياءَها
كم فرحةٍ للعيدِ أفنى صوتَها
    وأزالَ دون جريرةٍ أضواءَها
من ذا يخلِّصُها ويُعلنُ عرسَها
    يختارُ من جنّاتهِ غنَّاءَها
الأرضُ تحلمُ بالأنوثةِ خصبةً
    فكأنها قد سامرتْ حوَّاءَها
ترتاحُ إن غنّتْ صبا ألحانِها
    وتهيمُ إن أبدى الهوى حنَّاءَها
تشتاقُ من عطرِ العواصمِ، تشتهي
    دبيَّ أو بــــيــــروتَ أو صنـــــــعاءَهـــــا
ترتابُ في الماضي وتسألُ حاضرًا
    وغدًا تعدُّ لفجرِهِ أدواءَها
حلمُ الحضارةِ لم يغبْ عن صحوِها
    كم خلَّدت من حاولوا إنشاءَها
وإذا السلامُ تراقصتْ أسرابُهُ
    لم تخشَ عينٌ أُجهدتْ إغفاءَها
الأرضُ للإنسـانِ أمٌ بـرّةٌ
    من ذا يُحاولُ جاهدًا إرضاءَها
الحبُّ صوتُ اللهِ في أركانِها
    يا من أردتَ مجاهرًا إغواءَها
الأرضُ حضنُك ما حييتَ وإن تمتْ
    من ذا سيزعمُ عامدًا إحياءَها؟! ■