مَشْهَدٌ مُكرَّر

مَشْهَدٌ مُكرَّر

فوضى، صراخ، لعبة هنا ولعبة هناك، ادرس أنت، وأنتِ تناولي الطعام، دع أختك لا تضربها، ماما أخي أخذ لعبتي، ماما معلّم البدنية طلب قميصًا قطنيًا أخضر اللون، انتبه لا تشتم، هيا العشاء جاهز، كل بسرعة، يا ابنتي انتبهي لأخيك الصغير، البسوا ملابس النوم، لا وقت لقصة ما قبل النوم، حسنًا سأقرأها على عجل، بدأ الهدوء يعم المكان، وبدأت الجفون بالنعاس، وبكلمة واحدة، نحبّك ماما، وأنا أحبّكم جميعًا، سأبقى قليلاً إلى أن تناموا، ماما لا تطفئي النور، حسنًا، دقائق وارتفع صوت أنفاسهم المتعبة، وأغمضوا عيونهم ولبسوا أقنعتهم الملائكية. وشهيق عميق من الأم المتعبة يملأ الصدر، قائلة بتنهيدة عميقة «ناموا ملائكتي».
 مشهد مكرّر وعبارات تعاد يوميًا وحوار لا ينتهي كل يوم من أيام المدرسة، وحالة أمر بها وأعلم أن غالبية الأمهات يمرّن بها، ولا أجد لها تفسيرًا، انزعاجي منهم ورغبتي بالهدوء والراحة وأنا أرمق كوب قهوتي الذي أسرق منه بضع رشفات بين طلب منهم وشكوى وأمر مني ونهي، وتدريس وتلبية الحاجات، أجدني ضائعة مشتّتة منهكة، أتخيّل الوقت الذي ينامون فيه لأكمل قهوتي أو أقرأ كتابًا أو أشاهد مسلسلي المفضل. وبمجرد التقاطي للعبهم ودفاترهم بعد نومهم أشعر بشوقي لهم، ورغبتي بفوضاهم مرة أخرى، وأحيانًا أشعر بتأنيب الضمير لصراخي عليهم أو توبيخهم، ألا يحق لي أن أوبخهم؟ أحيانًا أبكي شوقًا لهم ولم يمض على نومهم ساعة واحدة... هل تمر عليكن هذه الحالة؟!
ألوم نفسي كم أنا أنانية حين ذهبت بهم إلى الفراش في الساعة السابعة والنصف، كان بإمكانهم البقاء قليلًا، ثم أضحك وأنا أتذكر مزاحهم، ثم أغضب حين أدعس على أحد مكعبات التركيب.
أعود لهدوئي بعد تنظيف غرفة المعيشة، وكيّ ملابسهم وإكمال الغسيل، أفتح باب غرفتهم أقبّلهم وأتمنى لو يستيقظ أحدهم، وما إن يبدأ أحدهم بالتقلب، أسرع خارج الغرفة فزعة أن يستيقظ فينقض هدوئي. وأضحك على الحالة التي أمر بها يوميًا، وأسأل نفسي هل تريدينهم أم لا؟! 
أظن ما نمر به كأمهات هو رغبتنا بطفل على مزاجنا، يكون هادئًا، نظيفًا مؤدبًا يعرف آداب الطعام والكلام، يعرف الحروف والكلمات والأرقام، لا مانع لو كان يعلم بعض مسائل الكيمياء والفيزياء ويحفظ المعلّقات السبع، محبًا، ودودًا، خلوقًا، لا ينفعل ويلعب بصمت، يحبنا ويراعي مشاعرنا، يحفظ أسرارنا، لا يمرض، لا يتسخ. 
ما نريد هو طفل يخرج من مشهد تلفزيوني لعائلة مثالية، ونكون كذلك كأمهات مثاليات لا نغضب لا ننزعج، نفهم كل المواد الدراسية، نجيد التنظيف والتربية والتدريس ولا نتعب، نعطي حبًا دون مقابل، ونرتشف قهوتنا بسعادة دون أن يقاطعنا أحد، وهذا ضرب من الخيال لا يمكن حدوثه، لا يمكن أن نكون مثاليات، لا يمكن لطفل ألا يصرخ وألا يلعب وألا يعتمد علينا بمأكله ومشربه، وتعليمه وتربيته، وغيرها.
أما عن حالة الشوق لهم بعد نومهم وهدوئهم، فهي حالة من اضطراب مشاعر الأمومة تصل أحيانًا إلى الجنون الجميل ■