لوركا العربي الإسباني

لوركا العربي الإسباني

يتنازع شعبان هما العرب والإسبان على ملكية الشاعر فيديريكو غارتيا لوركا، فكل منهما يقول إن لوركا من حصته. العرب يقولون إن لوركا من أصول موريسكية وشعره وثيق الصلة بالشعر العربي الذي اطلع على مختارات منه نقلها إلى الإسبانية مستعربون إسبان. يثور الإسبان على هذا الطرح ويرون أن لوركا وإن تضمن شعره مؤثرات أندلسية فهو شاعر إسباني خالص الإسبانية، وهل كثير على أمة ممتلئة بالشعراء أن تُطلع شاعرًا مثل لوركا؟ 
ثمة وجهتا نظر حول عروبة لوركا وإسبانيته. فمن ينظر إلى صوره لا يجد صلة تصله بالإسبان. فشكله شكل عربي ومن يحدّق في ملامحه ينسبه على الفور إلى غير الإسبان. وُلد لوركا في قرية قريبة من غرناطة تحمل اسمًا عربيًا إلى اليوم، وهو ينتمي إلى أسرة تكاد تنطق بالعربية لأنها تعيش على الذكريات والروايات الأندلسية الإسلامية، وقد تكوّن لوركا في هذا المناخ الأندلسي الصرف الذي تعزز لاحقًا بدراسته في غرناطة والمريّة، وهما مدينتان جسمهما في إسبانيا وقلبهما في بلاد العرب. وعندما استقرّ لاحقًا في مدريد، كان رفاقه يسألونه، إذا ما غادرها، إلى أين سيذهب، فيجيب: «إلى مملكة غرناطة» في إشارة إلى الماضي العربي العريق لهذه المدينة. وكان يهيئ قبل مصرعه بعدة أشهر لإقامة مهرجان في مدريد إحياء لذكرى الفيلسوف الأندلسي ابن طفيل صاحب «حيّ بن يقظان». 
عروبة لوركا لم تخف على الكثيرين من معاصريه. فها هو شاعر الشيلي بابلو نيرودا يكتب في مذكراته حرفيًا: «كان لوركا كونيًا وريفيًا، معتقدًا بالخرافات، خلاصة أعمار إسبانيا وعهودها، كان نتاجًا عربيًا أندلسيًا ينير ويفوح مثل أيكة ياسمين على مسرح إسبانيا». 
إذا قرأ أحد شعر لوركا وجده مختلفًا تمامًا عن الشعر الذي كتبه زملاؤه الشعراء الإسبان في الثلث الأول من القرن العشرين. وسبب اختلافه أن مصادره مصادر شعبية أندلسية ومصادر شعرية عربية. ومن الأدلة على أن القلب كان يتلفت نحو الشرق أن أحد دواوينه الشعرية يحمل اسم «ديوان التماريت» الاسم الأول عربي والاسم الثاني مقاطعة أندلسية لا تزال تحمل اسمها الأصلي إلى اليوم. 
إن ثورة الإسبان على من يدلي بعروبة لوركا مردّها إلى أنهم يعتبرونه من أبرز مَن عبّر عن الجوهر الإسباني عبر التاريخ، لقد شرب من كل أرجاء إسبانيا وأعاد ما في نفسه إلى كل أرجاء إسبانيا، كما يقولون. 
والطريف أن هذا الشاعر الذي يتنازعه العرب والإسبان كان ذا نزعة إنسانية شاملة. فالذي كان يقول إنه ينتمي إلى مملكة غرناطة النصرية قال قبل مصرعه بأيام إنه «أخ للناس جميعًا» وأنه يمقت كل إسباني يرى نفسه إسبانيًا لا غير. فهل هو بالحالة هذه إسباني أم من بقايا الموريسكيين الذين حافظوا على إسلامهم بعد سقوط الأندلس، وقبل أن يضطروا لاحقًا لاعتناق النصرانية؟ ■