احتشاء قلوب الشباب!

احتشاء قلوب الشباب!

قبل عقود قليلة كان احتشاء قلب شاب دون الأربعين يعتبر نادرة طبية، لكن الأمر اختلف الآن، وصار ظاهرة يبحث هذا المقال عن أسبابها.

جلطة القلب.. القاتل الأول في أمريكا وأوربا، مرض بلغ حد الوباء، وأخذ يجتاح الشباب، فقبل سنوات عدّة، كنا نشاهد جلطة القلب "احتشاء عضلة القلب" عند أناس في الستينيات والسبعينيات من العمر. وأصبحنا الآن نشاهد يومياً مرضى أصيبوا بجلطة في القلب وهم في الثلاثينيات أو الأربعينيات، بل ربما - في حالات قليلة - في العشرينيات من العمر، فماذا جرى لهذا المرض؟ أهو يزداد شراسة وعنفاً يوماً بعد يوم؟ أم أننا ضللنا الطريق، ونأينا في أسلوب حياتنا عن جادة الصواب، فاستفرد بنا وتربّص بنا الدوائر؟

يقول البروفيسور "مارتن كوي" في مقال نشر في مجلة Coll Physicians J R في شهر فبراير 1999: "على الرغم من كل التطورات الحديثة في مجال أمراض القلب، فإننا لم نستطع حتى الآن وضع كل هذه التطورات في الممارسة اليومية، وإذا ما أردنا أن نرى أي انحسار حقيقي في هذا الوباء، فإن علينا أن نضاعف جهودنا في الوقاية الأولية والثانوية من مرض شرايين القلب التاجية. والحقيقة أن السيطرة على أكبر قاتل للبشرية في العالم المتطور مازال بعيد المنال".

ويحدث مرض شرايين القلب التاجية نتيجة تضيق أو انسداد في الشرايين التاجية، ويتضيق الشريان عندما تترسب فيه الدهون والألياف مما يعيق مجرى الدم، ويظهر المرض على صورتين: الذبحة الصدرية، وفيها يشكو المريض من ألم عند الجهد ويزول بتوقف المريض عن الجهد، ويحدث ذلك عندما لا تستطيع عضلة القلب تأمين حاجتها من الأكسجين.

أما الظاهرة الأخرى لهذا المرض فهي جلطة القلب "احتشاء عضلة القلب" التي تحدث عندما يُسد أحد الشرايين التاجية بخثرة "جلطة" فلا تسمح للدم بالمرور عبره، فيتخرّب جزء من عضلة القلب كان يُروّى بذلك الشريان المسدود.

دون الأربعين

والحقيقة المرّة أن الدراسات العلمية التي نُشرت حول حدوث جلطة القلب عند الشباب تكاد تكون نادرة. ففي دراسة حديـثـة نشـرت عام 1998 من إيطاليا في مجلة Ital Cardiol.G كشف الباحثون النقاب عن أسباب حدوث جلطة القلب عند من هم دون الأربعين من العمر. فقد لاحظ الباحثون أن 83.9% من المصابين كانوا من المدخنين، كما وجد الباحثون أن 28% من هؤلاء الشباب كانوا مصابين بارتفاع كولسترول الدم.

وغالباً ما كانت جلطة القلب هي الظاهرة الأولى لمرض شرايين القلب التاجية، إذ لم يسبقها إنذار بآلام في الصدر عند الجهد "وهو ما نطلق عليه اسم الذبحة الصدرية" التي كثيراً ما تعطي الفرصة للمريض لإجراء الفحوصات والبدء بتناول العلاج الذي يمكن أن يحول دون حدوث جلطة القلب.

وفي دراسة حديثة أيضاً نشرت في مجلة Eur Heart عام 1998 أظهر الباحثون مدى انتشار ارتفاع كولسترول الدم عند أبناء المصابين بجلطة مبكرة في القلب، ففي اليونان درس الباحثون 104 أطفال لآباء أصيبوا بجلطة في القلب وهم دون الخامسة والخمسين من العمر، فتبين أن 53% من هؤلاء الأبناء كانوا مصابين بارتفاع الكولسترول أو التريغليسريد "أحد دهون الدم"، وأن 80% من الآباء المصابين بجلطة مبكرة في القلب كانوا مصابين بارتفاع دهون الدم.

ووجّه الباحثون صيحة تنبيه لأولئك المصابين بجلطة في القلب وهم في سن الشباب إلى أن يتأكدوا من مستوى الدهون عند أبنائهم، إذا ما أرادا أن يحموا أبناءهم مما وقعوا في شراكه، ومن خطر مدلهم يمكن أن يداهمهم في المستقبل.

وأظهرت دراسة أخرى نشرت عام 1998 في مجلة Med-Pregl على ثمانين مريضاً أصيبوا بجلطة في القلب وهم دون الأربعين من العمر، أن ارتفاع ضغط الدم كان موجوداً عند 55% من الشابات المصابات بجلطة القلب، و35% من الشباب المصابين.

ومع الأسف، لم يكن ارتفاع ضغط الدم قد عولج عند 27% من المرضى رغم التعرّف على وجوده من قبل.

وهذا يقودنا إلى استنتاجات ثلاثة:

الأول: هو أن التدخين عامل خطر كبير وشائع جداً عند الشباب المصابين بجلطة في القلب، وإذا كان الشباب يريدون حماية أنفسهم مما وقع به أمثالهم في شراك جلطة القلب، فليقلعوا عن سجائرهم اليوم لا غداً، ولا يحقق ذلك الفائدة الآنية لهم فحسب، بل إن ذلك يمتد إلى أزواجهم وأبنائهم الذين كانوا يتعرضون لخطر التدخين السلبي، ويشاركونهم ذلك الخطر المحدق بهم.

الثاني: هو أن ارتفاع كولسترول الدم أيضاً أمر شائع عند الشباب المصابين بجلطة القلب، وعليهم أن يلتزموا بنظام غذائي قليل الدهون يصفه لهم الطبيب، وعليهم أيضاً أن يمدّوا يد العون لأبنائهم حتى يتأكدوا من سلامة أبنائهم من ارتفاع كولسترول الدم، وبإمكانهم تغيير نمط حياة أبنائهم ومساعدتهم في التغلب على ارتفاع الكولسترول، وذلك باعتماد نظام غذائي صحي، وبتشجيعهم على ممارسة نوع من النشاط البدني.

الثالث: هو ضرورة الكشف على ضغط الدم مرة كل عامين على الأقل، فإن كان مرتفعاً عولج معالجة حكيمة، وذلك ما يدرأ عن المريض مضاعفات ارتفاع ضغط الدم "غير المعالج" من جلطة في القلب أو سكتة في الدماغ، أو فشل في الكلى.

وهذه العوامل الثلاثة: التدخين، وارتفاع كولسترول الدم، وارتفاع ضغط الدم هي العوامل الأساسية التي تسبب مرض شرايين القلب التاجية. وهناك عوامل أخرى كمرض السكر وقلة الحركة والضغوط النفسية والقصـة العائلية. ولا تنتهي الحكاية عند هذا الحد، فهناك أبحاث حديثة تلقي كل يوم أضواء جديدة على نسيج ذلك الأخطبوط الذي نسميه مرض شرايين القلب التاجية.

ما السبب؟

ازداد اهتمام الباحثين حديثاً بموضوع الهوموسستين، ومدى علاقته بحدوث مرض شرايين القلب التاجية، وخاصة في سن مبكرة من العمر، وراح كثير من الناس في أمريكا يسألون الأطباء فحص مستوى الهوموسستين في دمائهم، للتأكد من عدم وجود ارتفاع في مستواه.

والهوموسستين حمض أميني مشتق من تحطم حمض أميني آخر يدعى الميثيونين، وهذا حمض أميني طبيعي يوجد كوحدة بناء في كل بروتينات الغذاء. ويمكن له أن يدمر جدران الشرايين إذا ما سمح له بالتراكم في دم الجسم أو أنسجته.

ويعتبر الدكتور ماكالي صاحب نظرية الهوموسستين والذي نشر كتابه "ثورة في الطب" عام 1997، وترجمه الدكتور أحمد مستجير، وتحدث فيه عن قصة الهوموسستين وعلاقته بمرض شرايين القلب التاجية، فما هي حقيقة الأمر؟

من المعروف أن هناك مرضاً يدعى بيلة الهوموسستين Homocysteinuria، وهو مرض وراثي نادر يرتفع فيه مستوى الهوموسستين إلى عشرة أضعاف معدله الطبيعي، ويتميز المرض بتخلف عقلي خفيف، وعدسات أعين في غير موضعها الطبيعي وقامة طويلة، ويترافق هذا المرض بحدوث تصلب مبكر في شرايين القلب التاجية وشرايين الدماغ والأطراف، ويموت الكثيرون من هؤلاء المرضى في طفولتهم من جلطات في القلب أو في الدماغ، إلا أن الجديد في أمر الهوموسستين هو أن الدراسات العلمية الحديثة قد أثبتت أن الارتفاع المعتدل في مستوى الهوموسستين في الدم يزيد من خطر حدوث تصلب شرايين القلب والدماغ والأطراف دون أن يكون هناك مرض "بيلة الهوموسستين"، فقد أكدت دراسة تحليلية نشرت في مجلة JAMA الأمريكية عام 1997 وشملت 27 دراسة طبية، أن كل ارتفاع بمقدار 5 ميكرومول/ل في مستوى هوموسستين الدم يزيد خطر حدوث مرض شرايين القلب التاجية بنسبة تصل إلى 60% عند الرجال و 80% عند النساء، وهذا ما يعادل تأثير زيادة قدرها 20 ملغ / 100 مل في مستوى كولسترول الدم.

وأكدت الدراسات العلمية أيضاً أن ارتفاع مستوى الهوموسستين في الدم يتناسب عكسياً مع كمية حمض الفوليك وفيتامين ب6 وفيتامين ب12 المتناولة في الطعام.

وأثبتت دراسة شملت 80082 امرأة، واستمرت مدة 14 عاماً أن النساء اللواتي كن يتناولن 400 ميكروغرام يومياً من حمض الفوليك و 3 ملغ يومياً من فيتامين ب6 كن أقل إصابة بمرض شرايين القلب التاجية.

ولم توص جمعية تصلّب الشرايين العالمية في توصياتها التي صدرت عام 1998 في مجلة "Nut Met Card Vas" بقياس مستوى الهوموسستين عند كل الناس.

ومن المؤكد أن العلاج بحمض الفوليك والفيتامين ب6 و ب12 يخفض مستوى الهوموسستين في الدم، إلا أنه لا توجد في الوقت الحاضر دراسات تثبت أن مثل هذا العلاج يخفض احتمال حدوث مرض شرايين القلب.

وتوصي جمعية تصلب الشرايين العالمية بضرورة قياس مستوى الهوموسستين عند الذين يصابون بمرض شرايين القلب التاجية وهم في سن الشباب. كما ينبغي قياس مستواه عند المرضى الذين أصيبت شرايينهم بتصلب الشرايين وأوردتهم بجلطات في الأوردة.

ولا يعرف حالياً بدقة المستوى الذي ينبغي عنده معالجة ارتفاع الهوموسستين، ومع ذلك توصي جمعية تصلب الشرايين العالمية بأنه إذا تجاوز مستوى الهوموسستين 12 ميكرومول/لتر يشجّع المريض على زيادة تناوله من الأغذية الغنية بحمض الفوليك كالخضراوات والفواكه، وقد يعطى جرعات صغيرة من حمض الفوليك تقدر بـ 400 ميكروغرام و 2 ملغ من فيتامين ب6 و400 ميكروغرام من الفيتامين ب12 ، أما إذا تجاوز الهوموسستين مستوى 30 ميكرومول/لتر فينبغي بالتأكيد إعطاء هذه الجرعات للمريض.

دور الجراثيم

وُجّهت حديثاً أصابع الاتهام إلى عدد من الجراثيم التي يظن الباحثون أنها ربما تكون متورطة في إحداث مرض شرايين القلب التاجية. ومن أشهر تلك الجراثيم المتهمة جرثومة "هليكوباكتر" Helicobacter Pylori والتي يعتقد أنها تسبب قرحة المعدة أيضاً.

وأظهرت بعض الدراسات ترافق تصلب الشرايين بالتهاب مزمن بهذه الجرثومة، وبجرثومة أخرى تدعى "الكلاميديا" وبفيروس يطلق عليه اسم "Cytomegalovirus"، كما أظهرت الدراسات وجود هذه الكائنات الحية في اللويحات التي تضيق شرايين القلب التاجية، وعدم وجودها في شرايين القلب الطبيـعيـة، ولا يعني هذا الترافق أن تكون هذه العوامل بالضرورة وراء حدوث تصلب الشرايين، إلا أن الالتهاب المزمن بأحد هذه الجراثيم يمكن أن يُحوّل اللويحة العصيدية المترسبة على جدار الشريان التاجي والمضيقة للشريان إلى لويحة غير مستقرة، وهذا ما يؤدي إلى تمزّق تلك اللويحة وحدوث جلطة القلب أو الذبحة الصدرية غير المستقرة Unstable Angina.

وإذا كان الالتهاب المزمن يلعب دوراً في إحداث مرض شرايين القلب التاجية، فإن إعطاء المضادات الحيوية التي تقتل تلك الجراثيم ربما يكون مفيداً في المستقبل.

ففي دراسة نشرت في مجلة اللانست عام 1997، أعطي 205 مرضى مصابين بجلطة القلب أو بالذبحة الصدرية غير المستقرة دواء يدعى Roxithromycin لمدة ثلاثة أيام أو أكثر، فتبين أن الذين عولجوا بالمضاد الحيوي قلت لديهم نسبة الوفيات من جلطة القلب كما خفّ عندهم تكرر حدوث الذبحة الصدرية.

ويجرى حالياً عدد من الدراسات الكبيـرة التي تبحث دور المضادات الحيوية في علاج جلـطة القلـب أو الذبحة الصدرية غير المستقرة، وحتى ظهور تلك النتائج نظل في حالة ترقب وانتظار، فربما يأتي اليـوم الذي تدخل فيه المضادات الحيوية علاج مرضى جلطة القلب.

الفيبرينوجين

الفيبرينوجين هو أحد بروتينات البلازما، ويزيد الفيبرينوجين من لزوجة الدم، وتجمع الصفيحات، وتشكل جلطة في الشرايين.

وتؤكد الدراسات الحديثة أن ارتفاع مستوى الفيبرينوجين في الدم يعطي مؤشراً يتنبأ بحدوث مرض شرايين القلب عند الأصحاء، أو نسبة الوفاة من جلطة القلب.

ولا يعرف حالياً فيما إذا كان خفض فيبرينوجين الدم يمكن أن يقلل من خطر حدوث مرض شرايين القلب أم لا.

ومن المعروف أن مركبات الفيبرات Fibrates تخفض كولسترول وفيبرينوجين الدم.

وهناك دراستان كبيرتان تجـريـان حالياً "وهما دراسة BIP ودراسة LEADER" وتستعمـل فيهما هذه المركبات. ويمكن لهاتين الدراسـتين أن تلقيا المزيد من الأضواء على دور الفيبرينوجين في جلطة القلب، وفيما إذا كان خفضه يفيد في الوقاية من هذا المرض.

وبانتظار نتائج تلك الدراسات، فإن إيقاف التدخين والقيام بتمارين رياضية منتظمة يؤديان إلى خفض حقيقي للفيبرينوجين في الدم، ويقللان بالتأكيد من خطر حدوث مرض شرايين القلب.

ولاتزال الدلائل العلمية تتراكم يوماً بعد يوم لتؤكد أهمية ارتفاع التريغلسريد "الدهون الثلاثية" في الدم كعامل مستقل من العوامل المهيئة لحدوث مرض شرايين القلب التاجية. فقد أظهرت دراسة نشرت عام 1998 وشملت 46000 رجل و 10000امرأة أن كل زيادة في نسبة التريغلسريد في الدم بمقدار 1 ميلي مول / ليتر تترافق بازدياد خطر حدوث مرض شرايين القلب بنسبة تصل إلى 37% عند الرجال و 14% عند النساء.

يقول البروفيسور مارتين كوي في مقال نشر في مجلة Royal College of Physicians عام 1999: "من المحتمل جداً أننا لم نعط الدهون الثلاثية حقها من الاهتمام في الماضي، ولهذا يركز الباحثون حالياً على أهمية معالجة ارتفاع الدهون الثلاثية مثلما يعطون ارتفاع كولسترول الدم جل اهتمامهم".

البدانة والسكر

تعرّف البدانة بأنها ازدياد معدل كتلة الجسم عن 30 كغم/م.2 ويحسب معدل كتلة الجسم بتقسيم وزن الجسم بالكيلوغرام على مربع الطول بالأمتار. أما فرط الوزن فتعرّف بازدياد معدل كتلة الجسم عن 25 كغم / م2.

يقول البروفيسور Branuwald - وهو من أشهر أطباء القلب في العالم قاطبة - يقول: "مع الأسف الشديد لم يركز الباحثون من قبل على دور فرط الوزن أو البدانة في حدوث مرض شرايين القلب التاجية، ففرط الوزن ليس فقط سبباً لعدد من العوامل المهيئة لمرض شرايين القلب التاجية كمرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع دهون الدم، إلا أنه يعتبر عاملاً مهماً من العوامل المهيئة لمرض شرايين القلب". وتتهم البدانة المركزية بشكل خاص في دورها في إحداث مرض شرايين القلب.

وتقدر البدانة المركزية بقياس نسبة محيط الخصر إلى الوركين، فإذا ما جاوزت تلك النسبة الرقم "1" عند الرجال، أو 85،0 عند النساء، اعتبرت دليلاً على وجود بدانة مركزية.

ومرض السكر شائع جداً في العالم يصيب أكثر من 200 مليون شخص في العالم قاطبة، وينتقل عادة عن طريق الوراثة في العائلات، والعامل الوراثي أكثر وضوحاً في النوع غير المعتمد على الإنسولين "النوع الثاني" منه في النوع الذي يعتمد على الإنسولين "النوع الأول". وأكدت دراسة فرامنغهام الأمريكية أن مرضى السكر أكثر عرضة للإصابة بمرض شرايين القلب التاجية، كما أن البدانة وقلة الحركة تساعدان في ازدياد حدوث مرض السكر.

عوامل مختلفة

أقرّت الحكومة البريطانية أخيراً بأن انخفاض الحالة الاجتماعية والاقتصادية يترافق بانخفاض مستوى الصحة، ونقص متوسط العمر، فقد أظهرت دراسة White hall التي نشرت حديثاً أن العوامل المعروفة المهيئة لمرض شرايين القلب من ارتفاع الكولسترول وارتفاع ضغط الدم والتدخين ربما لا تستطيع تفسير كل الوفيات الحادثة من مرض شرايين القلب.

وبرز أخيراً مفهوم "ضغوط العمل" عند موظفي الدولة في بريطانيا كتفسير محتمل لزيادة خطر حدوث مرض شرايين القلب عند موظفي الدولة من الطبقة الاقتصادية والاجتماعية المنخفضة. ومن المؤكد أن الضغوط النفسية تلعب دوراً مهماً في إحداث مرض شرايين القلب.

والحقيقة أنه يصعب قياس الضغوط النفسية مثلما نقيس مستوى الكولسترول أو ضغط الدم. ومع ذلك فهناك دلائل قوية من خلال دراسات أجريت على الحيوانات والإنسان تؤكد أن التعرض المديد للضغوط النفسية يحرّض تطوّر مرض شرايين القلب.

وهناك دراسات أخرى تؤكد أن التعرّض الحاد للضغوط النفسية يمكن أن يثير نوبة من نوبات القلب كجلطة القلب أو اضطراب حاد في نظم القلب.

ولاشك أن وجود قصة عائلية لحدوث جلطة في القلب عند الأب أو الأم أو أحد الأخوة والأخوات في سن ما قبل الخمسين من العمر يؤهب لحدوث مرض شرايين القلب.

وتتهم بعض الجينات بأن لها ارتباطاً بحدوث مرض شرايين القلب عند الشباب، مثل PIA2 وغيره، ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات قبل ثبوته.

وأكد بحث نشر في مجلة Am.J. Obstet Gyne عام 1998 أن الجيل الثالث من حبوب منع الحمل لا يزيد حدوث جلطة القلب أو السكتة الدماغية، وهذا ما أشارت إليه الدراسات الأمريكية، أما الدراسات الأوربية فتشير إلى ازدياد خفيف في حدوث السكتة الدماغية.

وأشار عدد من الدراسات أن نقص وزن المولود يترافق بازدياد حدوث مرض شرايين القلب التاجية عند البالغين. وتبعاً لفرضية Barker فإن نقص التغذية عند الجنين يمكن أن يؤدي إلى تغيرات وظيفية وتشريحية عنده،ويزيد من تعرض الإنسان في المستقبل إلى عدد من الأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم، ومرض السكر، ومرض شرايين القلب التاجية. وتثير هذه الفرضية عدداً من المفاهيم المهمة في الوقاية من المرض، وتؤكد أن الوقاية من الأمراض تبدأ قبل أن يخلق الإنسان في رحم أمه، ويستمر حتى وفاته.

وهذا يعني أن صحة الحامل وتغذيتها أمر له تأثير بالغ على صحة الأبناء ويمكن أن يؤثر على صحة المجتمع لقرون عديدة تالية.

 

حسان شمسي باشا

 
  




إحدى عمليات القلب المفتوح التي كانت تستغرق وقتا وجهدا طويلا بفضل التقدم العلمي اقتربت هذه العمليات من درجة الأمان