الإسكندرية مدينة الحنين والمطر

الإسكندرية مدينة الحنين والمطر

  كنز الحضارة والتراث والعلوم القديمة والحديثة التي لا تُفنى هي الإسكندرية، مدينة الماضي والحاضر والمستقبل، مدينة الحنين والمطر والجمال الأبي، غير أنها هي مدينة الأخيلة والحكايا والأساطير والأفكار المتجددة، وهي عروس البحر المتوسط، الواقفة على سقف قارة بأكملها، وقد اكتسبت هذه الأسماء المتعددة لكونها تتمتع بمفاتن ظاهرة وخفية، ولا تنقطع مظاهر الحياة فيها أبدًا، وشملت كل هذه الصفات مجتمعة، والتي نادرًا ما تتصف بها المدن.

 

هبطت الطائرة في مدرج مطار القاهرة قادمة من مدينة بورتسودان، كانت الساعة قد جاوزت الثامنة مساءً بدقائق، وكان يتعين علينا أن نبقى بالقاهرة ريثما يطلع الصباح، لكننا تفاجأنا باستعجال الذهاب إلى الإسكندرية حيث الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري التي وفدنا إليها، ورغم الشعور بالإعياء والتعب جراء الانتظار الطويل في الصالات إلا أن الفرحة كانت عظيمة بذلك.
تحركت الحافلة المعدة لخدمتنا إلى الإسكندرية عبر الطريق الصحراوي مرورًا بعدد من شوارع القاهرة المزدحمة بالسيارات وضجيج الناس، وسرعان ما اتخذت الحافلة الطريق الصحراوي القديم الجديد، والذي رآه من قبل ليدرك أنه ما عاد يُعرف إلا باسمه، ولا يتصل بالصحراء إلا بالنسب فقط، حتى قلت في نفسي: «أما آن لهذا الطريق أن يسمى بالطريق الأخضر أو الجديد»، أو أي اسم يرفع الشعور بالوحشة، فغير الاخضرار الذي طغى على جانبيه بكثرة هناك البساتين والمزارع المنتشرة، والأراضي التي تم استصلاحها، وصارت مروجًا يانعة الخضرة، فقد تعددت خلاله مداخل المدن والأرياف وكثرت الجسور العلوية وكباري المشاة لتيسير حركة المارة، بينما أصبح يتكون من 8 حارات للذهاب والإياب، ليستوعب أكبر قدر من السيارات، تقليلًا للزحام، واختصارًا للوقت، وتحقيقًا للسلامة. 
كانت أضواء المصابيح، ورائحة الحقول تنبئنا بما يجري على الأرض، فيما توزعت على جانبيه العديد من المعالم المميزة، فضلًا عن الكافتيريات والكافيهات والمعارض والمنتجعات وأماكن الراحة، وجُلها محتشدة بسيارات الغاديين والرائحين من عابري الطريق.
والسائق يحدثنا بشيء من النشوى كلما مررنا بصرح أو بستان أو تحت جسر، يحدثنا عما كان عليه الطريق منذ تشييده عام 1935م وحتى اللحظة التي نحن فيها، يحدثنا عن المدن الجديدة وما سيكون عليه الحال، أدركنا أنه يعرف كل شيء عن الصحراوي، ولابد أن يكون عبر من خلاله عشرات المرات، يدل على صدق حديثه ما تراه الأعين من متغيرات، والآليات التي تعمل في الليل بلا كلل لتشييد طرق موازية وأخرى فرعية في المناطق المزدحمة. 
السائق بعذوبته الطبيعية لم يشبع من الكلام عن الطريق الذي يبلغ طوله 220 كلم من مبدأه إلى منتهاه، ويمر بمدن رئيسة، منها الشيخ زايد، وسفنكس الجديدة، والسادات، ووادي النطرون، والنوبارية الجديدة حتى ينتهي عند العامرية في الإسكندرية. لم نمل حديثه، وكان بوسعه أن يجاوب على أي سؤال يطرح عن الرحلة، وإذا به يتوقف للراحة في إحدى الكافتيريات، والشتاء الناعم ينعش الأرواح، والإعجاب يملأ الجميع، كنت أتمنى أن نبقى طويلًا، ولكن الحنين ونداء الإسكندرية كان أقوى من البقاء أو الانتظار.
 
ليل العاشقين
وصلنا مدينة الإسكندرية بعد الحادية عشر والنصف ليلًا، ووجدنا الأمور على كافة الصُعد أفضل مما نتوقع، ولكن ليس كما قال الشاعر الكبير المتنبي إن «ليل العاشقين طويل»، فالمدينة التي تسلب العقول ويتعشقها القلب، ما فتئ الليل فيها قصير جدًا إن لم يكن معدومًا، وهي في الظاهر لا تعرف لليل معنى، لكونها مغمورة في هالة من الضياء، وأبراجها وساحاتها وميادينها، وحدائقها ومسارحها ونواديها وأسواقها، ضاجة بما يجعل ليلها نهارًا، وربما أجمل.
الظلام مندس بين العمارات السوامق، وخلف أمواج البحر العاتية، والنجوم مخبأة بالسحب الداكنة، والأنوار مشعة في كل الجوانب حتى كدنا لا نرى الظلال، وثمة أناس مختلفة الألوان يجولون كل يلوي على اتجاه، والحركة متاحة وسهلة وقتما شاء المرء، وكيفما أراد، ورغم أن شهر ديسمبر في أواخره وعز الشتاء، والمطر ينهمر بين الفينة والأخرى إلا أن كل شيء كان عاديًا، وفي المدى الممتد كانت الضوضاء، وأزيز العربات وقطارات الترام تملأ فضاء المدينة مع مناظر في غاية الروعة.
قبل أن نستقر في مقر إقامتنا، كنت أشعر بفرح غريب مقرون بالتعب، وحنين مفرط بدأ يطفح من الأعماق إلى زمن تولى منذ أيام الدراسة والتحصيل، وساورني شعور مفرط ورغبة ملحة للخروج في مهرجان النور وضجيج الليل للتجوال في بعض الطرقات القريبة، ولعله إحساس يراود كل زائر يأتي الإسكندرية ثانية حال وطأت قدماه أرضها، وفي كل الأحوال هو تداعي حنين متصل يلامس شغاف القلب توًا ودون إبطاء. 
ولا عجب في خروجي رغم الإرهاق وتجوالي في عز الليل تحت زخات المطر، خاصة والإسكندرية علمتنا منذ أمد بعيد فن التنقل تحت عنف المطر، وأجواء الأعاصير الباردة.
في تلك الأثناء طرأت فجأة على الذهن أسئلة عن سر العلاقة الحميمة بهذه المدينة؟ لماذا الحنين للتجول في أحيائها وشوارعها دائمًا؟ ألأنني عشت وتجولت فيها لبضع سنوات عندما كنت طالبًا؟ أم لأن تلك الأحياء والشوارع والأزقة بتنوعها لم تزل تفرض وجودها في الدواخل؟ أم لأنه سحر المدينة وفيضها الذي لا ينضب؟ 
كنا ونحن كطلاب في الابتدائية قد تعرفنا على الإسكندرية من خلال حصص الجغرافيا، ومن بين أسطر الكتب، وأطلس العالم، ليس أكثر من كونها العاصمة الثانية لمصر، التي قام بتأسيسها الإسكندر الأكبر، قبل أكثر من 23 قرنًا، وترقد على الناحية الغربية من الدلتا (بحيرة مريوط) على أحد فرعي نهر النيل العظيم يسمى «رشيد»، وبها أكبر ميناء مصري على ساحل المتوسط. لسبب لا أجد له تفسيرًا، كنت أمني النفس بزيارتها، موقنًا بأن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، حسب قول المتنبي، ولكن شاءت الأقدار أن تستحيل الأماني إلى واقع، وأتلقى فيها مع قلة قليلة من أبناء الدفعة تحصيلنا الدراسي لِما بعد الثانوية.
ولأن الحديث ذو شجون، باختصار فُتِنا بجمالها للوهلة الأولى، وحفزتنا على صداقتها حين جاورنا بعض أهاليها في أحياء عدة، وعرفنا دروب الأسواق والمكتبات والمتاحف ودور السينما، وملاعب الكرة، والمطاعم والمقاهي، غير أنها احتضنتنا كما احتضنت غيرنا وأعدادًا مهولة من السودانيين والعرب على مر السنين، وفتحت لنا جميعًا دور العلم وأبواب المعرفة وما زالت، وعلمتنا فن العوم، وممارسة التأمل، وحب الاستطلاع، وكيف نستمتع ونستثمر أوقات الفراغ على محدوديتها، وفوق ذلك علمتنا ما لم يدر بخلدنا أن نتعلم.
المدينة التي تجولت بين شوارعها وأحيائها وخبرت معالمها، طالتها في الراهن تغيرات هائلة، وهي دائمًا ما تبدي الاهتمام بماضيها للدفع بحاضرها من أجل العبور نحو المستقبل، لذا لم تعد غريبة علينا، وقضاء بضعة أيام فيها يجعل المرء يوقن بأن قول الرحالة محمد بن عبدالله الطنجي المشهور بـابن بطوطة (1304 – 1377م) في كتابه «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» عندما زارها قبل نحو 650 عامًا ما زال حاضرًا: «وصلنا في أول جمادى الأولى إلى مدينة الإسكندرية، حرسها الله، وهي الثغر المحروس، والقطر المأنوس، العجيبة الشأن، الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين، كرمت مغانيها، ولطفت معانيها، وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها، فهي الفريدة في تجلي سناها، والخريدة تجلي في حلاها، الزاهية بجمالها المُغرِب، والجامعة لمفترق المحاسن، لتوسطها بين المشرق والمغرب».
 
الجمال الأبي
لك أن تتأمل وأنت على صخرة من الصخور المكومة على الشاطئ، بأنك على حافة الطرف الشمالي لإفريقيا، على وشك الانفصال عنها بكل ما فيها، وأنك على أهداب بحر قديم قدم الأرض، يتوسط ثلاث قارات، هو الأبيض، بلا شك ينتابك شعور مبهم لا هو بالواقع ولا هو بالخيال، ولكن على كل حال أقل ما يوصف به أنه شعور رائع بالوجود، وما أروعه حين تقترن أطراف الحياة بالجمال والخيال معًا، وكذلك الحال إذا تأملت بأنك ترنو إلى الأفق وإحدى قدميك على رمال ساحل القارة العجوز، والأخرى غائصة في مياه المتوسط - قدم في البر وقدم في البحر-، حقيقة أنك لتشعر بالزهو وأنت على سقف قارة بحالها، ويتملكك إحساس يبعث في النفس لذة ومتعة غريبة مريحة، ربما لا تجود بها الأقدار إلا في القليل من الأحيان.
ما هو مؤكد أن هذا الموقع الاستراتيجي المتميز يمثل المفتاح الأساسي والأهم للإسكندرية، وما كان غريبًا أن تحرز التفوق من خلال تطوير الذات رغم الوقائع التي وقعت، والأحداث التي جرت عبر القرون، فيما يكشف لنا لماذا كانت من زمان قديم هدفًا للغزاة والطامعين؟ بقدر ما يؤكد أنها مدينة ذات جذور ضاربة في القدم، تخلقت فجر تخلق القارة الإفريقية، وميلاد البحر.
وكان طبيعيًا أن تمتد إليها أيادي الزمان كثيرًا، ولكن في النهاية أحالتها إلى مدينة عصرية، جمعت بين الوضاءة والأناقة وصفاء الروح، فيما ظل جمالها طوال عمرها التاريخي، ليس بمنأى عنها، نراه باديًا في أي شيء وفي كل حين، لعله الجمال الأبي، ذاك الذي يأبى الانكسار والاستسلام للصعوبات، وعنفوان الطبيعة، وثورات البحر الفجائية (النوات)، كأنما جُبِلت على الانتصار لذاتها ولجمالها، لتستغني عن كل زينة، وتغدو من أجمل المدن العريقة التي عرفها العالم القديم والجديد. 
وإذا تسنى للمرء أن يطوف ويتملى في نواحي الإسكندرية، فلا شك أن الصورة التي ترتسم في ذهنه من أول نظرة أنه ليس في مدينة، وإنما يجد نفسه أمام شخصية براقة، ذات عبقرية خارقة، بالغة الحضور والدهشة، خليق بها أن تستثير الحنين وتؤجج الشوق في النفوس، ولا أنسى أنني حدثتها بأشواقي قبل عقود خلت: «جئت إليك/ جئت وفي نفسي شيء إليك/ جئت قبل الآن ظمأن/ أبتغي شرف الجلوس على راحتيك/ يا أنت يا هذا الذي علمني الهوى/ وأسرجني الشوق من بعد النوى/ جئت إليك... جئت إليك»... ليأتي السؤال أيضًا لماذا كل هذا؟
بلا مواربة يرى المتفرس بين تقاطيع وجهها تاريخًا عميقًا بارزًا مليئًا بالأحداث والحكايا والأساطير، وذات صلة وثيقة بمعاني الأناقة والتراث الإنساني الذي لا أود التعمق في سبر أغواره، فهذا نقله كثير من المؤرخين والرواة والرحالة، ولكن الثابت أن عروس المتوسط وهي على سقف إفريقيا تقف على الدوام متزينة بأزياء عصرها، وفي كل مرة تكتسب ملامح جديدة تلفت الأنظار.
 
المشهد البانورامي 
قضت الظروف أن يكون مقامنا في أحد فنادق المنشية، على مقربة من قلعة «قايتباي» الأسطورية بالأنفوشي، الأمر الذي أتاح لنا حظ التنقل في دوار على شكل حدوة الحصان أو القوس على امتداد الساحل من غرب المدينة إلى شرقها صباح كل يوم وعند الظهيرة في سياحة لمدة 12 يومًا، حيث الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرية. 
وما بين المنشية وأبو قير أي ما بين طرفي الحدوة إذا أخذناها مثالًا، هو نفس الذي بين القلعة والأكاديمية، مسافة تقدر بأكثر من عشرين كليومترًا تقريبًا، وإذا نظرنا داخل الحدوة للمشهد البانورامي للإسكندرية في مثل هذه الأيام الشاتئة فثمة كثير من عوالم البحر وصوت أمواجه المتلاطمة وجماليات الطبيعة البحرية المتنوعة، والأجواء المليئة بالغيوم والترقب شيء يدخل البهجة في النفوس، بينما في الخارج فهناك الشواطئ المتعددة، والتراث المعماري الفني المتميز والمتنوع الأطرزة والتصاميم والألوان، وكنوز من الثقافة والفن كأهم مقومات الحفاظ على الهوية، كلها راقدة على كتفي عروس المتوسط، تنبض صورًا حية صادقة بالحياة في المجتمع المصري، بيد أن هذين الصرحين (الأكاديمية والقلعة) اللذين يتمثلان لي أيضًا بأنهما يربضان كراحتي اليدين، يعدان من أهم وأبرز الصروح، ليس في مصر وحدها وإنما في القارة الإفريقية والشرق الأوسط إذ فتحا نوافذ للدراسات والتحصيل والبحوث، وأخرى للسياحة المعرفية والتعليمية والترويحية، وكلاهما يستقبل الآلاف خلال العام، ويعد نموذجًا فريدًا في عصره والعصور التي تليه. 
 
لؤلؤة متوهجة 
ساورنا خاطر بأن نقف أولًا عند شاطئ أبي قير في أقصى شرق الإسكندرية، أحد أشهر شواطئ المدينة لارتباطه بأحداث وملاحم تاريخية قديمة، إلى جانب أن الحي نفسه يمثل منطقة أثرية وسياحية يرتادها المصطافون من الأقاصي، وطلاب العلم من الجنسين.
لم تكن هي المرة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة التي وفدنا جماعة إلى الأكاديمية لإحراز بعض الدورات الحتمية، ولكن في كل مرة نجدها أكثر جدة وجمالًا وإضافة. كان طبيعيًا أن تحتل مركزًا مرموقًا ليس في مصر وحدها وإنما في القارة الإفريقية والشرق الأوسط، وكان بديهيًا أن يتزين مدخل الأكاديمية العريض بأعلام الدول العربية، يكشف سر تعددها تعريفها المنشور على صفحتها، (هي منظمة تعليمية متخصصة في العلوم والتكنولوجيا والنقل البحري تابعة لجامعة الدول العربية، تهدف إلى التعليم والتدريب والأعمال البحثية)، ما أكسبها كثيرًا من العظمة والوقار.
غير أن المبنى له وقع خاص وذو هيبة، سيما وهو محاط بالأسوار العالية من الخارج ليحجب عنه العيون، والدخول إليه وفق إجراءات روتينية صارمة، أما في الداخل إذا تجول المرء في محيطه العام فيجد أن مساحته مقسمة بطريقة هندسية بارعة، وأن الجمال والبهاء والذوق والدقة جميعهم يسيرون جنبًا إلى جنب حتى قاعات التحصيل، وحيثما وجه المرء نظره لا يرى سوى الحدائق والمساحات المخضرة والألوان الزاهية، وروعة التصاميم الهندسية للعمارة الحديثة.
حقيقة لم نشاهد فراغًا إلا وامتلأ بالخضرة والزهور والورود ذات الألوان الجذابة، والأجنحة والزوايا التي تلفها الأشجار، بجانب مبنى القبة السماوية التعليمي، ملاعب الرياضة، الكافيهات، المكتبات، ومواقف السيارات، خلية نحل بشرية دائبة الحركة ظللنا نشاهدها في كل يوم، ورائحة ذكية تنبعث من كل الجهات، لا ندرك كنهها، في دنيا لا تحتاج فيها إلى شيء إلا تجد، دنيا غنية بالمشوقات ومباعث الراحة والسعادة، وكل شيء فيها يدار بانتظام ودقة بالغة، حسبما هو مخطط له، الأمر الذي جعلها مركزًا مهمًا لإشعاع العلوم والمعارف في مختلف البلدان وفي عالم البحار، وفي نفس الوقت قلعة من قلاع السياحة المعرفية والتعليمية.
تعود فكرة إقامة الأكاديمية كمعهد إقليمي للنقل البحري إلى مارس 1970م، ومع نهاية العام التالي أوفدت منظمة الأمم المتحدة لجنة مشتركة من منظماتها ذات الصلة لدراسة الأمر وما حاجة المنطقة العربية لهذا المشروع، وقد أوصت بضرورة إنشاء معهد تدريب بحري إقليمي وتوفير المعونة اللازمة له بمشاركة الدول العربية، كما أوصت باختيار الإسكندرية مقرًا للمشروع، لموقعها المحوري المتميز بين البلدان العربية، ولكونها ذات تاريخ عريق ومكانة حضارية بارزة. 
ومنذ البداية أخذت الأكاديمية تخطو خطوات حثيثة باتجاه تحقيق وظيفتها كصرح تعليمي، ترويحي، دالته الإقبال الكبير من جانب الطلاب وحملة الشهادات للاستزادة من العلم والمعرفة، وهي تضم كليات النقل البحري والتكنولوجيا، الهندسة والتكنولوجيا، الإدارة والتكنولوجيا، الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات، النقل الدولي واللوجستيات، وغيرها من الكليات العلمية والنظرية، فيما تتفرع كل كلية إلى أقسام عدة تشمل جميع التخصصات التي تحتاجها الأسرة الدولية في أسواق العمل العصرية، إضافة إلى معهد تدريب الموانئ الذي يعمل بنظام على مستوى عالٍ من الحرفية والتميز، ما جعله منارة في المنطقتين العربية والإفريقية.
وخلال أيامنا بين أفنائها لاحظنا تعاظم الدور الذي تلعبه، وهي تحرص على بناء الدارسين وتزويدهم بكل الإمكانات والمهارات والقدرات والنظم المعرفية المتنوعة، ليكونوا قادرين على التفاعل مع معطيات الحياة المعاصرة، وذلك بالتدريب العملي لطلاب الكليات والدورات العلمية كل في مجاله، وفق جداول دراسية وتدريبية محكمة التوقيت. وإذا ما ألقينا نظرة على المباني وقاعات الدراسة لوجدناها مجهزة بكل ما يحتاجه الدارس في مجال تخصصه، فيما يشرف على التدريس والتدريب مئات من حملة الدرجات الرفيعة لمختلف التخصصات، وعلى رأس هؤلاء جميعًا نظام إداري متكامل عالي الكفاءة، لم يدخر وسعًا في تهيئة البيئة الصالحة والمحفزة للتحصيل العلمي، والسياحة التعليمية، بينما شمل الاهتمام إسكان وإراحة آلاف الطلاب من الجنسين القادمين من مختلف البلدان، وهذا في حد ذاته أمر له دلالاته العميقة، في توثيق عُرى الترابط والوحدة وإشاعة أجواء الألفة والمحبة بين الشعوب، إنها لفتنة أخاذة تستوقف المرء دونما يشعر، وتبقيه أمام لؤلؤة متوهجة على الدوام.
 
جوهرة على اليابسة
أما على الطرف الآخر من الحدوة كما تخيلنا، أو على راحة اليد الأخرى في أقصى غرب الإسكندرية، تشخص «قلعة قايتباي» الشهيرة، وهي أظهر من الشمس في رابعة النهار، إذ يستحيل على الجائل في شواطئ الإسكندرية ألا يراها من أقصى المسافات، تقف مشرئبة كأنها تغازل سحب الشتاء، حارسة وفية لثغر مصر.
وما أن يصل المرء إلى حي الأنفوشي، حتى يتبدى له أن هناك شيئا غير عادي، أفواج من الناس مختلفي المشارب يتوافدون عليها بلا انقطاع بوسائل نقل متعددة متنوعة، أبرزها «الحنطور» - عربات من عجلي حديد كبيرين تجرها الأحصنة - كأنهم في استعراض بين الماضي والحاضر، وفي الطريق الوحيد المؤدي لمبنى القلعة يجد من الناحية اليمنى أندية الصيد، والسباحة والزوارق، ومبانٍ وثيقة الصلة بالبحر، بينما يتواجد على الشمال المتاخم لمياه المتوسط العديد من بائعي المنتجات البحرية، والاكسسورات وغيرها في منظر يستدعي الناس ليبتاعوا ما يريدون، أو من أجل الفرجة.
وعلى مسافة غير بعيدة يجد المرء القلعة على لسان من اليابسة - شبه جزيرة فاروس - محاطة بمياه المتوسط من ثلاثة جوانب، رابضة مطمئنة تترقب أعين الزوار.
القلعة التي اتخذت موقعًا متميزًا جدًا في نهاية الكورنيش، في مكان منارة الإسكندرية التي دمرها زلزال سنة 702 للهجرة، تم تشييدها في العام 1477م، بعناية فائقة، ومهارة رائعة، وتكلفة كبيرة واستمر بناؤها لعامين بأمر من السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي أكبر سلاطين الدولة المملوكية في الفترة (1467-1495م)، حماية لأرض مصر من تهديدات الدولة العثمانية. 
لا شك في أن الذي يحظى بزيارتها سيحار في أمر بنائها وصمودها، إذ يتوسطها برج ضخم مربع مكون من (3) طوابق، وكل طابق له خاصية تميزه عن الآخر، ويحتوي على عدد من الحجرات، مشمول بكثير من الأقبية والدهاليز والممرات الضيقة، بهدف تحقيق الغرض من البنيان، فيما تم في منتصف ستينيات القرن الماضي تشييد متحف بحري داخل البرج. 
مع مرور الزمن أصبحت القلعة ببرجها الضخم مزارًا ومثارًا لاهتمام السياح والدارسين والباحثين، وإذا أمعنت النظر فيها تضع في بالك أنها شُيدت قبل سنوات قلائل، ولكن تأخذك الدهشة والإعجاب إذا عرفت أن عمرها يناهز الـ(550) سنة، وهي ما زالت تشع صفاءً غريبًا، وذات جاذبية واسعة بل مفرطة على نحو يكفي المرء أن يقف حيالها أطول وقت ممكن، لكأنها جوهرة على اليابسة، ما يجعل الحركة مشتعلة بين جدرانها، والناس ما بين غادٍ ورائح، وثمة جماعات وأفراد يتحلقون حول البناء العتيق، وآخرون جلوسًا بين الأفنية المخضرة الزاهية، وأناس في أعلى السطح يتأملون باهتمام زائد دهاليز البرج المتشابكة، وشباب من الجنسين في كل ناحية، يتجولون بين الأقبية والممرات الداخلية، يرصدون بدقة زوايا المبنى الضخم، ويدققون في كل حجر وفي كل فتحة، كأنهم مقبلون على بناء مثله، أو كمن يودون شراءها. 
 
برودة ناعمة
طالما وقفنا على صرحين بارزين من صروح الإسكندرية المهمة، كان لابد أن نتجول على طول الطريق الرابط بينهما، «طريق الجيش» الذي يصل غرب الإسكندرية بشرقها، محازيًا لكورنيش البحر، ممتدًا على طول الساحل من حي الجمرك لينتهي في قصر المنتزه، وهو ليس بالطريق المستقيم، إنما ذو تعرجات ومنحنيات تضفي عليه رونقًا فريدًا، ليتبدى في كثير من الأماكن كما الحسناء الوجناء، ولو نظرنا إليه بتأمل عميق لوجدناه كما التاج الذي يزين جبهة العروس.
والتجوال في طريق الجيش في حد ذاته يستهلك كثيرًا من الطاقة، إلا أنه يبعث الدفء، وفيه كثير من الرفاهية والراحة الذهنية، ورغم أنسام الشتاء اللطيفة، لا يمكن للمتجول أن يجزم تمامًا بما ستؤول إليه أحوال الطقس، ومع ذلك أن بوسعه أن يكون سعيدًا، لكونه إذا حدق بالأفق البعيد لن يجد أجمل مما هو فيه من مفاتن في البر والبحر، كما يتسنى له أن يمشي في جانبيه مسافة عدة كيلومترات في أجواء من الروائع والمشاهد البديعة، إذ تجمع الإسكندرية على طول الكورنيش معالم متعددة ومتنوعة غنية بتاريخها وتراثها العريق، وثمة كثير من الأماكن التي ترغم المرء على زيارتها أو الدخول إليها، غير تلك التي يأتيها بمحض إرادته، بدءًا بالأنفوشي، حتى أبو قير، يقينًا بأنه جهد لو تحقق لن يتم في إلا في أيام عدة. في يوم ما وجدنا فسحة من الوقت وعقدنا العزم للتنزه على الكورنيش عصرًا راجلين في برودة ناعمة منعشة، انطلقنا من شاطئ الأنفوشي حيث يتواجد كثرة كاثرة من البشر يتنزهون على الكورنيش، وأعداد كبيرة من الزوارق والمراكب المعدة للنزهات البحرية، وعلى طريق الجيش كالعادة مجموعة من الحناطير تنتظر حظها من الرزق، لكأن أيام الصيف عادت من جديد في ديسمبر.
ما أن سرنا قليلًا حتى وجدنا أنفسنا بقرب مسجد الإمام «أبو العباس المرسي» (1219 - 1281م)، مظلل بسحب الشتاء المثقوبة، إنه كنز من كنوز التراث الديني، يقف على رأس أقدم وأشهر المساجد والمزارات الإسلامية في مصر وفي العالم العربي.   
وفي تجوالنا داخل الباحة الكبيرة المسماة بـ «ميدان المساجد»، لاحظنا أن ثمة مسجدين آخرين، لكل من الإمام محمد بن سعيد البوصيري (1213-1294م) صاحب القصيدة الشهيرة (البردة)، وآخر للشيخ ياقوت العرش اكتمل تشييده عام 1943م، ولحظتئذٍ جال في الخاطر أصفى تجليات الشاعر السوداني محمد الفيتوري، وهو يخاطب «ياقوت العرش»:
تاج السلطان الغاشم تفاحة
تتأرجح أعلى سارية الساحة
تاج الصوفي يضئ
على سجادة قش
صدقني يا ياقوت العرش
إن الموتى ليسوا هاتيك الموتى
والراحة ليست هاتيك الراحة
ولما كانت الأجواء مشمسة والسماء مغطاة بمزق من السحب، وكل شيء يبعث البهجة في النفس ترجلنا دونما نشعر في محازاة خط الترام الذي يربط غرب المدينة بمحطة الرمل، ثم عرجنا شوارع وأزقة الأنفوشي أو حي الجمرك. 
لم تكن الأنفوشي وحدها هي التي تحتكر سلطنة وسطوة وبهاء الإسكندرية، وإنما توجد مناطق قريبة منها، لها من الفتنة ما يثير التنازع والفضول، ومن الحنين ما يوقظ الشعور، ولنا في «غربة وحنين» لشاعر مصر الكبير أحمد شوقي وحنينه وأشواقه لشواطئ الإسكندرية (الفنار، يد الثغر - الشاطئ -، الرمل والمكس) أيما بيان، ليتفجر حنينًا إلى الوطن الكبير (مصر):
نفسي مرجـل وقلـبي شـــــراع
     بهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك الفـنار ومجراك 
     يد الثغــــر بين رمـــل ومكــس
وطني لو شغلــت بالخلـد عنه 
   ازعتني إلـيه في الخلد نفسي
ما أن يخطو المرء خطوات في محازاة الكورنيش حتى يجد حي المنشية والنصب التذكاري للجندي البحري المجهول مطلًا على الساحل، وجموع كثيرة تحوم على جانب الشاطئ، وأخرى على مقربة من النصب، وما يجعله لافتًا جمال التصميم ودقة التنفيذ، وسعة ورقة الخيال في استخدام الرخام وتطويعه بمهارة فائقة في البناء، سواء في الأعمدة المرمرية أو النقوش أو الزخارف أو التيجان التي تُحلي قمته. 
تقول الروايات إن تصميمه مشابه للنصب التذكاري لـ«فيكتور عماويل الثاني» الذي يحتضنه ميدان فينيسيا بروما الإيطالية، وأن جاليتها هي التي قامت بإنشائه في العام 1933م يتوسطه تمثال خاص بالخديوي إسماعيل باشا تكريمًا له، وفي العام 1964م استبدل التمثال بنصب تذكاري تخليدًا لشهداء القوات البحرية عبر العصور.
في الأثناء شاهدنا بقرب النصب ناحية الجنوب جمهرة من الناس حول الباعة الذين يفترشون بضائعهم المتنوعة من المستلزمات المنزلية، وغيرها من الملبوسات الشتوية، وبقايا ملابس الصيف، بأسعار تناسب كل فصل، وبما يتناسب وظروف الناس، مع مفاضلة ومفاصلة في الأسعار.
ثم ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا في ميدان المنشية، أو «ميدان التحرير» أو «ميدان محمد علي باشا» الذي يتوسط تمثاله حديقة الميدان لكونه مؤسس مصر الحديثة (1805-1849م)، والذي يراه معتليًا صهوة جواده، لا يرى فيه إلا إرادة القائد الصميم، القادم للتو بانتصار حقيقي، بينما يتراءى الحصان بلونه البرونزي، والريح تلعب بعرفه منطلقًا في شموخ وكبرياء على قناعة تامة بأنه حصان القائد.
 
العشق لا يتخير الفصول
يعتقد الكثيرون أن أجمل أيام الإسكندرية تتبدى في الصيف، وأن أصعب أيامها في الشتاء، لكنهم لربما لا يدركون أن للشتاء خصوصياته وجمالياته وسحره الخاص، وهناك أناس يعشقونها في هذا الفصل بالتحديد، مثلما يهواها آخرون كثر في الصيف، وغيرهم يهيمون بها عشقًا في كل حين، يقينًا بأن العشق لا يتخير الفصول، ولا الفصول تختار من يعشقها.
نزلنا ذات صباح من صباحات ديسمبر الباردة خارج الفندق، وكانت المفاجأة التي تنتظرنا الصقيع الذي يتساقط بكثافة على أرض المنشية، حتى غدت بساطًا من القطن الناصع البياض، ورغم كثافة الأمطار الجليدية لم يعد هناك ما يمنع الحركة، طالما المظلات على الأيادي مشرعة فوق الرؤوس، ومعاطف المطر باقية على الأجساد. 
ولو كان في إمكان المرء أن يطوف في شوارع وأحياء الإسكندرية في نهار دافءٍ وهو نشط، فلا يمكن لأي زائر أن يتخلى عن التطواف تحت كل ظرف وفي أي وقت مهما يكن حتى وهو منهك، فقط لأن الإسكندرية تجبر على ذلك، ولا أحد يستطيع أن يقاوم الحنين وإغراءات الطبيعة الإسكندرانية، وأصداؤها المنعكسة على الأرض اللامعة بمياه الأمطار. 
قادنا الحنين للذهاب إلى محطة الرمل (السنتر) فإذا بنا نسير عبر «شارع النبي دانيال»، لا أنكر قد كان في اعتقادي عند بداية عهدي بالمدينة في بداية الثمانينيات أن اسم الشارع لرجل على غير الديانة الإسلامية، لكنني ما لبثت أن أدركت الحقيقة، بأنه أحد العارفين بالله هو الشيخ «محمد دانيال الموصلي» شافعي المذهب، قدم إلى الإسكندرية في أواخر القرن الثامن للهجرة، وقام بتدريس أصول الدين، وعلم الفرائض حتى توفى سنة 810هـ ودفن في المسجد المسمى باسمه، وظل ضريحه مزارًا مشهورًا حتى الآن.
تجولنا في «شارع النبي دانيال» مرورًا بسوق الكتب المفروشة أو «المفروش»، سوق له وجود حقيقي منذ زمان طويل، زاخر بكنوز قيمة من الكتب، ونادرًا ما تجد مثلها في كبريات المكتبات، وبأسعار مخفضة وزهيدة، والذي يبهر حقيقة الوراقون وذواكرهم العجيبة، لابد أن تبجلها، فهي حاضرة غنية بأسماء جل ما أنتجته المطابع ودور النشر من كتب على مختلف العصور، وقد يفاجئك أحدهم في بعض الأحايين بأن الكتاب الذي ليس لديه، قد تجده في المكتبة الفلانية في الشارع الفلاني، أما إذا قال «هذا العنوان مافيش في المكتبات» فيبدو أن الباحث بحثه سيطول ويطول، ما يوحي بأن معشر الوراقين على دراية كافية بكل ما يدور في عالم الكتب. وجميعهم لديهم معرفة وثيقة ببعضهم البعض.
 
بهاء الشتاء
قد يلاحظ المرء في أيام الشتاء أنه لا يمر يومان في الإسكندرية يشبهان بعضهما، وبالكاد لا يتعاقب الليل والنهار بوتيرة روتينية، إذ تتغير أحوال الطقس بين الحين والآخر، وربما تكتسب المدينة أكثر من لون وتكون أشد ألقًا في ساعات النهار، للنزال المستمر بين أشعة الشمس وأسراب الغيوم، بما يشبه لعبة القط والفأر، بينما تجد عشاق البحر والمناظر الطبيعية والنجوى على حافة الشاطئ ينظرون ويتأملون ويقضون الأوقات الطوال رغم برودة الطقس برغبة جامحة في التحرر من مكبلات الشتاء، ولكن ليس في مقدور أحدهم النزول في البحر لشدة الرياح، وارتفاع أمواج البحر، غير مبالين بالأمطار والرياح التي تتنمر في أي لحظة دونما إنذار، طالما هم محتاطون لذلك، والمدينة تملك لكل ظرف من الظروف جاهزية مفرطة، وهنا يكمن سر من أسرار بهاء الشتاء. 
وبينما كانت الشوارع تلمع لذوبان أشعة الشمس في بقايا مياه المطر، والهواء نقي منعش، وشيء من الارتياح يسري في العروق، عبرنا نحو شارع سعد زغلول، وكان أول ما شاهدناه أمامنا مكتبة دار المعارف المصرية، وقريب منها الدار المصرية للكتب، والهيئة العامة للكتب، مكتبات لها جذور ووزن وعراقة، ولكل مكتبة رائحة ومذاق يختلف عن الأخرى، اختلاف الأرفف وفن العرض، وهي لا تلتقي إلا في كونها تحوي آلاف الكتب المختلفة الفريدة.
وعلى امتداد الشارع لم تر الأعين سوى المحال التجارية مزدانة بأحدث صيحات الموضة من الملابس، والأحذية، والموبايلات والمعدات الإلكترونية، وبيع الحلوى، والبقلاوة، وغيرها من المعروضات الفاخرة ومستلزمات البيت العربي، يرتادها غالبية الشباب من الجنسين، وأناس أثرياء، وآخرون ذوو ثراء فاحش، مع من دونهم، ضرب من الرقي ميز الشارع مذ رأيناه أول مرة قبل عشرات السنين.
ولم ننس أن نعرج على أهم وأشهر مطاعم الإسكندرية الحاج محمد أحمد، ولم تكن الحاجة للأكل هي التي ساقتنا لارتياده والجلوس بين مرتاديه، لتناول الإفطار بالفول والطعمية والمشهيات، لكننا كنا متخمين بالحنين لأعوام خلت، وحان الوقت الذي نستعيد فيه عبيرها. كان استقبال العاملين بالمطعم الشهير وبذل خدماتهم يوحي بأنهم كمن يعرفوننا من قبل، و«خلي عنك يا بيه» كانت حاضرة عند الوداع.
ما هي إلا بضع خطوات حتى دلفنا من شارع «سعد زغلول»، واتخذنا شارع «صفية زغلول» أو «شارع السينما»، مسارًا آخرًا، ولكن الشاهد عند تقاطعهما يظهر «ميدان الرمل»، أبرز وأشهر ميادين الإسكندرية قاطبة، لكونه يتوسطها والأقدم، والأكثر اجتذابًا للناس والزوار وملتقى الجاليات، فيه مجمع الترام.
على ذَكر الترام يجدر بي أن أشير إلى أن ترام الإسكندرية في مجراه بنوعيه الأزرق والأصفر يعد من أهم المعالم البارزة في المدينة، ويحدثنا التاريخ كثيرًا بأنه الأقدم والأشهر في مصر وفي إفريقيا، ومنذ تشغيله في العام 1860م، ظل يؤدي في الحياة اليومية أدوارًا لا تعد ولا تحصى، ولعله أشبه بالمنصات السياحية والترفيهية المتحركة، عادة ما ينطلق من محطة الرمل (4 خطوط 2/طويلة و2/قصيرة) تلتقي وتفترق مخترقة الأحياء الداخلية القديمة والجديدة، الراقية والشعبية، ومن خلاله يمكن لمستغليه التعرف على الطابع المعماري، والحواري والأزقة في المدينة، خاصة أنه يمر بأكثر من 25 محطة أو حي في شرق المدينة حتى ينتهي في فيكتوريا بحي سيدي بشر، وثمة خطوط للترام الأصفر (طابقين) تبدأ من محطة الرمل وتمتد إلى أحياء غرب الإسكندرية حتى «رأس التين»، الشيء الذي يربط أطراف المدينة ببعضها البعض، كما يوجد خط للسكك الحديدية يبدأ من محطة مصر مارًا بـ»16» محطة أو حيًا حتى نهايته في «أبو قير».
أما «ميدان الرمل» كما عهدناه دائمًا قبلة الزوار ومزدحمًا بالرواد من شتى الأنحاء، يحيطه مكتب البريد، ومحلات بيع الصحف والمجلات والكتب، والمقاهي، ودور السينما، الفنادق والبنسيونات، وعيادات مشاهير الأطباء، بجانب العديد من المحلات والمراكز الخدمية والتجارية، ومن لم يزر ميدان الرمل، لم يفد إلى الإسكندرية، إذ يمتزج فيه التراث والحداثة، خاصة من ناحية العمارات الضخمة المبنية على أطرزة هندسية مختلفة.
على بعد مسافة قصيرة كان شاطئ الرمل باديًا، وما أجمل البحر حينما تتراقص انعكاسات الشمس على أمواجه المتكسرة، وإذا بنا وجهًا لوجه أمام النصب التذكاري لقائد ثورة 1919م، الزعيم سعد زغلول في وسط الميدان المسمى باسمه، واقف منتصب القامة، في مهابة وشموخ على المنصة العالية يتأمل مثلنا أمواج البحر كأنه يبحث عن سر دفين قابع فيه، أو كأنما يستدعي تاريخًا قديمًا مشحونًا بالأحداث والنضال، الشيء الذي يشعر المرء بأنه أمام رجل نبيل في قلب مدينة تغص بالرائعين. ويعد الميدان من معالم المدينة التي لا تخطئها الأعين، ودائمًا ما يكون مغطى بالنجيل الأخضر والأشجار الباسقة، ما يجعل المرء أكثر اقترابًا من الطبيعة، وبعيدًا عن منغصات الحياة. 
 
الجمال يلد الجمال
لما كان الطقس بديعًا أبرز دلائلاته نفاذ أشعة الشمس في كل مرة من خلف السحب، وكأنها تختلس النظر للجليد المذاب والأرض المغسولة بمياه المطر، وتوجهنا صوب مسجد القائد إبراهيم القريب من «ميدان الرمل»، في مواجهة الكورنيش، وهذا بمئذنته الرفيعة يعد من المعالم الدينية المهمة في المدينة، وكان قد قام ببنائه المهندس الإيطالي والمعماري في وزارة الأوقاف المصرية ماريو روسي، عام 1948م في الذكرى المئوية لوفاة القائد إبراهيم (1789-1848م) بن محمد علي باشا. 
ليس غريبًا أن يشارك ميدان الرمل في التوهج والبريق والرقي الجمالي والثقافي والجوار الأزلي حي الأزاريطة، والذي يقصده من جهة الكورنيش حتمًا يدرك نفسه في واحد من أعرق وأرقى أحياء الإسكندرية، وأن له النصيب الأوفى من استمالة ولفت الأنظار، على يقين بأن الجمال يلد الجمال خاصة حينما ترى تمثال «الأشرعة البيضاء» في ميدان السلسلة شاخصًا أمامك قبالة الكورنيش، ولما وقفت حياله هذه المرة تذكرت أنني وقفت مليًا لعشرات المرات أمام هذه اللوحة الفاتنة، وفي كل مرة أزداد بها افتتانًا، فبياضها يخطف الأبصار، والإبداع الفني فيها يخلب الأفئدة، وقد بذل فيها المثال البارع فتحي محمود في عام 1962م، جهدًا جبارًا ومضنيًا، وأبدع فيها أيما إبداع، ويحسب من يرى «عروس البحر»، لأول مرة أن كناية الإسكندرية بهذا الاسم ما هو إلا صدى هذه اللوحة دون أن يدري أن المدينة تقلدته منذ عصور ما قبل الميلاد. 
وتشير الروايات إلى أن فتحي محمود استوحى إبداعه من حكاية خلق الإسكندرية، والأسطورة القديمة عن إله البحر الذي يتشكل في بعض المرات ويكون أشبه بالثور الذي أحكم ذراعيه على إحدى الحسناوات الجميلات، والتي رمز لها الفنان بالإسكندرية.
فوق هذا لا يمكن للمرء أن يمر بالأزاريطة، دون أن يمر على مكتبة الإسكندرية الجديدة، حتى لو لم يكن من هواة عناصر العلوم والثقافة، لكونها أوضح من نور ونار على علم، وإذا تهيأ للمرء الوقوف على الشاطئ البعيد، وأمعن النظر يمكن أن يراها من عدة كيلومترات. 
والمكتبة في ظاهرها تمثل أفخم مظاهر الجمال والأناقة، أما في داخلها فهي أعجوبة الإسكندرية وأهم مظاهرها الحضارية وأجمع أنواع العلوم والثقافة والتراث.
بلا شك تعتبر المكتبة انتصارًا علميًا وثقافيًا وأدبيًا كبيرًا ومهمًا جدًا، وكانت قد حرصت محافظة الإسكندرية على تشييدها على أحدث الطرز لمواكبة النهضة الشاملة التي تتبناها، لتكون منهلًا لاكتساب المعارف والعلوم، ومن معالم التثقيف والترفيه للكبار والصغار على حدٍ سواء، وعنوانًا للتقدم وازدهار الثقافة والعلوم في العالم العربي، وكيف لا وهي تختزن بين جدرانها كنوزًا من العلوم والمعلومات، وثروات هائلة من الكتب والوثائق والتحف الأثرية والمعارف الإنسانية النادرة.
تجولنا في طوابقها المفتوحة، وراعنا حسن التنظيم والترتيب والنظافة والدقة في كل شيء، زرعنا أبهاءها وقاعاتها المختلفة يمينا وشمالًا، وجدناها مزودة بأحدث وأرفع التقنيات العصرية، وغنية بكل ما يلزم الزائر على تبجيلها وتوقير خصوصيتها، وأكثر ما يجذب الانتباه أنها جمعت كافة المعارف والعلوم بين العصور القديمة والحديثة، خاصة عندما يشاهد المرء بعض المقتنيات من المخترعات الأولى للكتاب والطباعة، والتماثيل المنصوبة لبعض المشاهير من مؤسسي حضارة مصر ونهضتها الثقافية والأدبية في العصر الحديث، أمثال نجيب محفوظ، أحمد شوقي، محمود العقاد، حافظ إبراهيم، طه حسين، وتوفيق الحكيم.
كان الهدوء والانكباب على الكتب والمخطوطات والبحث في المظان هو السمة المميزة للمتواجدين في الصالات العديدة، الكل مشغول بما هو فيه، وما يصبو إليه من معلومات، حقيقة أنه لشيء مفرح يشرح الصدر عندما ترى عكوف الكثيرين على العلم والمعرفة في ظل الزلزال الثقافي الذي ضرب المجتمعات الحديثة. ولا ريب أن العارفين بأهمية هذا المكان ودوره في ترقية الذات يتمنون ألا يخرجوا منه إطلاقًا، وحتى الذين فاتهم قطار العلم والمعرفة يحرصون على ألا تفوتهم نعمة الاستمتاع بالجمال والأناقة والفخامة في أعظم تجلياتها. ومذ تم افتتاحها عام 2002م، أخذت تستقبل ملايين الزوار في قاعاتها الكبرى، كواحدة من أكبر المشروعات العصرية الضخمة في مصر الحديثة، جمعت ما بين الثروات العلمية والتراثية والثقافية، ولا تكاد تخلو منطقة ما على «طريق الجيش» من مسحة جمالية أو معلم ملفت، وهذا ما كان يغري لمواصلة المشي، وكانت الفرصة مواتية لكي نذهب إلى الشاطبي، وكامب شيزار (المعسكر)، ثم تقدمنا نحو أحياء الإبراهيمية، وسبورتينغ الصغرى، سبورتينغ الكبرى، إلى أن وصلنا حي كليوباترا، ثم سيدي جابر، ليتأكد لنا فعلًا أن المدينة التي خصتها الطبيعة بميزات فريدة، وسكنها خليط من الأجانب في مختلف الأزمان، وأبوابها مشرعة لتلاقح الأذواق والثقافات والحضارات، كان طبيعيًا أن تهديها إنسانًا متفردًا في طبائعه، راقيًا في ذوقه، هادئًا في ملامحه، لطيفًا في حديثه، وكالعادة أن أهل الاسكندرية دائمًا يرحبون بالآخر مهما كان موطنه، وإلا لما تكاثر في كل مرة الناس عليها من كل صوب، وكما نقول نحن السودانيون «البلد بناسها». 
والعمارة الفنية الحديثة، على ثقة إن انجاز هذا المَعلم لهو مدهش حقًا، ويبدو بسحره وبريقه الجذاب للعيون المتطلعة دائمًا للمعرفة، سيكون له الأثر الكبير إلى الأبد، بإذن الله.
أما من يتجول داخل حي الأزاريطة فلن يشاهد غير العمران المختلف الألوان، والبنايات التاريخية القديمة ذات الطابع اليوناني، وعدد من كليات ومباني جامعة الإسكندرية، ومستشفى الجامعة (الأميري)، وبعض سكان الحي من الجاليات اليونانية، والأجنبية، وفيها كثير من الأماكن التي توفر متعة فائقة للزائر.
 
إنجاز مترف
لم يكن من العسير المشي في «طريق الجيش»، أو على الكورنيش، وفي نفس الوقت من السهل جدًا استغلال وسائل النقل، لا سيما والطريق يستوعب حركة المركبات وسيارات الأجرة كالميني أو الميكروباص، أو الحافلات أو الباصات العمومية أو الباصات ذات الطابقين على امتداد طوله، وعلى مسافة منه قد تطول وتقصر توجد خطوط الترام.
إلى هذا فإن الإسكندرية تتيح الوقت متسعًا للتجوال بين الأحياء والمحال التجارية، والترفيه، والقراءة، والكتابة والتأمل، ولو عزم المرء على الوصول لأي مكان فيها يمكن له ذلك بكل بسهولة ويسر مهما كان موقعه.
ولما توقفنا في إحدى المرات في أكثر الأحياء جاذبية عند «كبري ستانلي» ذي الأبراج الأربعة، والموازي لطريق الجيش بشرق الإسكندرية، استرعى انتباهنا التمازج البديع بين شاطئ المتوسط، وروعة الجسر الملفتة، والذي يتملى النظر فيه يدرك أنه لإنجاز عبقري مترف متى لامس مواطن السحر فيه، وكان الأكثر إدهاشًا أن الجسر لم يعد مقصورًا على حل مشكلة المرور التي كانت تعاني منها المدينة، وإنما صار واجهة من واجهات السياحة، لفرادة الابتكار، وجمال التصميم.
ازداد الأمر بهجة وحلاوة عندما توجهنا صوب شاطئ المندرة مرورًا بشواطئ جليم، سان استيفانو، السراي، أبو هيف، بئر مسعود، ميامي، سيدي بشر 1/2/3، العصافرة، إلى أن وصلنا نهاية طريق الجيش حيث قصر المنتزه القريب من شاطئ المندرة، وكانت الإسكندرية تفاجئنا في كل خطوة بمنظر يخلب العقول، يكشف عن عبقريتها الفريدة. 
كان لابد أن نكمل الجولة عندما دلفنا من الكورنيش مرورًا بالقصر نحو شواطئ المنتزه، المعمورة، أبو قير. هبت علينا رياح الشتاء بكل ما نشتهي، فلاحظنا أن وراء كل شيء فكرة بديعة تظهر وتتجلى للعيان.
 
رومانسية الروح
قضينا يومًا فريدًا في شوارع الإسكندرية، رغم وميض البرق الذي يخرج من بين كتل السحب السوداء، وزخات المطر الناعمة التي تبلل الرؤوس وشوارع المدينة. لم نعرف حيًا إلا زرناه ولم ندرك سوقًا إلا ولجنا متاجره، مثل أسواق الحضرة، والهانوفيل بالعجمي، وأسواق باكوس والعصافرة، وأحياء جليم وسان ستيفانو وجناكليس، وزيزينيا، وسيدي بشر، وغيرها من الأحياء والأسواق، وفي كل حي نكتشف أننا في جو ولا أروع، وأن لكل حي طابعه المميز، وسوقه المعروف، وكثيرًا ما نرى مشاهد لم نرها من قبل، وربما لا نحظى بمشاهدة مثلها ثانية حتى ولو عدنا، وثمة إحساس قوي بعظمة الحياة، وكنا كلما تعمقنا في تلك الأحياء طغت وتفجرت براكين الحنين لأيام خلت، وانثالت الذكريات تترى.
حقيقة كنت أتوق إلى مثل هذه اللحظات التي يمكن أن أستمتع فيها بمثل هذه الأجواء، ولا أخفي أن التجوال في شوارع الإسكندرية وبين الأمكنة العامة يكشف أن السمة المميزة للمدينة هي رومانسية الروح، وخفة الظل، وأنها تفتح خزائن الذاكرة، وتجدد الأفكار واستحداث الإبداع، وفي نفس الوقت هي مدينة مرحة، تبعث النشاط، وتثير الخيال، وتحفز الشهية لكل ما هو مريح وممتع، كما تعمل على ما يقرب المسافات بين الشعوب. غير أنها واحدة من المدن التي يمكن أن تتجول فيها مرتاحًا، إذ تعرف كيف تحيل مناخات الخوف والوجل إلى طمأنينة واستقرار.
 
ليس للنبوغ وطن
طالما شاهدنا بأم أعيننا الكثير من المعالم التي حفلت بها الإسكندرية، كذلك حفلت بأعلام ورموز في العلم والآداب والفنون، وعمالقة استطاعوا أن يطوعوا الظروف ليضفوا على التاريخ المصري ضربًا من العبقرية والمجد، فهناك الكثير من المشاهير الذين خرجوا من بين أحيائها العديدة الراقية والشعبية، والغنية والفقيرة، من عصر سحيق، وثمة غيرهم كثر من الذين كان لهم دور بالغ ومبهر في الحياة الإنسانية عامة، دالته أن كثيرًا منهم حملوا أسماء العديد من الأحياء والشوارع الطولية والعرضية.
لكن ما يستدعي المرء للتأمل أن الإسكندرية نفسها مدينة محرضة على الكتابة والكتابة الإبداعية، وحتى استطلاعي هذا لم يكن في الخاطر، إنما لحظات التجلي التي يمليها الحنين هي التي دفعتني دفعًا لهذا العناء المريح، فكم هي مدينة موحية وملهمة، وكم أعمال أدبية ودرامية خرجت من عمق أحيائها وحواريها وشوارعها وأزقتها وشاطئها، ألم يحدثنا «الحموي» قبل مئات السنوات في معجمه بقول الشاعر اليمني أبو بكر أحمد العيدي الملقب بالأديب وصاحب (ديوان الإنشاء) المتوفى في 1185م:
يا راقــد الليـــل بالإسكـــندرية لي 
   من يسهر الليل وجدًا بي وأسهره
ألاحـــظ النجــم تذكــارًا لرويتــــه
   وإن جــرى دمـــع أجفاني تذكــره
وأنظـــر البدر مرتاحـــًا لرويتـــه
   لعل طــرف الذي أهــواه تنظــره
حاولنا قدر استطاعتنا أن نزور مناطق أخرى كثيرة ذات قيمة جمالية وتراثية وفنية لديها أسماء وشهرة عالية، ولكن انقضت الرحلة في جولات سريعة من مكان لآخر.
في الواقع أقل ما توصف به الإسكندرية أنها مدينة ذكية، هي في حالة تأهب دائم لكل الظروف ومستجدات الحياة، وتعرف كيف تستقبل زوارها وتودعهم، ولا أبالغ إن قلت هي المدينة التي تشتاق إليها وأنت فيها، إذ تعرف كيف تطبع الشوق وتفجر الحنين في النفوس، يتسع صدرها للجميع، لمسنا ذلك قبل عقود عندما كنا طلابًا قليلي التجربة، وهو ذات الذي نلمسه ونشهده حاليًا، ولا يخالج المرء الشك في سحر المدينة وطبيعة أجوائها، هي وراء كل ذلك البهاء والسماحة، كما أن توافد الملايين لزيارتها في كل مرة هو سر ذاك اللطف الذي لا حد له ■
هناك من يهيمون بها عشقاً في كل حين
عندما تكون السحب داكنة تتلون
تأمل أنك على حافة الطرف الشمالي لقارة بأكملها
شاطئ المتوسط ما بين الرمل والأزاريطة
شاطئ الأنفوشي \ مجموعة من الحناطير تنتظر حظها من الرزق
النصب التذكاري للجندي المجهول \ لقطة أمامية للنصب التذكاري من أشهر معالم الإسكندرية \ من أعلام الأدب في العالم العربي، محفوظ، شوقي، العقاد، حافظ، طه حسين، الحكيم، داخل مكتبة الإسكندرية
قلعة قايتباي حارس للمدينة
من داخل المكتبة أعجوبة الإسكندرية وأهم مظاهرها الحضارية
مسجد الشيخ المرسي ابو العباس