شِعْر أحمد سويلم بَيْنَ مَحْمُولاَتِهِ الثَّقَافِيَّةِ وَمُقَوِّمَاتِهِ الْفَنِّيَّةِ

شِعْر أحمد سويلم  بَيْنَ مَحْمُولاَتِهِ الثَّقَافِيَّةِ وَمُقَوِّمَاتِهِ الْفَنِّيَّةِ

إِنَّ المتتبع لمسيرة الشاعر أحمد سويلم ونتاجه بشكلٍ عام من شعر ومسرح ورُؤى نقديَّة وفكريَّة وكتابات للأَطفال؛ لا تخفى عليه تجربتُه العميقةُ وموسوعيَّتها الثرِيَّة، وما كان لهذا العطاء المُمْتَدّ لأكثر من ستين عامًا أَن يبلغ هَذَا الوهج الإِبداعي دون الاتكاء على أُسس وجذور ومنطلقات لها قدرتها على الخلق والتفرد والشموليَّة، وإِضفاء كل ما هو قِيَمِيّ وجمالي على كتاباته؛ فجاءت أَعمالُه الإِبداعيَّة، لا سيَّما الشعريَّة منها تحمل أَبعادًا ثقافيَّة قِيَمِيَّة، ظَلَّ الإِنسانُ محور ارْتكازها، فِي جَميعِ مَراحِل تَجرِبتِهِ.

 

وإِيمانًا بأَنَّ لِلشِّعر وظيفةً يَنْبَغي تَوخِّيها؛ فإِنَّ مِنْ أولوياتها الوقوفَ على سلبيات العالم الإنساني، ومعالجتَها عبرَ النص، يُضاف إلى ذلك ما سبق إِليه النقاد العرب القدامى مِن أَنَّ: «الأقاويل الشعرية... القصدُ بها استجلابُ المنافع واستدفاع المضار»، وإنَّ وظيفة الشعرِ الحقيقية تُوجد بَعيدًا عن الزعيق والصُّراخ، بعيدًا عن التصنيف، والتقسيم، والعنصريَّة، والسلطوية. والشعرُ لابُدَّ أن يكونَ له وظيفة حقيقية، وعلى الشاعر أَنْ يتحسس قضاياه ويتبناها خلال أعماله، فالقضية أكبرُ من الانبهار باللغة وجمالها على حساب الانهيار الضمني؛ حيثُ العالم الإِنساني الحقيقي لا بُدَّ أنْ يَشْغَلَه الدِّفَاعُ عن إِنسانيَّةِ الإِنسان، وإِذا شُوهِدَ ما هو عكس ذلك في الشعر؛ فإِنَّه لا ينبغي مهما كان بريقه ومهما تعالت لغتُه أَن يندرج تحت ما يُمكن تسميته بالإِبداع الإِنساني؛ ذلك أنَّ اللغة التي تشحذُ هِمَمَهَا في تصدير الأنساق السلبيَّة؛ بُغية ترويجها ودعمها والنيل من الإِنسان هي لُغةٌ عاقةٌ وعقيم.

تجربة رائدة
والإِنسانُ الذي بِداخله يَسْكنُ الشاعرُ يكون أَكثرَ حظًّا فِي الانتصار لإِنسانيَّته... وقد جاءت تجربة سويلم رائدةً في تنمية الإِنسانيَّة في كُلِّ أَبعادها، ولعل تربيته الأُولى في أحضان الريف المصري في شمال دلتا مصر، ثمَّ نزوحه إِلى القاهرة وانفتاحه على كثير من الثقافات؛ قد أَثرى تكوينه الإِنساني وأَسَّسَ بداخله نزعة إِنسانية مشتركة. وقصيدته (لــــــو) هي صورةٌ - مُتوَّجة بالحب - من صور تربيَّة الحس الذاتي لدى الإِنسان الذي يبحث عن الحق والخير والجمال، على الرغم مِمَّا يعترض طريقه من صعاب:
-  لو أملكُ أن أنْزِعَ
نفسي من أنيابِ الزمنِ الوحشية...
-  لو أملك أن تمتدَّ اللحظةُ حتى تصبحَ زمنًا...
أن تمتدَّ الخطوةُ
حتى تصبحَ دربًا...
أن تتوقفَ دوراتُ الأرض
تكفَّ الشمسُ عن السَّعي المحمومْ
أن تأتيني أيامي القادمةُ - الآن -
أنسج منها عمري
أصنع منها قدري
أجعلها أرضًا تخصبُ
بحرًا يأتي بالخير
يَنبوعًا للحبِ المتجددِ في الأعين...
-  لو أملكُ
لو أملك أن أعزفَ لحنًا عُلويًا في أرضٍ عذراء
أن أُسْمِعَ صخَر الأرضِ تراتيلَ غناء
-  لو أملك
لكنَّ القدرَ العاتي يرصُدني بالعينين القاتلتين
يأبَى أن ينموَ عُشْبي شجرًا
أو يصبحَ لحني عشقًا ممتدًا
أو يختصرَ الزمنَ بهذي اللحظة!!
وفي شعر سويلم عمل الأُسلوبُ جنبًا إلى جنب الموضوع في بث كثير من صفات الذات والدفاع عنها، وفي سبيل الحفاظ على التوازن بين الحيز الأُسلوبي والموضوعي في القصيدة؛ لجأ الشاعر إِلى الإِيحاء؛ ليدفع المتلقي إِلى الخيار والمفاضلة من خلال بناء المفارقة بين النسق الإيجابي والسلبي.
وتأتي قصيدتُه (الخَطـَـأ) صورةً للمفارقة النسقيَّة تستدعيها الذاتُ الشاعرة في جدلية العجز والقوة، ويعمل النصُّ على تمجيد القوة (من وجهة نظر تلك الذات)، لكنَّ مجيء المفارقة في صيغة من المكاشفة أو الحواريَّة وقريبًا من الواقع؛ قد كشف عن أَسباب الاختلال والعجز، وترك للمتلقي مساحة التعرف والاستكشاف؛ وهنا تتبدَّى قدرةُ اللُّغة؛ فهي لا تُصدِّر السلبياتِ أو تُروِّج لها، لكنَّها تضعها في المقابلة:
- مرةً...
غاب عن خاطري الشِّعرُ
وظننتُ الشروقَ انطفأْ
وسمعت صريرَ الحروفِ يزلزلني...
ويسوقُ إليّ النبأْ...
- إن عينَكَ ليستْ من الصقرْ
قلبَك ليس من الحجرْ
خطوَك فوق السفوحِ انكفأْ
قلت: ما الذنبُ ذنبيَ
إني تأبطتُ عصرًا من الحزنِ 
عصرًا من الفقرِ
عصرًا من الموتْ
ما الذي يفعلُ الشِّعرُ لو يجتريءْ
قيل: لو تصْمت الآن
إنك في خبرٍ قد يطولُ... يطولُ...
بلا مُبتدأْ...
ما الذي يفعلُ الشِّعرُ لو يجترئ؟!!!، سُؤالٌ في طيِّه مئاتُ الأسئلة، وتراكمُ تلك الأَسئلة يَجلبُ سَيلاً مِن التخيُّلات، التي تحملُ مَعَها كثيرًا مِن الاحتمالات: ما مَصيرُ الإِنسان الذي لا يَسْتثمرُ غيرَ الكلمةِ حِصنًا ودِرعًا وطوق نجاة؟، وما مَصْدرُ القوَّة إِذا كان العجزُ فِي الكلمةِ؟!، وأين يَكْمُنُ الخطأ؟ وكيفَ الرُّجُوعُ إِلى الوَجْهِ الذي أُلِفَ؟ وهل التَّعاويذُ دَربٌ إِلى الخلاصِ؟! أسئلةٌ تترى، ويطولُ مداها؛ لكنَّها حتمًا تفضحُ الواقعَ وتهدي السبيل.    
-  هل أرى الآن قدْرَ الخطأْ
(رُبما قد أتينا خطأ!)
رُبَّما العجزُ سدَّ علينا الدروبْ
فغفَلنا عن الحب
عن حكمةِ العصر
عن لغةِ الشعر
وعلانا الصدأ...
أيُّ شيءٍ تُرى قد يعيدُ لنا الوجه
أم أن تعويذة... قد تُبدِّلُ عصرًا بعصرْ
فيجرفنا الموجُ للمبتدأ...
وتتكرر المفارقاتُ النسقيَّةُ في شعر سويلم؛ حتَّى صارت منهجًا وتخطيطًا، فهو دائمًا يتحسَّسُ موضعَ الجراح؛ فيكشف عنها، ويترك للمتلقي الخيار، كما في خاتمة قصيدته (الوجع) من ديوان (شظايا):
- تَعالوْا يا شهداء الكلمة
- أحياءً... أمواتًا -
هذا زمنُ الوجعِ الدامي
يُعلنُ محنتَهُ الآنَ...
فاختاروا......
اختاروا أن تحيَوْا زمنًا آخرَ...
أو.. فانكسرُوا عَجْزًا فَوْقَ الأَعْناق!
ويُعدُّ هذا الشكلُ أحد أَشكال تنمية الذات؛ نجده فيما بعد كثيرًا في كتاباته للأَطفال. وهكذا ظلَّ ينمو الحسُّ التربويُّ ويتصاعد في شعر أحمد سويلم مع كل كتابةٍ جديدة، وفي كُلِّ إِصدارٍ جديد، كما تتنوَّع سبلُ وطرائقُ هذا التصاعد في القصيدة، في كُلِّ مرَّةٍ عن الأُخرى:
لو أَنَّه ارتحلْ
 يبحثُ كيف يرتوي مِن حرقةِ الظمأْ
تشهقُ عيناهُ إلى السَّنا
وتَكْتَحِلْ...
لو أنه أَعطى لِكلِّ شيءٍ ظهرَه
وراحَ يَشْتَعِلْ
لو أنَّه تجرَّد - الأمس - مِنَ القشرة
وارْتَمَى فِي لَهبِ الشَّوْق بِلهفةِ الثَّمِلْ...
لو أنَّه! 
لكن أَحلامَ الخُطى فِي كُلِّ مَرَّةٍ
 تعجزُ أنْ تُضيءَ صَدْرَه
وها هو الآن - كأيِّ مَرَّةٍ -
 يطيلُ مِن وَقفَتِه عَلى الطَّلَلْ!
وإِنَّ مذهب سويلم في التركيز على بناء الشخصية العربيَّة والإِنسانيَّة عامة، وتراكم المحمولات والأنساق الثقافيَّة في القصيدة لم يُعطِّل من شعريَّة اللغة؛ ذلك أَنَّ احترافه في طرح تلك الأَنساق قد خدم الجمالَ اللُّغويَّ والبلاغيَّ.

تحولات شعريَّة النص
وقد وُجدتْ كثير مِن مظاهر الشعريَّة في القصيدة عند سويلم، وتجلَّى مُعظمُها في المساحات اللغوية الأَدبية والأُسلوبية من النص، تلك التي جاءت نتاجًا للموضوع، الذي بات يعمل في الخلفيَّة كمُحرِّك رئيس في تحوُّلات شعريَّة النصِّ، وعلى سبيل المثال؛ فقد سجَّلتْ مُعظمُ قصائده الَّتي كتبها للوطن أو الإِنسان حالاتٍ من الشعريَّةِ العاليةِ؛ حيث جاءتْ أقرب صدقًا وأكثر انسجامًا مع الذَّات، وكُلَّما تحقَّقَ هذا الانسجامُ؛ زادتْ قدرةُ الشاعرِ على  الإِبداع، وتخطَّى حُدُودَ المعياريَّة التي تَحدُّ من الطاقة الانزياحيَّة.
أسكن عينيك... فلا تنهزمي فى عينيَّ
لُمِّي أشلائي من طرقاتِ الخوف
رُشي ماءً من نهرك...
يتخلقُ جسدي...
تنمو أحلامي...
كلماتٍ... وصحائف...
تنمو... أبنيةً للفرح...
وساحاتٍ من عمل...
وعناقًا...
إني بددتُ العمرَ على أبوابك
فازدهري فى تربةِ عمري
وامتدِّي...
لا تنهزمي فى عينيَّ!
وقد جاءَ بناءُ الذاتِ المُقاوِمةِ أحدَ الأَنْساقِ الثقافيةِ المُشتركة بين معظم شعراء جيل الستينيَّات والسبيعنيَّات من القرن الماضي؛ تلبيةً للتياراتِ الداعمةِ لِلحسِّ الذَّاتِي أو الوعي الذَّاتِي، والحسِّ الوطنيِّ آنذاك، والَّذي ظلَّ مُمتَدًّا حتَّى قصيدة ما بعدَ الأَلفيَّة الثانية، ونجد أَنَّ شعر سويلم قديمه وجديده يعمل على نحت صورة لِمَا ينبغي أَن يكون عليه الإِنسان، مِنْ جاهزِيَّةِ الْمُقاوَمةِ لِكُلِّ مَا يُمكنُ أَنْ يَنَالَ مِنْ إِنْسانِيَّتِه.
 وَمِمَّا تعملُ عليه القصيدةُ عند أَحمد سويلم أَنَّها تُنمي جانبَ التجربة الإِنسانيَّة في مُحاولةِ تخطي حاجز الخوف، وعناق المجهول؛ للعبور وليس للوصول، فالحكمة تكمن في تجاوز الحواجز؛ ذلك أَنَّ الفوز الأكبر في الْمُغامرةِ: (عرس النار)، ويراها درجة من درجات الارتقاء النفسي والسمو الإِنساني، وهكذا يميل سويلم في كثير من قصائده إِلى تدريب الذات؛ لتعيش المفارقة بنفسها، وتكتشف البون الشاسع وحدها، بين ما قبل وما بعد:
افتح عينيك الآن إذا شئت
فقد أدركت الحكمة 
سوف ترى قلبك
يأبى أن يكمُنَ ثانيةً 
في صدرك 
يأبى أن يحيا هذا الزمنَ 
المقهور...
يُؤثر عُرْسَ النار 
حتى لو صار رمادًا
أو حجرَا 
أو ذكرى 
أو بعض نُفايات! 
وهكذا تتحقق مهمةُ الشعر والشاعر في دعوتهما للحفاظ على إنسانيَّة الإِنسان، واستدفاع المضار، وجلب المنافع؛ بما يعود مِنْ خيرٍ على الإِنسانيَّة؛ فتتناثر الروحُ لتحمل النورَ، وتجلب الشمسَ، وتقود إلى الطريق، على الرَّغم من صعوبة كلِّ المقدمات المُؤدية إِلى ذلك، ويأتي الشعرُ في إِطارٍ من اللُّغة المكثَّفة المنبعثة عبر التراكيب الذهنيَّة الرمزيَّة؛ التي تقوى على طرح الأنساق الثقافية في شكل من التوازن يسمح للمتلقي بمزاولة النقد الاجتماعي والاختيار؛ ليكون التخيُّلُ بَابًا صحيًّا في الإِبداع، ومن خلاله تتجلَّى مراقي القيم؛ فيتخلق عن الرمزيِّ عالمٌ قيمي كبيرٌ، يتفوَّق على الماديِّ، ويُدحضُ تجاوزاتِهِ.
وقد جاء الفضاءُ اللغويُّ عند سويلم أوسعَ فضاءات النصِّ على الإِطلاق؛ ذلك أَنَّ اللغةَ أَداةٌ ذاتُ وظيفةٍ اجتماعيَّةٍ ونفسيَّةٍ وعقليَّةٍ وجماليَّةٍ معًا، وقد أَفاد سويلم من تلك الأَداة في القدرة على التعبير عن الإِنسان وأَنساقه وعالمه المترامي، كما اعتمد التَّعَالُقَ النَّصيَّ أو الاتِّسَاعِيَّةَ النَّصِّيَّةَ أُسْلوبًا في بناء قصيدته متكئًا في ذلك على محاورة النصِّ الشعريِّ القديمِ، وقصيدته الْمُعنونة (تقاســيم) إِحدى القصائد التي قامت على التعالي النصِّي، وقد اتخذ من هذا العنوان تخطيطًا لبناء القصيدة؛ حيث مَثَّلتْ مقاطعُ القصيدةِ عِدَّةَ تقاسيم، يَخْتَتِمُها الشاعرُ بنُصوصٍ قديمة تعملُ على تنامي النصِّ، كما تُسهمُ في رَصْدِ الثَّابِتِ والمُتَحَوِّل:
لليمام هديل يقول:
ـ سَّبحوا ربكم
وفي الليل ننصت للكرْوان
فيفرخ فى القلبِ حلْمٌ جديد
وحين يشق سماءَ المحبين قوسُ القمر
نَضُمُّ أحبَّتنا فى عناق طويل...
ترى... كان عرافنا فى اليمامةِ
يمتلك الحكمة القادرة
ترى كان قيس يرى فى يديه الدواء
أم العشق كان يفتت مهجته ويلذّعها باللهيب
فلا الليل يمنحه قوسَهُ...
ولا الكروان يناجيه حلمًا
ولا لهديل الحمام لديه دعاء...
ألا يا حمام الأيك مالك باكيًا
دعاك الهوى والشوقُ لما ترنمت
تُجاوبُ وُرقاً قد أذن لصوتها
أفارقت إلفًا أم جفاك حبيبُ 
هَتُوفُ الضحى بين الغصُون طَروبُ
فكلٌّ لِكُلٍّ...  مُسعدٌ وحبيبُ 

فقد أنهى الشاعرُ المقطعَ الأوَّلَ من (تقاسيم) بقول قيس بن الملوح، والأَبيات كما هي من ديوان قيس على التوالي:
دعاني الهوى والشوقُ لما ترنمت
تُجاوبُ وُرقاً قد أَصَخْنَ لِصوتها
فقلْتُ حمامَ الأيك مالك باكيًا
هَتُوفُ الضحى بين الغصُون طَروبُ
فكلٌّ لِكُلٍّ...  مُسعدٌ ومجيبُ
أفارقت إلفًا أم جفاك حبيبُ 
حيث اختتم الشاعرُ تقاسيمَه بنصوصٍ شعريَّةٍ قديمةٍ لكُلٍّ من قيس بن الملوح، والحلاج، وابن الرومي، وآدم عليه السلام، وأَبي عُيَيْنة المهلبي، والأفوة الأودي، وعمرو بن الأَهتم، ما بين بيتين إِلى أربعة أَبيات، وعلى الرَّغمِ مِنْ أَنَّ خاتمةَ النصِّ شيءٌ افتراضيٌّ في الأَساسِ؛ فإِنَّها مِن العناصرِ المُهمَّة الَّتِي تُساعد على قراءةِ النصِّ رغم تأخرها، وتمثِّل إحدى أَيقونات تأويله. وقد احتفى أَحمد سويلم هنا بِخَواتيم المقاطع؛ فاستدعى إليها مِنْ قديمِ الشِّعرِ، وقد جاءتْ تلك الخواتيمُ تتمَّةً، وتلميحًا وبُؤرةً دلاليَّة مِنْ شأْنِها أَنْ تُبقي على استمرار وحركة إِنتاجيَّة النصِّ.

بين الجديد والقديم
وقد اتسع فضاءُ قصيدة سويلم لكثيرٍ مِنْ نُصوصٍ شعريَّة جاءت مِن تُراثنا الشعري؛ لتفتح الحُدودَ الثقافيَّةَ والتَّاريخيَّةَ بين الجديد والقديم وتُقَرِّب المسافات، ومِنْ شأْنها أَنْ تحملَ القصيدةَ الجديدةَ وتعينَها على تحقيقِ مآربها الموضوعيَّة والفنيَّة.
وقد أَفاد سويلم مِن التُّراثِ الشعريِّ العربيِّ بالقدرِ الذي يصنعُ المحاورة ويمنح الدلالة ويخلق الشعريَّة؛ وقد جاءت مُحَاوَرَتُه لِلتُّرَاثِ مُحَاوَرةً خلَّاقةً ذات أَبْعادٍ جَمَاليَّةٍ وفنيَّةٍ ودلاليَّةٍ، تَتَجَاوزُ المَكْرُورَ والْعَادِيَّ، وفِي إِطارِ ذَلِك جاءت قصيدتُه تَثُورُ عَلَى كُلِّ مَأْلُوفٍ. ولم يكن العدولُ أو الانزياحُ في لُغة سويلم الشعرِيَّة ذَا وظيفةٍ جماليَّةٍ فحسب، وإِنَّما يُواكبُ الانزياحُ حركةَ التَّحوُّلاتِ الإِنسانيَّة والمجتمعيَّة، ويُراقبُ تَطَلُّعاتِها؛ إِذْ يَنْطلقُ مِن الحيِّزِ الْمَوضُوعِيِّ ثُمَّ يَعُودُ إِليه ■