رَحَّالة الشِّعر العربي عبدالمجيد فرغلي

رَحَّالة الشِّعر العربي عبدالمجيد فرغلي

الشاعر الشيخ عبدالمجيد فرغلي هو شاعرٌ مصريٌّ مُكثر، أبدع في النَّظم والقريض، فكَتب الشَّعر التقليدي/ العمودي، والسّطري/ التفعيلة، فضلاً عن المسرحيات والمُطولات والملاحم الشِّعرية، ويقام سنويًا مؤتمرات علمية عالَمية تتناول شِعره، عرضًا ونقدًا وتحليلاً.

 

وُلد الشاعر عبدالمجيد فرغلي بصعيد مصر في أوائل عام 1932، وحفظ القرآن الكـريــم فــي صِغره، وتدرج في سُلّم التعليــم حتى حصل على ليسانس الحقوق عام 1977م، وقد سافر للعمل في ليبيا، ثم عاد إلى مصر ليعمل مفتشًا في مجال التحقيقات بالتربية والتعليم.
برز اسمُه في مجال الشعر والإبداع؛ ولهذا تم اختياره عميدًا لنادي أدب ثقافة «صدفا» التابعة لمديرية الثقافة بمحافظة «أسيوط» بمصر، وتم تكريمه من رئاسة الجمهورية المصرية في خمسينيات القرن الماضي، وفي كلية الحقوق بجامعة أسيوط، وفي مؤتمر كلية الآداب بجامعة المنيا عام 2001م.
 
ألقابه 
لُقِّب برحّالة الشِّعر العربي، وشيخ شعراء الصعيد، وشاعر المعلقات في العصر الحديث، وغيرها من الألقاب، وكونه رحَّالة؛ لأنه شارك بشِعره في معظم الأحداث التاريخية، وأرّخ لكثيرٍ من الأقطار العربية المختلفة على اتّساعها وتنوُّعها، برموزها وأعلامها وأفراحها وأتراحها، ومن ذلك ديوانه «درة في اللهيب» الذي كانت أكثر قصائده لإنكار غزو دولة «الكويت» وكذا مسرحيته الشعرية (الفاو وغزو وتحرير الكويت)، وديوانه «على برج الخيال»، الذي رثَى فيه الملك حسين، ملك المملكة الأردنية، وتشجيعه لثورة التحرير الجزائرية، وتقديره لرموز النضال، مثل فرحات عباس، وجميلة بوحيرد، ومسرحيته «العروبة وعودة فلسطين»، وغيرها من التجارب الشعرية الصادقة التي عايش فيها آمال أمته وآلامها، مؤمنًا برسالة الشاعر ومسؤولية الأديب تجاه وطنه الكبير.
  
من نتاجه الإبداعي
يعد الشاعر الشيخ عبدالمجيد فرغلي مِن أغزر الشعراء إنتاجًا في النصف الثاني من القرن العشرين، بل ومن أطولهم نَفَسًا شعريًّا؛ إذ يبلغ مجمل إبداعه ما يبلغ ثلث مليون بيت أو يزيد، ودواوينه تتجاوز الأربعين ديوانًا، منها المطبوع ومنها المخطوط.
فمن دواوينه المطبوعة: «يقظة من رقاد» (عام 1955م)، «العملاق الثائر» (عام 1959م)، «أشواق» (عام 2000م)، و«عودة إلى الله» (عام 2006 م)، و«مسافر في بحر عينين» (عام 2006 م)، و«القصائد العذرية في المعارضات الشعرية» (عام 2006م)، و«من وحي الطبيعة»، و«عبير الذكريات»، و«في رحاب الرضوان»، و«أكتوبر رمز العبور» (عام 2008م)، وقد نَشرتْ له عدةُ مجلاتٍ محلية وعربية بعض قصائده، منها: «أخبار الأدب القاهرية، ومجلة الأزهر، والمجلة العربية السعودية، ومجلة المُعلم الليبية...».
 
دراسات في إبداعه
كان إبداع الشاعر مجالًا للبحوث والدراسات والأطروحات في مصر وخارجها؛ نظرًا لطباعة كثيرٍ من دواوينه المخطوطة وإتاحتها للباحثين، وكذلك للمؤتمرات الدولية الدورية التي بلغتْ اثني عشر مؤتمرًا، ومنها المؤتمر الذي أقامته دار الكتب والوثائق القومية في مصر، تحت عنوان «رسالة الشِّعر في حياة الشاعر»، وذلك في ديسمبر (عام 2017م)، وآخرها مؤتمر «المرأة في شعر عبدالمجيد فرغلي»، الإسماعيلية، (ديسمبر 2021م). 
 
نماذج من شِعره 
أبدع الشاعر في كثير من الأغراض الشعرية، من خلال أنساق ثقافية متنوعة، وروافد ومكونات أسهمت في جزالة شِعره وعمقه وتعدد أغراضه، فكتب عن القضايا المحلية والعالمية، الدينية منها، والسياسية، والاجتماعية...، وغيرها، مُحاولًا معارضة كبار الشعراء؛ فقد نسج قصيدته «فلسطين» على منوال الشاعر علي محمود طه، يقول فرغلي:  
أخي صار حقا علينا الفــدا
وحق الجهاد لقهر العِـدَى
فقف ورائي أخي يا ابن أمي
وكن لي ظهيرًا ومد الـيـدا
فإنا على أرضنا صامـدون 
لنحمي الكنيسة والمسجـدا
    وفي توابع أحداث النكسة المصرية عام 1967م، يدعو الشاعر إلى تطهير الأرض، ومحو عار الهزيمة؛ والإعداد لجولة أخرى يُسمع فيها تكبيرات النصر، وترفرف فيها رايات التوحيد، يقول: 
بغير النَّصرِ لا نَرضى بديلا 
لنغسل عارَنا جيلًا فجيلا
ونمحو نكسةً بالأمس حلَّتْ 
وحمّلنا بها دهرًا طويلا
وتطهُر أرضُنا من كلِّ رجسٍ 
ونأخذ خصمنا أخذًا وبيلا
وبيت القُدس يُسمع فيه لحنٌ 
يهــز الرُّوح صُبحًا أو أصيلا 
ومن المعلوم أن الشعر «الذاتي» يتداخل مع «الموضوعي» في كثير من الأحيان؛ ولهذا نجد تنوعًا وثراءً في الموضوعات التي تطرّق إليها الشاعر فرغلي، وكان للمرأة نصيب كبير في شعره؛ لما تمُثله من رمزٍ دال، ومعادلٍ موضوعي مقصود، وعنصرٍ مؤثر في المجتمع بثقافته وعُـرْفيته، وهو ما ينبئ عن هُــويّة الشاعر الثقافيّة، وأبعادها الدينية والاجتماعيّة.
والشاعر في إعلان حديثه عن المرأة - حقيقة أم رمزًا - لم تزلّ قــدمه في وحل الغزل الفاحش، بل كان أقرب إلى الغزل العُذري العفيــف، مقلدًا كثيرًا من الشعراء الذين ذابــت قلوبهم من الجوى والصبابة، ومن هؤلاء  عنترة مع عبلة، وكـثير مع عزة، وعروة بن حِزام بن مُصاهــرٍ الذي أحبَّ عروةُ ابنة عمِّه «عفـــراء بنت عقال بن مُصاهـــر»، ومما قالهُ عروة المتيَّم: 
وأحبِسُ عَنكَ النَّفسَ والنَّفسُ صبَّةٌ 
بذكراكَ والممشَى إليكَ قَريبُ
مخافةَ أنْ يَسعَى الوشَاةُ بظنَّةٍ 
وأحرسُكُمْ أنْ يِسْتريب مُرِيبُ
وهذه الأبيات تعد من أصدق ما قيل عن الحبِّ العُذري، وإن شاعرنا ليعترف بحُبه العُذري الذي يعد نسقًا ثقافيًّا، وقيمة من قيمه العُـليا التي تحكمه، فيقول في قصيدته التي عنوانها «وردة الحُب الصافي»: 
يا وردةَ ذَا الحُبِّ الصافِي
أفديكِ برُوحِي وشغافي
أهواكِ هُيامًا عُذريًّا
أحسُوهُ بقلبي كسُلافِ
وهذا الحُب قد ملأ عليه جوانحه، وبات ظمآنًا إلى ابتسامة تنبئ عن الرضا والقبول،  فيقول مخاطبًا محبوبته في قصيدته «ابسمي»: 
ابسمِي عَنْ لؤلؤٍ أوْ نَرْجِسِ
مِنْ رَحِيقِ الحُبِّ صُبِّي أكؤسِ
أنا ظمآنُ إلى كأسِ الشَّذَا
مِنْ رُضَابِ الثَّغْرِ حُلْوِ 
إلى غيرها من النماذج التي تثبت أن الشاعر عبدالمجيد فرغلي كان غزله غزلًا عذريًّا مُتزنًا عفيفًا لاعتبارات دينية واجتماعية، والتقاليد الحاكمة، حيث إن الثقافة تعرف بأنها «الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات وكل القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوًا في المجتمع»، وهو ما كان له التأثير على مضمون النص ومحتواه، الذي تم ذِكْر بعض نماذج منه كعينةٍ على مرجعيات مدونته الشعرية وأنساقها الثقافية .
 
وفاته
توفي فرغلي في يوم الخميس الموافق الثالث من شهر ديسمبر (2009م) ودفن بمسقط رأسه، بعد أن ترك منجزًا إبداعيًا ينبغي مقارَبته وسبْر أغواره ■