الفوائد الجمَّة لزيت أركَان

الفوائد الجمَّة لزيت  أركَان

تعد شجرة أركان ARGAN ذات أهمية كبيرة على الصعيدين الوطني والدولي، وقد صارت مادة دسمة للباحثين في مجالات البيئة والتغذية والتجميل. ونالت شهرة عالمية حتى نافست أشجارًا أخرى معروفة. ويعود الاهتمام الذي حظيت به إلى ما تختزنه ثمارها من فوائد عديدة أكدتها الأبحاث العلمية.

 

كلمة أركَان ARGAN (تنطق الكاف جيمًا مصرية) اسم عَلَم أمازيغيٍّ لشجرة ليست كمثيلاتها من الأشجار المعروفة على صعيد المعمور، بل لها هوية حقيقية وأصيلة، وهذه الهوية مرتبطة بالزمان والمكان، فعمرها ضارب في أعماق التاريخ، ولا توجد إلا في منطقة جغرافية محددة لا تتجاوزها، ولا يتدخل الإنسان في غرسها، ولا تسقى إلا بمياه الأمطار، ولا يلائمها إلا طقس المنطقة التي وُجِدت فيها منذ أزمان غابرة. 
وتنتشر غاباتها في جبال وسهول الصويرة وأكادير وتارودانت وتيزنيت وتافراوت وسيدي إفني. وهي شجرة معمرة تعيش لمئات السنين. تمتاز بجذع قصير وضخم، وأغصان كثيفة متفرعة تتخللها أشواك حادة. تزهر في الربيع وتبدأ ثمارها خضراء ثم صفراء ثم بنية، ويأتي وقت جَنيها عند بداية الصيف، حيث تُنشَر فوق سطوح البيوت لتيبس تحت أشعة الشمس قبل بدء عمليات متسلسلة لاستخراج زيتها.

 فوائد جمَّة
لشجرة الأركان فوائد كثيرة، فأوراقها اليابسة تتخذ علفًا للماشية، وأخشابها اليابسة يستغلها الأهالي لتسقيف البيوت القروية والطبخ والتدفئة، ويُعَد الفحم الناتج عن خشبها من أجود الأنواع، لأنه لا ينطفئ حتى يصير رمادًا، ويُذكِّر بجمر الغضا المشهور في الجزيرة العربية الذي كثيرًا ما شبه به الشعراء العرب مكابداتهم المختلفة.
لكن أهم ما تنتجه شجرة أركان هو زيتها الأسطوري الذي يُعدُّ جزءًا من صيدلية متكاملة، وهذا ليس مبالغة منا، بل هي حقيقة معروفة في البوادي والقرى المغربية التي تنتجه. ونظرًا لندرته، فقد تسببت قلة العرض وكثرة الطلب في رفع أسعاره بشكل كبير، إذ لا يوجد إلا في منطقة وحيدة في المغرب.
إن فوائد زيت أركان الصحية متعددة، واستعمالاته مختلفة في التغذية والتطبيب  والتجميل.  وقد كشفت الأبحاث والتحاليل العلمية التي أجريت عليه في المختبرات الغربية، أنه من أفضل الدهون الأحادية غير المشبعة التي لها خصائص غذائية وطبية مذهلة. فهو يخفض الكوليسترول الضار LDL، ويرفع الكوليسترول النافع HDL ويعالج الروماتيزم والتهاب المفاصل ويعادل ضغط الدم المرتفع، ويقي من أمراض القلب وتصلب الشرايين، ويعالج التهاب القولون والانزلاق الغضروفي، وما إلى ذلك من منافع جمة. 
كل هذا جعل من زيت أركان أغلى الزيوت الغذائية والتجميلية. فبعد اكتشاف مكوناته مخبريًا، أقبلت عليه شركات الصناعات الصيدلية، وكبريات المؤسسات الغذائية، وصار يصَدَّر إلى دولة الكويت وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول العربية، وكذلك إلى مختلف البلدان الغربية. 

وللتجميل نصيب 
تستخدم المرأة المغربية زيت أركان منذ عصور للحفاظ على جمال بشرتها، فهو يحارب التجاعيد ويحافظ على البشرة ويغذيها وينقيها من الشوائب. كما يستعمل لتغذية الشعر ووقايته من التلف والتقصف، إذ يدهن بقليل من هذا الزيت، ثم يترك حتى يمتصه ثم يمشط ويسرح. ومداومة استعماله تحفز بصيلات الشعر فتنشط وتتجدد حيويتها، كما أنه يساهم في مقاومة شيخوخة الجلد، وهذا هو سر حفاظ النساء المداومات على استعماله على جمالهن وشبابهن الطبيعي. ونظرًا لكل هذه الفوائد، فقد احتل زيت أركان مكانته في مجال التصنيع، وأصبح من المكونات الأساسية للمكملات الغذائية، والمنتوجات التجميلية من صابون ومساحيق ومراهم «وشومبوانات» وغيرها. 

في طريق المكننة
في أبريل تبدأ ثمار أشجار الأركان تنضج، لكن لا يتم قطافها حتى شهري يوليو وأغسطس، حيث يصبح لونها أصفر مائلًا للبني، لتُجففَ تحت أشعة الشمس، بعد ذلك يمكن ادخارها. وحين يراد استخراج زيتها، تُقشر كل ثمرة ويتم فرز النوى الصلبة التي تضم في داخلها اللوزات الغنية بالزيت، وتعزل القشور التي تقدم علفًا للماشية، بعد ذلك تكسر الثمرة الصلبة كما يكسر اللوز والجوز، وتُستخرج من داخلها الحبات الصغيرة البيضاء الشبيهة بحبات اللوز، وتفرز كذلك الأجزاء الصلبة لتستعمل وقودًا للطبخ والتدفئة.
 بعد ذلك تحمص الحبات ثم تطحن برحى صغيرة من الحجر، فتصير على شكل معجون لين القوام، ثم يعجن باليدين لأكثر من ساعة، مع رشات من الماء الدافئ من حين لآخر، حتى يُستخلَص الزيت الصالح للأكل والاستهلاك، ويكون  لونه بنيًا فاتحًا ومذاقه لذيذًا ومتميزًا، ورائحته جذابة تُشَم من بعيد. أما الزيت المخصص للتجميل فلا يحمص ويستخرج بالطريقة نفسها، لهذا يكون لونه أصفر ذهبيًّا وثمنه مرتفع جدًا على النوع الأول الذي يُعد للأكل. وينتج عن عملية العصر مادة سوداء لينة تشكلها النساء على شكل أقراص كبيرة لتعلف بها البهائم. 
وجدير بالإشارة أن هذه الطريقة التقليدية قد بدأت تختفي بعد ظهور آلات كهربائية خاصة  باستخراج الزيوت الأساسية، فأصبح زيت أركان بدوره خاضعًا للمكننة. 
ولكي لا يفسد زيت أركان ويتغير طعمه ولونه ورائحته فإننا نحتفظ به في المجمد إلى حين استعماله. ويستحسن أن يوضع في أوعية زجاجية قاتمة اللون حتى لا يتأثر بمكونات الأواني البلاستيكية مثلًا، ولا بأشعة الشمس والهواء فتضيع مكوناته.

احذر التقليد
يصعب تمييز زيت أركان الحقيقي من المزيف، ويمكن الاستعانة برائحته الخاصة التي تميزه دون غيره من الزيوت، ولونه الأصفر الذهبي بالنسبة للزيت الخاص بالتجميل، والبنيّ الخفيف بسبب تحميص حبوبه المعد للتغذية. وزيت أركان الحقيقي لا يترك أية طبقة دهنية على البشرة ولا على الشعر فهو سريع الامتصاص، كما أنه يتجمد كله إذا وضعناه في الثلاجة. ومن الأفضل شراؤه عند أهل الثقة من السكان المحليين، أو من الأسواق الممتازة معبئًا في زجاجات أنيقة مطبوعة عليها علامة الجودة العالمية، لأن هذا النوع يُصدَّر إلى الدول العربية والغربية، ويمر في سلسلة من الاختبارات حتى يجاز للاستهلاك. 
     
عالَميَّة شجرة 
تواجه شجرة أركَان تحديات كبيرة في مواجهة أخطار متعددة تهددها بالانقراض بسبب اقتحام التمدن لغاباتها، وتوغل الزحف العمراني في ربوعها، إضافة إلى استغلال السكان المحليين خشبها للتدفئة والطبخ وتسقيف البيوت في بعض القرى الجبلية النائية، كما أن الرعي الجائر يسبب لها أضرارًا كبيرة، إذ تتوافد عليها جماعات الرعاة الرحل بقطعانهم الكثيرة من الإبل والماعز، فتأتي على أخضرها وتترك أغصانها الغضة عارية يابسة في ظرف ساعات قليلة. 
لكن المسؤولين على الثروات الغابوية بادروا بإنشاء محميات لهذه الأشجار الثمينة، ويعد قطعها واستغلال أخشابها - إلا ما يبس منها - مخالفة يعاقب عليها القانون، ولا يُسمَح إلا بجني ثمارها من طرف مالكيها من السكان المحليين، فكل عائلة لها عدد من أشجار أركان نابتة في حقولها وقد ساعد تدخل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على إنقاذها، حيث صنفتها ضمن قائمة التراث الإنساني غير الماديّ، وأخيرًا أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 مايو يومًا عالميًا لشجرة الأركان، وبذلك أصبحت كل قضاياها عالمية وإنسانية ■