صبر الست

صبر الست

لأننا بشر، معرضون لضغوطات الحياة وانفراجاتها، مهيأون بالفطرة للتعايش والتكيّف معها، مستعينون بالصبر كوسيلة أولى للمضي قدمًا لانقضاء أيامها وسنونها، متقلبون بين التفاؤل والأمل تارة وبين التشاؤم والقنوط تارة أخرى في علاقاتنا الإنسانية، التي فرضت علينا من جراء الولادة والنسب والعيش المشترك، وسط كل تلك الفوضى الدماغية يتسلل إلينا صوت الست من تلفاز أو مذياع أو من إحدى وسائل التواصل الاجتماعي وهي تصدح وتقول إنما للصبر حدود! 
فعلًا إنها المرة الأولى التي أتمعّن بأهمية الحدود، لكن هذه المرة وبالرغم بأن لا علاقة لها بالسياسة والجغرافيا، لكنها تفعل فعلها. حدود الصبر مرنة هينة ولينة، لأنك غالبًا ما تخطها بيد مجبرة كانت محبة، وترسمها بإرادة وعقلانية بعد تسيد الهوى ودقات قلب للحب نوى. حدود الصبر حين صدحت بها الست جاءت بعدها حرب هوجاء اندلعت في ساحتها من سرد للذكريات وسرب من التضحيات أعلنت عن انتهاء مهلة الصبر بل وخلاصه من النفس الصابرة، واختيار البعد والحد طمعًا في الراحة والسلام. 
ولأني ست، ويستهويني التعلم والترنم بالصبر من الست فإن أغانيها كثيرًا ما تخترق مسامعي دون الحاجة لمصدر، فقد استطاعت ست الكل أم كلثوم أن تنسف الصبر وتعطيني سببًا منطقيًا - من وجهة نظر المحب - لذلك لا يقل عن أهمية وجود حدود للصبر. 
كلمتان، نعم كلمتان لا ثالث لهما، يقولهما المتصبر عليه كفيلة بتطاير وتناثر وإزالة الصبر من عرقه وجذره! 
مع الأسف لا أحد يعرف كلتا الكلمتين، غير الصابر والمتصبر عليه، إلا أن لهما تأثيرًا فوريًا وسحريًا قادرًا على إيقاظ الحنين في كل الحواس واتقاد المشاعر بالقلب وإشعال الغيرة فيه. وصدحت الست بنتيجة الكلمتين السحريتين فاستنتجت أن الدنيا كلها لم يكن لها معنى في الماضي، ولا تزهو في الحاضر، ولن تحلو بالمستقبل، إلا بوجود المتصبر عليه وفي حياة الصابر، بل ولا عجب أن يكون وجوده سببًا للعيش ودافعًا للحياة. 
إن التمعن بالصبر وممارسته والتغني به والتلذّذ في ويلاته، كثيرًا ما يعكس لنا مدى رغبة البعض في تجسيد المعاناة وعيشها بكل حذافيرها، بل حتى أنهم يجدون المتعة في تجسيد شكل الصبر بالكلمات والرسوم والصور. وينسون الوصف الرائع الذي لازم الصبر في تراثنا الإسلامي وكتابنا الكريم، وهو صبر جميل. فلنتجمل حين نصبر ونستمتع بأغاني الست حين نطرب ■