رحلة الـ 12 يومًا إلى الصين من بكين باتجاه وادي السيليكون الأخضر ومن الغرب إلى «أورومتشي» وسحر طريق الحرير القديم

رحلة الـ 12 يومًا إلى الصين  من بكين باتجاه وادي السيليكون الأخضر ومن الغرب إلى «أورومتشي»  وسحر طريق الحرير القديم

لم يكن مفاجئًا لي وللزملاء الإعلاميين الذين رافقتهم في رحلة الـ 12 يومًا إلى الصين «22 مايو - 3 يونيو 2023» ذاك الاحترام والود الذي تلمسه منذ اللحظة الأولى التي تنزل فيها مطار بكين، فمن كان ملمًا بعض الشيء بثقافة الحكيم والفيلسوف الصيني الأول «كونفوشيوس» لن يكون صعبًا عليه التعرف على سلوك هذا الشعب تجاه الآخر، ففي عقل المواطن الصيني تجد مكانًا لثقافة صاحب المدرسة الأخلاقية ومدى تركيزها على القيم السلوكية في فلسفته، وهو الذي زرع فيهم «حينما تعامل الناس بقلب محب، سيعاملك الناس بحب». 

 

من هذه البوابة كنت أحمل الرقم «18» في الوفد الإعلامي الزائر بدعوة من لجنة الصداقة وحسن الجوار التابعة لمنظمة شنغهاي للتعاون. 
توزيع المجموعات الإعلامية، تم على قاعدة ترتيب الدول المنتسبة إلى هذه المنظمة الوليدة حديثاً، أنشئت عام 2015 وعلى يد قادة ست دول آسيوية بقيادة الصين، وهم 21 إعلاميًا، سبعة من الدول الأعضاء، أربعة من الدول المراقبة، عشرة من دول شركاء الحوار، ودولة الكويت واحدة من ضمن الفئة الأخيرة، إضافة إلى مصر والسعودية وقطر والإمارات. 

تاريخ الحضارة الصينية
خريطة الأماكن الجغرافية رسمت على الأرض وفق مواقع «مبادرة الحزام والطريق»، بحيث المشاهدة تتخذ طابعًا ميدانيًا يعكس حقيقة ما تم إنجازه منذ عشر سنوات، إضافة إلى الوقوف على تاريخ الحضارة الصينية، وهي واحدة من أقدم حضارات العالم والأكثر تأثيرًا على منطقة جغرافية شاسعة في شرق آسيا، عمرها يزيد على الأربعة آلاف عام «يرون أنهم أعظم الأمم مدنية وأرقاهم طباعًا»، نشأت حول النهر الأصفر في العصر الحجري، وهذا ما تلمسه عند زيارة المتاحف والمناطق ذات الأبعاد الثقافية والتراثية، والنقطة الأهم كانت الاقتراب من قلب هذا العملاق الذي بات رقمًا أساسيًا في معادلة القوى العظمى والاطلاع على ماكينته الاقتصادية وقوته التكنولوجية والعلمية. 

صورة الصين العظمى
بقيت صورة «الصين العظمى» ماثلة في الذهن في الأيام الثلاثة الأولى من وجودنا في العاصمة بكين وتنقلنا في أكثر من «منصة» جمعت ممثلي منتدى شنغهاي للحد من الفقر والتنمية المستدامة بندوات متلاحقة عززت فيها الدولة مكانتها ومساهمتها في أكبر «معركة» بتاريخها، انتشلت فيها 850 مليون صيني من تحت خط الفقر المدقع. 
 بكين، الواقعة على قمّة سهل الصين الشمالي ثاني أكبر المدن، بعد شنغهاي، من حيث المساحة وعدد السكان والذي تجاوز الـ 21 مليون نسمة، بالرغم من تناقص العدد الإجمالي للسكان في عموم الصين، في السنوات الثلاث الأخيرة، وبعد تشجيع السلطات للإنجاب بعد أن كان قائمًا على سياسة الطفل الواحد، صار بمقدوره الآن أن ينجب ثلاثة أطفال. 
الملمح الغربي يبدو أمام ناظريك في شوارع العاصمة، فالعولمة طالت هذا البلد، ليس على صعيد التبادلات التجارية والاستثمارات، بل بوجود «ستاربكس» و«KFC» والبنوك الأمريكية والأوربية المشهورة على سبيل المثال، فالانفتاح نحو الغرب وإن بدا متواضعًا ومحدودًا لكن مصالح الدولة العظمى تجعلها تتحدث بلغة أخرى غير الصينية، فاللغة الإنجليزية مطبوعة على أسماء الشوارع والأماكن العامة والمؤسسات وهي السائدة، والمتحدثون بها يزدادون يومًا بعد يوم. 
نسبة عالية من الدبلوماسيين والمهتمين والمترجمين درسوا اللغات الأجنبية داخل الصين وفي جامعاتها، لا سيما اللغة العربية وإن كانت اللغة الروسية تأتي في المقدمة، ولغات القوميات الـ 56 المنتشرة في عموم أنحاء البلاد. 
في القطار السريع يحلو السفر، فقد طورت الدولة هذا المرفق وأدخلت عليه تحسينات وأصبح يربط كافة الجهات وبمساحة 9.599.960 ملايين كلم مربع، في حين أن المساحة بين الجنوب والشمال تصل إلى 5.500 ملايين كلم مربع. 

القطار السريع
انطلقنا من محطة القطار الرئيسية في العاصمة بكين وبسرعة 310 كلم بالساعة، قطعنا فيها 730 كلم متوجهين نحو منطقة «lianyungang» وفي إقليم «جيانغسو» شرق الصين وبالغرب من بحر الصين الشرقي حيث المركز اللوجيستي العالمي ضمن مشروع طريق الحرير الجديد، وهذا الإقليم قاعدة للصناعات والمدن الحديثة. 
تشعر وأنت في هذا القطار كأنك داخل فندق سبع نجوم، كل شيء فيه متوفر، حتى أنك تطرد الملل بمشاهدة التلفزيون وتناول وجبات الطعام والشراء من السوق الحرة، وبخدمات مريحة، والأهم أن درجات الأمان والسلامة والانضباط تنفذ بعناية. 
يتحدثون اليوم عن القطار المغناطيسي الفائق السرعة 600 كلم بالساعة، وسيكون أسرع مركبة أرضية متاحة على مستوى العالم، وسيدخل الخدمة قريبًا وجرى له عرض تجريبي في مدينة «تشينغداو» بشرق الصين قبل سنتين تقريبًا. 
المشاريع العملاقة المقامة في هذا الإقليم عبر المناطق الاقتصادية الحرة والميناء وشبكة النقل البري تمثل الممرات الحيوية باتجاه الشرق ونحو آسيا وأوربا في إطار مبادرة «الحزام والطريق» والتي تشكل القاعدة المركزية لانطلاقة الصين نحو العالم الخارجي. 

الأسطورة الخارقة
وسط جبال مرتفعة تأخذك إلى فضاء اللون الأخضر، وفي أحد نواحي مدينة «ليانغونغ» شرق الصين والتي تبعد نحو 70 كلم عن وسط المدينة، استقلينا الباص المخصص لممثلي وسائل إعلام دول «لجنة حسن الجوار والصداقة» (SCO). في هذا الطريق تشاهد بيوتا وتجمعات سكانية على الجانبين، نسج حولها روايات وكتب نسبت إلى «كونفوشيوس» عندما زارها وجرى الاحتفال به وهو ذاهب إلى البحر، يومها خرج السمك لتحيته لكونه «أسطورة خارقة» في تاريخ الصين. 
وجهتنا مصنعان للأدوية، واحد للطب الصيني التقليدي والآخر طب حديث، وهما يقعان ضمن «المنطقة الاقتصادية الوطنية»، أوقفنا حاجز للشرطة طالبًا من السائق عدم السير إلا بعد ربط الحزام لجميع الركاب داخل الباص حفاظًا على سلامتهم. 
اختيار مصانع الأدوية له علاقة بمبادرة الحزام والطريق والتعاون القائم بين الصين و«دول الحزام» خاصة أثناء جائحة كورونا، والدور الذي لعبته هذه المصانع بتقديم الأدوية وعمليات الشحن والتوزيع التي قامت بها للدول المجاورة.

الطب التقليدي
شركة جيانغسو كانغويانغ لتصنيع الأدوية للطب التقليدي، أدرجت في بورصة شنغهاي عام 2002 وتملك براءات اختراع ولديها ابتكارات متقدمة عالية التقنية. 
أمام مدخل الشركة تمثال ضخم للزعيم ماو تسي تونغ، اصطحبنا المسؤولون في جولة داخل المصنع، حيث شاهدنا في الممر الطويل النباتات الطبيعية والأعشاب والورود التي يتم استخلاصها وتغطي بإنتاجها أكثر من 30 دولة ومنطقة في الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وأوربا وجنوب شرق آسيا.
عمليات تصنيع الأعشاب إلى أدوية تمر بثلاث مراحل، والتصنيع ليس يدويًا بل بآلات صناعية وتكنولوجيا عصرية، استخدموا فيها الذكاء الاصطناعي ومكائن حديثة، تنتج عشرة أنواع من منتجات الطب الصيني التقليدي يتم ترويجها في الخارج.
عرضت الشركة نماذج لأنواع الأدوية، منها أدوية صنعت خصيصًا أثناء جائحة كورونا قدمتها الصين إلى العديد من دول العالم، وهذا النوع يعزز المناعة في جسم الإنسان. 

الأبحاث العلمية وتصنيع الأدوية
انتقلنا إلى شركة «جيانغسو هونغرو للصناعات الدوائية» والتي لا تبعد كثيرًا عن الأولى، وهي شركة أدوية مبتكرة مع التركيز على أعمال المختبرات والبحث العلمي، خاصة في مجال مكافحة الأورام والجراحة والمناعة والقلب والأوعية الدموية. 
الجولة شملت المختبرات وأقسام المراقبة والجودة وعرضًا لأنواع الأدوية التي تنتجها والمعرض الدائم لتاريخ الشركة بصورة مبهرة. 
أدرجت الشركة في قوائم التصنيف العالمية واحتلت الرقم 16 لشركة الأدوية، ووصلت إلى المركز 32 في العام 2022. 
أنفقت في البحث العلمي عام 2022 ما نسبته 32 في المئة من إيراداتها على يد فريق بحث علمي من أصل 5 آلاف شخص يعملون فيها. 
أنشأت لها عشرة مراكز أبحاث بالتعاون مع شركات تابعة في أمريكا وأستراليا واليابان وأوربا، ولديها 12 منتجًا مبتكرًا يتم تسويقها داخل الصين، وأكثر من 80 دواء قيد التطوير والبحث و260 دواء قيد التطوير السريري. 
حصلت على 507 براءات اختراع في الصين، و618 براءة في أمريكا وأوربا واليابان، ودخلت منتجاتها إلى أكثر من 40 دولة عندها منشآت تصنيع في جميع أنحاء البلاد تتوافق مع معايير usp وeup وIP، وصدرت الحقن إلى أمريكا وأوربا من خلال شركائهم الدوليين.

مدينة عالمية في صناعة الكريستال
مدينة «DONGHAI CHRYSTAL» مخصصة بأكملها لتصنيع وبيع وتوزيع الكريستال، تقع على ضفة بحيرة XISHUANGHU، وفي الشمال الغربي من مقاطعة جيانغسو وعلى مساحة إجمالية تبلغ 3.7 كلم، وبإجمالي استثمارات تصل إلى 13 مليار يوان، وصلنا إليها ظهر يوم الجمعة 28 مايو 2023 وفي مناخ معتدل يقترب من نزول المطر. 
«دونغهاي» باتت اليوم مركز توزيع عالمي للمواد البلورية الطبيعية، تنتج أكثر من 500 طن من الكريستال الطبيعي سنويًا، وهو ما يمثل نصف الإنتاج السنوي للصين، وأصبحت معروفة باسم «كريستال عاصمة الصين»، وهي موطن لأكثر من 300 شركة معالجة للكريستال. 
في متحف الكريستال والذي افتتح عام 2013 كانت لنا جولة ميدانية استعرضنا خلالها كل أنواع الكريستال، وفي أسلوب عرض رائع مصمم خصيصًا لهذا النوع من المجوهرات. 
أمام مجموعة كريستال شاهدناها، كانت لها قصة روتها لنا فتاة صينية تعمل في المتحف ترافقها أخريات يقمن بأعمال الترجمة الفورية باللغتين الإنجليزية والروسية... وضعت لوحة تشرح بلد المنشأ ونوع الكريستال لكل قطعة، وفي طريقة آمنة ووسط أضواء خافتة أحيانًا بحسب طبيعة كل واحدة وحجمها. 
زيارة المتحف تنقلك إلى عوالم ساحرة بالجمال عند مشاهدة أحجام وألوان الكريستال الطبيعية والمصنعة فيما بعد. 

متحف واحد... مدينة واحدة
وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها والمطبوعة في كتيبات، تشير إلى أن عاصمة الكريستال بدأت عملها عام 2016 وتجاوز إجمالي المعاملات 6 مليارات يوان، تتربع على موقع الريادة كمركز توزيع عالمي تستورد ما يقرب من «ألف طن» من المواد البلورية من دول مثل البرازيل بالدرجة الأولى، ثم جنوب إفريقيا وروسيا وباكستان. 
تتداول بين الناس حكايات عن الكريستال، وتنقل عن أحد الشعراء، ويدعى «تانغ غوتاي» والملقب بشاعر البحر، «أن البقرة تكذب، والكريستال ممتلئ والحجر ليس عنيدًا» في دلالة على مدى علاقة الكريستال بحياة شعب DONGHAI والذين باتوا يجيدون هذه الصناعة والتي تراها بأم عينك عندما تنتقل من المتحف إلى المحلات الواسعة والمجمعات الممتدة وهي تعرض للزائرين كافة أنواع الكريستال، وفي أسواق بيع مفتوحة، غالبية العاملين فيها من الفتيات والنساء. 
هنا وفي منطقة بحر الصين الشرقي يزخر بتاريخ طويل معروف للعالم بالكريستال، حيث أصبحت الصناعة مهنة السكان المحليين لكسب عيشهم وفي قاعات البيع تبدو جلية تلك الصورة الزاهية بالنشاط والحركة. 
استمعت إلى أحد المرافقين وهو يتحدث عن هذه الجواهر والتي تمتلئ بالروحانيات والأجواء الرومانسية والحكايات الخيالية، فقد تم ربط الكريستال، وفي مسار طويل في التاريخ، بالشعب الصيني، حتى أصبح جزءًا من الروح ونوعًا من الثقافة الكريستالية الممزوجة بالفولوكلور والمهرجانات الشعبية. 
له مكانة عند شعوب العالم والأديان السماوية، فهو نوع من حجر الميلاد، وفي العصور القديمة ملجأ بلوري للناس الممتلئين بالإيمان والقوة الدينية والساحرة. 
في العصور القديمة كان الكريستال يشكل نوعًا من الإيمان المليء بالبواعث الدينية الغامضة، وفي العصر الحديث مليء بالرومانسية والألوان الخيالية. 
المكون الرئيسي للبلورات هو السيليكون، ويصاحب استخدام السيليكون تقدم الحضارة الإنسانية، وهو بمنزلة فتح حقبة جديدة من تاريخ البشرية، كما نقرأه في المنشورات التي تروي قصة وتاريخ الكريستال. 
تحولت عاصمة الكريستال الصينية بفعل شهرتها إلى منطقة جذب سياحية، شكلت الثقافة والصناعة، العمود الفقري للوظائف القائمة في المنطقة الجغرافية التي تنتمي إليها، أعجبني ذلك الشعار الذي يبرز مكانتها في مجال السياحة الثقافية، والذي يقول: «متحف واحد ومدينة واحدة» هويتها، الثقافية البلورية، ومصطلح متحف واحد يشير إلى متحف تشاينا دونغهاي للكريستال والذي يعد أكبر وأعلى مستوى يحمل طابع ثقافة الكريستال في الصين، مساحته 29 ألف متر مربع، به ست قاعات للعرض مع مجموعة تضم أكثر من 1100 عنصر، وقد حصل على اللقب الفخري «متحف الكريستال الصيني»، ونحن نتجول داخل المتحف توقفنا أمام حجر كريستال طبيعي وزنه 1.99 طن موضوعًا ضمن زجاج مغلق يشع نورًا ساطعًا منشأه من الصين وقيمته بالملايين.
أما مصطلح مدينة واحدة فهو يعني مدينة دونغهاي البلورية باستثمارات تبلغ 3.2 مليارات يوان صيني. تستوعب مدينة «دونغهاي» أكثر من 7 آلاف متجر وشركة بلورية، واستقبلت 1.2 مليون زائر سياحي.
 
القمة الأعلى في الشرق
الغيوم حجبت الرؤية عنا ونحن في طريقنا إلى جبال «HUAGUO»» ذات المناظر الخلابة وهي الواقعة في منطقة «HAIZHOU» التابعة لمدينة «ليانغو غانغ» شرق الصين. 
كان علينا تبديل الباص الكبير بآخر كي يسهل الصعود فيه إلى الجبل وفي طريق ضيق تحف به الأشجار والبيوت الخشبية التي تبيع التحف والمقتنيات للسائحين. 
الجبال المحيطة بالمنطقة غيرت وجهتها بحيث أصبحت مقصدًا للسائحين وهي على مساحة 75 كلم مع 136 قمة، من بينها «قمة يونف» وهي الأعلى في مقاطعة جيانغسو وعلى ارتفاع 624 مترًا... فقد وصلنا إليها في أجواء ممطرة ووزعوا علينا ملابس خاصة للوقاية من المطر.
وقفن أمام شخصين يرتديان الزي التقليدي لأبناء المنطقة لالتقاط الصور التذكارية، ونحن نطل على مساحات واسعة من الأشجار والورود والبحيرة الهادئة. 
يشتهر «جبل هواغو» بكونه مسقط رأس الملك القرد في الرواية الأسطورية الصينية الكلاسيكية «رحلة إلى الغرب»، وهو أيضًا المعروف باسم المنطقة ذات المناظر الخلابة رقم واحد في بحر الصين الشرقي، وأحد الجبال الإلهية الأربعة في الصين منذ العصور القديمة. 
تتواجد هنا عائلات من القرود تزيد على 500 نوع تم توفير كهوف لها، ولكل مجموعة ملك يقودها، يتبدل كل أربع سنوات، وهو الحاكم بأمره فيما يتعلق بالرعاية والإنجاب. 
توقفنا في منتصف الطريق أثناء العودة لمشاهدة مجموعة من القردة التي جذبت الزائرين وراحت تنتقل على أغصان الأشجار وتتلقى الطعام من المارة. 
جبل هواغو، يحوي عددًا من الطيور والأزهار و300 نوع من الحيوانات الصغيرة، وموطن لأشجار الفاكهة والبامبو. 
كانت آخر محطة لنا لوداع المنطقة والتي رافقنا فيها أعضاء الوفد الرسمي المكلفين بمساعدتنا وشرح الأماكن التي نزورها، ودليل سياحي صيني أشبه بموسوعة تاريخية، يجيد كتابة الرواية، أتحفنا بأغنية صينية لاقت الاستحسان والبهجة. 

«شيان» العريقة
عدنا إلى مدينة «شيان» وتكتب بالإنجليزية هكذا «xian»، وفي رحلة طويلة بالقطار السريع، استغرقت ست ساعات، قطعنا مسافة 1200 كلم في أجواء ممطرة استمرت طوال يوم 27 مايو 2023. 
هنا وفي هذه المدينة والتي تقع وسط الصين وغرب العاصمة بكين، تشكل مع شنغهاي مثلثًا حيويًا وتجاريًا مهمًا، تشتهر بصناعة الإلكترونيات والسيارات والطيران والطاقة وغيرها، وهي التي تحمل اسم أول إمبراطور يحكم الصين.
كانت نقطة الانطلاق لطريق الحرير القديم، شكلت محورًا مهمًا للجسر «ألبري الأوراسي»، صنفت ضمن أفضل 40 مدينة في العالم، تتميز بكونها مركزًا لتحالف الجامعات على طريق الحرير العصري، فيها سور كبير يشبه سور الصين العظيم، طوله 14 كلم، يحيط بالمدينة القديمة وذات أربع بوابات بقيت شاهدة على تاريخها.
«شيان» تتبع مقاطعة «شانسي»، التي تبلغ مساحتها نحو 205 آلاف كلم، وهذه المقاطعة أول منطقة للزراعة الصناعية وقاعدة عالمية في مجال الطاقة والكيماويات. 
احتوى برنامج الوفد الإعلامي على زيارة «متحف شانسي» بمدينة «شيان»، وهو بمنزلة كنز للحضارة الصينية، افتتح للمجمهور والطلبة والدارسين وبالمجان عام 1991. 
تجولنا في المتحف الذي يجمع 1.7 مليون قطعة من الآثار الثقافية المكتظة بالزوار بمرافقه دليل سياحي لنحو الساعتين شاهدنا فيهما المعارض الدائمة الثلاثة. 
مقاطعة «شانسي» تحددد وجهة الصين نحو المستقبل
سجلت الصين إنجازات كبيرة في مجال استخدام التكنولوجيا بالقطاع الزراعي، فهي توفر ثلث الطعام للعالم بخلاف اكتفائها الذاتي، لذلك حرصت على إنشاء بنى تحتية كقاعدة للانطلاق في عالم الإنتاج الزراعي الذكي وكالجامعات والمعاهد والأبحاث. 
في زيارة ميدانية، قام الوفد الإعلامي والدبلوماسي المشارك في منتدى شنغهاي للتعاون يوم 30 مايو 2023 بزيارة إلى منطقة قريبة من مدينة «يانغلينغ»، شملت «معرض بارك يانغلينغ الذكي الزراعي»، ومركز معالجة المياه الزراعية، ومعهد توفير المياه الزارعية في المناطق القاحلة، وقرية «وانغ شانغ» الزراعية في منطقة المعرض بـ«يانغلينغ». 
الهدف من الزيارة كان الاطلاع على أحدث وسائل التكنولوجيا المستخدمة والتعرف على الإمكانات العلمية التي تتمتع بها الصين، وكما هو شائع هنا عند الحديث عن دور هذه المنطقة القول: إذا كنت تود معرفة إلى أين ذاهبة الصين في المستقبل فعليك بزيارة مقاطعة «شانسي» وهذا ما تحقق فعليًا. 
في الحديقة الزراعية الذكية أنشئت 20 قاعدة لتبادل التكنولوجيا والتدريب في مجال تكنولوجيا الزراعة، تحوي مراكز الخدمات الذكية لأشعة الشمس والترفيه والبحث والتطور للأسمدة والبيئة. 
أنتجت «الحديقة الذكية» 12 نوعًا من التقنيات الدفيئة وأنظمة التحكم البيئي، وأقامت تعاونًا تكنولوجيا مع مجمعات زراعية وصناعية في روسيا ودول آسيوية برزت بإنتاج عشرة أصناف من المنتجات الزراعية. 
المعرض الزراعي الذكي بنى قاعدة معلومات بنظام 5G، شاهدنا مواقع البيوت المحمية (نموذج نمو النباتات) وكيفية استخدام أنظمة تبريد المياه وتسخينها ومكافحة ثاني أكسيد الكربون متعدد الوظائف. قدم هذا «البارك الذكي» خمسة نماذج مبتكرة، وعمل على توجيه الإنتاج الزارعي إلى البلدان الآسيوية والشرق الأوسط وأوربا. 
الجامعة الزراعية اكتسبت شهرة عالمية وجمعت التخصصات ذات الأكثر شمولًا في الزراعة والمياه، لها مزايا متقدمة في أبحاث التربية واستخدام الفعال للمياه.
ولمعهد توفير المياه الزراعية في المناطق القاحلة التابع للجامعة منصة بحثية تضم عددًا من الكليات لدمج الموارد العلمية والتكنولوجية في الزراعة والحفاظ على المياه، ولديه ست منصات بحثية على مستوى المقاطعات، ومختبر شامل يعمل فيه 371 موظفًا في مجال البحث والتطوير. 
اتخذ المعهد مقاطعة «شانسي» مقرًا له ويتصدى لمشكلة المناطق القاحلة، ويعمل على تطوير نظرية توفير المياه الزراعية لهذه المناطق وبناء نظام تقني يعمل بكفاءة عالية. 
 اصطف مجموعة من العاملين في «الحديقة الذكية» لعرض المحاصيل والحضراوات والفواكه للضيوف وتذوقها ومن كل الأصناف (كرز - خس - خيار – بطيخ - بندورة).
تجولنا بقرية «وانغ شانغ» وهي ذات سمات تاريخية وثقافية، تحولت إلى قرية سياحية للترفيه، خلقت بيئة أفضل وحياة سعيدة للزوار، مساحتها 102 كلم، أي ما مجموعه 258 أسرة و1131 قرويًا ومساحة أرض صالحة للزراعة. 
دخلنا أحد بيوت القرية وجلسنا مع عائلة صينية قدمت لنا ضيافة على الطريقة العربية، تجمعت العائلة حولنا وأصرت على الجلوس تحت شجر الجوز. 
استكشفت القرية مسار التنشيط الصناعي بهدف بناء مجتمع منتج يعزز القوة الاقتصادية الجماعية للقرية وتحقيق الرخاء لهم، وطورت عشرات الأنواع من فاكهة الكيوي، وعملت على تشكيل نمط إنتاج زراعي متنوع تصب المرافق والخدمات التي أقيمت في القرية لتحقيق التنمية المستدامة للمزارعين والعاملين. 

وادي السيليكون الأخضر
لم يكن مصادفة اختيار مدينة يانان «yan,an» شمال مقاطعة «شانسي»، فهي مهد الأرض المقدسة للثورة الصينية (1935-1948) وموطن حضارة عمرها 4500 آلاف سنة، وفيها عاش الزعيم ما وتسي تونغ ورفاقه الأربعة لمدة 13 عامًا، إلى أن حقق النصر على اليابانيين، والسبب الثاني أنها بمنزلة «وادي السليكون الأخضر الصيني» كأفضل منطقة إنتاج للتفاح في العالم، وتشكل 20 في المئة من التفاح على المستوى الدولي.
رمزيتها أيضًا أنها تخلصت عام 2020 من ثلاث مقاطعات كانت منكوبة بالفقر تمثل 693 قرية دخلت مجتمع اليسر والاكتفاء الذاتي. 
وخلال ساعتين من الرحلة بالباص، كان اللون الأخضر لا يفارق العين، والطقس ممطر، قبل 30 سنة كانت المناطق والجبال المحيطة بالطريق يكسوها اللون الأصفر، الآن تحولت إلى فضاء شاسع يشع بالنبات والشجر والبساتين النابضة بالحياة.
حرص الوفد الصيني المرافق أن يقدم لنا كافة المعلومات والكتيبات والفيديوهات حول تاريخ المنطقة والتي يبلغ إنتاجها السنوي 4.318 ملايين طن عام 2022 من التفاح وعلى مساحة 22 ألف هكتار، يفتخرون بالتفاح الذي تنتجه والذي اختير خمس مرات كفواكه لرواد الفضاء الصينيين. 

أكبر مزرعة للتفاح في العالم
في بلدة «لوشوان» «lochuan» حملنا المظلات أثناء المطر للوصول إلى أكبر مزرعة تفاح في العالم، دخلنا مجموعات، سلكت طريقًا يحيطه من الجانبين حقول التفاح، نصبت فيه كاميرات ذكية تراقب نمو الفاكهة وتقدم «صورة حية» عن الحالة الصحية لكل شجرة.
المشروع يحتوي على بنك الجينات الوراثية لـ 4 آلاف نسخة من 35 نوعًا من أجناس التفاح في العالم، تمتد على مساحة واسعة وتجمع بين البحث والتطوير وتطبيق نظم الري الذكي، وتتبع زراعة كثيفة وفق معايير دولية.
استعرض القائمون على المزرعة أصناف التفاح بأشكالها المختلفة ووقف أمام كل صنف سيدات يشرحن عن النوع ويطلبن منك التذوق، أكملنا الجولة إلى مصنع إنتاج وتسويق التفاح حيث خطوط التعبئة والتغليف وهي كميات يذهب قسم كبير منها إلى أسواق أوربا وآسيا والشرق الأوسط... والتي تديرها «شركة سانشي دينغديوان للتكنولوجيا» وهي مؤسسة رائدة تأسست عام 2014 متخصصة في مجال التحديث الزراعي، تركز على الدعاية والتسويق والمبيعات عبر الإنترنت يعمل فيها 165 موظفًا، قامت ببناء مستودعات مجهزة بالتبريد، زودت الأسر الفقيرة بالأسمدة العضوية، وتخزن التفاح مجانًا، أنشأت ورشة عمل لمساعدة الفقراء ومنحتهم الأولوية بالتوظيف. 

الطاقة الشمسية في خدمة الزراعة
للخروج من حالة الفقر أقامت الصين محطة لتوليد الطاقة الشمسية واستخدامها في الزراعة، بهدف التخفيف من حالة الفقر في منطقة «غانكوان» «ganquan»، استثمرت فيها 14 مليون يوان، تنتج 20 ميغاواط لتوليد 30 مليون كيلواط بالساعة، ساعدت 800 أسرة للخروج من الفقر، وبنت 34 بيتًا (محمية) لزراعة الفطر (المشروم). 

مقاطعة «سنجان» ومركز «الإيغور»
من شرق الصين إلى وسطه كانت الرحلة قبل الأخيرة، تنقلنا فيها بالباص والطائرة ومن مطار «نانينوان» إلى العاصمة بكين، ثم باتجاه مطار «أورومتشي» أي إلى الغرب ولمدة 12 ساعة يوم الخميس الأول من يونيو 2023 لنصل مساء إلى منطقة «سنجان» ذاتية الحكم وتنطق «شينغيانغ» «xinjianj» وعاصمتها «أورومتشي». 
أقام نائب الحاكم العام لمقاطعة «سنجان» حفل عشاء حضره مساعدون من الإدارات والوزارات، ومسماها الرسمي منطقة شينغيانغ الأيغورية ذات الحكم الذاتي، قدموا لنا شرحًا كاملاً عن تاريخ المقاطعة التي تقع في الجزء الشمالي الغربي من الصين، وفي المناطق النائية من القارة الأوربية - الآسيوية مساحتها أكثر من 1.6 مليون كلم، يحيط بها ثلاثة جبال متصلين بحوضين طبيعيين، أكبر منطقة إدارية إقليمية في الصين من حيث المساحة، وعدد سكان وصل إلى 25.8 مليون نسمة، فيها ثاني أكبر صحراء في العالم «تاكليما كان» وإلى جوار منطقة التيبت، يحدها 8 بلدان بطول 5742 كلم، تشاهد الجبال المتاخمة لها في كازاخستان، ولديها موارد معدنية واسعة، ومنها البترول والصناعات، فيها عدد من القوميات الأيغور وغالبيتهم من المسلمين والكازاخ والمنغول والقرغيز. 

سوق البازار
تجولنا في أشهر معالم مدينة «أورومتشي» وهو «سوق البازار» والذي يحتوي على 16 مسجدًا، تدخل السوق التراثي الشعبي والذي يشبه بناسه وبضائعه أحد الأسواق التركية والإيرانية ويذكرك بأسواق الكويت التي يتواجد فيها التجار الإيرانيون، يعرض التوابل والبقولات والثياب وبائعي الأيس كريم، والتجمع عند أحدهم وهو يمارس رقصة «الأيس كريم»، وروائح البخور والتوابل تلاحقك وأنت تسير في شوارعه المكتظة بالناس على مدار اليوم وتقرأ الأسماء بحروف عربية وبلغة الإيغور.

إعادة إحياء طريق الحرير القديم
من هذه المدينة وما حولها من مدن وآثار تاريخية وثقافية، أضاءت سحر طريق الحرير يوم كانت محطة لقوافل التجار على طريق الحرير القديم، وهو ما أعادته الدولة الصينية الحديثة من خلال مشروع الحزام والطريق، وتراه بزيارة محطة القطار السريع في مدينة أورومتشي، فقد تم إنشاء منطقة تجارة حرة، تصل إلى كازاخستان وتحوي 19 مركزًا بريًا مرتبطًا بشبكة سكك حديدية وعلى مساحة مقاطعة سنجان. 

بوابة العبور ومصنع السيارات
هذا الموقع أصبح اليوم منطقة دولية ومركزًا لوجيستيًا للنقل يربط الصين بأوراسيا، وبات بوابة العبور إليها بواسطة ثلاثة ممرات استراتيجية مع باكستان وروسيا والهند. 
تضم المقاطعة أربع مدن رئيسية، ممرات النقل لديها قدرة استيعابية لنقل 70 ألف طن سنويًا. ومحطة القطار السريع واحدة من أكبر خمس ممرات بالصين. 
«أورومتشي» مقر لعدد من الصناعات المتطورة ومنها مصنع للسيارات يعمل في كل فروعه 12 ألف فني، ينتج سنويًا حوالي 20 ألف سيارة موجهة للسوق الداخلي، ومنها سيارات تويوتا وهوندا وسيارات تعمل على الكهرباء وعلى الوقود والاثنين معًا، شاهدنا إحدى السيارات الكهربائية الحديثة تباع بحوالي 30 ألف دولار أمريكي وأخرى بـ 11 ألف دولار، يعتمد في صناعته على استخدام الروبوتات الصناعية الذكية والموزعة على عدة أقسام حسب اختصاص كل قسم، بحيث لا يتعدى الفنيون خمسة أشخاص أو أقل، في حين أن بعض الروبوتات تنتقل بين الأقسام وتوزع قطع الغيار ■

ممثلون عن لجنة الجوار والصداقة التابعة لمنظمة شنغهاي للتعاون الدولي أثناء إجتماعهم 

محطة قطار رئيسية في بكين

زيارة أكبر مزرعة ذكية للتفاح في العالم

القطار السريع من بكين إلى شرق الصين الذي قطع بنا مسافة 730كم

أعلى قمة في جبل «هواغو» ومع أبناء المنطقة بالزي التقليدي

جولة في ممرات شركة أدوية للطب التقليدي ونماذج للأعشاب التي يتم تحويلها وتصنيعها والتي زرعت خصيصاً لهذا الغرض

أدوية مصنعة من الأعشاب تباع في السوق الصيني

صورة تاريخية في متحف الكريستال لعمال في أحد المناجم

من متحف الكريستال العالمي في مدينة «دونغهاي» وأصناف متنوعة

سوق واسع لبيع جميع أنواع الكريستال

أغلى قطعة كريستال معروضة بالمتحف

القمة الأعلى في شرق الصين

متحف مقاطعة «شانسي» بمدينة «شيان» وهو بمثابة كنز للحضارة الصينية يجمع 1.7 مليون قطعة من الآثار

بيوت محمية تعمل بالمحميات الدفيئة لإنتاج محاصيل زراعية

تماثيل الرفاق الخمسة الذين قادوا الثورة الصينية الكبرى في مدينة «يانان»

أحد المساجد في المدينة

خريطة طريق الحرير

مصنع السيارات، الصناعة الذكية في «أورومتشي»