الشّاعر والرّوائيّ الفلسطينيّ أنور الخطيب: الرّواية تقول ما لا يستطيع قوله الشّعر أو القصّة القصيرة

الشّاعر والرّوائيّ الفلسطينيّ أنور الخطيب: الرّواية تقول ما لا يستطيع قوله الشّعر أو القصّة القصيرة

أنور الخطيب روائيّ وشاعر وإعلاميّ فلسطينيّ لم يؤطر كتاباته الأدبيّة في جنسٍ إبداعيّ واحدٍ، بل حرص على التّجريب في شتّى الأجناس من رواية وشعر وقصّة قصيرة، فاتحًا نوافذ الكتابة على هاجس التّفرّد والدّهشة وتجاوز النّماذج العليا الرّاسخة.

 

وُلد أنور الخطيب سنة 1954 في لبنان حيث درس إلى أن حصل على ليسانس التّعليم في اللّغات الأجنبيّة، وقد تخرَّج في جامعة قسنطيّة بالجزائر في تخصّص اللّغة الإنجليزية. تفرّغ للعمل الصّحفيّ (محرّرًا، محرّرًا مترجمًا، مسؤول الملحق الثّقافيّ) مدّة ثلاثة عشر عامًا في جريدة الاتّحاد في أبو ظبي، ثمّ عمل في الأقسام الإعلاميّة لدى عددٍ من مراكز الدّراسات والمؤسّسات الرّسميّة والوزارات السّياديّة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة (مسؤول إعلاميّ في مركز الإمارات للدّراسات والبحوث الاستراتيجيّة، ومحرّر أوّل في كلّيّات التّقنيّة العليا، ومحرّر أوّل في وزارة شؤون الرّئاسة).
والخطيب، الّذي لم يُقفل على نفسه في دائرة جنسٍ أدبيّ واحدٍ، أصدر عشرات الكتب الَّتي توزّعت بين الشّعر والرّواية والقصّة القصيرة والنّقد الأدبيّ. وكانت أعماله الشّعريّة والرّوائيّة تحديدًا موضوع العديد من الدّراسات والبحوث لعددٍ من كبار النّقّاد العرب وطلّاب الدّراسات العليا في فلسطين وخارجها. كما تُرجمت بعض أشعاره إلى اللّغات الإنجليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة والفارسيّة. وقد نال، في مسيرته الإبداعيّة، بعض الجوائز الأدبيَّة من قبيل الفوز بالمرتبة الثّانية في مسابقة القصّة القصيرة لصحيفة الرّأي العامّ الكويتيّة سنة 1980، وبالمرتبة الأولى في جائزة غانم غبّاش بدبي للقصّة القصيرة سنة 1991، والفوز بلقب شاعر صحيفة (مقال) الإلكترونيّة الأوّل للعام 2011، وبالمركز الأوّل في مسابقة (دبي أيقونة العالم) مجلّد الوصل 2016.
عمدنا إلى محاورته للاقتراب من عالمه الشّعريّ والرّوائيّ، فكان هذا الحوار على النّحو الآتي:
● أستاذ أنور، ولدْتَ في أحد مخيّمات الشّتات في لبنان. ولئن شكَّل المخيَّم رمزًا للاغتراب والنَّفي والمعاناة، فإنَّه شكَّل حيّزًا مشتركًا للجماعة المهجَّرة، بل المتجانسة في الذّاكرة والهُويَّة والتّطلعات النّضاليَّة. فكيف يحضر المخيَّم في أدبك بحمولاته ودلالاته النَّفسيَّة والثّقافيَّة والرّمزيَّة؟
- من بين الأمكنة التي زرتها، أو أقمت فيها، وحده المخيّم ترك بصمته المتفرّدة على شخصيّتي، فنشأت مسكونًا بالأسئلة والهواجس. ورغم ضيقه تشكّلت لديّ مخيّلة شاسعة مشبعة بالسّرياليّة والفانتازيا، ربّما لإيجاد معادلٍ للإحساس بالبؤس والهزيمة والتّحدّي، وخزّنت في ذاكرتي شخوصًا واقعيّين وخياليّين من الجنسين، إضافة إلى ذاكرة والدي المشحونة بأصدقائه وأقاربه الّذين تركهم في قرية «شَعَبْ» في قضاء عكّا بفلسطين، وقد فرّغ ذاكرته في ذاكرتي، فتشكّلت لديَّ حياة سابقة افتراضيّة في فلسطين، أضفتها إلى حياة المخيّم، فكتبتهم في رواياتي ونصوصي الشّعريّة. ولعلّك تُدهش من كاتبٍ لم يعشْ يومًا في فلسطين، كتب ثلاث روايات هي: «الجذور» و«أبابيل» و«رائحة النّار»، وكانت فلسطين هي المكان المتخيّل والواقعيّ، وكان من الطّبيعيّ أن يحتلّ المخيّم أيضًا جزءًا من الرّوايات؛ إذ يتداخل المنفى لدينا نحن الفلسطينيّين، ويتشعّب ويحضر ويغيب. ولاحقًا في أعمالي الأدبيّة التي كتبتها خارج المخيّم، حضر المخيّم بشخوصه وتفاصيله في رواياتي مثل رواية «مندل»، ورواية «صراخ الذّاكرة»، ورواية «عشق مزمن»، وفي صفحات قليلة من رواية «فتنة كارنيليان»، وكانت الشّخوص في معظم تلك الرّوايات متمرّدة وتبحث عن حلول لضيق المنفى. أمّا في نصوصي الشّعريّة، فظهر المخيّم مباشرة في نصوص تتحدّث عنه، وأخرى مجبولة بالمنفى، وحين أقول المنفى يحضر المخيّم بكلّ معضلاته النّفسيّة والوطنيّة والاجتماعيّة.
● لقد نشرْتَ، حتّى الآن، خمس عشرة رواية وعشرة دواوين شعريَّة. برأيك ما الّذي يدفعك، أنت الشّاعر، إلى كتابة الرّواية؟ وهل ثمّة ما تقوله الرّواية ولا يقدر الشّعر على قوله؟ ولماذا؟
- تمامًا، الرّواية تستطيع قول ما لا يستطيعه الشّعر أو القصّة القصيرة. الرّواية هي الحياة بإحباطاتها وانتصاراتها وهزائمها، بأحلامها وخيالاتها وواقعيّتها، بجنونها وتأمّلاتها وفلسفتها ورعونتها وأدبها ووطنيّتها وخيانتها. والشّخوص، يا سيّدي، هم عماد الرّواية، بجهلهم وثقافتهم. أمّا الشّعر، ولا أعني هنا الشّعر الملحميّ، بل الشّعر الّذي نكتبه الآن بالذّات، فيعجز عن نقل حمولات الرّواية، إضافة إلى السّرديّة الظّاهريّة والجوّانيّة والحوارات الّتي تتطلّب لغة متلوّنة ومرنة، والأمكنة ووصفها ورائحتها؛ فالرّواية هي سرديّة الحياة الّتي تتيح للقارئ فرصةً للمشاركة في التّخيّل واقتراح الحلول.

 مخاطرة حقيقيّة
● في الحديث عن العلاقة الشّائكة بين الشّعر والرّواية، برأيك ما الحساسيّة الجماليّة الّتي تُميّز الرّواية الّتي يكتبها شاعرٌ؟ وبِمَ تتميَّز رواية الكتّاب غير الشّعراء؟
- أوّلًا، ليس كلّ الرّوايات الّتي كتبها شعراء كانت ناجحة، رغم شهرة بعضها. فهناك مخاطرة حقيقيّة في استخدام اللّغة الشّعريّة عند كتابة الرّواية، كما قال الكاتب الكبير المرحوم جبرا إبراهيم جبرا، والإسراف في استخدام اللّغة الشّعريّة يعرّض مدماك السّرد للانهيار، ولا سيّما أنّ اللّغة الشّعريّة تخلق حالة من الطّرب تخدع الرّوائيّ وتجمّل له المشهد، وهي بالضّبط ما وصفته بالحساسيّة الجماليّة الّتي تسكن اللّغة؛ فإذا أجاد الشّاعر في تضمين الرّواية جماليّات اللّغة يكون قد حقّق متعة لنفسه وللقارئ، ولا سيّما في وصف الأمكنة ورسم النّفس البشريّة من الدّاخل. أمّا بالنّسبة إلى تميّز رواية الشّاعر، فقد لا تكون ميزة بقدر ما هي اختلاف في المضمون أو اللّغة أو الأجواء، وأنا لا أستطيع التّعميم، فربّ رواية يكتبها روائيّ غير شاعر تتّسم بحساسيّة جماليّة أكثر من رواية الشّاعر. 
● ما الّذي تحتفظ به من أدواتك الكتابيَّة الشّعريَّة حين تشرع تكتب نصَّك الرّوائيّ؟ وإلامَ تحتاج من تقنيّات الكتابة الرّوائيَّة حين تكتب القصيدة؟ 
- أحتفظ باللّغة الشّعريّة الموحية حين أكتب الرّواية، وبشيءٍ من بلاغة اللّغة، وأحتفظ بالرّوح السّرديّة حين أكتب نصًّا شعريًّا؛ إذ أرى أنّ المشهديّة مهمّة جدًّا في النّصّ الشّعريّ وتمنحه حيويّة استثنائيّة وقربًا من المتلقّي، بينما اللّغة الموحية في الرّواية تواكب الرّمز الّذي كثيرًا ما أستخدمه في رواياتي.

الإبداع الحرّ
● لقد فزْتَ ببعض الجوائز الأدبيَّة. واليوم، نرى ظاهرة انتشار الجوائز الأدبيَّة، في العالم العربيّ، آخذة في ازدياد، ولا سيّما في ظلّ رعاية المرجعيّات الرّسميَّة لمعظمها. فإلى أيّ حدّ، برأيك، يستجيب القائمون على تلك الرّعاية الرّسميّة لشروط الإبداع الحرّ وتخطّي سلطة النّمذجة؟
- هذا سؤالٌ مهمٌّ وخطيرٌ في الوقت ذاته، ولا سيّما أنّ القائمين على الجوائز لا يتقبّلون النّقد ويُشَخْصِنونَ الرّدود، بينما تقول الحقائق أو التّجارب إنّ قلّة قليلة من الجوائز تستجيب لشروط الإبداع الحرّ؛ وما علينا سوى متابعة المقالات النّقديّة بشأن روايات كثيرة فازت بجوائز شهيرة، ولي تجارب لا أستطيع الإفصاح عنها هنا للأسباب ذاتها، أي الشّخصنة. ومن جانب آخر هناك صنميّة غير مسبوقة في مخرجات الجوائز، خاصّة حين تتكرّر أسماء الفائزين في المسابقة ذاتها أو في أكثر من مسابقة، وهي المعضلة ذاتها الّتي يقع فيها طلبة الدّراسات العليا حين يلجأون للأسماء الكبيرة الرّنّانة لتكون محور رسالاتهم الجامعيّة.
 ● لعلَّ المجاز، الَّذي هو جوهر الفتنة الشّعريّة، يتأسَّس على قمع الكلام الكثير، واختزاله إلى حدود التّلميح والإشارة، فيما الرّواية تحتفي بالإطالة والتّمدّد النَّصّيّ. في ضوء ذلك، هل تحسب أنَّ الشّعر أكثر تصالحًا من الرّواية مع سلطة المؤسّسة؟ وأنَّ الرّواية أكفأ في مقاربة الأسئلة الكيانيَّة الموضوعيّة الكبرى بمعزلٍ عن أيديولوجيا الصّوت الأحاديّ؟
- قد أخالفك في المقاربة، لأنّ لجوء الشّاعر إلى الاختزال والتّكثيف والتّلميح لا يجعله متصالحًا مع سلطة المؤسّسة، بل يجعله أقرب إلى تقنيّات الشّعر الحقيقيّة الّتي تبتعد عن المباشرة، وهذا القمع الّذي تتحدّث عنه يجيب عنه النّفّريّ في مقولته الشّهيرة: «كلّما ضاقت العبارة اتّسعت الرّؤيا»، فالمطلوب من الشّاعر في هذا العصر التّكثيف أكثر من المباشرة والإطالة. أمّا الرّواية فطبيعتها التّمدّد الّذي لا يُقصد لذاته، وإنّما يُقصد لضرورته، والتّمدّد المليء بالحشو مكروه، ومعالجة الأسئلة الكيانية الكبرى في حاجة إلى تكثيف، أي حشد المعلومات والبراهين؛ لأنّ الرّواية، في هذا المقام، أشبه بالبحث الميدانيّ كما قال غابرييل ماركيز. ويبقى لكلّ مقامٍ مقال.
● تقول في ديوانك «آيتي أن أكلّم الناس»: «سال ماء الشّعر من قرب التّفاعيل المملّة». فكيف يتشكّل القالب الإيقاعيّ في نصّك الشّعريّ في ضوء ثنائيَّة الإبداع والمحاكاة (القوالب الجاهزة)؟
- حكايتي مع الشّعر طويلة جدًّا، بدأَتْ بالشّعر العموديّ، ثمّ انتقلت إلى التّفعيلة، ثمّ إلى الشّعر الحرّ، فقصيدة النّثر، ثمّ إلى النّصّ المفتوح، وأنا لا ألجأ إلى الشّعر إلّا حين أصبح ممتلئًا فأفيض، كسدٍّ مملوء يُفتَح فجأةً فيندفع في القنوات المتعرّجة وربّما في سهلٍ مفتوحٍ، وسيره لن يكون وفق إيقاعٍ واحدٍ. هكذا هو نصّي؛ فالشّعر متعدّد الإيقاعات وينفر من القوالب الجاهزة، ومن اللّغة النّمطيّة ومن التّشابيه المطروقة، وهذا مرهق ومتعب لي وللمتلقّي الّذي قد ينفر من تشبيه معيّن، ولكنّه الشّعر الّذي يتوق للتّميّز من اللّغة اليوميّة، وهو مطلب ضروريّ؛ إذ كيف يمكن استخدام قوالب جاهزة في عالم متحرّك ومتبدّل؟! وكيف نستخدم لغة عاديّة في عالمٍ فانتازيّ؟!
● تمتاز لغتك الرّوائيّة بالانزياح عن اللّغة التّقريريّة السّطحيَّة إلى اللّغة ذات الكثافة المعرفيّة والفلسفيّة. فإلى أيّ حدّ تحتاج الرّواية إلى الفلسفة، والثّقافة السّياسيّة والنّفسيّة والتّاريخيّة والاجتماعيّة والجغرافية؟ وهل ترى أنَّ الرواية أكثر من الشّعر تحتاج إلى ذلك الرّصيد المعرفيّ؟
- الرّواية كما الشّعر يحتاجان إلى الرّصيد المعرفيّ؛ فالقصيدة المعرفيّة الّتي تحيلك إلى ثقافاتٍ هي القصيدة الغنيّة بالمعنى، وكذلك الرّواية قد تحتاج إلى رصيد معرفيّ أكثر من الشّعر نظرًا إلى تعدّد الأصوات والحيوات والأفكار والمراحل والتّسلسل الزّمنيّ وتطوّر الشّخصيّات. 
وكما أسلفت، لم يعد من المقبول كتابة رواية من دون مرجعيّة معرفيّة؛ فالرّواية بحث معمّق في المرحلة، إن كانت للفرد أم المجموع، بل حتّى الرّوايات العاطفيّة في حاجة إلى مخزون معرفيّ نفسيّ وجدانيّ. وقد لجأت في روايتي (رقصة الفيلسوف) إلى الأسلوب البحثيّ، وكان لزامًا عليّ قراءة أعمال الفيلسوف كاملة (وهو حيّ يرزق) وقراءة الكتابات المضادّة، وقراءة الاتّجاهات الّتي كان يُحاورها، وتطلّب منّي البحث في مذهبٍ معيّنٍ، إضافة إلى قراءتي المعمّقة للأمكنة، ولجوئي إلى خرائط مفصّلة.
  
التمرد الحقيقي
● يتّسم الرّاوي - البطل، في كثيرٍ من رواياتك، بسمات الاغتراب، والصّعلكة والتّمرّد، والنّزعة إلى حبّ السّؤال والفلسفة... بل إنّ أبطال رواياتك يكادون يشبهون الشّعراء الفرسان، في القصيدة العربيّة، بانحيازهم إلى القول الجماليّ لمنظومة الخير والمروءة. فما مدى صحّة هذا الاستنتاج؟
- أشكرك على هذا الاستنتاج، البطل لديّ متمرّد نتيجة واقعه الصّعب المعقّد، وهو في معظم الرّوايات مغترب ونازح. وقد قرأت مؤخّرًا عن سيكولوجيّة الغريب، فوجدته يتّسم بالإحساس بالعظمة ليعوّض نقصًا ما في تركيبة شخصيّته المليئة بالثّقوب، فيحاول سدّها بتحقيق الإنجازات وتطوير المهارات والظّهور بمظهر الفارس الشّهم. والغريب عاطفيّ جدًّا؛ لهذا هو عاشق بامتياز، ويمتلك معرفة متنوّعة مثل بطل رواية «فتنة كارنيليان»، وكذلك في روايتَيْ «وردة عيسى» و»شوق مزمن»، ويظهر التّمرّد الحقيقيّ في رواياتي الأولى الّتي عالجت الموضوع الفلسطينيّ واللّجوء والمقاومة، ومنحت البطولة لأطفال بمواصفاتٍ فوق طبيعيّة. لهذا أصبت في استنتاجك.
● انطلاقًا من تجربتك الرّوائيَّة، إلى أيّ حدّ يمثّل الرّاوي - البطل، في كثيرٍ من روايتك، قناعًا لك ينطق بقناعاتك ورؤاك إلى الحياة والإنسان والمجتمع؟ 
- الرّوائيّ لا يكتب من فراغ، لهذا فإنّه هو البطل المتعدّد المتنوّع المتجدّد، يكتب ذاته وذوات الأقربين إليه، ويتصرّف بملامحهم وفق ما تمليه الشّخصيّة والموضوع. وأصارحك بأنّني كنت البطل في رواية «فتنة كارنيليان» ورواية «عشق مزمن» ورواية «سماء أولى جهة سابعة» ورواية «مسّ من الحبّ»، ولكنّني لم أكن كذلك في رواية الكبش، إلّا أنّني ضمّنت الرّواية بعض خبراتي العاطفيّة والمكانيّة. ولا يعني هذا أنّني أنسخ ذاتي، فأنا في حاجة إلى أصوات الآخرين المضادّة والمشاكسة كي يكتمل الصّراع.
● أنت من النّاشطين عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ الَّتي سمحت باكتشاف العديد من الطّاقات الإبداعيَّة الشّابّة. لذلك ثمّة سؤالان: أوّلًا، ما هو تقويمك لانتشار ظاهرة الشّعراء الشّباب في العالم الافتراضيّ؟ وثانيًا، كيف ترى أثر ذلك العالم الرّقميّ في الظّاهرة الأدبيَّة سلبًا وإيجابًا؟
- بدأْتُ استخدام وسائل التّواصل الاجتماعيّ بشكل مبكّر، نظرًا إلى أنّني كنت أكتب أعمالي الأدبيّة مباشرة على الآلة الكاتبة، وتطوّرت حتّى وصلت للكمبيوتر وما حمله من إنترنت ووسائل تواصل اجتماعيّ. 
وأرى من الطّبيعيّ أن ينتشر الشّعراء في هذا الفضاء الافتراضيّ؛ فهو مفتوح ومن دون رقيب، وهو وسيلة للتّعبير في ظلّ القيود على حرّيّة التّعبير، والنّصّ الشّعريّ هو القالب الأسلم لقول العاطفة والرّأي. وفي رأيي، انتشار الشّعراء ظاهرة لا يمكن صدّها ولا التّحكّم بها، وهي ظاهرة إيجابيّة والبقاء للأصلح، ولست من الشّكّائين المتذمّرين من هذه الظّاهرة؛ لأنّه احتجاج لا طائل من ورائه، والموجة في زيادة، ولعلّ احتكاك الشّباب بالأقلام المخضرمة يمنحهم شيئًا من النضوج. 
● الكاتب الفلسطينيّ، شأنه شأن أيّ كاتب آخر، يكتب أيضًا للتَّعبير عن ذاته المفردة خارج دائرة أدب القضيَّة، إلّا أنَّ التَّنميط القرائيّ، وحتّى النّقديّ، قد يردّ مُؤوِّلًا أيَّ حبّ أو رمزٍ لأنثى، في الأدب الفلسطينيّ، إلى محور الأرض- الأمّ. برأيك، ما مسؤوليَّة الكاتب الفلسطينيّ أوّلًا، والنّاقد ثانيًا في منع مصادرة حقّ الفلسطينيّ في الكتابة بوحيٍ من انشغالاته الذّاتيّة المفردة؟
- أشكرك على هذا السّؤال، لأنّ المبدع الفلسطينيّ أصيب بالأذى نتيجة تحميله ما لا يحتمل، وقد قالها محمود درويش: «ارحمونا من هذا الحبّ». وبرأيي، يتحمّل النّاقد مسؤوليّة سوء فهم النّتاج الأدبيّ الفلسطينيّ، وقد تعرّضت لسوء الفهم هذا كثيرًا؛ فأنا إنسان أيضًا أكتب عن الحبّ، وفسّر بعض النّقّاد الكبار رواياتي وعدّوها رمزيّة، حتّى أصبحت العشيقة هي الأرض والوطن. وأدّى الكاتب الفلسطينيّ دورًا في حصر كتاباته المنشورة في اتّجاه واحد، بينما كان يقرأ أشعاره العاطفيّة في الجلسات الخاصّة. هو موضوع لا نزال نعاني منه حتّى السّاعة ■