السينما والتشكيل تزاوج فني في تجربة استثنائية

 السينما والتشكيل تزاوج فني في تجربة استثنائية

  ربما يشعر متذوق الفنون من عامة الناس أن معارض الفن التشكيلي تترفع وتتعالى عليه بعرضها لوحات فنية قد تكون غير مفهومة بالنسبة له، فالفنان التشكيلي يعتمد على رموز وأجسام وألوان وظلال لها دلالاتها التي قد لا يعلمها سوى المتخصصين. وقد ينزعج بعض الفنانين من غياب المتلقي المهتم والمتابع لأعماله حتى تكتمل دورة التجربة الفنية القائمة على معادلة (فنان، وسيط، مستقبل) فالفن رسالة بين الفنان المنتج للعمل والمتلقي أو مستقبل الرسالة. والعمل الفني أيا كان نوعه هو الوسيط الحامل لهذه الرسالة.

 

ربما كانت هذه الإشكالية سببًا رئيسًا في محاولة رفد التشكيل بالسينما، لجذب جمهور السينما الأكبر بين الفنون؛ إلى الفن التشكيلي المعروف بجمهوره النخبوي المحدود، وذلك من خلال إقامة معرض فني تقوم لوحاته على محاكاة فيلم «خلي بالك من زوزو» الذي قامت ببطولته في سبعينيات القرن الماضي سعاد حسني وأخرجه حسن الإمام. فالفكرة جيدة وجديدة لأن السينما تخاطب كافة أطياف المجتمع دون النظر إلى درجة الوعي أو التعليم أو الثقافة لمتلقيها، بالتالي سيكسب الفن التشكيلي جمهور السينما، لاسيما أن الفيلم حقق نجاحًا كبيرًا واستمر في دور العرض لمدة عام كامل وتم اختياره ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
تقوم الفكرة على الدمج والترابط بين السينما والفن التشكيلي لإنتاج أعمال فنية تساير تطور الفن، وهو ما أدى، بحسب التشكيلية إنجي عبدالمنعم، إلى إنتاج أعمال فنية برؤية تشكيلية ترابطية مستحدثة من خلال تحقيق صياغات جديدة تثري مجال الفن التشكيلي في هيئة أعمال فنية برؤى فنية مختلفة ومتنوعة، خاصة أن الفيلم يحتوي على شخصيات ومشاهد وكادرات ثرية تستحق التوثيق.
لذلك تفاعل عدد كبير من الفنانين المصريين إلى جانب الفنانة التشكيلية الأردنية وفاء النشاشيبي، والتشكيلية المجرية كاتي مع الفكرة وقاموا جميعًا برسم لوحات فنية مستقاة من مشاهد الفيلم، ومعبرة عن أحداثه، حيث استطاعوا أن يعبروا بصدق عن شخصيات الفيلم ولقطاته وأجواء الأحداث التي يتذكرها الجمهور جيدًا، وخاصة شخصية زوزو (سعاد حسني) التي انتقلت من عالَم شارع محمد علي إلى عالَم الجامعة، وأحبت رجلا من طبقة ثرية اكتشف بعضهم حقيقة حياتها في شارع محمد علي؛ فتهكموا عليها وعلى والدتها نعيمة ألمظية (تحية كاريوكا) 
بدأت الشرارة الأولى للفكرة من خلال كتاب «رائعة خلي بالك من زوزو» للكاتب حجاج حسن أدول وقد تفاعل معها التشكيلي سمير عبدالغني واقترح دعوة للتشكيليين لأن يتفاعلوا مع الفيلم ويقوموا برسم لوحات معبّرة من أجل إقامة معرض فن تشكيلي خاص بالفيلم وشخصياته.
أقيم المعرض بدافع الاحتفاء بسعاد حسني ومرور 50 عامًا على عرض الفيلم الذي أثار البهجة في النفوس، بحسب الفنانة التشكيلية نجوى مهدي مدير جاليري أوديسي الذي استضاف المعرض، وتضيف لقد اختلف الناس على الفيلم في البداية، لكنه احتل مكانة في قلوب المشاهدين، وقد عبّر كل فنان بتكنيكه الخاص وعالج العمل الفني برؤيته وحسب تأثيره في وجدانه. وأشارت إلى أن المعرض شارك به ثلاثة أجيال من الفنانين منهم جيلان عاصرا سعاد حسني، وجيل أصغر عرفها من خلال أعمالها وشاهد فيلم «خلي بالك من زوزو»، وكل من شاهد الفيلم شاهده من زاويته الخاصة ورؤيته الخاصة، وبالتالي تنوع التعبير الفني واختلف من فنان إلى آخر، فالفنان الدكتور طاهر عبدالعظيم على سبيل المثال صور سعاد حسني وردة وسط شوك... وهكذا تنوّعت الأعمال الفنية من فنان إلى آخر.

ملابس بتكنيك عصري
تمثّل الأزياء في أعمال الفنانة التشكيلية نيها حتة تجربة خاصة لها أبعادها الفنية والرؤيوية وتمثل جزءًا من مشروعها الفني، لذلك تتسم تصميماتها بتفرد وخصوصية لا نجدهما إلا في أعمالها الفنية، حيث قدمت رؤية فنية مستلهمة من الفيلم من خلال مشاركتها بعملين فنيين، أحدهما لوحة فنية ترسم أحد المشاهد، والآخر عبارة عن ملابس تحمل روح زوزو بارتدائها للون الأحمر الصارخ وقبعتها المنقطة بالأبيض والأسود، من خلال رؤية تتداخل فيها الفانتازيا والعصرية بما يشبه موضة السبعينيات وروح العصر الآن. وذكرت حتة أنها أضافت خامات أخرى مثل التل الأسود للتدليل على الفخامة والأرستقراطية التي كانت مسيطرة في ذلك الوقت، كما أضافت بعض الإكسسوارات من فصوص الكريستال الأحمر، وحذاء سندريلا الأحمر الذي كانت تتأنق به في الفيلم. وأشارت إلى أن الفكرة مبتكرة ولذلك حازت إعجاب الجميع.

اللوحة التشكيلية والتعبير عن الإضاءة
من الأعمال اللافتة أيضا لوحة للفنانة التشكيلية ومصممة الديكور نهلة مرسي، رسمتها باستخدام خامة الأكريليك على مساحة متر مربع، ركزت فيها على لقطة من الفيلم لها خصوصيتها، وكانت من أغنية «يا واد يا تقيل» وهي اللقطة التي يظهر بها الفنان حسين فهمي ظهورًا افتراضيًا داخل منزل زوزو. وقد عبرت الفنانة بالألوان عن أحاسيس تمزج بين الحب والأمل واللقاء الشاعري والبهجة والتأمل والانطلاق وهو ما شعرت به في شخصية زوزو، لذلك ركزت على الأحمر المحب والوردي الهادئ المستقر عاطفيًا والأخضر أملاً في المستقبل والأصفر الرقيق المنطلق.
حيث تعبر هذه المجموعة اللونية عن شقاوة وبهجة زوزو، كما عبّرت اللوحة عن غموض البطل وثقته في نفسه واتزانه باللون الأزرق والألوان الداكنة التي يتداخل كل منها مع ألوان البطلة تعبيرًا عن امتزاج مشاعرهما رغم الاختلاف الطبقي بينهما. 
وأوضحت نهلة أنها أرادت أن تعبّر عن إعجابها بتلك اللحظة الضوئية التي أبدع في اختيارها حسن الإمام مخرج الفيلم حيث فضّل أن تنفذ بإضاءة مسرحية، وهي جرأة تحسب له خصوصًا أن استخدام الإضاءة المسرحية كان بمثابة معالجة درامية لوجود البطل داخل منزل البطلة وهو أمر افتراضي غير منطقي فوجب تنفيذه بأسلوب إضاءة افتراضي أيضُا وكأن البطل هنا في خيالها وحدها وسرعان ما يختفي بنقلة إضاءة.  

لقطة فيلمية تستوقف الفنان
فكرة استلهام الفن التشكيلي للسينما وكيفية أن يلخص الفنان إحساسه بالعمل السينمائي أدهشت التشكيلية ومخرجة الرسوم المتحركة إنجي محمود، فقد عبرت عن ذلك في تفاعلها بالفكرة، وذلك من خلال اللوحة وما تحمله من انطباع بالخط واللون والكتلة والفراغ، وقالت إنها قررت التوقف عند تلك اللحظة التي جاءت فيها زوزو لأمها وأسرتها فرحة باختيارها الفتاة المثالية في الجامعة، بينما أمها لا تبالي وتريدها فقط أن ترقص في الليلة نفسها، لكي تساعدها على كسب الرزق، والتبست مشاعر زوزو بين حقها في التعلم وبين كونها ابنة بارّة بأمها حتى لو كانت راقصة... تلك الحيرة والسخط في نظرة عينها استوقف الفنانة وسعت إلى رصدها في اللوحة. 
من الفنانين أيضًا الذين تفاعلوا مع الفكرة الفنان التشكيلي شريف عبدالقادر فقد عبر عن تفاعله بلوحة من الأكريلك على كانفس، وأشار إلى أن فكرة المزج بين التشكيل والسينما من الأفكار الجاذبة للفنان والمتلقي في آن واحد، وقد جذبته هذه الفكرة لأنها فكرة متفردة كونها تربط بين العمل السينمائي والعمل الفني التشكيلي، وبالتالي كانت تجربة مميزة بالنسبة له وبالأخص تناول سندريلا السينما المصرية في عمل فني، فهي باعثة على البهجة سواء في حياتها أو بعد رحيلها. وذكر أنه حاول بقدر الإمكان أن يُظهر ذلك في العمل الفني الذي قام بإنجازه، حيث حركة اللون مع حركة الوجه يحدثان تدفق تعبيري لوني مفاده باعث للحركة والحياة، وهو ما كانت تتميز به سعاد حسني في الفيلم. 

سقوط الحواجز بين الفنون
تطور الفن الحديث في تناول الأفكار والرؤى وكذلك شكل وبناء العمل الفني وفي استخدامات الخامات وطرق صياغتها التشكيلية للوصول إلى أفكار ورؤى إبداعية جديدة، ومن ثم تغير مفهوم الفن، واختلفت وتنوعت مفاهيم ممارسيه ومنابع رؤيتهم، فكسرت الحواجز بين فروع الفن... هكذا عبرت التشكيلية إنجي عبدالمنعم، وأضافت ان الترابط بين مجالات الفن في عصرنا الحالي أصبح ثريًا خصبًا يتجه إليه الفنانون من مجالات مختلفة لتحقيق العديد من القيم الفنية، كما انه يساعد على نمو التفكير والأداء الإبداعي والطلاقة التشكيلية في استحداث الصياغات الجديدة والحلول التشكيلية المختلفة ■