الطفل والنظر إلى المرآة

 الطفل والنظر  إلى المرآة

قد يكون أغلب القراء مثلي تمامًا، توارثنا مبدأ خطورة تحديق الطفل في المرآة لفترات طويلة، وذلك بحكم تفاعلات الطفل أمامها بشكل كبير، مما يجعلنا أكثر خوفًا على عقلية الطفل وجوانبه الانفعالية، إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك، فالطفل يولد ولديه ميل فطري للتحديق في الوجوه، وأول نظرة لنفسه بالمرآة تتولد لديه رغبة بالإمساك بهذا الكائن عابثاً بيديه الصغيرتين وسط المرآة إلى أن ينمو ويكبر فينظر لنفسه محاولاً أن يكتشف ملامحه، ثم شيئاً فشيئاً يقضي سنوات عديدة من عمره للتعرف على ذاته وهي أعمق مهمة يقوم بها الإنسان طوال عمره، وفي ذلك يقول أرسطو: «معرفة الذات أول الحكمة»، بل إنها أول أدوات الثقة بالذات والانطلاق بحرية نحو الحياة بكل مرونة، متقبل لشكله ولأشكال الآخرين وهناك ثمة فروقات لابد أن نحترمها في ذواتنا وفي الآخرين.

 

أهداف نظر الطفل إلى المرآة
أهداف الطفل للنظر في المرآة تختلف عن أهداف البالغين، فهو منذ نعومة أظفاره ينظر إلى المرآة ليس بهدف تعديل هندامه أو مظهره، أو لتجديد كبريائه، أو لإزاحة بقايا الأكل من أسنانه، أو تعديل بعض مواد التجميل على وجهه، إنه ينظر للمرآة بأهداف تتعلق بخصائص نموه، فهو ينظر للمرآة من أجل:
- اللعب، وهو وظيفة الطفل الأولى والمهمة في الحياة.
- الاكتشاف، فهو أمام لوح عظيم يحاول جاهداً فهمه وإدراكه.
- الفضول، لديه أسئلة توليدية يحاول الإجابة عليها وهذا الفضول يتعلق بميله الفطري أيضاً للتحديق في الوجوه من حوله.
- ضبط الجانب الانفعالي وتعزيز قدراته المشاعرية والعاطفية.

متى يتعرف الأطفال على أنفسهم في المرآة؟
في تجربة نفسية كلاسيكية في سبعينيات القرن الماضي، أخذ الباحثون مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و24 شهرًا ووضعوا بقعة من أحمر الشفاه على أنوفهم، ثم وضعوا الأطفال أمام المرآة (ومن هنا جاء مصطلح «اختبار المرآة») ليروا كيف استجابوا، فكانت النتائج كالتالي:
- الأطفال الصغار (من سن 6 إلى 12 شهرًا) يعتقدون أن الطفل في المرآة هو طفل آخر، يبتسمون ويقتربون من الطفل بطريقة ودية.
- الأطفال الأكبر سنًا (الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و24 شهرًا) يستجيبون بتردد، الباحثون ليسوا متأكدين مما إذا كان الأطفال يعرفون أن الانعكاس هو أنفسهم أم أنهم مازالوا يعتقدون أنه طفل آخر.
- هنا يبدأ الأطفال (الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 شهرًا) يدركون بوضوح أن الانعكاس في المرآة خاص بهم، الدلالة الواضحة على ذلك هي أنه أثناء النظر في المرآة، يلمسون نقطة أحمر الشفاه على أنفهم بدلاً من لمس المرآة.
ويعلق ناشر الدراسة الذي قام بها ويقول: بالطبع، نتائج اختبار المرآة هذا للأطفال ليست واضحة المعالم. لمجرد طفل صغير يتعرفون على أنفسهم في المرآة لا يعني بالضرورة أن لديهم مفهومًا عقليًا عن أنفسهم، وقد يعني ذلك ببساطة أنه بحلول هذا العمر لديهم ما يكفي من النضج البصري لتمييز أنفسهم في المرآة.
عمر الطفل ومدى استيعابه لشكله بالمرآة نقلاً عن موقع art viva child safety  من أربعة أشهر يبدأ الطفل بملاحظة حركات الأشياء وانعكاساتها من حوله كصورة أولية، ومن عمر السنة إلى السنة ونصف يتفاعل بإصدار أصوات، وفي هذه المرحلة يستطيع الطفل التعرف على العلاقة بين الصورة والمرآة، من عمر سنتين إلى سنتين ونصف يشيرون إلى صورهم في المرآة ويقول «أنا»، بداية المشاعر والحديث حول الذات يتحسس أنفه وشعره وأي جزء من جسمه.
ومن عمر ثلاث سنوات إلى أربع يعي الطفل بذاته وهو بداية نظامه الفلسفي، يقبل ذاته ويعززها ويفخر بشكله المختلف عن الآخرين ويتقبل الاختلافات ويعتبرها امتيازات نابعة من ذاته الداخلية، أما عندما يكون في الخامسة من عمره فتبدأ مرحلة الوعي ويسميها العلماء «الوعي الذاتي وما وراء المعرفة»، ويمكن للأطفال التعرف على ذواتهم من منظور الآخرين لأن لديهم فهما وإدراكا بالمجتمع من حولهم.

فوائد المرآة للطفل 
أولى الفوائد التي يجنيها الطفل أثناء النظر في المرآة هي عملية التركيز على عينيه، وتتبع الصور، وتعلم كلمات جديدة، واكتشاف كيفية تحريك شفتيه أثناء الحديث، وأن لكل فعل ردة فعل، واستكشاف الأشياء الرائعة التي يمكن للوجه القيام بها وبعد كُل ذلك هناك متعة لا مثيل لها يشعر بها أثناء مشاهدة انعكاسه في المرآة مما يجعله يفرط بالضحك والابتسامة، ويتعرف أيضاً على بعض المشاعر كالغضب والدهشة والاستغراب والبكاء.
كما أنها تساعد في تنمية الوعي المكاني، وتساعد الأطفال على اكتشاف الكيفية التي ترتبط بها الأجسام من حولهم ومدى استخدام المساحة التي تساعدهم على اختيار الأدوات التي تناسبهم وأيضاً على مدى تحريك الأجسام فيما يتعلق بالمكان والبيئة وما تنطوي من إمكانيات مادية.
أفضل أنواع المرايا التي يمكن استخدامها هي تلك المرايا المتينة، والتي يسهل التعامل معها، والتي لها انعكاس واضح:
1 - المرايا المثبتة على الحائط: يمكن تركيب هذه المرايا على مستوى عين الطفل وتوفر انعكاسًا واضحًا للجسم، ويمكن استخدامها لاكتشاف الذات، والتعبير عن الذات، والتطوير الحركي الإجمالي.
2 - المرايا المحمولة باليد: هذه المرايا صغيرة بما يكفي للأطفال لحملها والتلاعب بها، يمكن استخدامها للتطور الحركي الدقيق كما أنها تسمح للأطفال باستكشاف بيئتهم من وجهات نظر مختلفة.
3 -  صواني أو كتل المرايا: هذه مرايا مسطحة يمكن وضعها على طاولة أو أرضية. يمكن استخدامها للوعي المكاني والتناسق والتفكير.
4 -  مرايا مشوهة: يمكن استخدام هذه المرايا لتظهر للأطفال كيف تغير الأشكال والأحجام طريقة انعكاس صورته، ويمكن استخدامها للتعبير عن الذات والإبداع وحل المشكلات.
5 - المرايا المؤطرة: يمكن استخدام هذه المرايا لتشجيع الأطفال على التعبير عن أنفسهم من خلال الفن والإبداع، ويمكن تزيينها بالطلاء أو الملصقات أو مواد أخرى.
وأخيراً تجذبني دائماً مقولة البروفيسور يوسف قطامي في كتابه «نمو شخصية الطفل» حين قال «المرآة أهدت لي ذاتي»، ذلك لأن سلوك المعرفة بالمرآة (Mirroring) يتم حينما يتفحص الطفل ذاته بين الآونة والأخرى لمعرفة نفسه حينما ينظر للمرآة.
 وتكرار ذلك يزيد من مهمة فحص الذات (Self Checking) التي تزيد من وعي لإبعاد ذاته وإمكانياته، وأن زيادة فرص تعزيز الذات تعمل على صقل الذات وتهذيبها، وتزيد من درجة استقلالها عن النماذج الآلية ■