الإنسان عدو الذكاء الاصطناعي

الإنسان عدو الذكاء الاصطناعي

تعوّدنا سماع جملة: «الإنسان عدو ما يجهل»، فقد كان عدوًا فعليًا منذ الأزل لأي جديد وأي تغيير... فخاف من وسائل النقل والماكينات والتلفاز واللاقط الهوائي والإنترنت والهواتف النقالة وحتى الأديان... فمنذ اختراع أول جهاز إلكتروني وهو الحاسب الآلي وتطوره عبر الزمن، لم يتوقف عن تقديم خدمات هائلة للبشرية في شتى المجالات وعلى جميع الأصعدة. 
ونراه اليوم يقتحم العالم الأدبي والفكري والنقدي أيضًا، وتمت تسميته بالذكاء الاصطناعي، من خلال تحديد عناصر الجودة الأدبية وخصائصها اللغوية، وليقوم بالترجمة وصياغة التقارير الإخبارية والنصوص والمرافعات والمناقشات الأدبية، ويقدم تحليل الأداء المسرحي الصوتي والحركي للممثلين، وكذلك يحسن من جودة التصوير السينمائي وإنجاز الأفلام المتخصصة، بناء على المعطيات والتدخلات البسيطة من الإنسان لينجز ويتنبأ بأصعب الأمور بكل سهولة ودقة وإتقان.
وهو ما أدى بكتّاب هوليوود في 2 مايو 2023 إلى الإضراب عن العمل وكتابة النصوص السينمائية، وتبعه إضراب آلاف الفنانين والمنتجين والعاملين في هذا المجال، من مصورين ومهندسي إضاءة وصوت وجرافيكس وتجميل وأزياء وديكور، مطالبين بضمان عدم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإنتاج الفني من التلاعب بالصوت والصورة وغيرهما، وطالبوا بضرورة سن القوانين التي تضمن حقوقهم وتحسن ظروف العمل. 
وها هي الجامعات والمراكز البحثية ترفع درجات الحذر والاستنفار مقابل التعجب والجلال لهذا الذكاء الخارق، فيقف الإنسان مذهولًا أمام ما سيقدمه في المستقبل، مستشعرًا الخوف من فقدان الوظائف والاختراق والجرائم الإلكترونية، فالمساءلة القانونية ومن ثم تهديد للوجود البشري.
فقد تولد القلق والهلع من قيام بعض الطلبة والباحثين بالاستعانة به لإنجاز واجباتهم وفروضهم دون أدنى جهد أو استخدام المخ للتفكير والبحث والاستنتاج... مما يحول الطالب/ الباحث لأداة تُلقي الأسئلة وتعطي الأوامر لتستلم الحلول جاهزة وبيسر. وقد ينذر عن خطورة كبيرة من تفشي تبلد العقل البشري للأجيال القادمة، وتوقف التطور عند حدود معرفة الذكاء الاصطناعي الذي يبني علومه وفرضياته على ما أنتجه الإنسان خلال مئات الآلاف من السنين، طور فيها كل معالم الحياة والجماد، فقد تمت تغذيته بشكل ممتاز بكل ما هو موجود في عالم الإنترنت والكتب الورقية. 
يذكر سام التمان رئيس شركة (واي كومبيناتور): «أفضل طريقة يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتطور بها هي إذا كان هدفه تمكين الفرد وجعل البشر أفضل، وأصبح متاحًا للجميع».
بشر اتكاليون على أجهزة ممكن لها أن تتوقف في أي لحظة عند انقطاع النت بشكل موسع وعالمي، فكيف لنا التعامل مع المارد الجديد، وماذا سيكون شكل المستقبل؟! فكما كتب علماء الفيزياء ستيوارت راسل وماكس تيغمارك باحث في التعلم الآلي وفرانك ويلسزيك في جريدة إندبندنت: «في حين أن التأثير القصير المدى للذكاء الاصطناعي يعتمد على من يتحكم فيه، فالأثر الطويل المدى يعتمد على ما إذا يمكن التحكم فيه على الإطلاق... علينا أن نسأل أنفسنا ما الذي يمكننا أن نفعله الآن لتحسين فرص حصد الفوائد وتجنب المخاطر»؟. فعلًا هو أمر مقلق... لننتظر ونترقب تجارب الآخرين في مساحة الاعتماد عليه... ونرى إلى أين سيتجه هذا الغول؟ ■