الجزائر: النسر الجريح هل استرد عافيته

الجزائر: النسر الجريح هل استرد عافيته

عدسة: سليمان حيدر

من جديد، عاد طائر "الفينيق" الجزائري إلى الحياة نافضاً غبار السنوات العشر الكئيبة وأحزانها، وعادت الجزائر معه بقوة بعد أن لملمت بقاياها وانتصرت على الألم البشع ووقفت تداوي جراحاتها المفتوحة وتنهض رويداً رويداً.

دخلنا إلى الجزائر بعد ثلاثة أشهر من انتهاء فترة العفو عن التائبين من الجماعات المسلحة بموجب قانون الوئام المدني.

كان الهدف هو رصد ما آل إليه التعريب في ذلك البلد العربي الذي شكل لجيلنا نقطة ضوء باهرة، لكن السؤال اتخذ منحى آخر، ليدور لا حول مصير التعريب فقط، بل حول مصير الجزائر نفسها التي ضاعت منها في لحظة جنون عشر سنوات كاملة.

لم نكن في أي لحظة نتصوّر أن تضعنا الأقدار يوماً ما في نفس الأمكنة التي تتمركز فيها بقايا الإرهاب، والتي شهدت مذابح مروعة طيلة السنوات العشر التي واصل الإرهابيون فيها ضرباتهم، فأفقدوا بلدهم ما يزيد على 100 ألف إنسان قتلاً، وأسقطوا أكثر من مليون مصاب ومعاق، وكبّدوا الخزانة العامة ما تجاوز الـ20 مليار دولار كانت كفيلة بالمساهمة في عمليات التنمية وتوفير فرص الازدهار.

ما الذي جرى؟ وما الذي أصبح الحال عليه؟

هنا نعرج من مدخل قضية التعريب التي انطلقنا لأجلها إلى العديد من مدن وولايات الجزائر، باحثين عن إجابة لسؤال ظل يطاردنا: كيف يمكن لشعب طيلة 130 عاماً أن يقاوم بوسائل بسيطة محتلاً استيطانياً، ويضحّي لأجل استقلاله بخيرة أبنائه، ثم يسقط منه في مجازر بشعة، كل هذا العدد من الضحايا خلال سنوات قليلة؟

السؤال يبدو فاجعاً، لكن الإجابة أيضاً لا تقل مأساوية رغم كل ما يعني ذلك من العودة لبدايات البدايات حيث كانت الهمجية قانوناً، وحصد الأرواح مشهداً، وتدمير الآخر والذات أسلوباً.

كان الوضع الأمني في الجزائر هو أكثر ما يقلقنا، فقبل انطلاقنا إلى الجزائر بشهر والصحف اليومية ووكالات الأنباء تتحدث بشكل يومي عن مذابح وقعت في الولاية هذه أو تلك من الـ48 ولاية التي تضمها تلك الدولة التي تتمدد على مساحة 203810741 كيلومتراً مربعاً، والتي يتغير المناخ فيها من منطقة إلى أخرى، يعتبرها سكانها "قارة" وحدها في مبالغة ذائعة ولطيفة.

لم يكن الأمر شجاعة، ولم يكن أيضاً توقاً إلى مغامرة، فعندما يقرأ المرء عن وقوع حوادث يتم خلالها "نحر" عشرات البشر، فإن الزعم بعدم الخوف يصبح ادّعاء بشجاعة هي أقرب إلى إلقاء النفس إلى التهلكة.

حطّت الطائرة في مطار هواري بومدين، لنجد كثافة في أعداد القادمين المصطفّين أمام ضابط الجوازات، فقد تزامن وصولنا مع عودة النشاط إلى ذلك البلد الذي أنهكته جراحات الحرب الأهلية المدمّرة، ففي اليوم نفسه كانت الجزائر تستقبل زعماء ست دول إفريقية للتباحث حول "الحرب الأهلية" أيضاً في الكونغو، في الوقت الذي كان فيه المطار متأهباً منذ الصباح الباكر لاستقبال الوفود المشاركة في مؤتمر "الزوايا الإسلامية" الذي استضافته الجزائر، وعقد على مدى ثلاثة أيام في منطقة "غرداية" الجنوبية.

بعد ساعتين من الانتظار استجابة لطلب الأمن الجزائري بمرافقتنا، خرجنا من باب مطار هواري بومدين، منطلقين إلى فندق "الأوراسي" الذي استضاف ليالينا الجزائرية، وهذا "الأوراسي" ذو البناء الضخم الذي يقع في شارع علي خوجه بحي الأبيار، وبُني بخبرات عربية، سرعان ما كان يضج بالحركة يوماً بعد يوم.

في الطريق الذي رافقنا فيه الملحق الإعلامي الكويتي النشط صالح السعيدي، كانت ثمة أحاسيس شتى تنتابنا، فمن الصعب على المرء أن يظل رأسه مملوءاً بمعلومات عن بلد خرج لتوّه من سلسلة مجازر، ثم يتمكن من نفضها تماماً وهو في طريق السير، لكن الشوارع التي امتلأت بالسيارات والبشر، والاعلانات التي اصطفت طيلة الطريق، كانت أيضاً دليلاً على أن هناك مبالغة ما في تناول المسألة الجزائرية.

في المساء الأول لوصولنا، قرر "السعيدي" تجربة فعل الصدمة فينا علها تكسر حدّة مخاوفنا، وهو ما حدث بالفعل بعد سهرة حتى الواحدة صباحاً في أحد مقاهي الهواء الطلق مع عدد من الأدباء والإعلاميين الجزائريين من مختلف التوجهات، وهذه السهرة التي أذهلتنا، وأذهلتنا معها حركة الحياة الليلية في الشوارع حتى ذلك الوقت المتأخر، رفعت تماماً ما كان يعترينا من مخاوف، ودفعتنا، ليس فقط إلى الانتقال إلى ولايات بعيدة عدة وسط طرق خطرة، بل والذهاب إلى الأماكن التي شهدت أعمال عنف كبيرة، وتلك التي كانت منابع للإرهاب والتي مازالت معقلاً لبعض مَن يمارسونه.

مسمار جحا الفرنسي

أتينا الجزائر أصلاً للبحث عن مصير اللغة العربية بعد أربعين عاماً من تطبيق شعار التعريب الذي رفعته الثورة الجزائرية كأحد أهم الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، فالاستعمار الفرنسي الذي سيطر على تلك البقعة العربية الشاسعة منذ عام 1832 حتى طرد منها عام 1962، سعى لمحو عروبة الجزائر ودينها الإسلامي، وفي سبيل ذلك، أصدر العديد من القوانين التي تمنع التدريس باللغة العربية، كما قام بتحويل مساجد الجزائر المنتشرة في ولاياتها التي كانت ستا في السابق قبل أن تصبح حالياً 48 ولاية إلى كنائس، كان الهدف الفرنسي في الجزائر، غيره في تونس والمغرب ولبنان وسوريا وكل البقاع التي احتلها ذلك الاستعمار منذ أن اقتسم مع الاستعمار الإنجليزي التركة العربية للرجل العثماني المريض بموجب معاهدة "سايكس ـ بيكو".

وفيما ترك الفرنسيون لسكان تلك الأقطار حرية التعليم بلغتهم الأم، فإنه فرض على الجزائريين الدراسة باللغة الفرنسية فقط، ومنع استخدام العربية في المراسلات الإدارية بين الأجهزة الحكومية، وقصر حق التوظيف والعمل على مَن يتعلم الفرنسية.

كانت فرنسا ولمدة 130 عاماً تسعى لجعل الجزائر قطعة منها، وكان ذلك تحديداً ما دفع ثوار هذا البلد المشع إلى القبول بدفع الثمن الباهظ قرباناً لثورات عدة نجحت في النهاية في إجبار فرنسا على تجرّع مرارة الكأس، وحمل العصا فوق الكتف والرحيل.

ولكن في الوقت الذي رحل فيه الجنود المحتلون، فإن فرنسا تركت الأجهزة الإدارية في كامل الدولة الجزائرية مفرنسة تماماً، فجميع المسئولين لا يجيدون العربية، وأجهزة الدولة كلها لا تسير إلا باستخدام اللغة الفرنسية، ما يعني أن فرنسا رحلت، لكن مسمار جحا لايزال مغروساً في الحائط الجزائري، الأمر الذي لا يمكن معه القول بأن الاستقلال في هذا البلد جاء كاملاً.

.. وهنا تحديداً كان "التحدي" الحقيقي الذي واجه الثورة، ووضع قادتها أمام مسئولياتهم التاريخية، وهو التحدي الذي يقول الواقع الجزائري حالياً إن النجاح فيه قد تحقق بنسبة مدهشة.

كان صوت "الشيخ العفريت" - هكذا اسمه - يغني متحشرجاً داخل السيارة التي كانت تقطع بنا شارع الأمير عبدالقادر، كان هذا المطرب الذي مات قبل 15 عاماً ينوح على الحبيبة التي عذّبته وأضنته قبل أن تهجره نهائياً، فيما تردد الجوقة المصاحبة بين المقطع والآخر "يا عيني يا عيني" ليعود المطرب الذي كان سائقنا قد توقف بسببه عن سرد قصص مآسي المذابح تاركاً رأسه يهتز شمالاً ويميناً مع صوته، مردداً "طالب صفحك وإحسانك، إذا كان الخطأ مني".

كانت الموسيقى جزائرية وجميلة، وكانت اللغة التي يغني بها المطرب العفريت عربية واضحة، وكان السائق متفاعلاً معها، قبل أن يتوقف بسيارته قليلاً بالقرب من تمثال المناضل الجزائري الجليل الأمير عبدالقادر الذي يعتلي صهوة حصان نحاسي ضخم وسط ميدان يحمل الاسم نفسه.

قبل الوصول إلى هذا المكان، كنا قد دخلنا من أحد الأبواب القديمة لحيّ "القصبة" الشهير الذي بُني في القرن السادس قبل الميلاد وفقاً لما تم العثور عليه من نقود عائدة لذلك العصر البعيد، على يمين الطريق، كان هناك سجن "بولبراوس" المعروف، وهو أقدم سجون المدينة، كان معظم قادة الثورة الجزائرية قد سُجنوا في زنازينه الضيقة التي كانت تغلق بينما يظل السجين واقفاً حتى يخر منهاراً، فيما لاحت الأسوار والبيوت الحجرية القديمة التي دخلنا من بينها في شوارع تنحدر وتلتف وتضيق بشدة ثم تتوقف السيارة بنا ليخبرنا السائق باستحالة دخولها إلى حي القصبة الذي شهد أهم قصص البطولة في النضال الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، والذي كان أيضاً بؤرة انطلقت منها أحداث السنوات العشر السوداء الأخيرة التي شهدتها تلك البلاد.

على الأقدام، انطلقنا بين أزقّة الحي العتيق التي تضيق لدواعي المناخ والأمن أيضاً، حيث البيوت تتواجه وتقترب النوافذ، ويبدو امتزاج الأحجار بالجير والرخام والخشب، فالمنازل مقوّسة ومظللة، والشرفات مطلة على الحارات، والمنازل جميعها تأتي في شكل متصاعد حتى تصل إلى القمة الجبلية حيث قصر الداي "الحاكم"، وجدران تلك المنازل تتشكّل بالأقواس الأندلسية على شكل حدوة حصان، مطعّمة بالرخام والجير وقطع السيراميك "الزليج" وهي أقواس تميّز العمارة في بلاد المغرب العربي عموماً، وكذلك الأندلس.

قصر الداي الذي يقع في أعلى نقطة من حي القصبة، يشكّل رأس المثلث له، وقد تم إنشاؤه في البداية ليكون قلعة عسكرية دفاعية. في مدخل هذا القصر الرئيسي قرأنا اللوحة التي تعلوه والتي تذكر بلغة عربية أن تأسيسه كان في سنة 1000 هجرية "1519م". وقد ظلت تلك القلعة محافظة على الطابع العسكري والدفاعي طيلة فترة وجود العثمانيين في الجزائر وحتى العام 1817م عندما صعد الداي "علي خوجة" إلى قصره القديم بالقصبة السفلى لأسباب أمنية، وأصبحت القلعة منذ ذلك التاريخ مقراً سياسياً وعسكرياً، ألحق بها فيما بعد قصر البايات والمسجد الرئيسي ومسجد القوات الانكشارية، وقد تم تسوير القلعة بالحدائق الصيفية والشتوية حتى اصطبغ المكان بنوع من رفاهية الحكام.

وبعد عام 1818م جاء إليها الداي حسين حيث بقي بها 12 عاماً أنهاها بحادثة المروحة الشهيرة مع القنصل الفرنسي والتي أدت إلى احتلال الجزائر من قبل القوات الفرنسية عام 1830م.

12 عاماً أنهاها بحادثة المروحة الشهيرة مع القنصل الفرنسي والتي أدت إلى احتلال الجزائر من قبل القوات الفرنسية عام 1830م.

ندلف إلى باب الوادي حيث مدخل حي القصبة، نرى أمامنا "جامع اليهود" - هكذا اسمه!! - وهنا تحديداً "أخطر المناطق التي يتجنب الأجانب زيارتها"، في هذا المكان، كان الشبان يتسكعون على قارعة الطريق الضيق حيث المحلات مغلقة والمداخل ضيقة، وكانت الشرطة بأعداد مكثفة تجوب المنطقة، لكن في الحي نفسه كان يقع مسجد "كشتاوة" وهو من أقدم المساجد في الجزائر العاصمة.

من هناك اتجهنا إلى ساحة الشهداء، حيث كورنيش البحر، هناك كان المسجد الكبير يتوسط الساحة المقابلة للمتحف الوطني.

من أمام مبنى البرلمان، انطلقت السيارة بنا إلى شارع أول نوفمبر حيث قصر "رياس البحر" أو ما يطلق عليه مركز الثقافة والفنون، وهذا المبنى الذي بني في القرن 16 الميلادي بعد احتلال العثمانيين للجزائر، يمثل نموذجا للطراز العمراني المنتشر في شمال إفريقيا، وفيه كان يقيم "رياس" البحر أو البحّارة، غير أن قصته تبدأ بحصار الفرنسيين للجزائر من عام 1827 حتى عام 1830 حيث جرت معارك عدة انتهت بنجاح الفرنسيين في فرض سيطرتهم على الجزائر.

ويتكون هذا القصر، الذي صنّفته اليونسكو منذ عام 1998 في إطار حي القصبة كأحد المعالم التراثية العالمية، من ثلاثة قصور كبيرة، وبنيت جميعها فوق آثار رومانية مازالت باقية، فهناك حمام محفور في إحدى غرف القصر الأوسط، أما منارته التي مازالت باقية على حالتها، فهي تعود إلى القرن 16م.

حركة صاخبة

كان الوقت ظهراً، لكن الحركة دءوب في شارع الأمير عبدالقادر، بعد النفق الجامعي، استدرنا لندخل في شارع العربي بن مهيدي الذي كان أول شهيد في العاصمة وقت الاحتلال الفرنسي، ومنه دخلنا إلى شارع الرائد عميروش الذي انفجرت فيه عام 1996 سيارة مفخخة حصدت العديد من الأرواح، ومنه انطلقنا إلى شارع حسيبة بن بوعلي التي فجّر الفرنسيون بيتها، كل تلك الشوارع كانت تعج بالبشر الرائحين والغادين، وكانت محلات المجوهرات والحلويات والمرطبات والصيدليات وأشرطة الكاسيت مزدحمة بالزبائن، فيما كان شبّان خلال سيرهم يتحدثون في هواتف نقالة، وآخرون يسحبون دخان سجائرهم وسط الطابور البشري المنطلق بطيئاً.

دخلنا إلى شارع محمد الخامس، وهو شارع ممتد المساحة، لكنه أقل ازدحاماً، ومنه إلى شارع كريم بلقاسم، مروراً بالكلية العليا للفنون الجميلة، فقصر الشعب الذي تستقبل فيه الجزائر ضيوفها من القادة، قبل أن ننطلق إلى شارع مراد ديدوش، وهو واحد من أهم الشوارع التجارية في العاصمة، حيث الرصيف ضيق ومزدحم تتوسطه الأشجار، وتتفرع من هذا الشارع الطويل شوارع أخرى هابطة أقل اتساعاً.

"اللغة الفرنسية هي منفاي"، هكذا قال أديب الجزائر الراحل مالك حداد الذي كان يكتب بالفرنسية حيث نشأ وتعلم بها في الجزائر، وهذه العبارة تصدق إلى حد بعيد على عدد ممن التقيناهم من المثقفين والأدباء الجزائريين الذين يجدون صعوبة حقيقية في الكتابة بالعربية، في الوقت الذي يدافع فيه عدد من هؤلاء عن بقاء "الفرنسية" في مواجهة "التعريب" معتبرين أن تلك اللغة التي تركها الاستعمار يجب اعتبارها "غنيمة حرب".

لذلك لم يكن طريق تطبيق التعريب في الجزائر مفروشاً بالورد، خصوصاً بالنسبة لبلد كان خارجاً لتوّه من محنة "اغتيال لغته" على حد تعبير الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الشخصية الجزائرية المهمة، الذي كان تولى منصبيّ وزيرالتربية الوطنية ووزير الخارجية، والمنافس في الانتخابات الأخيرة على رئاسة الجمهورية، وهو في الوقت نفسه ابن الشيخ البشير الإبراهيمي أحد رموز النضال ضد الاستعمار الفرنسي.

في مكتبه الكائن في مقر حزب "حركة الوفاء والعدل" استقبلنا، مشدداً على أن عرض الخلفيات التاريخية للوضع الجزائري ضرورة لفهم التعريب في الجزائر بأنه ليس كالتعريب في دول المشرق العربي الأخرى، لأن الاستعمارالفرنسي غير الإنجليزي الذي عرفه المشرق، فالتركيز الفرنسي كان على الجانب الثقافي، أما الإنجليز فقد اهتموا بالجانب الاقتصادي أكثر.

وعن تجربته مع التعريب، يقول د. الإبراهيمي: "ما تم في الجزائر اعتباراً من عام 1962 كان عملاً جبّاراً لأننا وجدنا أنفسنا وحدنا، خلافاً لما كان في تونس والمغرب، وأذكر أنه عندما استقل البلدان، كان عدد الكوادر قليلاً، ولكنهم كانوا يعملون في انسجام لأنهم جميعاً كانوا مزدوجي الثقافة، بينما الصعوبة في الجزائر أنه عندما استقلت، كان عدد الكوادر قلة وأيضاً كانوا منقسمين إلى فئتين، فئة تخرجت من جامعات فرنسية، وأخرى من جامعات مشرقية، والعمل بين الفئتين كان صعباً جداً، لأن خريجي الجامعات الفرنسية كانوا ينظرون إلى المُعرب على أنه يعيش في القرون الوسطى، وكذلك فإن مَن درس في المشرق ينظر إلى خريج الجامعات الفرنسية وكأنه ملحد انسلخ عن ثقافة وشخصية بلده وابتعد عن ثوابت الأمة".

وعن تطبيق سياسة التعريب، يقول د. الإبراهيمي: "في الفترة الأولى بعد الاستقلال، تم تعريب السنة الأولى من التعليم الابتدائي، وكان هذا حدثاً، وعندما وصلت إلى وزارة التربية، قمت بتعريب السنة الثانية من الابتدائي، وأذكر الآن واقعة مازالت في ذهني من تلك التجربة، وهي تدل على الذهنيات التي كانت موجودة آنذاك، ففي شهر أغسطس 1966 قدمت مشروعاً للحكومة كوزير التربية لتعريب السنة الثانية الابتدائية، وكنت أعتقد أن هذا المشروع سيمر ببساطة، وأنا وزير جديد في الاجتماع الحكومي الأسبوعي قدمت لمدة 20 دقيقة المشروع، بعد أن ظللت لفترة أحضّر له، وفجأة عندما انتهيت ووجهت بمعارضة شديدة وحملة شعواء ضد المشروع، فكل الوزراء عارضوه، وبدأت أفكر في سحبه، إذ إنني لم أجد وزيراً واحداً يؤيد تعريب السنة الثانية الابتدائية، لكن الذي أنقذ الموقف كان هو الرئيس هواري بومدين - رحمة الله عليه - الذي قال بعد أن استمع إلى كل الآراء "لا تظنوا أن هذا المشروع هو مشروع الدكتور طالب، فقد حدّثني عنه قبل شهر وأعطيته الضوء الأخضر". أحكي هذه التجربة حتى أكون منصفاً بالنسبة للتاريخ، أقول إن كل الجهود التي بُذلت في إطار التعريب يعود الفضل فيها إلى الرئيس بومدين".

رءوس الأصابع

إلى مقره الكائن في شارع العقيد أحمد بوقرة بحي الأبيار في الجزائر العاصمة، انطلقنا لزيارة المجلس الأعلى للغة العربية، وهو مجلس أنشئ بمرسوم أصدره الرئيس السابق اليمين زروال في شهر يوليو 1998 بهدف التنسيق بين مختلف الهيئات المشرفة على عملية تعميم استعمال اللغة العربية وترقيتها وتطويرها، إضافة إلى المساهمة في إعداد واقتراح العناصر العملية لخطط وطنية في إطار برنامج تعميم العربية.

في مبنى المجلس الذي يضم 37 عضواً ويتبع مباشرة لإشراف رئيس الجمهورية، قابلنا رئيسه الأديب والناقد والأكاديمي المعروف الدكتور عبدالمالك مرتاض الذي تناول زاوية أخرى من قضية التعريب، مقللاً من أهمية وخطورة الكتابة باللغة الفرنسية داخل الجزائر، يقول د. مرتاض في هذا الصدد: "لا أعتقد أن الأدب المكتوب باللغة الفرنسية في الجزائر أصبح الآن، بل منذ زمن طويل قادراً على منافسة الأدب الجزائري المكتوب باللغة العربية، ولعل عدد قرّاء الصحافة يعد دليلاً على ذلك، فعندنا جريدة "الخبر" اليومية يصدر منها الآن 500 ألف نسخة، وجريدة "اليوم" تصدر 160 ألف نسخة، وهناك ما يقرب من عشر صحف يومية أو أكثر باللغة العربية تصدر ما بين 40 إلى 60 ألف نسخة يوميا، بينما أكثر الصحف التي تصدر باللغة الفرنسية مقروئية لا تتجاوز 150 ألف نسخة مثل "الوطن" و "الصباح" و "الحرية".

هذا فقط يبين أن المقروئية باللغةالعربية لا تقارن بالمقروئية باللغة الفرنسية، وبالنسبة للآداب أصبح مَن يكتب لدينا باللغة الفرنسية قلة قليلة جداً يعدون على رءوس الأصابع وأكثرهم من كبار السن، فمعظم الشباب الآن يكتبون باللغة العربية، والتنافس بالنسبة للأدب لم يعد وارداً، نعم كان موجوداً في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وابتداء من السبعينيات، أي منذ 30 سنة تقريباً لم يعد كذلك، وأعتقد أنه كلما تقدم الزمن بنا، قل تأثير الكتابة باللغة الفرنسية في الجزائر وزاد تأثير الكتابة الأدبية باللغة العربية".

وكان قانون لتعميم استعمال اللغة العربية قد صدر في 16 اهقة وممتدة، إنها جبال "الشّريعة" التي تضم في أعلاها منتجعاً للتزحلق على الجليد وسط الملايين من أشجار الأرز، تم إغلاقه منذ اندلاع العنف ومنع التجول فيه.

وعلى اليسار واليمين في ذلك الطريق الطويل، كانت آثار لبيوت مهدمة وأحجار متناثرة، كان تدمير المنشآت الحكومية في تلك المنطقة الريفية هدفاً للإرهابيين لترويع الشعب وجعله آلة مطواعة.

على اليسار، هناك جبل "زبربر" الذي كان مهد الإرهاب، وفيه مخابئ كثيرة للإرهابيين، عرجنا يساراً بدلاً من موجهة جبال "الشّريعة" لندخل في طريق "شبلى" حيث الحقول الخضراء والبساتين الممتدة، مراع فسيحة وأشجار محروقة، نمر بنقطة للحرس البلدي "الدفاع الذاتي" أفراد يرتدون ملابس كحلية داكنة ويحملون بنادق.

نواصل السير، أرض حمراء شديدة الخصوبة، بيوت محمية وأشجار كثيرة للبرتقال، في رمضان الماضي شهدت تلك القرية مصرع الكثير من سكانها على أيدي الإرهابيين.

نمر على قاعدة "بوفريك" الجوية، وهي أكبر قاعدة للطيران العسكري بالقرب من المرتفعات الجبلية الشاهقة، تبدو من بعيد مدينة "البليدة"، نعبر وادي "بني عزة" لنقرأ في القوس المنتصب أمام مدخل المدينة عبارة "البليدة مدينة الورود" دخلنا إلى الشارع الرئيسي "شارع الوئام" المدينة نظيفة، لكنها مزدحمة بالبشر والسيارات، فيما الشباب جالسون على الأرصفة، ندخل إلى وسط المدينة حيث قلعة الشريعة، والبيوت التي تعود إلى أيام الاحتلال وكلها ذات طابع معماري أوربي.

نمر بشارع "سوق الورود" وقد كان المنتزه المفضل للفرنسيين، حيث كانت الفرق الموسيقية تعزف في أرجائه، أما الآن، فقد تحوّل إلى سوق شعبي تزدحم فيه "البسطات" وتباع فيه كل الأشياء.

في ساحة أول نوفمبر، حيث مقر جمعية صحفيي البليدة ومقهى اسمه "وعد التذوق"، كان المكان هادئاً تشوبه لمعة شمس تلقي بخيوطها وهي تأذن بالغروب، فلا مكان فيه لبائع شاورما، ولا تمتد في أرجائه أهواز الشيشة كعادة الميادين والساحات المشرقية.

بعد جولة في شوارع البليدة التي كانت معقلاً للعناصر المسلحة، عدنا في العاشرة مساء إلى العاصمة، منطلقين دون شعور بأي خوف إلى فندق "المنارة" في حي سيدي بو فرج، وهو الفندق الذي يعيش فيه عدد كبير من الكتّاب والصحفيين وتحيط به حراسة مسلحة، منذ أن قام الإرهابيون بتكثيف عمليات القتل ضد الصحفيين.

بعد عودتنا إلى فندق "الأوراسي" الذي يمكن مشاهدته من بعيد وهو يطل من أعلى جبل في الجزائر العاصمة، سمعنا في نشرة منتصف الليل في التلفزيون الجزائري خبراً عن ذبح 14 قروياً في الجبال الواقعة في ولاية البليدة في الساعة السادسة مساء وهو الوقت نفسه الذي كانت فيه سيارة اللاندروفر تجوب بنا مدن تلك المنطقة!!

الطريق إلى المسيلة

في الصباح الباكر، اتخذنا طريقنا إلى ولاية المسيلة الواقعة على بعد 400 كيلومتر شرق العاصمة الجزائرية، كانت الشمس خجولا وقتئذ، ما أتاح لنا الفرصة لرؤية شوارع الجزائر المتسعة واللامعة، فيما يوحي الطابع المعماري الفرنسي للبنايات البيضاء للمرء أنه يسير في شوارع باريس ومرسيليا.

كان البشر، فتيانا وفتيات، يحثّون السير رغم أن موعد العمل يبدأ في التاسعة صباحاً، بدأت الشوارع تتسع كلما اتجهنا إلى الطريق السريع حيث الخضرة في كل مكان، على اليمين سوق صباحي لبيع السيارات المستعملة، وفي مواجهتنا جبال "الأخضرية" العملاقة، حيث جرت على الطريق المار عند سفحها في ولاية البويرة عشرات المجازر، وفي أعلى منطقة الجبال الوعرة تلك يختبئ العديد من الإرهابيين الرافضين لقانون الوئام المدني.

هذا الطريق شديد الخطورة لابد أن نسلكه ونحن في طريقنا إلى ولاية المسيلة، بدأت السيارة تمر في تلك المنطقة الطويلة قاطعة وقتاً كان بالنسبة لنا دهراً كاملاً، رغم رؤيتنا لنقطة تفتيش في المنتصف تصاحبها إحدى العربات المصفّحة، فيما كان أحد القطارات ينطلق كالصاروخ في نفق يقطع منتصف السلسلة الجبلية شديدة الاخضرار والمكسوّة بطولها بالأشجار.

دخلنا في نفق جبلي ضخم لمرور السيارات حيث لافتة في المقدمة مكتوب عليها "اشعلوا أضواءكم"، بعدها لافتات أخرى عدة تدعو للانتباه، والحفاظ على الحياة، دخلنا إلى مدينة "البويرة" عاصمة الولاية التي تحمل الاسم ذاته، عمارات شعبية في المقدمة، وكذلك في الداخل تبدو مظاهر البؤس عليها، مكتظة وصفراء، تلتف حولها جبال حمراء اللون، نخرج منها إلى طريق قسنطينة حيث توقفنا نقطة تفتيش عسكرية، بعدها ندخل إلى قرية "الأسنام" حيث المحلات والمطاعم والمدارس على جانبي الطريق، ثم "واد زيان" و "بشلول" فبلدية العجيبة و "واد رقاس".

في مدخل "المسيلة"، كانت لافتات الطرق باللغتين العربية والفرنسية، فيما كتبت لافتات نسيجية في الميادين باللغة العربية فقط، عندما وصلنا إلى المدينة، سألنا مستقبلينا عن شعورنا أثناء المرور بمنطقة الأخضرية "التي كان علينا العودة إلى الجزائر العاصمة عن طريقها أيضاً" قائلين إنها "منطقة خطرة جداً" حيث يتمركز فيها حتى الآن أعضاء الجماعة السلفية للدعوة والقتال المنشقة التي يقودها حسن حطاب الرافض لقرار الوئام المدني.

دولة بني حماد

مباشرة، انطلقنا إلى بلدة "المعاضيد" شمال شرق المسيلة التي يقع في إطارها الموقع الأثري للدولة الحمادية "قلعة بني حماد"، في الطريق مررنا بسلسلة جبال "تقر بوست" ومعناها بالبربرية "سرج الحصان" وهي تشبه عند قمتها ذلك السرج، قبل أن نصل إلى واد سحيق دارت سيارتنا حول كتلة الصخور الجبلية العالية التي تطل عليه، قبل أن تهبط بنا ثانية إلى البلدة التي استقبلنا رئيس المجلس الشعبي بها عبدالرحمن قواسمية محيياً "بشراكم..؟؟، لا بأس؟؟"، ثم قادنا بسيارته إلى موقع القلعة الأثري، منطلقاً في طريق جبلي غير ممهد، صعوداً إلى حواف تلك الصخور الداكنة، دائراً إلى اليمين فاليسار في حلقة بهلوانية مرعبة على طريق شديد الخطورة، حيث السيارات تنطلق فوق أحجار متناثرة، إلى أن وصلت إلى أعلى القمة الجبلية العريضة، لتبدو بيوت البلدة من هناك في حجم علب الكبريت.

وصلنا إلى القلعة حيث الجدران باقية ومتماسكة، لنشاهد في موازاتها المنارة والمدينة الوسطى ذات الحصانة الطبيعية، وتبدو القلعة مرسومة في الخرائط على شكل "قدم كبش" ولكن في الطبيعة فإن سور القلعة الحجري يبلغ محيطه سبعة كيلومترات، ويتراوح سمكه بين 1.20 و 1.60 متر، وهو يتبع وادي فرج متجهاً من هناك نحو الشمال وصاعداً نحو جبل تقربوست قبل أن ينحدر نحو الجنوب الغربي، فيما ذلك الوادي السحيق بها، حيث تشكّل مضائقه سوراً طبيعياً يحمي المدينة بأكملها.

عند صعودنا أعلى الجبل، كانت أجزاء من تلك الأبنية مازالت منتصبة وسط قليل من العناية الواجبة لمثل تلك الآثار شديدة الأهمية، وكانت بقايا "باب الأقواس" من الناحية الشمالية للقلعة مازالت باقية تقاوم الزمن وتغيرات المناخ، فيما اندثر البابان الآخران، "باب الجنان" بالناحية الشرقية و "باب جراوة" بالناحية الغربية، لكننا داخل محيط تلك القلعة الشاسعة، لاحظنا وجود آثار عدة لمباني القلعة، ومنها المسجد الكبير الذي يصل طوله 63 متراً وعرضه 53 متراً، وهو من أكبر المساجد الجزائرية حيث جدرانه محصّنة بدعائم وله بيت صلاة يحتوي على مقصورة كبيرة لم يبق من محرابه سوى القاعدة، أما صحنه المفصول من بيت الصلاة بواسطة جدار، مفتوحة به أبواب عدة، وهو محاط برواق مفروش ببلاط أبيض، وفي وسطه صهريج لتخزين المياه، بينما في وسط الضلع الشمالي للصحن ترتفع المئذنة التي تعد من أقدم المآذن في البلاد، وهي عبارة عن برج على شكل متوازي المستطيلات يصل ارتفاعه إلى 25 متراً وعرضه إلى 7 أمتار.

ندور في أرجاء بقايا القلعة التي بنيت بين عامي 1007 و 1008م خلال الفترة الحاسمة التي تمخّض عنها قيام الدولة الحمادية فيما بعد عام 1017م، ونصعد إلى أعلى المئذنة المربعة عن طريق درجاتها الحجرية، حيث توجد فتحات عدة ذات طبيعة دفاعية لرمي السهام، ومن أعلى السطح نرى المشهد بانورامياً، فهناك باحة المسجد في الأسفل وإلى جوارها برج المنار، ثم القصر الذي يحمل الاسم نفسه، وهو الوحيد الذي يظهر فوق الأرض، فيما لم يتم بعد إجراء حفريات لانتشال قصري "البحر" و "السلام" من ركام الأتربة.

في هذا المكان الذي صنّف عالمياً منذ عام 1980 بواسطة منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي، عثر رجال الآثار على مجموعة من التحف تتشكّل من أعمدة وتيجان وقواعد وشواهد وخزف معماري وتحف من الرخام والحجر والزجاج والمعادن وقطع من النقود والجواهر خلال الفترة منذ بداية القرن وحتى السبعينيات، غير أن كل ما عُثر عليه أصبح موجوداً الآن في متحف اللوفر بفرنسا إضافة إلى المتحف الوطني الجزائري للآثار في العاصمة والمتحف الوطني في ولاية سطيف.

ونحن في أعلى المئذنة، حيث بدت لنا الجبال عجيبة المنظر في قمتها، كأنها أقماع وخناجر وسروج للخيل، فيما بدت من الأسفل البعيد بقايا دائرة محفورة استخدمت قديماً لخزن الحبوب، وفي بعض الأوقات لسجن الأفراد وفقاً لما تم اكتشافه في المكان ذاته من "كلبشات" لقيد الأيادي.

وفي جانب من بقايا قصر المنار، رأينا غرفة صغيرة للغاية وصفها مرافقنا مدير آثار ولاية المسيلة خليل الأجلط بأنها أصغر مسجد "خلوة" في العالم الإسلامي به زاوية عليها نقوش وآيات قرآنية، إلى جوارها بدا صحن البيت، وفيه صنيات كان العسكر يقفون فيها لحمايته، لكن ما أدهشنا هو بقايا شبكتي المياه والمجاري الصحية التي صنعتا من الفخار والرصاص قبل عشرة قرون.

المنارة التي تعرضت في ديسمبر عام 1997 لمحاولة تفجير ظلت آثار شظايا القنبلة المستخدمة فيها باقية حتى الآن، بهدف منع زيارات الوفود الرسمية لها، كانت تستعمل في العبادة الدينية والحماية الحربية، وكان أهم ما يميزها هو نفس ما يميز البناء في الدولة الحمادية أي تقويس النوافذ والأبواب واستخدام الحجارة وعرض الحائط في الأسوار يفوق 1.2م.

قبل وصولنا إلى متحف "المعاضيد" ومركزها الثقافي، عرجنا على ضريح ومسجد مبني علـى طراز البناء نفسه في الدولة الحمادية وهو لأبي الفضل "يوسف بن محمد أبوالفضل" المعروف بالنحوي والذي كان من مشاهير ذلك العصر، وكان يسكن في قلعة بني حماد، ومشهوراً بمعرفة علوم أصول الدين والفقه، وله شعر ديني كثير، غير أنه اشتهر بقصيدته المسمّاة "القصيدة المنفرجة" والتي يقول في مطلعها:

اشتدي أزمة تنفرجي

قد آذن ليلك بالبلج

غادرنا قلعة بني حماد، ونحن نتذكر الشيخ عبدالحميد بن باديس، الذي كان قد جاء إلى تلك المنطقة عام 1936، ثم خلع نعليه وسار على رجليه داخلاً بين الأطلال، ثم أطلق عبارته الشهيرة "والله إن مَن لم يتعظ بما جرى لتلك الدولة، فإنه خسر دنياه وآخرته".

تذكرنا ذلك أيضاً عندما علمنا بأن حدود تلك الدولة الحمادية امتدت على شكل مثلث قاعدته في ولاية "ورقلة" في الجنوب وحدّه الشرقي "بونة" وخليج سكيكدة، فيما وصل حدّه الشمالي الغربي إلى "سيوسيرات"، وقد ضمت هذه الدولة مجموعة من أشهر المدن الجزائرية ومنها مدينة "الجزائر" العاصمة التي كانت تسمى قديما "إيكسيوم"، وقد خرجت أثناء هجمات "الوندال" وثورات البربر التي أعاد بناءها واختطها بلكين بن زيري، وسميت في هذا العهد "جزائر بني المزغنة" أو بني مزغنان، وكان من بين المدن الكبرى التابعة للدولة الحمادية "قسنطينة" و"تاهرت"، عاصمة الرستميين و"بسكرة" و "مليانة" و "بونة" و "عنابة" و"سطيف" و "المسيلة".

الخطورة الكامنة

بعد زيارة القلعة، عدنا إلى مدينة المسيلة عاصمة تلك الولاية التي تحمل الاسم نفسه، والتي يقطنها 900 ألف إنسان، وتقع في وسط الجزء الشمالي من الجزائر، وتمتد على رقعة مساحتها 18175 كيلومتراً مربعاً، لنمر في مدخلها بمسجد "أبو جملين" الذي بني في القرن الرابع عشر الميلادي تخليداً لرجل صالح في هذه المنطقة، والذي دمّره زلزال ضربها، قبل أن يعاد بناؤه مرة أخرى ويتم تحويله إلى مدرسة لتحفيظ القرآن.

قضينا الليل في فندق "نزل القلعة"، غير اننا سهرنا جانباً منه على أحد المقاهي الشعبية، فيما كانت الشوارع في تلك المدينة مكتظة بشباب كثّر يلعبون الطاولة أو يثرثرون في مقاه أخرى كثيرة تمتد في معظم ما مررنا به من طرق.

انطلق الناس إلى ممارسة حياتهم بشكل طبيعي بعد أن ضجروا من حالة طوارئ وخوف وهواجس مريعة ظلت تطاردهم طيلة عقد، قد يكون من أسوأ ما مرّ بهذه البلاد الشاسعة من سنوات، سألت مرافقنا: هل شهدت هذه المدينة حوادث مروعة؟ أجاب: إن كل شارع تقريباً فيها يحمل ذكرى أحداث من تلك التي أدمت القلوب وحصدت البشر العزّل.

صباحاً، انطلقنا إلى مدينة "بو سعادة" جنوباً على جانبي الطريق الممتد مساحات سهلية شاسعة لكنها بلا زرع، رغم انبساط التربة واختفاء السلاسل الجبلية، تستوقف سيارتنا قوة من "الدفاع الذاتي" بملابسها الكحلية، وهي قوة مكوّنة من مئات الآلاف من الشباب المدنيين، قبل أن نمر بوحدة أخرى على الطريق نفسه لقوات الجيش بملابسها الخضراء، ولكننا عند مدخل "بو سعادة" توقفنا بهدوء لقوة ثالثة عند حاجز سيطرة ترتدي ملابس زرقاء فاتحة عرفنا انها للشرطة.

عرجنا على مدينة "شلال" عاصمة منطقة "بوماضي" التي وُلد بها الرئيس الجزائري الأسبق محمد بوضياف، ليقابلنا مطار "عيس الديس" نتجاوزه، فنشاهد قلعة "دياب الهلالي" التي بناها الرومان وتحصّن بها العثمانيون والفرنسيون، ثم ندخل مباشرة إلى "بوسعادة" في طريق يؤدي بنا إلى متحف الفنان العالمي الشهير "إتيان دينيه" الذي زار الصحراء الجزائرية، فهام ببوابتها التي تبدأ بتلك المدينة، وقرر الاستقرار فيها ليعتنق بعد ذلك الإسلام ويطلق على نفسه اسم "ناصر الدين ديني"، ويزور البقاع المقدسة حاجّاً، ويقوم بتدشين مسجد باريس، ثم يوصي بدفنه في مدينة بوسعادة، وهو ما حدث بعد أن أصبح قبره مزاراً ومنزله متحفاً يضم عدداً من

وحاته التي بلغت 552 عملاً فنياً وزعت على مختلف متاحف العالم وهي مستوحاة من الجزائر التي هام بها.

أحاطت بنا سيارة من رجال الأمن يرتدون الملابس المدنية، وقامت بإرشادنا إلى المسجد العتيق الذي تأسس في القرن الخامس عشر وأطلق عليه الأهالي "مسجد النخلة" نسبة إلى "نخلة" عالية ورفيعة تتوسطه، كان الوصول إليه صعباً عبر طرقات ضيقة وسط بيوت قديمة للغاية، وهذه الأحياء المتكدّسة بالبشر والضيقة المتهالكة كانت وفقاً لما قاله الأهالي معقلاً للجماعات المسلحة، حيث كانت تنطلق منها لمهاجمة المسيلة، وحدثت في هذه المدينة مواجهات شرسة، حيث كانت الجبال والشوارع الضيقة تسهّل اختفاء المسلحين، ولذلك فإن هناك كثافة حالياً من قوات الشرطة والأمن الذاتي في المداخل والمخارج.

في هذه المدينة كما في معظم المناطق التي زرناها في الجزائر، كانت كل الإعلانات واليافطات مكتوبة باللغة العربية، من أسماء الشوارع، إلى المعارض واللوحات الإرشادية.

الانطلاق إلى سطيف

من بوسعادة عدنا إلى الطريق نفسه الذي قدمنا منه حيث المسيلة التي سنتجه منها منطلقين إلى ولاية سطيف، قاصدين زيارة منطقة "إيقجان" التي أنشأ فيها الفاطميون دولتهم، على جانبي الطريق إلى هناك كانت تترامى الحقول شديدة الخضرة والمراعي الشاسعة، فيما تناثرت المآذن ذات الخليط من الطرازين المعماري المغربي المستطيل والمشرقي المدوّر، الأرض هنا طينية شديدة الخصوبة، مررنا على مدينة "عين تغروت" حيث بدت العمائر المقامة فوق أعلى الجبال وقد وصل ارتفاعها إلى خمسة طوابق، وصلنا إلى مدينة سطيف وهي مدينة كبيرة شهدت في 8 مايو عام 1945 سقوط 45 ألفاً من سكانها في يوم واحد بيد قوات الاحتلال الفرنسي خلال تظاهرة رفع فيها الأهالي شعارات استقلال الجزائر، ويقطن الولاية نحو 1.3 مليون نسمة وهي ثاني ولاية في عدد السكان بعد الجزائر العاصمة، فيما تصل مساحتها إلى 6500 كيلومتر مربع.

عبر شارع متسع وشديد النظافة، انطلقنا إلى قلب المدينة حيث ساحة الاستقلال التي يحتشد فيها المئات يومياً بلا انقطاع لشرب المياه المتدفقة من "العين الفوارة" وهي عبارة عن مبنى رخامي مربع من فوقه تمثال روماني من المرمر كان تعرّض لقنبلة في أبريل 1997 دمّرته قبل أن يوضع مكانه تمثال جديد، لكنه مكسور القدمين ومرمم.

من جهات العين الفوارة الأربع، تندفع المياه قوية باردة وذات مذاق جميل، سألت مدير ثقافة سطيف فاروق هويبي الذي رافقنا: من أين تأتي تلك المياه، وهل هناك آلات تدفع بها من داخل المبنى الرخامي؟ فقال مؤكداً: إن المياه تأتي من أعلى الجبال، وعندما اكتشف اندفاعها من باطن الأرض، أقيم المبنى الرخامي، وقد احتفل في 26 نوفمبر 1998 بمرور الذكرى المئوية الأولى لهذا المعلم التاريخي وإلى جوار العين الفوّارة، كان هناك معلم تاريخي آخر مهم، هو "المسجد الجامع العتيق" الذي بُني خلال الفترة من 1842 إلى 1847م أي أثناء الاحتلال الفرنسي، ولكنه ذو طابع مغربي عثماني.

غادرنا وسط المدينة إلى قرية "بني عزيز" التي تبعد 70 كيلومتراً عن سطيف شمالاً التي تقع فيها منطقة إيقجان الأثرية، قبل الوصول بدت في مواجهتنا جبال عملاقة ذات قمة بنية اللون قيل لنا إنها كانت مقراً لجماعة مسلحة يقودها مدني مرزاق هي "الجيش الإسلامي للإنقاذ" الذي ألقى السلاح استجابة لقانون الوئام المدني.

في ثلاث سيارات، انطلقنا من مدينة بني عزيز في طريق شديد الوعورة قاصدين "إيقجان" ندور حول الجبال في درب ترابي يصعد بنا إلى أعلى وسط شعور بقرب انقطاع الأنفاس وبين بيوت مجازفة تكدّست فوق الجبال وأواسطها وعلى أطرافها في أعاجيب نادرة لأبنية وبشر اختاروا الحياة المعلقة عند سقف الدنيا، وصلنا إلى القلعة الأثرية التي بناها الفاطميون على مساحة 34 هكتاراً واختاروا لها هذا المكان بالذات لوقوعه وسط طرق ضيقة ومحصورة بين المرتفعات وفي مكان جبلي وعر ومنعزل تحيط به جبال سيدي ميمون وسيدي صالح ومرزقان وبابور، هناك رأينا بقايا أحجار متراصّة على شكل سور ممتد حول بستان قيل لنا إنه بقايا القلعة القديمة، وكانت طريقة البناء ونوعية الملاط والكتابات على بعض الحجارة هي التي أشارت إلى أن الدولة الفاطمية كانت موجودة هنا، وتعجّبنا كثيراً من حجم الإهمال الذي نالته آثار كتلك حتى انها تركت للأهالي لفكها واستخدامها في بناء بيوتهم الجبلية دون إدراك الأهمية الفائقة لقيمتها التاريخية.

وإلى جوار هذا المكان، توجد عين مياه تسمى عين إيقجان نسبة إلى القلعة، فيما لايزال السكان في هذا المكان القديم نفسه يحتفظون بالاسم التاريخي والأثري، على الرغم من أن أي حفريات رسمية في القلعة لم تتم، ولم يتم توجيه الأنظار إليها أبداً كمركز قديم للحركة الاسماعيلية في الجزائر من طرف الباحثين الفرنسيين أثناء الاحتلال، فاهتمامهم الأول كان مركّزاً على الآثار الرومانية فقط، ولكن عبرالزمن أجريت حفائر شعبية، يسميها المهتمون بالآثار "حفائر تخريبية" عثر من خلالها على أوان فخارية كثيرة من بينها مواسير كانت تستعمل لنقل المياه، وبئر قديمة مطمورة بالتراب تظهر عليها آثار التلوّث، ربما كانت تستعمل كمستودع للزيت.

أما الحجارة الموجودة بالموقع الأثري، فهي مختلفة الأحجام وتختلف عن تلك التي استعملت في الفترة الرومانية وهي مكسوّة بملاط أبيض، وقد جمعها سكان القلعة وجعلوها على شكل سياج يحيط بمجموعة من البساتين التي توجد أعلى القلعة وبجوارها.

في الموقع أيضاً، رأينا إلى جانب بقايا سور القلعة أعمدة حجرية في بعض الأركان ظاهرة، ولاحظنا أن القلعة كانت أقرب إلى الاستدارة منها إلى الشكل المربع، وتأخذ كامل مساحة الهضبة التي تقع عليها، والجزء الباقي ليس إلا انحداراً يؤدي إلى الأودية المحيطة بها، وكانت إيقجان تعد مدينة مهمة، في ذلك الوقت مثل سطيف وقسنطينة ولها حدود ساحلية تشرف على البحر الأبيض المتوسط، ولم تكن هذه الناحية تعيش في عزلة كالتي تفرضها عليها الحدود البرية، لذا اتخذها الفاطميون مركزاً لنشر دعوتهم.

أما الفضل الأول في تأسيس الدولة الفاطمية وكذا المذهب الفاطمي الشيعي في شمال إفريقيا فهو يعود إلى أبي عبدالله الذي قام بثورة ضد الأغالبة في أواخر القرن الثالث الهجري، وقضى على دولتهم وأقام على أنقاضها الدولة الفاطمية، ويرجع بعض المؤرخين أصله إلى الكوفة فيما يرجعه آخرون إلى صنعاء.

وتتناثر الآثار الإسلامية في ولاية سطيف التي كان العرب الفاتحون قد أطلقوا عليها هذا الاسم، فإلى جانب أن مرتفعاتها عرفت تأسيس أول دولة فاطمية، وسهولها عاشت أعنف المعارك بين الخلافة الموحدية وبني هلال في نهاية القرن الـ "11" للميلاد، فإن المساجد والزوايا أيضاً تنتشر في ولاية سطيف، فمن مسجد وزاوية عين الفراج إلى مساجد وزوايا بني ورثلان وسيدي أحسن بأولاد بنان وزاوية الحامة وامبزين وتفليت.

وإلى جانب سطيف والمسيلة والجزائر العاصمة تتوزع الآثار الإسلامية في قسنطينة وبجاية وتلمسان وعنابة ووهران ومستغانم، ففي بلد شاسع مثل الجزائر، شهدت ست دول إسلامية كبرى في تاريخها "الرستمية، الزيرية، الحمادية، المرابطية، الموحدية والزيانية"، وشهدت فتوحات عقبة بن نافع "670 - 674م" وموسى بن نصير "704 - 711م"، وانطلق منها طارق بن زياد لفتح الأندلس، فإن في كل أرض أثراً للحضارة الإسلامية ووراء كل حجر تاريخا.

هكذا عدنا من الجزائر الباهرة التي أخفى صوت المذابح الداوي ضوء إسهاماتها الرائعة في مسيرة أمة بكاملها.. يا الله كم كانت قاسية تلك السنوات العشر السوداء!

جميلة بوحيرد

منذ وصولنا إلى الجزائر، وثمة هاجس يطاردنا، إنه جميلة بو حيرد، فتاة الأوراس المناضلة وأحد الرموز المشعة بامتداد الوطن العربي.

ولأن الجزائر تعني نضالها وأبطالها ورموزها، وتعني التضحية والبذل لأجل الوطن، فإن استحضار "جميلة" إلى الذاكرة، كان أمر طبيعياً ودافعاً ظل يحثّنا على المحاولة لمقابلتها طيلة أيام إقامتنا في الجزائر.

وقد باءت محاولاتنا المتواصلة، ومساعي عدد من الذين تحمّسوا لمساعدتنا، بالفشل بسبب إصرار السيدة الوقور بالاستمرار في عزلتها داخل شقتها الكائنة في إحدى بنايات العاصمة الجزائرية، دون استقبال أي أحد، مفضلة الابتعاد عن ضجيج الحياة في سنوات عمرها المتقدمة، وهي التي ظلت لسنوات طويلة ملء السمع والبصر، قبل أن تتحول الى رمز باهر يملأ الذاكرة ولا يبرحها.

.. إنها فرصة فقط... لتحية بطلة عربية ساهمت مع "جميلات" أخريات في رسم صورة راسخة للجزائر.. صورة ستظل دائماً دليلاً على حيوية هذا البلد العزيز الذي حاولت طغمة الإرهاب والدم محوها ووضع صورة أخرى بدلاً عنها في الذاكرة.

شكر وامتنان

إذا كان هناك من فضل في إنجاز بعثة العربي لمهمتها الصحفية في الجزائر، فإنه يعود للمساعدة الفائقة وغير المحدودة التي قدّمها السفير الكويتي الأستاذ محمد فاضل خلف، والملحق الإعلامي لدولة الكويت الأستاذ صالح السعيدي اللذين أحاطا البعثة بعنايتهما الكريمة، مسخّرين وقتهما وعلاقاتهما الواسعة لمساعدتها.

... ولعل إزجاء الشكر الآن، لا يكفي للتعبير عن امتناننا وتقديرنا لهما.

 

 

زكريا عبدالجواد

 
  




صورة الغلاف





ميدان المير عبدالقادر أحد الرموز المناضلة، ويرى قابعاً فوق حصانه النحاسي وسط مدينة الجزائر





منظر عام لأحد أحياء العاصمة الجزائرية حيث الخضرة في كل مكان تتعانق مع البنايات متنوعة الطرز





الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الشخصية الوطنية الجزائرية البارزة





مدخل جامعة الجزائر التي تعد إحدى القلاع المهمة للتعريب





الدكتور عبدالمالك مرتاض رئيس المجلس الأعلى للغة العربية والأديب والناقد المعروف





حي القصبة حيث تتكدس الأبنية وتطل مآذن أقدم مساجد الجزائر، هنا انطلقت شرارة الثورة ضد الاستعمار





العين الفوارة في مدينة سطيف، حيث تندفع المياه من الأرض بغزارة وعذوبة





متحف الباردو.. مثال واضح على الطراز المعماري في الجزائر





جامع كتشاوا من أقدم المساجد الجزائرية وأكبرها ويتوسط حي القصبة





جهاز الإذاعة الجزائرية خلال سنوات النضال يوجد الآن في إحدى قاعات مركز دراسات ثورة التحرير





منظر عام لبقايا قصور وقلاع ومسجد دولة بني حماد في منطقة المعاضيد.. كانت ملء السمع والبصر في زمنها القديم





منارة العاصمة على البحر الجزائري.. أحد معالم المدينة





مقام الشهيد حيث الميدان يمتد إلى متحف الجيش في الجزائر العاصمة





الروائي الطاهر وطار وطبعته البسيطة في الجاحظية التي أنتجت حتى الآن ما يزيد على 700 كتاب أدبي بمعدل ثلاثة كتب شهريا





أزقة العاصمة وحاراتها اتلقديمة مازالت صامدة رغم الزمن وجراحاته





الأديب والناقد مرازق بقطاش





عز الدين ميهوبي رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين





د. الطاهر حجار رئيس جامعة الجزائر





قصر رياس البحر.. هنا قاوم الجزائريون حصاراً فرنسياً استمر سنوات قبل أن تسقط العاصمة





ساحة الورود في مدينة البليدة حيث مآذن المساجد وجبال الشريعة تبدو خلف البنايات





صناعة الزرابي في القرى الكائنة على الطريق الواصل بين ولايتي البويرة والمسيلة





الطراز الأوربي يبدو واضحاً في شارع حسيبة بن يوعلي وهو أحد الشوارع التجارية المهمة وسط الجزائر





مدخل مدينة سطيف التي شهدت مصرع 45 ألف إنسان في يوم واحد





متحف الفنان العالمي الشهير إيتيان دينيه في بيته بمدينة بوسعادة بعد أن اختار الاستقرار في الجزائر وأعتنق الإسلام





مدينة بني عزيز قابعة في حضن سلسلة جبلية كانت تضم يوماً دولة الفاطميين





قرية سيدي موسى، هنا جرت عمليات مروعة للإرهاب ومذابح سقط فيها المئات





شارع العربي بن مهيدي أحد أهم الشوارع في الجزائر العاصمة، حيث تتسع المساحة وتعلو البنايات