مسـاحـة ود

 مسـاحـة ود

عيون بلا غشاوة

لا يعاني العالم من أزمة في الجمال المادي قدر ما تكمن معاناته الحقيقية في اختفاء الجمال الروحي، وهذه المعاناة تعكس مضمونها على الوجوه والملامح، فترى وجوهاً تتألق بنور ربّها وضّاءة ناضرة، وترى سحناً سوداً مكفهرة ينطبق عليها قول الشاعر:

والذي نفسه بغير جمال

لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً

وهذا الجمال الروحي ينمّى منذ الصغر ويعطى للإنسان من أهله وعشيرته مع طعامه وشرابه حتى يورق نبتة تغدو شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

والمرأة التي هي مركز الجمال في الجنس البشري تحتاج إلى مَن يربي فيها هذا الإحساس ويغرس فيها القول العربي القديم: "أطيب الطيب الماء، وأزين الزينة الكحل".

وهكذا نرى أنه كانت هناك منذ القدم وسائل - على بساطتها - للزينة، فالمرأة تسعى دائماً إلى أن تكون جميلة في عيني الرجل، وهنا: "مربط الفرس"، فالرجل هو الذي يدفعها دفعاً إلى ذلك دون أن يدري، أو ربما وهو يدري.

كثير من الرجال تجذبهم ملاحة الملامح، وهذه طبيعة النفس البشرية، فإذا سألت معظمهم عند زواجهم: مَن تفضّل؟ يقول فوراً وفي بداية مطالبه: الجميلة، وهو هنا لا ينظر إلا لجمال الشكل وينسى وهو يطالب بذلك تماماً أن ينظر إلى نفسه في المرآة، فإن تزوج من الجميلة التي انتخبتها عيناه، تجده بعد فترة قصيرة ملولاً متذمراً، يلومها على أشياء ليست لها يد فيها، وكأنه عندما فكر في الزواج تخيل أنه تزوج تمثالاً جميلاً من فولاذ لا يتأثر بتصاريف الأزمنة.

وتضطر المرأة لتبدو في عين الرجل جميلة أن تداري شحوبها أو إرهاقها بقناع مزيّف من الألوان والمساحيق، وهو لايزال يرى نفسه عصفور الكناريا الذي لم يجد وليفه بعد، أو ضل الطريق عندما اقترن به، فتظل عيناه حائرتين تبحثان عن الجمال هنا وهناك، وهي لا تدري كيف ترضيه.

ولو أعطى الرجل لنفسه الفرصة ليرى الجمال الحقيقي للمرأة، لما اهتم كيف تكون ملامحها، ولأحبها في كل حالاتها، كما هي دون "رتوش" ولا أقنعة.

عزيزي الرجل:

إن الله لم يخلق امرأة في هذا الكون تخلو من جمال، وإن كانت مسخاً في عيون الناس، فهذا المسخ فيه جمال خفيّ لا يكتشفه إلا غوّاص ماهر يبحث في طياته عن لآلئه المدفونة.

 

حنان عبدالقادر