عزيزي القارئ

 عزيزي القارئ

أغسطس.. وتجاوز الأزمة

يكتمل هذا الشهر عقد كامل من الزمن منذ أن قام النظام العراقي بغزو الكويت، عقد كامل تغيرت فيه معالم الكون وموازينه ولم يتغير إلا القليل في عالمنا العربي الذي مازال يتمسك، بعناد، بأذيال الزمن الغارب. بعض الأنظمة ـ وعلى رأسها النظام العراقي الحاكم ـ مازالت تتعامل مع شعوبها وفق تقاليد البطش المستمدة من ظلمات العصور الوسطى، وبعض المفكرين مازال يبكي على أطلال الماضي، والجميع لا يدرون ماذا يحمل الزمن القادم في طياته، فأين نحن الآن؟ في هذا العدد تحاول المجلة أن تجيب عن هذا السؤال من خلال استعراضها الحالة الكويتية، أي الطرف الذي تحمل مرارة الغزو والعدوان، هل تجاوزت آثار هذه الأزمة أم لا؟ يمكننا الرد على ذلك بالإيجاب، فعلى المستوى السياسي استعادت الكويت كل علاقاتها التي كانت مقطوعة مع بعض الأشقاء وبعثت الدفء والحياة في بعضها الآخر، وبذلك أصبحت ـ كما كان دأبها دائما ـ تتحرك في محيط عربي متوازن، تبذل فيه العون والمساعدة قدر طاقتها دون منة. وعلى المستوى الداخلي تتواصل الممارسة الديمقراطية في إطارها الدستوري رغم كل ما يعتريها من شد وجذب، فالمواطن هنا ليس مغيبا، والمؤسسات الشعبية تمارس عملها دون قيود أو شروط. وقد انعكس هذا الاستقرار السياسي على الحالة الاقتصادية، وشهدت الكويت في السنوات الأخيرة حالة من الإعمار شملت كل المرافق، سواء كانت حكومية أو أهلية، وسوف يرى القارئ مدى التطور الذي طرأ على واحد من أهم المرافق الإنتاجية في الكويت من خلال الاستطلاع الذي ينشر في هذا العدد عن مؤسسة البترول الكويتية.

الأهم من ذلك هو أن الذات الكويتية قد تجاوزت هذه المرحلة من رد الفعل المباشر للغزو، فقد أصبحت قادرة على التفكير بصوت عال في كل خيارات المستقبل. ولعل أصدق مثال على هذا النوع من التفكير هو ذلك الحديث المهم الذي أدلى به لـ "العربي" الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية المخضرم، الذي يعد بحق عميدا لكل وزراء الخارجية العرب والأجانب، وألقى فيه ضوءا كاشفا على كل ما تنتهجه الكويت من سياسات مستقبلية، وقد كان من نتيجة هذا التفكير أيضا تلك الندوة المهمة التي أقيمت في الكويت بجهود شعبية ومبادرات حكومية من أجل البحث في مستقبل العلاقات العراقية ـ الكويتية، وهي الندوة التي يشير إليها رئيس تحرير المجلة في افتتاحيته التي يطرح من خلالها إطارا متقدما لكيفية قيام مصالحة شعبية لكل الخلافات العربية ـ العربية. إن روح مواجهة النفس والبحث عن مخرج هي التي تسود مواد هذا العدد الذي نخصصه لإلقاء الضوء على أزمة طال عمرها عقدا من الزمن، ومازالت بعض جراحها مفتوحة. وكعادة "العربي" فهي لا تكتفي بمكان واحد ولا قضية واحدة، ولكنها تواصل رحيلها إلى الجزائر الشقيقة، لتلقي الضوء على بعض من قضاياها المثيرة للشجون، وتحشد من أقلام مبدعيها باقة من الفكر والفن والجمال، لعلها توازي بذلك جرعة الألم التي مازالت تثيره فينا هذه الذكرى التي نتمنى أن تكون خاتمة الأزمات التي يشهدها تاريخنا العربي.

 

المحرر