العرب والإيرانيون: البحث عن هوية مشتركة
العرب والإيرانيون: البحث عن هوية مشتركة
حديث الشهر في لحظة تألق نادرة لإرادة التواصل الثقافي العربي - الإيراني، شهدت العاصمة الإيرانية طهران في الأسبوع الأول من شهر يوليو الماضي حدثاً ثقافياً بارزاً تمثل في انعقاد ملتقى "الشاعر الإيراني سعدي الشيرازي" الذي نظمته مؤسسة ثقافية كويتية هي "مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري" بالتعاون مع مؤسسة ثقافية إيرانية هي "رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية" وهي مؤسسة حكومية تعنى بالتواصل بين أجزاء العالم الإسلامي على المستوى الثقافي، وشارك في أبحاث الملتقى وأمسياته الشعرية مجموعة من الباحثين والنقّاد والشعراء من العرب والإيرانيين. ويعد هذا الملتقى الأدبي والثقافي حدثاً بارزاً على مسار العلاقات العربية - الإيرانية، ويتميز من وجهين: أولهما: أن محوره الأساسي هو الشاعر الإيراني الأبرز سعدي الشيرازي، الذي عاش قبل سبعة قرون وكتب شعره باللغتين الفارسية والعربية، وقضى عشرات السنوات من عمره متجوّلاً في الحواضر العربية الكبرى في ذلك العصر، بغداد ودمشق والقاهرة، بل وتعدى هذه الحواضر إلى شمال إفريقيا والحجاز ولبنان وغيرها من المدن والمراكز العربية التي كانت حافلة بالعديد من الأنشطة الثقافية والتعليمية. ومن ثم تجلى في إنتاجه الإبداعي عمق هذا التمازج والتكامل بين الثقافتين العربية والفارسية. وثانيهما: أن هذا الملتقى الذي نظمته مؤسسة ثقافية عربية إحياء لذكرى شاعر إيراني وشارك فيه مثقفون عرب وإيرانيون هو - كما قلت - إحدى المناسبات النادرة خلال هذا العقد الأخير، التي تتجلى فيها إرادة التواصل الثقافي العربي - الإيراني بعد سنوات، بل ربما عقود من الانقطاع والبرود بين الجانبين الأكثر حضوراً فيما يتعلق بنشوء وازدهار الحضارة الإسلامية، وهما الثقافتان العربية والإيرانية. تحديات ثقافية وقد حفلت أبحاث الندوة بالعديد من الأفكار المهمة حول واقع وآفاق التعاون والتواصل الثقافي العربي - الإيراني، وأهميته في إطار التحديات التي تواجهها الثقافتان العربية والإيرانية في ظل المتغيرات والمستجدات العالمية المعاصرة، وربما كان الأكثر إثارة للاهتمام، على الأقل بالنسبة لي شخصياً، وبوجه خاص ضمن هذه الأفكار والقضايا التي طرحت للنقاش، هو ما قدمه الجانب الإيراني من الباحثين والمحاضرين. وتجيء الأهمية الخاصة لهذه الأفكار من أنها - في جانب كبير منها - تعكس انفتاحاً أعمق مما هو متصوّر بوجه عام لدى جمهرة المثقفين العرب، وأنها تتضمن أيضاً الكثير من المفاهيم الجديدة على الفهم العام للمتابعين العرب للشأن الثقافي والفكري الإيراني خلال العقدين الأخيرين بشكل خاص. من هنا تأتي أهمية أن يطلع القارئ العربي بوجه عام، والمثقفون العرب بوجه خاص، على تلك المجموعة من الأفكار التي استخلصتها من الملتقى والتي طرحها الجانب الإيراني، ففي كلمة الشيخ محمد علي تسخيري، رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، في افتتاح الملتقى - الذي رعاه وافتتحه السيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية، وألقى كلمة مطوّلة عن الملتقى وأهميته، وعن الشاعر وثقافته وأفكاره وقيمه الثقافية ومبادئه الإنسانية - أشار الشيخ تسخيري إلى مسائل عدة فيما يتعلق بالعلاقة بين الثقافتين منها: الإبداع الحضاري أما البحث المهم الذي قدمه الدكتور محمد علي أذرشب، الأستاذ بجامعة طهران، وعنوانه "العلاقات الثقافية بين الإيرانيين والعرب: الحاضر وآفاق المستقبل"، فهو يثير مجموعة مهمة من القضايا والأفكار فيما يتعلق بالواقع الراهن لهذه العلاقات وآفاقها المستقبلية، سأحاول التقاطها من خلال بحثه الطويل هذا: العامل القومي ظهر في عصر الاستعمار، فظهرت نداءات القوميات الطورانية والفارسية والعربية، بل والقوميات المحلية كالفرعونية والفينيقية والبابلية. ودفع هذا العامل الرأي العام الإسلامي، وخاصة النخب المثقفة، للبحث عن الجذور خارج الحقل الحضاري الذي يجمع هذه الأمة الإسلامية، فظهرت العصبيات والمشاحنات، وتراشق القوميون الفرس والعرب بالتهم ونشبت بينهم العداوات. أما العامل الطائفي، فقد عمل بوضوح على فصل الإيرانيين عن العرب بعد النزاعات الصفوية - العثمانية، ومازال يعمل على تمزيق الصف، ويدور بالدرجة الأولى حول محور إثارة الاختلافات بين أهل السنة والشيعة. تحدّيات مشتركة - العولمة الثقافية والمعلوماتية! وهذه وأمثالها تحديات ثقافية تواجه العالم الإسلامي وتتطلب من الإيرانيين والعرب أن يواجهوها ضمن خطة تتناسب مع جذورهم الثقافية المشتركة ومع متطلبات الواقع الراهن. إن مجمل الأفكار التي استخلصتها من مجمل الأوراق المقدمة للندوة والتي عنيت منها تسليط الضوء على منطلقات هذا التوجه الإيراني الانفتاحي على العرب وثقافتهم من النخب المثقفة الإيرانية، وخاصة أولئك الذين يحتلون مواقع مؤثرة في القرار الثقافي مع الخارج، تشير إلى أن فهماً عقلانياً وموضوعياً يسود لدى الطرفين هو خطوة أولى بالغة الأهمية من الجانبين لمد الجسور في اتجاه حوار إىراني - عربي يشكّل، على حد تعبير د. أذرشب، خطوة رحبة على طريق التعاون و "التواصل" الثقافي الإيراني - العربي. ونحو إدارة عقلانية للخلافات المطروحة على ساحة التعامل بين الطرفين، وأن يضع كلا الطرفين في قائمة أجندته بحث تلك الخلافات، أن الإرث التاريخي الكبير يحمل في طياته عوامل لتأجيج الصراع ومدّه إلى آلاف من السنين، وأيضاً يحمل عوامل التقارب والتفاهم والتعاون وربما وصولاً لـ "التكامل" في مجالات عدة وشاسعة، كأن نضع في اعتبارنا المستقبل وننظر إليه من زاوية المشاركة المستقبلية في مجالات الاقتصاد والتنمية والتعاون التجاري، فالتحديات التي تطرحها التحوّلات الدولية الجديدة، كالعولمة الثقافية والاقتصادية والترتيبات الجديدة القادمة للشرق الأوسط تفرض على كلا الجانبين العمل بروح من التعاون والتعاضد، واستنهاض عوامل التقارب والتفاهم واستبعاد عناصر التخلف والعنصرية والطائفية في ثقافة الطرفين، وأن يضع الجانب الإيراني في اعتباره أن يواكب التوجه الإىراني في التواصل الثقافي تجاه العرب، جهد مبذول من النخب الإىرانية المثقفة في اتجاه مزيد من المواجهة العقلانية لتأثيرات مازالت فاعلة ونافذة - منذ عشرات بل مئات من السنين - لما أسماه د. أذرشب بالعاملين "القومي" و "الطائفي" وبخاصة ما امتد من تلك التأثيرات إلى صعيد التعامل السياسي مع بلدان عربية على الضفة الأخرى من الخليج.
على هامش ملتقى سعدي الشيرازي:
الأولى: القنوات الرسمية وشبه الرسمية، وهناك إحراز لبعض التقدم على صعيد هذه القنوات فيما يتعلق بتفعيل ودفع ما هو قائم من اتفاقات ثنائية واتفاقات ثقافية بين إيران والعديد من البلدان العربية. والثانية: القنوات الأكاديمية، وهي وإن كانت خاضعة للإطار الرسمي فإنها تتعامل في كثير من الأحيان بما يقتضيه الواجب العلمي والتخصصي. والآصرة المهمة بين الجامعات الإيرانية والعربية هي اللغتان العربية والفارسية، فالعربية تدرس في الجامعات الإيرانية حتى مستوى الدكتوراه، وهي بحاجة إلى أن تتواصل مع الجامعات العربية في حقل التجارب التعليمية والعلمية والبحثية، والجامعات العربية، وخاصة المصرية، تدرس اللغة الفارسية وتهتم بالدراسات الإيرانية في مختلف المجالات، وهي بحاجة أيضاً إلى أن ترفد بالكتب والدراسات والدورات الدراسية من إيران. وإضافة إلى اللغة الفارسية هناك تواصل جامعي عبر الندوات التاريخية والأدبية والفلسفية الثقافية والعلمية، وهو قليل نسبياً ويحتاج إلى مركز للتنسيق الجامعي العربي والإيراني لوضع الجامعيين العرب والإيرانيين في صورة النشاطات الأكاديمية للفريقين ومتابعة التواصل بينهما. والقناة الثالثة: هي قناة "النخب المثقفة"، وقد شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً من النخب الإيرانية والعربية بالتواصل، وظهر هذا الاهتمام في ندوة "العلاقات العربية - الإيرانية: الاتجاهات الراهنة وآفاق المستقبل" في الدوحة بقطر عام 1995م، وندوة "التعاون العربي - الإىراني" في طهران عام 1999م. وظهرت من خلال هاتين الندوتين الحاجة الكبيرة إلى التواصل الثقافي بين الجانبين. أما القناة الرابعة، وهي قناة المؤسسات الثقافية، فإنها قادرة على أن تقوم بما لا تقوم به المؤسسات الرسمية والجامعية، لأنها أكثر حرية في التحرك وأقرب إلى الساحة الاجتماعية، العامة منها والخاصة، كما أن أعمال الترجمة من العربية إلى الفارسية، ومن الفارسية إلى العربية نهضت بها هذه المؤسسات في إيران والعالم العربي، وكثير من سبل الارتباط الثقافي بين الإيرانيين والعرب تنهض بها هذه المؤسسات.
- التطبيع مع إسرائيل.
- الغزو الثقافي والتغرّب "أو الذوبان الثقافي وتمييع الهوية".
- المخدرات.
- التطرف.
- العنف.
- التخلف الثقافي والعلمي.