عزيزي القارئ

 عزيزي القارئ

حـوار لا يتوقف

أكثر من قضية يثيرها هذا العدد من مجلة العربي، ففي هذا الشهر الذي تنفض فيه غصون الأشجار أوراقها الذابلات وتستعد لعري مؤقت يظهر حقيقتها، تنفض العربي أيضاً أوراق القضايا القديمة والمثيرة للجدل، لعل أضلاع الحقيقة العارية توحي لنا بإجابات لم تكن في الحسبان، ورغم أن هذه القضايا جميعها تبدو متباعدة فإنها تحتاج إلى أداة واحدة حتى نتفّهمها، ونعني بها أداة الحوار التي قد تعيننا على التفهّم بدلاً من الاعتراض، وعلى المشاركة بدلاً من الرفض. ولعل أولى القضايا التي تتبادر إلى أذهاننا تلك التي تتعلق بالاكتشافات الوراثية الحديثة التي تمثلت في معرفة المخزون الوراثي البشري والتي جعلت الإنسان يتشارك للمرة الأولى في معرفة بعض أسرار الكون الكبرى، وإذا كان من المعروف أن العلم قد ولد من رحم الفلسفة، فإن هذا الاكتشاف قد مكّن الإنسان من أن يعيد طرح الأسئلة المصيرية الكبرى التي طالما أثارتها الفلسفة عن الحياة والخلود والموت ويضعها جميعاً على مائدة البحث ليبحث لها عن جواب داخل المختبر، وليس ضمن إطار المنطق الصوري كما كان يحدث سابقاً، ولعل هذه هي أولى القضايا التي تلقي العربي عليها الضوء وهي تبحث عن آثار هذه الثورة في علمي الحيوان والنبات على حد سواء. وعلى المستوى الثقافي تثيرالعربي قضية الحوار الذي طال انتظاره بين الحضارتين العربية والفارسية وذلك من خلال اللقاء الذي حضرته العربي في طهران بمناسبة انعقاد ملتقى سعدي الشيرازي، وهو لقاء يثير أكثر من قضية عن إيران تلك الجارة شديدة القرب والبعد أيضاً، ولعل أبرز ما أسفر عنه هذا اللقاء هو حاجة كل منّا إلى اكتشاف الآخر مرة أخرى، وهي القضية التي يثيرها رئيس التحرير في مقالته الافتتاحية داعياً إلى مزيد من الحوار بين الحضارتين اللتين انصهرتا في بوتقة واحدة هي الإسلام. وترحل العربي كعادتها إلى مختلف أصقاع العالم لتقدم لنا أكثر من استطلاع في أكثر من مكان، ولكن يجمع بينها خيط واحد هو الحفاظ على التراث الثقافي ومحاولة جعله متماشياً مع طبيعة العصر الذي نعيش فيه، فمن المغرب تقدم العربي تحيّتها إلى الأكاديمية الملكية المغربية التي تحتفل هذا العام بمرور 20 عاماً على إنشائها وهي صرح علمي مهمته تأمّل أحوال العالم وبحث قضاياه، من خلال الاستعانة بالخبراء في كل المجالات، وتقوم الأكاديمية بهذا الدور من منظور مغربي وطني يربط المغرب ببقية العالم دون أن يفقد هويته. وتستعرض العربي من القاهرة الجهود التي تبذلها مصر للحفاظ على آثارها الإسلامية، وهي مجموعة من الآثار التي عانت الاهمال طويلاً ، وآن لها أن تجد الرعاية المناسبة، ولعل تجديد بيت السحيمي يكون مقدمة هذه الرعاية. ومن الكويت تدخل العربي إلى بيوت مثقفيها لتلقي الضوء على الكنوز التي تحتويها مكتباتهم الخاصة في إطلالة حضارية على هؤلاء الذين يعتبرون الكتاب هو المنبع الأول للمعرفة. لا تتوقف الموضوعات التي تعرضها العربي ولا القضايا التي تثيرها وهي تحاول أن تثير بينها وبين قارئها حواراً خلاّقاً لا يتوقف من أجل المعرفة.

 

المحرر