التغذية وتكنولوجيا النانو: الطعام على الطريقة النانوية

التغذية وتكنولوجيا النانو: الطعام على الطريقة النانوية

بدا لي، عندما كنت شابًا يافعًا يحبو في بداية الطريق لتحصيل درجتى الماجستير والدكتوراه في تكنولوجيا النانو والمواد المتقدمة من إحدى الجامعات اليابانية بمنتصف ثمانينيات القرن الماضي، عند متابعة الدرس لأحد محاضرينا من علماء رعيل «النانو» الأوائل جزاهم الله كل الخير والثواب حول تطبيقات تكنولوجيا النانو المستقبلية في مجال صناعة المنتجات الغذائية أننى بصدد تلقي محاضرة من محاضرات «الفانتازيا العلمية». وانتابني وزملائي الشعور نفسه الذي سردته على صفحات مجلة العربي في العدد 615 ، فبراير 2010، عند تلقينا لأول محاضرة عن تطبيقات تكنولوجيا النانوية في مجال الطب والمعروفة باسم الطب النانوي Nanomedicine، وقد عزز هذا التصور البروفيسور المحاضر حين استهل محاضرته بكتابة عنوانها وهو «الأغذية النانوية Nanofood».

صاغ محاضرنا عنوان المحاضرة مرة أخرى مُترجما إياها إلى لغته اليابانية «نانو رييوري Nano-Ryouri»، وذلك ربما لمزيد من التبسيط أو المداعبة. وتحولت الحيرة بيننا إلى ابتسامات عريضة ارتسمت على وجوهنا الحائرة لتعكس ما بداخلنا من «جهل وعدم معرفة» بالموضوع. وقد كان أستاذنا، وهو العالم الفذ في مجاله، يُدرك أن أبناءه من الطلاب وهم في درسهم الثالث بالموسم الدراسي الأول لعام 1986 / 1987 لا يعرفون عن تكنولوجيا النانو إلا مجرد مسماها فقط. أيضًا، فقد كان على يقين بأن «النجباء» من بيننا ربما قد تعلق في ذاكرتهم تعريف المواد النانوية Nanomaterials ووصفها على أنها مواد تقل مقاييس أبعادها عن 100 نانومتر ( النانومتر هو وحدة لقياس أطوال الأشياء متناهية الصغر وهو يعادل جزءا من مليار جزء من المتر الطولي، كما سبق وأن أوضحنا في مقال أسبق تفضلت مجلة العربي بنشره في يونيو 2009 ). وفي إطار هذا السياق، فقد كان من بين أحد أطرف التعليقات التي همسها أحد الزملاء في أذني يعمل الآن بروفيسورًا في أحد المعاهد البحثية الأكثر شهرة باليابان هو أنه سوف يجيء اليوم الذي يُضطر فيه أصحاب مطاعم «السوشي النانوي» إلى أن نستبدل بالعصا التي نتناول بها، والمعروفة باليابانية باسم الهاشي Hashi، ميكروسكوبات القوى الذرية Atomic Force Microscope أحد أهم أجهزة تكنولوجيا النانو الموظفة في اختبار خواص أسطح المواد النانوية والتقاط ذراتها لتغيير أماكن أوضاعها وفقًا للتصميم المُراد الحصول عليه لذا فعلينا أن نجتهد أكثر وأكثر في تنمية قدراتنا التقنية في استخدام هذا الميكروسكوب!

أقول هنا، وبعد مضى نحو 25 عاماً على تلك «الهمزات الصامتة» التي صاحبت الدقائق الأولى من المحاضرة، أنه كان من النادر إبان تلك الفترة أن تجد أحدًا من المثقفين من خارج التخصص على دراية بماهية علم وتكنولوجيا النانو وأهمية تطبيقاتها المستقبلية في مجالات الطب، الدواء، الإلكترونيات والحاسبات، الطاقة، الغزل والنسج، تكرير البترول، التسليح والأمن القومي، 00000 وإلى غير ذلك من مجالات واعدة بتنا نعرفها منذ أن أشرقت شمس هذا القرن علينا.

ماهية الأغذية النانوية

لم تمض إلا دقائق قليلة حتى أدركنا فداحة الخطأ الذي اقترفناه، وذلك بعد أن أسهب البروفيسور المُحاضر في شرحه مشيرًا إلى أن الأطعمة النانوية ما هي إلا مصطلح ناشئ لم يجد طريقه بعد بالمعاجم اللغوية ربما إلى يومنا هذا ونحن بصدد الانتهاء من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وهو يعني تلك الأطعمة أو المنتجات الغذائية التي يتم إعدادها أو معالجتها في أي مرحلة من مراحل إنتاجها المختلفة، بداية بزراعتها، تأهيلها، تجهيزها ونهاية بتعبئتها ثم حفظها، باستخدام تقنيات تكنولوجيا النانو المتنوعة. لذا، فإن طرق تصنيع الغذاء على «الطريقة النانوية» تشمل كل العمليات الكيميائية، الفيزيائية والبيولوجية الرامية إلى تحسين جودة الغذاء وخفض محتواه الضار، وذلك من خلال التحكم في بنية وتركيب مكوناته الأساسية وذلك على المستوى الجزيئي Molecular Level. ويعبر هذا المصطلح في نفس الوقت عن جميع العمليات الخاصة المتعلقة بإضافة ذرات وجزيئات لعناصر ومركبات أخرى إلى مادة الغذاء الرئيسية بهدف زيادة توازنها وتكاملها، مع الحفاظ على ما تتميز به من مذاق ونكهة ورائحة محببة ومرغوبة.

ومن هنا تجلى لنا المغزى وتبين لنا حجم ما توليه تلك التكنولوجيا الرائدة من اهتمام بالغ بقضية توفير الغذاء الصحى المتكامل من خلال تسخير كل أدواتها التقنية في توفير الغذاء الآمن وتطوير التكنولوجيات المستخدمة بقطاع الزراعة.

الوضع الحالي للأغذية النانوية

كما أشرنا سلفًا، فإن مصطلح الأطعمة النانوية هو مصطلح حديث وجد مكانه بين المصطلحات التقنية التي تحتكرها تكنولوجيا النانو، مثل الطب النانوي، الإلكترونيات النانوية، الحساسات النانوية وغيرها من مصطلحات علمية وفنية حديثة نشأت عن تطبيقات تكنولوجيا النانو المتقدمة في المجالات الحياتية المتنوعة (قد يرى القارئ الكريم الاطلاع على أي كتاب منشور حول تطبيقات هذه التقنية، ولاسيما كتاب «تكنولوجيا النانو من أجل غد أفضل»، الذي نشرته سلسلة كتاب عالم المعرفة في أبريل 2010 ). ومن الجدير بالإشارة هو تزايد استخدام هذا المصطلح خلال السنوات الخمس الماضية فأصبحنا نجده على معلبات الكثير من المنتجات والمكملات الغذائية التي تفيد بأنها أُنتجت بواسطة «تقنيات تكنولوجيا النانو». ورجوعًا إلى تنوع أصناف واستخدامات تلك الأغذية المتقدمة التي تُلقب اليوم بالأطعمة المبتكرة، فقد خصصت المراكز التجارية والمحلات المتخصصة في بيع المواد والسلع الغذائية أجنحة عريضة تستخدم في عرضه. وقد يشاركني القارئ الكريم الرأي في أن الأغذية النانوية لم تعد «ترفًا» ولكنها في حقيقة الأمر باتت تمثل الأمل والرجاء لفئات عريضة منا تعاني من الحرمان من تناول غذاء صحي تجتمع فيه كل الصفات والخواص المتناقضة، مثل المذاق الجيد وتوافر عناصره الغذائية بالنسب المثالية لكل عنصر، وفي نفس الوقت ينخفض محتواه من الدهون الضارة والسكريات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد أصناف الأغذية النانوية قد تضاعف خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث ازداد عددها من مجرد 700 مُنتَج في عام 2006 إلى أكثر من 2500 منتج في عام 2009، تقوم بإنتاجها أكثر من 650 شركة على مستوى العالم. لذا فلم يكن من الغريب أن تتضاعف حصيلة المبيعات المتعلقة بهذا القطاع من 7 مليارات دولار في عام 2006 إلى ما يربو على 20 مليار دولار في نهاية العام الماضي.

والسؤال الذي قد يطرح نفسه هنا هو كيف يمكن لتكنولوجيا النانو القيام بهذا الدور الخاص بإتاحة أصناف متعددة من الأطعمة الشهية، جيدة المذاق خالية من «المحظورات» التي دائما ما ينبهنا إليها أطباء التغذية؟ وليسمح لي القارئ الكريم هنا أن أعرض عليه بعض الأمثلة المهمة المُطبقة بالفعل:

المكملات الغذائية النانوية

تندرج تلك المكملات وكذلك الإضافات الغذائية النانوية التي يتناولها الكثير منا والمحتوية على إضافات لمواد نانونية لعناصر فلزية حرة مثل الحديد، الزنك، وكذلك الكبسولات الجيلاتينية نانونية المسام المحتوية على تركيزات عالية من زيوت الأسماك الشهيرة «الأوميجا 3 Omega 3» ومواد الإنزيمات المصاحبة لها، التي تعمل على تشغيل تلك الإنزيمات بكفاءة ويسر مثل «الكيو10 Q10»، وغيرها ضمن الأغذية النانوية. وتتألف المواد النانوية المُراد إضافتها إلى الأغذية من هياكل جزيئية لهيدريدات السيليكا المؤلفة من حبيبات نانونية تتدنى مقاييس أقطارها إلى نحو 5 نانومترات.

وإذا ما نظرنا إلى آلية عمل حبيبات مضادات الأكسدة النانوية سوف نجد أنها تعتمد على ما تتمتع به تلك الحبيبات النانوية من تدني مقاييس أحجامها وبالتالي زيادة مساحة أسطحها، الأمر الذي يؤدي إلى تعاظم قدرتها في امتصاص الرطوبة، وهذا يعمل على تنشيط انطلاق وتحرر أيونات غاز الهيدروجين منها لتقوم بدورها كمضادات قوية للأكسدة.

ومثال آخر هو تلك المشروبات الغذائية المعروفة باسم «المشروبات الصحية Healthy Drinks» التي يُضاف إليها حبيبات عنصر الحديد التي تقل أقطارها عن 300 نانومتر والتي يُستفاد من تدني صغر أحجامها في سهولة امتصاص خلايا الجسم لعنصر الحديد والتفاعل السريع معه على مستوى الخلية الأحادية من الجسم. وليس بالضرورة اللجوء إلى تناول تلك المشروبات عادة ما تكون مرتفعة الثمن فقد فطن العلماء إلى أن الحبيبات النانوية المُخلقة لفلز الحديد يُمكن إضافتها إلى أنواع الدقيق المختلفة المستخدمة في صناعة مختلف المخبوزات والحلويات، دون أن يكون لهذا أية آثار سلبية تنعكس على مذاق ورائحة المُنتج. وهناك العديد من الأمثلة الخاصة بتخليق عناصر المواد الفلزية المهمة الأخرى مثل السيلينيوم، الزنك، الكالسيوم، الماغنسيوم وغيرها وتوظيفها كمكملات غذائية فعالة 0 وقد اشتُهرت إحدى الشركات المُنتجة للشاي الأخضر بتسويقها لمنتج جديد منه تم تحسينه عن طريق إضافة حبيبات نانونية مؤلفة من عنصر السيلينيوم، مما يعزز من الفوائد الصحية الناتجة عن امتصاص ذلك العنصر المهم بسهولة ويسر.

تخليص الغذاء من عناصره الضارة

وقد نجحت أخيرًا إحدى الشركات الألمانية الكُبرى المتخصصة في إنتاج وتعبئة اللحوم المحفوظة في ابتكار كبسولات مسامية مصنعة من غرويات Colloids متدنية الأحجام تقل أبعاد أقطارها عن 30 نانومتر، يتم تعبئتها ببعض الفيتامينات المهمة مثل «ج، هـ» لتضاف إلى مُنتجات تلك اللحوم بغرض رفع قيمتها الغذائية ودون أن يفطن المستهلك إلى وجودها. وفي الإطار نفسه، يجري استخدام بعض الأحماض الدهنية الآمنة كمواد حافظة لمنتجات اللحوم المحفوظة حيث توضع داخل نفس الكبسولات السالف ذكرها، مما يضمن المحافظة على المنتج وثبات ألوانه.

وتقوم منذ فترة وجيزة بعض من شركات الأغذية المحفوظة في أوربا بإنتاج أنواع خاصة من الصلصة المعروفة بالمايونيز Mayonnaise، تحتوي على نسب ضئيلة من الزيوت والمواد الدهنية، مع الحفاظ على المذاق المعروف عنها، وعدم المساس بخواصها التقليدية المتعلقة بالشكل، القوام واللون. وترتكز طريقة الإنتاج هنا على أن تُستبدل بقطرات الزيوت والشحوم التي تدخل في صناعة المايونيز قطرات من الماء يتم التحكم في خواص أسطحها الخارجية بحيث يتم تغليفها بطبقة زيتية رقيقة نانونية السُمك. وبديهيًا، فإن قطرة الماء الواحدة المؤلفة من عدة مليارات من جزيئات H2O توفر عددًا ضخمًا من مساحات أسطح هائلة لتلك الجزيئات المُغطاة بطبقات رقيقة من الزيوت، مما يعني استخدامًا أقل للمواد الدُهنية وانخفاض تركيزها.

كما ظهر حديثًا أيضًا في الأسواق أنواع من زيوت الطعام تتمتع بانخفاض نسبة الدهون الضارة بها، حيث يتم إضافة حبيبات نانونية إليها تعمل على تغطية الأسطح الخارجية لجزيئات الدهون الهيدروكربونية المكونة لها وتغليفها بأغشية رقيقة وذلك بغرض «حبسها» داخل تلك الزنزانات النانوية وإعاقة خلايا الجسم من امتصاصها.

ولم تكن تكنولوجيا النانو في غيبة عن التصدى لأعداء صحة الإنسان التقليديين مثل الملح والسكر المعروفة «بالسموم البيضاء». ولعل توافر حبيبات نانونية الأحجام من تلك المنتجات يمثل خبرًا سارًا يُسعد الكثيرين من محبي المذاقين؛ الحلو والحاذق. لكن، كيف يتأتى هذا؟ والإجابة ببساطة ترجع إلى المبدأ الرئيسي الذي ترتكز عليه فلسفة تكنولوجيا النانو وهو «تصغير أحجام المواد»، حيث إن تصغير مقاييس الحبيبات البلورية من كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) إلى نحو 10 نانومتر، يؤدى إلى زيادة مساحة أسطحها التي تلامس السطح الخارجي للسان داخل الفم، وبالتالي فإن هذا يؤدي إلى زيادة إحساسه بالمذاق «الحاذق» لتلك الحبيبات. وهذا يعني أنه في الإمكان إضافة « 1/4» الكمية التي ألفنا إضافتها من الملح إلى طعامنا، وذلك دون أن نشعر بأي تغير يُذكر في المذاق. وباتباع الأسلوب نفسه، يتم تصغير أحجام حبيبات السكر والتحكم في مقاييس أبعاد أقطارها، كي تُستخدم في صناعة الحلويات التي تتسق مع مرضى السكر أو مع أولئك الذين يتبعون برامج غذائية خاصة.

وحديثًا، لبت تكنولوجيا النانو مطلب الكثيرين من عشاق المشروبات الغازية وذلك عندما قامت إحدى الشركات البلغارية الشهيرة بإنتاج أقراص مضغ مكونة من مادة هلامية تشبه مكعبات الثلج الصغيرة تحتوي على بلورات نانونية الحجم تقبع بداخلها فقاعات تتراوح أبعادها مابين 1 10 نانومتر من غاز ثاني أكسيد الكربون «الفوار». ومع إضافة المذاق الخاص بالمشروب الغازي المفضل إلى تلك الأقراص الهلامية يشعر من يقوم بتناولها بأنه يشرب عبوة مشروبه المحبب الفوار.

معالجة أسطح أدوات الطهي

لتكنولوجيا النانو دور بارز في المحافظة على «نظافة» الأدوات المُستخدمة في عمليات تجهيز ومعالجة الأطعمة، وتخليص أسطحها من التراكم البكتيري وذلك في كل المراحل الإنتاجية المختلفة للغذاء. وقد استفاد قطاع الأغذية من مُنتجات حبيبات فلز الفضة الحرة التي تقل أبعاد أقطار حبيباتها عن 10 نانومتر والتي يجري توظيفها لتكون بمنزلة غطاء فلزي رقيق يُستخدم في طلاء أدوات قطع الأطعمة وكذلك أدوات الطهي والمائدة. وقد احتكرت إحدى الشركات الكورية الشهيرة المتخصصة في مجال تصنيع الأجهزة الإلكترونية والكهربية طريقة فريدة لطلاء الأسطح الداخلية للثلاجات المنزلية بطبقة رقيقة من الفضة التي أظهرت قدرة فائقة في مقاومة التكاثر البكتيري وقتل الميكروبات، مما يضمن إطالة زمن حفظ الأطعمة والمنتجات الغذائية داخل الثلاجات وعدم تعرضها للتلف.

وكما يعلم القارئ الكريم، فإن حبيبات فلز الفضة النانوية تتمتع بشراهة عالية في التفاعل الكيميائي، وذلك بسبب تضاعف أعداد وجود ذراتها الحرة على الأسطح الخارجية لحبيباتها، مما يساعدها في التحول إلى أيونات فضة شديدة الفتك للبكتريا والميكروبات.

تغليف وتعبئة الأغذية

تعد تطبيقات تكنولوجيا النانو في تعبئة وتغليف المواد الغذائية، أحد أهم المُخرجات التقنية المتقدمة في قطاع الصناعات الغذائية، حيث يتم حتى يومنا هذا تعبئة، تغليف وحفظ أكثر من 600 منتج غذائي بواسطة تقنيات تلك التكنولوجيا. وتُقدم تكنولوجيا النانو فئة جديدة من المواد المتراكبة Nanocomposites والتي يتم فيها «تسليح» البلمرات المستخدمة في التعبئة والتغليف عن طريق «تطعيمها» بحبيبات أو أنابيب نانونية Nanotubes تتمتع بخفة الوزن والمتانة العالية. وهذا يؤدي إلى تحسين الخواص الميكانيكية للعبوة وزيادة قوتها وتحملها للأحمال والإجهادات الخارجية التي تتعرض لها أثناء عمليات النقل والتخزين. وبالإضافة إلى هذا فإن تلك المواد النانوية المُضافة إلى العبوة تعمل على إنقاص أوزان العبوات الغذائية بنحو يتراوح من 2% إلى 8% 0 وتعد الحبيبات النانوية للكربون، وأكاسيد الفلزات بالإضافة إلى أنابيب الصلصال (الطَفل) وأيضًا أنابيب الكربون النانوية المواد الأكثر استخدامًا في هذا الغرض.

وبالإضافة إلى توظيف تكنولوجيا النانو في مجال حفظ المنتجات الغذائية السابقة الإعداد أو الطهي، فهي تستخدم أيضًا في حفظ المواد الغذائية الطازجة مثل اللحوم بأنواعها، الفواكه والخضراوات، المخبوزات، منتجات الألبان والوجبات الطازجة السابق إعدادها وذلك عن طريق تغليفها بأفلام رقيقة من البلمرات الشفافة التي لا تزيد سماكتها على 5 نانومتر، حيث يُدمج بها حبيبات أو أنابيب نانونية تعمل على غلق مسامها بهدف منع وصول الرطوبة إلى الغذاء الطازج الموجود داخل العبوة. وبالإضافة إلى دور تلك الحبيبات في تحسين قدرة أفلام التغليف لمقاومة درجات الحرارة العالية المحيطة بالعبوة والصمود أمام أخطار التلوث الإشعاعي، فإنها في الوقت نفسه تقوم بتفويت الفرصة أمام غازي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون من التسرب داخل العبوة. وغني عن البيان، فإن حبيبات وأنابيب المواد النانوية تعمل على تقوية الأفلام ووقايتها من التمزق أو التلف أثناء التداول.

وقد نجحت بعض الشركات المتخصصة في إنتاج مواد العبوات الغذائية بالولايات المتحدة الأمريكية واليابان خلال الفترة الأخيرة الماضية في إنتاج أفلام نانونية مضادة للأكسدة تتألف من مواد آمنة وغير سامة مثل ثانى أكسيد التيتانيوم الثنائي TiO2، أكسيد الزنك الأحادي ZnO وأكسيد النحاس الأحادي CuO، يتم توظيفها في تغليف الأسطح الخارجية للمنتجات الغذائية الطازجة مباشرة بدون الحاجة إلى إزالتها عند تناول الأطعمة المُغلفة بها. وتتميز تلك الأفلام الرقيقة بقدرة عالية على مقاومة ودحر الميكروبات التي دائمًا ما تتراكم على الأسطح الخارجية للمنتجات الغذائية الطازجة.

وفى السياق ذاته، فقد تم خلال السنوات الثلاث الماضية تسخير تكنولوجيا النانو في إنتاج أنواع متقدمة من القوارير البلاستيكية المستخدمة في حفظ عدد ضخم من الأطعمة، السوائل الغذائية والمشروبات الغازية، لتُستخدم كبديل عن القوارير الزجاجية التقليدية. وتتفوق تلك القوارير الجديدة على نظيرتها المصنعة من الزجاج بمتانتها وعدم تعرضها للكسر أثناء عمليات النقل والتداول. كما تُتيح تلك القوارير التي يتم تقويتها عن طريق إضافة أنابيب وحبيبات نانونية من الصلصال إليها، بالقدرة على الاحتفاظ بمحتواها الغذائى السائل دون تلف، وذلك لمدد زمنية طويلة تصل إلى 18 شهرًا.

ولا يقتصر دور الحبيبات النانوية المُضافة إلى مواد العبوات الغذائية على ما سبق ذكره فحسب، بل إنها تؤدي في الوقت ذاته دورًا مهمًا آخر حيث إنها تعمل كحساسات نانونية Nanosensors تُوظف لمراقبة سلامة المنتج الغذائى المُغلف وبيان صلاحيته. وتُعد الحساسات المكونة من حبيبات نانونية الأحجام من أبسط وأرخص الأنواع الكاشفة عن حالة المنتج الغذائي المعبأ وسلامته. ويتم كذلك استخدام تلك الحساسات البسيطة في اكتشاف أية تغيرات قد تطرأ على الغذاء المحفوظ في الحاويات الخاصة بتبريد الأطعمة والمواد الغذائية، وكذلك داخل أماكن عرضها ومنافذ البيع والتوزيع.

وتعتمد فكرة عمل هذه الفئة من الحساسات في اكتشاف وجود الأنشطة البكتيرية والميكروبية على التغير التدريجى الطارئ على ألوان حبيباتها. ونظرًا لما تتمتع به الحبيبات المُكونة لتك الحساسات بمساحة أسطح كبيرة، فإن هذا يجعل منها مُستشعرات شديدة الحساسية تعمل عند أقل تركيزات بكتيرية أو ميكروبية. هذا وتُضاف إلى حبيبات الحساسات النانوية حبيبات أخرى فائقة النعومة تقوم بمقاومة الأنشطة البكتيرية ومقاومة الأكسدة، مما يزيد من مدد صلاحية المُنتجات الغذائية وبقائها على أرفف منافذ البيع دون تلف.

وهناك أنواع أخرى متقدمة من الحساسات البيولوجية Biosensors التي تتألف من أنابيب الكربون النانوية، حيث يسبب تصاعد الأبخرة الغازية الناتجة عن تلف الغذاء داخل العبوة في تغيير الموصلية الكهربية لتلك الأنابيب فائقة الحساسية والتى يتم ترجمتها إلى إشارات إلكترونية يتم تضخيمها لتُلتقط بوساطة أجهزة استقبال يدوية أو مركزية يزود بها العاملون في وحدات مراقبة الجودة وسلامة الغذاء. ويمكن للقارئ المهتم بمعرفة المزيد عن موضوع الحساسات النانوية وتطبيقاتها المتنوعة في عدد من المجالات، التفضل بمراجعة ما كتبه مؤلف هذا المقال أو أى مادة علمية أخرى - في مجلة التقدم العلمى الصادرة عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمى في عددها رقم 69 الصادر في يونيو 2010.

ومما سبق عرضه من أمثلة ونماذج متعلقة ببعض التطبيقات النانوية في قطاع صناعة المُنتجات الغذائية وتنمية مواردها وضمان سلامتها وجودتها، يتضح جليا. وليس ثمة دليل فإن الغذاء الصحي السليم الخالي من الملوّثات يمثل ضرورة قصوى باتت مطلبًا ملحًا وضروريًا، فقد تعلمنا منذ الصغر أن العقل السليم في الجسم السليم. وقد يتفق معي القارئ الكريم بأن الخطط الراهنة المعنية بتوفير الغذاء الصحي السليم لشعوبنا العربية في حاجة إلى مراجعة. ولعل تطبيقات تكنولوجيا النانو في التغذية تمثل أحد أهم الحلول القوية التي يمكن توظيفها ببلداننا العربية لمكافحة هذا الكم الهائل من المشكلات الصحية «المورثة» والناجمة عن العادات الغذائية «التراثية» في منطقتنا، حماها الله من كل مكروه.

 

 

محمد شريف الإسكندراني

 




تزخر اليوم المجمعات الاستهلاكية والمراكز التجارية المتخصصة في بيع السلع الغذائية بعشرات من منتجات الأغذية النانوية التي أضحى من الصعوبة حصرها





مكنت تكنولوجيا النانو الشركات العاملة في إنتاج المواد والسلع الغذائية من تقديم أنواع مختلفة من المخبوزات، الحلوى والأيس كريم وأصناف مختلفة من الصلصلة، منخفضة السُكريات والدهون





صورة تُمثل احدى العبوات الغذائية المصنعة من متراكبة البلمرات المدعمة بحبيبات نانوية من الكربون. وتظهر في الصورة المادة الغذائية الطازجة بعد أن تم تغليف عبوتها بغطاء رقيق شفاف مصنوع من مادة البلمر جرى تدعيمه بحبيبات من ثاني أكسيد التيتانيوم