محمود شاكر:(بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لوفاته)

محمود شاكر:(بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لوفاته)

شعر

قضاءٌ وما للمرء فيه سوى الصّبْر

وتسليمنا لله في الحُلْو والمُرِّ

ترى أيّ سرّ لا سبيل لعلمه

وراء انطلاق الروح من ربقَة الأسْر

وقد قالها الشيخ المعرّى:"إننا

بنو سَفَر أو عابرونَ على جسْر"

حياة كظلّ زائل أو كَهَجْعة

وإن راوغتْ عنها مطاولةُ العُمْر

***

أمحمودُ إن ترحَلْ فروحُكَ لم تَزَلْ

تُطيف بنا من حيث ندري ولا ندري

سنذكر ناديك الذي كان روضة

جَنَيْنا فنوناً فيه من ثمر الفكر

وكنت به - من غير زَهْو - معلمًا

يُفيض علينا من تجاربه الكـُثْر

إذا ما الجدال احتدّ فيه شرعته

لساناً كحدّ السيف أو مبضع البتْر

ومن دونه وَجْهٌ يشفّ بشاشةً

وقلبٌ حفيلٌ بالبراءة والطـُهر

أمانةُ علم قد تَجَشّمت حَمْلَهَا

وإنْ يرَ فيها البعض فاقرةَ الظّهْر

هجرتَ لها عزّ المناصب فاغتدى

بها لَكَ عزٌ خالدٌ أبَدَ الدهر

أبَنْتَ لنا معنى الكرامة شامخاً

وكيف تكونُ الكبرياءُ بلا كبْر

وأطلقت في دنيا العروبة صيحةً

تدَاعَتْ لها الأقطارُ مصراً إلى مصر

تَحَدّيت سلطان الطغاة وقهرهم

بعَزْمة مَشّاء على الشوك والجمر

وأنت وحيدٌ لا سلاحَ تُعدّهُ

سوى صفحة بيضاءَ أو قلم حُرّ

وقُلْتَ لهم ما قال من قبلُ يوسُفٌ

وقد سيمَ إثماً بالكراهة والقَسْر

أحبّ إليّ السجْنُ ممّا عَرَضْتُمُ

إذا وُطئتْ حريّة القول والفكر

وفي قوسك العذراء أبلغ آية

نشرتَ بها الشمّاخَ من ظُلْمة القبْر

وفي المتنبى شمْتَ مخبوءَ نَفْسه

كأنك من مكنونه مَوْضعُ السّرّ

سلكتَ طريقاً في مجاهل شعرْ

سلوكَ شعاع الشمس في مُلتقَى الذّرّ

وجلّيْتَ من شيخ المَعَرّة عَالَمًا

تَقَحّمَ فيه جاهلونَ بلا خُبْر

(ضفادعُ في ظلماء ليل تجاوَبَتْ

فدلّ عليها صَوْتُها حَيّة البحر)

وما كنتَ في تلكَ المعارك ظالماً

ولكن خصيمٌ للخديعة والمكـْر

صَدَعْتَ بسيف الحقّ باطل إفكهمْ

كما انْجَلت الظلماءُ عَنْ وَضَح الفَجْر

***

ظللتَ على مرّ السنين مُحاربًا

نرى فيكَ فَرْس الليث أو هَجْمَةَ الصّقر

وقد آن أن تأوى إلى ظلّ أيْكَة

تحوطكَ بالأفنان والورق الخُضْر

وحقّ لطرْف طالما قد عَلَوْتَهُ

جَلَوْتَ به آيات نظمكَ والنّثْر

بأن يتملّى راحَـةً بعد خَوْضه

- بغَيْر تَشَكّ - كلّ مُعْتَرك وَعْر

رَضيتَ جوارَ الله فاهْنأ بقُربه

ونَمْ وادِِعَ المَثْوى به يا (أبَا فهْر)

 

محمود علي مكي

 
  




محمود شاكر