يقول العالم الأمريكي بول بريج في كتاب بعنوان "معجزة الصوم": "إن الصوم في رأيي هو الطريقة الوحيدة لتخليص الجسم من السموم التي تنتجها المصانع" وليس قوله ذلك وقفاً على ما تنتجه المصانع من عوادم, بل هو ممتد إلى مايختلط بطعامنا من سموم كنا نحسب بعضها غير ذلك. فلقد كانت وجباتنا الغذائية ولسنين عديدة مثقلة بالإضافات التي تبين أنها خطيرة برغم التأكيد على أنها "غير ضارة". ومع ذلك فإن العديد منها مازال يستعمل حتى الآن. كالملح, وهنا لابد من ذكر الحقائق التالية عن الملح:

1 ـ إن الملح ليس طعاماً والمبرر لاستخدامه ليس أكثر مما هو لاستعمال كلور البوتاسيوم أو الكالسيوم أو الباريوم..

2 ـ الملح لا يهضم, أي لا يمتص من قبل الجسم, وهو لا يملك أية قيمة غذائية فلا يحتوي على أية فيتامينات أو مواد عضوية, ولكن العكس فإنه مؤذ ويمكن أن يسبب جملة من الأضرار للكليتين وللمرارة وللمثانة وللقلب وللشرايين والأوعية الدموية الأخرى, ويمكن أن ينزع الماء من الأنسجة ليوصلها إلى حالة حرجة.

3 ـ الملح سم للقلب بالإضافة إلى أنه يزيد إثارة الجملة العصبية.

4 ـ يساعد الملح على غسل الكالسيوم من الجسم ويؤثر على الغشاء المخاطي المبطن للأمعاء والمعدة. وإذا كان الملح يسبب كل هذه الأضرار للجسم, فلماذا يستخدم على نطاق واسع هكذا?

على الأغلب لأن تمليح الطعام صار عادة, تعود جذورها إلى آلاف السنين ولكن هذه العادة قائمة على سوء فهم حقيقي. إن الزعم بأن الملح ضروري للجسم ليس أكثر من خرافة, فهناك شعوب عديدة لا تأكل الملح ولاتعاني من أي نقص كالإسكيمو.

يفسر عالم الكيمياء الحيوية "بونجيه" ظهور عادة استهلاك الملح, أي كلور الصوديوم بأنه في عصور ماقبل التاريخ كان هناك توازن في توافر أملاح الصوديوم والبوتاسيوم, ولكن الأمطار المستمرة لمئات عديدة من السنين غسلت من القشرة الأرضية أملاح الصوديوم الأكثر ذوباناً فظهر نقص في أملاح الصوديوم وفائض في أملاح البوتاسيوم في التربة وفي النبات على التوالي, ونتيجة لذلك ظهرت لدى الحيوانات والإنسان الرغبة في القضاء على نقص الملح فوجدوا بديلاً سيئاً وخطراً جداً على الصحة هو كلور الصوديوم اللاعضوي أو مايسمى بملح الطعام والذي يؤذي جميع أعضاء الجسم ولذلك يمكننا أن نفهم لماذا يظهر بعد تناول الأملاح العطش المفاجىء.. فليس ذلك أكثر من محاولة من قبل المعدة للتعامل مع المواد غير الضرورية والتخلص منها مع تيارات الماء إلى الكلى. وعند وصولها إلى الكلى, يمكنكم أن تتصوروا أي تأثير يبديه الملح على المرشحات الناعمة للكلى التي تعتبر الأكثر معاناة من الملح, فماذا سيحدث إذا أخذنا من الملح كمية أكبر مما تستطيع الكلى معالجته? إن الفائض من الملح يتوضع في الأجزاء المختلفة من الجسم وخاصة في الأقدام والجزء الأسفل من الساق مما يؤدي إلى انتفاخها. ومن أجل حماية الأنسجة من هذا السم, يسعى الجسم آلياً إلى تذويب الملح وذلك بتخزين الماء في الأجزاء التي يتوضع فيها, وحالما تبدأ الأنسجة برفع نسبة الماء فيها فإنها تنتفخ وتتورم مرضياً من الأقدام, أو الكواحل.

ويعتبر اليابانيون أكثر شعوب العالم استهلاكاً للملح, وهم بالتالي أكثر الشعوب إصابة بارتفاع الضغط الشرياني.

وعندما تعرض الفيلق الألماني في إفريقيا بزعامة "روميل" إلى هزيمة نكراء في معركة "العلمين" وانسحب مئات الأميال في الصحراء الخالية, وجد الإنجليز أن جنود الجيش المنهزم المستسلم كانوا في حالة جيدة برغم أن الجنود النازيين لم يزودوا باحتياطي من أقراص الملح, وهذا يتطابق مع المعطيات العديدة لتجارب العلماء التي أجريت في ظروف صحراوية, ودون تناول ملح إضافي. ووفقاً لهذه المعطيات فإن الإنسان بعد بضعة أيام من التأقلم يكف عن فقدان الملح بالتعرق ومن المحتمل أن هناك آليات فسيولوجية تحول دون فقدان الصوديوم.

ربما تناهى إلى سمع كل منا أن الحيوانات تقطع أميالاً عدة لتصل إلى مكان يمكنها أن تلعق الملح فيه وعندما تم البحث عن هذه الأماكن وجد أنها تشترك في خاصية واحدة وهي الغياب التام لكلور الصوديوم "ملح الطعام", وفوق كل ذلك لم تكن في هذه الأماكن أي مركبات عضوية أو لاعضوية للصوديوم إطلاقاً.

فلماذا إذن تعطى الأبقار الكثير من الأملاح؟

لا شك أن الإنسان الذي صرف نقوده على مزرعة الحليب يحاول الحصول على الحد الأقصي من الربح وقد لاحظ المزارعون أن إضافة الملح إلى علائق الأبقار يجبرها على شرب كميات كبيرة من الماء وهذا مايزيد مردود الحليب.

إن أعلى ضغط للدم في الولايات المتحدة الأمريكية هو لدى الزنوج وهذا عائد إلى أن الملح مادة أساسية في أغذية الزنوج, خصوصاً أنهم يأكلون لحم الخنزير المملح. فلماذا نلجأ إلى تناول هذه المادة السامة بصورتها اللاعضوية, إذا كنا نستطيع أن نأخذ حاجتنا من الصوديوم من مصادر طبيعية أعدتها الطبيعة لنا, كالشوندر والكرفس والجزر والبطاطا والفجل والقرنبيط البحري والأغذية الطبيعية الأخرى?

الصوم يطرح الملح من الخلايا

لقد لاحظ "بريج" أن الصوم حتى أربعة أيام يسمح بطرح الملح من الجسم شرط أن يستعمل الماء المقطر وحتى الماء العادي أثناء الامتناع عن الطعام وخلال فترة الصوم هذه يجب ألايدخل أجسامنا أي شيء سوى الماء المقطر أوالعادي الذي يمكن أن نشرب منه ما نشاء.

ويمكن التأكد من أن الجسم تخلص من الملح وذلك بأخذ عينة منه بعد الصوم وتركها مدة يومين إلى ثلاثة أيام لنلاحظ كلور الصوديوم المترسب في قعر الزجاجة مع مركبات أخرى طرحها الجسم نتيجة توجيه قواه الحيوية للتنظيف الداخلي خلال الصوم.

وعندما يخرج الملح من الجسم فكم ستعمل الكليتان بحرية وسيتوقف جفاف الفم والعطش غير العادي ويمكنكم عندها أن توجهوا انتباهكم إلى مرونة الجلد ونشاط العضلات وستزول التورمات وستبدون أكثر شباباً ورشاقة.

إن الصوم لمدة 24 ـ 36 ساعة أسبوعياً سيساعدنا على تنظيف أجسامنا من الملح "السري" الذي نتناوله يومياً من خلال الأغذية المملحة.

ويقول بول بريج: أنا لا أنصح بالصوم كعلاج من المرض!

أنا لا أمارس العلاج. أنا لاأؤمن بأي دواء غير الطبيعة, وكل مانستطيع فعله هو تعزيز القوى الحيوية للجسم بالصوم وذلك لقهر الضعف, فالعلاج هو قضية داخلية للجسم نفسه بشكل خاص. ولكنكم أنتم المسئولون عن آلامكم وأمراضكم وشيخوختكم قبل الأوان, لأنكم تعيشون نمطاً حياتيا غير صحيح, أنتم أنهكتم أجسامكم, والمواد السامة الآتية من مصادر عديدة تسممكم.. لذا عززوا قواكم الحيوية بالصوم واتبعوا نمطاً طبيعياً في الحياة وعندها سيولي الوهن بعيداً. إذا كنتم تريدون فيضاً من الطاقة وصحة رائعة إذن اعملوا مع الطبيعة وليس ضدها!

فالصوم ـ مفتاح المستودع حيث تخزن الطبيعة الطاقة الضرورية لكم, وهو يصل إلى كل خلية, إلى كل عضو وينتج القوى الحيوية, ولاأحد سيقوم بذلك عوضاً عنكم.

لا أحد يمكنه أن يأكل بدلاً منكم, وأنا واثق من أن 99% من الأمراض يحدث بسبب التغذية غير الطبيعية والخاطئة.

العدو داخلنا

إن أسلوب الحياة المعاصرة يسمم أغلى ما نملك ـ يسمم الدم, وفي الوقت الذي يجب أن يملك الجسم فيه تفاعلاً قلوياً, فلدى الأغلبية من البشر دم ذو تفاعل حامضي. إن أغلبية أمراضنا, بدءاً من الصداع وسوء الهضم إلى البثور والرشح تظهر نتيجة الحماض (Acidosis) والذي سببه التسمم الذاتي. فما العمل حتى تتحيد هذه الحموضة? والجواب هو بإشباع الدم بالمكونات القلوية بالتغذي على الخضار والفاكهة الطازجة غير المسممة. ويجب أن تتكون الوجبات الغذائىة بنسبة 60% من الخضار والفواكه النيئة والمطبوخة والابتعاد عن الأطعمة التي تعطي تفاعلاً حامضياً كالسكر والكربوهيدرات والقهوة والشاي والكحول والمعجنات والشحوم.

إن الدلائل الأولى للأحماض هي طبقة رمادية على اللسان, سرعة الغضب, احتقان الدم في الوجه, وإذا ما أصبح مزمناً فإنه يؤدي إلى الارتفاع المستمر للضغط الدموي وبعد ذلك إلى تصلب جدران الشرايين. وبذلك تكتمل السلسلة: حمية حامضية, تسمم ذاتي, ضغط دموي مرتفع, شرايين متصلبة, موت مبكر.

الصوم من أجل التنظيف

عندما تصومون 24 ـ 36 ساعة أسبوعياً أو 7 ـ 10 أيام أربع مرات في العام فإن القوى التي تحمل العافية تبدأ العمل في أجسادكم. إن هذه القوى تنقي أجسامكم وتجددها وعندما تنتقلون إلى الصوم الكامل مع استعمال الماء المقطر أثناء الصوم عن الطعام فإن القوى الحيوية التي تصرف عادة على المضغ والهضم والامتصاص والإطراح تستعمل من أجل تنقية الجسم, ولهذا السبب فإن الصوم يعتبر تنقية داخلية عميقة وراحة فسيولوجية من أجل تجديد القوى الحية ولعل الصوم هو الأسلوب الوحيد لتخليص الجسم من بللورات الأحماض السامة التي تتراكم على مر السنين بسبب الإفراط في الأطعمة الحامضية والسامة, والتي تسبب آلام الفقرات القطنية والظهر والمفاصل, وإذا كان البعض يتذرع بالقول: "المفاصل تؤلمني لأني أشيخ" فإن هذا غير صحيح لأن السبب الحقيقي هو بللورات الأحماض السامة التي لاتتحطم ولاتطرح خارج الجسم إلا بالصوم.

لكن لماذا شرب الماء المقطر فقط أثناء الصوم?

لأن هذا الماء لايحتوي على أية مواد معدنية وهو حر من العناصر المعدنية, أما إذا كنتم تتناولون الماء العادي فإنكم تتناولون الكثير من العناصر المعدنية والمواد اللاعضوية وعندها فإنكم لاتقومون بالصوم.

إن الماء المشبع بالمواد اللاعضوية كالصوديوم والحديد والكالسيوم يعرف بالماء العسر الذي يسبب تشكل الحصيات في الكلى والمرارة, وكذلك تصلب الأوردة والشرايين والموت فيما بعد. إن سكان الجزر في العالم عادة ما يشربون ماء المطر الذي يجمعونه في خزانات معدة لهذا الغرض مثل جزيرة بورمودا وجزيرة كابري التي بنى فيها الإمبراطور تيبرويوس (42 ق.م ـ 37م) خزاناً كبيراً لجمع الماء المطري لايزال الناس يستخدمونه وقت الجفاف.

يروي بول بريج أنه أثناء جولة له في جزر بولينزسكي رأى السكان الأصليين الوسيمين والأصحاء الذين لم يشربوا بتاتاً أي ماء سوى الماء المقطر "إما ماء المطر أو ماء جوز الهند الطري والنقي", وبأنه لم يلتق في أي مكان آخر في العالم برجال ونساء بهذا الجمال والنضارة كما في هذه الجزيرة. سكان هذه الجزيرة لايعرفون أعمارهم حتى أنه ليس في لغتهم كلمة "العمر" وهم لايحتفلون بأعياد ميلادهم لأنهم يتغيرون قليلاً مع الزمن ويرقصون رقصاتهم الحماسية بنشاط ليس دون مستوى الشباب. الماء المقطر هو الماء الأنقى الذي يساعد على إذابة السموم التي تتراكم في جسم إنسان الحضارة المعاصرة.

مدة الصيام

إن 60 ـ 70% من الناس الذين يدعون "أصحاء" يمكن أن يموتوا بسبب طرح السموم المتراكمة في أجسامهم فيما إذا صاموا صوما طبيا لمدة طويلة ولنقل 21 ـ 35 يوماً.

إن الصوم الطبي الطويل ينبغي أن يتم تحت إشراف اختصاصي, لأنه يستطيع وبشكل أفضل أن يحدد لحظة إيقاف الصوم, خاصة في حالة تسارع طرح السموم ولذلك فمن الأفضل اتباع الصوم لمدة 24 ـ 46 ساعة كل أسبوع ثم بعد ذلك 3 ـ 4 أيام كل شهر أو 7 ـ 10 أيام كل فصل وبعدها ستدركون أية تغيرات رائعة ستحدث في أجسامكم.. إن الكلى ستقوم بطرح السموم المتراكمة حتى أنكم ستقدرون بالصوم على التخلص من بقايا الأدوية المحفوظة في أنسجتكم لسنوات طويلة والتي يدخل في تركيب بعضها الزئبق. بعد إنهاء الصوم فإن الطعام الأول الذي يجب تناوله هو سلاطة الخضار الطازجة ويمكن إضافة عصير الليمون أوالبرتقال كتوابل.. إن هذه السلاطة تؤثر على الجهاز الهضمي مثل مكنسة تمنح العمل لعضلاته. بعد السلاطة يؤخذ الخضار المسلوق, وتذكروا أنه ينبغي عدم إيقاف الصوم بأطعمة كالحليب واللحم والجبن والزبد والسمك أو الجوز والبذورات.. أما الوجبة الثانية فيمكن أن تكون لحما أو أي شيء آخر.

ولابد من التذكير مرة ثانية بأن الصوم هو الأسلوب الوحيد أمام الإنسان المعاصر الذي يعيش في عالم مسموم هواؤه وماؤه وأطعمته لطرح السموم التي تتراكم في الجسم, بغض النظر عن المحاولات الجارية لإيقاف التلوث المرعب الذي يعاني منه كوكبنا. وإذا كان المقصود هنا هو الصوم الطبي, فإن في ذلك إشارة أكيدة إلى مايتضمنه الصوم الديني ـ في شهر رمضان الكريم ـ من معجزة بينة في عالم الروح, ومعجزة تستبين في عالم المادة الذي تجتاحه ملوثات الصناعة والحياة الصنعية.