بكائية على أطلال المشروع القومي

بكائية على أطلال المشروع القومي

في بداية القرن العشرين, كان "المشروع القومي" يوتوبيا حلم بها الرعيل الأول من مفكري اليقظة العربية, لاتبعث في نفوس الذين يدعون إليها ويسعون لتحقيقها, إلا مشاعر سعادة بالغة, وحماسة جارفة, وعزم أكيد, على إقامة دولة عربية على أرض الأحلام, تمتد من الخليج إلى المحيط, ومن البحر إلى النهر, وتبسط جناحيها على موارد بشرية وطبيعية هائلة, وتتميز بموقع استراتيجي فريد, تتوزع أقطارها بين قارتين مهمتين ـ آسيا وإفريقيا ـ تربط بينهما, وتربطهما بأوربا, وتتحكم في قسم مهم من طرق التجارة الدولية بين الغرب والشرق, وتقبع حدودها بين موانع طبيعية تحصنها ـ لو أحسنت الاستفادة منها ـ ضد الغزو والاجتياح.

وهي كلها مزايا, تؤهل "الولايات العربية المتحدة" لكي تكون مدينة فاضلة, ودولة عظمى في مستوى الإمبراطوريات التي عرفتها خريطة العالم السياسية, منذ بزغ عصر القومية, لاتقل غنى أو قوة, أو تأثيراً في النظام الدولي, عن دول مثل "الولايات المتحدة الأمريكية" أو "المملكة المتحدة" أو ماكان يعرف بـ "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية"!

في نهاية القرن, لم يعد للمشروع القومي نفس وهج الحلم القديم, وتناقص عدد الذين يتحمسون له, أو يدعون إليه, وانعدم أو كاد عدد الواثقين من إمكان تحقيقه, بل ربما أثار الحديث عنه, سخرية بعض أحفاد ذلك الجيل الأول من رواد حركة اليقظة العربية, ممن باتوا يرونه نموذجا لوهم لم ـ ولن ـ يتحقق.. أما الذين عاصروا آخر حلقة من محاولات تحقيق المشروع القومي, كجيلنا, فقد أصبح البكاء عليه شائعاً في كتاباتهم, كما كان البكاء على الأطلال شائعاً في مطالع قصائد عرب الجاهلية, بعد أن أصبح ـ هو الآخر ـ طللاً للحلم الضائع, والعز الزائل والمجد الراحل, لايستدر ذكره سوى الدموع, ولا يستدعي تذكره إلا الحسرات.

يحدث ذلك مع أن الحقائق الجغرافية, والمبررات التاريخية التي استند إليها رواد اليقظة العربية في الدعوة للمشروع القومي لم تزل كما هي, لم يتغير معها شيء, وستظل كذلك, لايتغير منها شيء, لأنها أقرب إلى الحقائق الطبيعية, التي لاتبدلها الأزمان, فالعرب لايزالون قومية واحدة, يعيشون على أرض متصلة تشكل سوقا اقتصادية واحدة يمكن ـ بسهولة ـ أن تتصل, ويجمع بينهم تكوين نفسي مشترك, كونته اللغة الواحدة والثقافة الواحدة, والتاريخ الواحد, والعادات والتقاليد الواحدة.

ولا يزال المشروع القومي, هو الأصلح لكل قطر من أقطارهم على حدة, ولهم كحزمة واحدة, وهو الكفيل بأن يحقق لكل منهم مصالحه, ويصون له أمنه, ويحتفظ لهم ـ كأمة ـ بمكانتهم على خريطة نظام دولي جديد, في طور التشكيل.

بل ويحدث, بعد قرن من الزمان, تغيرت فيه أحوال العرب ـ السياسية والاقتصادية بل والحضارية ـ من العسر إلى اليسر, ومن الفقر إلى الغنى, ومن الجهل إلى العلم, ومن التخلف إلى التقدم.. فقد بدأ الجيل الأول دعوته للمشروع القومي, في وقت كانت فيه معظم الأقطار العربية, إما إيالات عثمانية, أو مستعمرات أوربية, لاتملك من أمر نفسها شيئا, وكان ذلك هو الدافع الذي ألهم رواد حركة اليقظة العربية, فكرة الدعوة لإحياء المشروع القومي, واثقين ـ من شواهد التاريخ ـ أنه سيخرج العرب من فقرهم وجهلهم ومرضهم.. فكيف تسمو أحلام العرب, وهم فقراء وضعاف ومستعمرون, إلى أفق التفكير في إنشاء دولة عظمى, تضمهم جميعاً, وتطاول القوى الكبرى.. ثم تتواضع وهم أغنياء ومستقلون, ولاتخلو أيديهم من أوراق القوة, فلا يعود لديهم هدف إلا الاحتفاظ بكياناتهم القطرية الصغيرة, ضمن حدود "آمنة ومعترف بها" ولايعود لديهم شعار إلا:"الأقارب عقارب"?.

والجماهير كما النظم

ولماذا تراجع المشروع القومي العربي, هذا التراجع السريع الحثيث, فلم يعد يقتصر على تحفظ النظم الحاكمة, أو ترددها في إنهاء وجودها المستقل, والتضحية بسلطتها القطرية, في سبيل إقامة دولة موحدة لها سلطة سياسية واحدة, بل طال ـ كذلك ـ الجماهير العربية, التي تراجعت مشاعرها القومية الوحدوية, منذ بداية التسعينيات, لتتقدم مشاعرها القطرية الانفصالية وتترسخ?

تلك أسئلة لابد وأن تكون الإجابات المتعددة عنها, هي النقطة الأولى في جدول أعمال المفكرين العرب, وأن تكون موضوع حوار طويل وعميق ومفتوح إلى آخر مدى, ومن دون أي حساسيات, يبدأ من الآن, وينتهي قبل أن يطوي القرن العشرون آخر سنواته, لدراسة عوامل الصعود والهبوط في منحنى الحماس الشعبي للمشروع القومي, خلال هذا القرن, وتقييم المحاولات التي جرت لتخليقه, وقياس الأعراض الجانبية التي تخلقت عن تلك المحاولات, والأهم من هذا وذاك, لإعادة النظر في ملامح المشروع, وآليات تنفيذه, على ضوء تجربة القرن الذي يوشك أن يصبح ماضياً وتحت أضواء القرن الذي يوشك أن يصبح حاضراً, تتقدمه "رايات العولمة" التي تنظر إلى كل ماهو قومي نظرة لاتتنزه عن الاستخفاف..

ثلاث محاولات

تلفت المحاولات الثلاث التي جرت لتحقيق المشروع القومي في التاريخ الحديث والمعاصر ـ النظر بما بينها من مشتركات ومشابهات, وعوامل صعود ومبررات انهيار, بالرغم من الطول النسبي للمسافة الزمنية التي جرت على امتدادها تلك المحاولات, والتي تصل إلى قرنين من الزمان ـ بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن العشرين ـ انقلبت خلالها أوضاع الأمة, وأوضاع العالم.. لكن التغير في سمات تلك المحاولات, لم يكن كبيراً بالدرجة نفسها.. بل وظلت بعض ملامحها ثابتة تتحدى كل تغيير.. من هذه السمات, أن الفرص التي أخذها المشروع القومي للتحقيق, كانت قصيرة العمر نسبيا, إذ لم تستمر المحاولة الأولى ـ وقد قادها الأمير المملوكي "علي بك الكبير" ـ سوى خمس سنوات "1773 ـ 1868م." تفككت بعدها الدولة العربية الموحدة, التي استقل بها, وضمت مصر والجزيرة العربية والشام "فلسطين وسوريا ولبنان", وعادت هذه الأقطار مرة أخرى إلى حظيرة الدولة العثمانية, وتوقف ضرب السكة باسمه, والدعاء له على منابر المساجد, باعتباره "سلطان مصر, وخاقان البحرين" "الأبيض والأحمر". ولم تعش المحاولة الثانية التي قادها "محمد علي الكبير" سوى أقل من عشر سنوات, هي الفترة التي وصلت فيها دولته إلى أقصى اتساع لها, وأعاد خلالها إحياء دولة "علي بك الكبير", وأضاف إليها ـ من الأقطار العربية ـ السودان.

أما آخر هذه المحاولات ـ حتى الآن ـ فهي الوحدة المصرية السورية التي أسفرت عن تشكيل دولة اندماجية, لم تعش سوى ثلاث سنوات فقط "1958/1961", عاد بعدها كل شيء إلى ماكان عليه.

ومن بين هذه المشتركات كذلك, أن المشروع القومي كان يتخذ من أحد الأقطار العربية المتقدمة حضاريا, قاعدة ينطلق منها لبناء نفسه, وقد كانت "مصر" هي هذه القاعدة, خلال المحاولات الثلاث, ليس فقط لأنها كانت أكثر أقطار الأمة تقدما, ولكن لأنها ـ كذلك ـ تتوسط بين المشرق والمغرب, الذي لم يظهر له وجود ملموس في المحاولتين الأوليين لتحقيق المشروع القومي, وكان في خلفية الصورة أثناء المحاولة الثالثة.. وربما لو طال عمر إحدى هذه المحاولات, لألهم اتخاذ المشروع القومي لمصر, مركزاً له صناعه على أن يمدوا خطوطه إلى نهايته الطبيعية عند المحيط.

كما يلفت النظر كذلك, أن هذه المحاولات, تدين بوجودها, إلى تيارات تاريخية, كانت تملك أفقا واسعاً وبصيرة استراتيجية أوفر من المعتاد, لم تكن فحسب, وراء إدراكها لما يمكن أن تحققه محاولة تنفيذ المشروع القومي من مصالح سياسية واقتصادية وحضارية للشعوب العربية, بل كانت كذلك وراء قراءتها الصحيحة لخريطة الصراعات السياسية الدولية في زمنها, التي شجعتها على المضي قدما نحو تنفيذ المشروع القومي, حتى قبل أن يتخلق هذا المشروع في نص نظري مكتوب.

ولم يكن ممكناً أن تجرى محاولات تنفيذ المشروع القومي العربي, بعيداً عن الصراعات الدولية, ليس فقط لأنه كان أحد الأصداء المباشرة للحركات القومية التي فشت في أوربا وفي العالم منذ منتصف القرن الثامن عشر, ساعية للاستقلال والوحدة, ولكن أساساً بسبب الشكوك العربية في أن تكون الوحدة القومية العربية, وسيلة للتحكم في شرايين التجارة الدولية, التي شاءت المصادفات الجغرافية, أن يقع جزء مهم منها في أرض العرب.

وهكذا أصبح المشروع القومي قضية دولية, كما هي محلية, فلم يستطع أحد القادة الثلاثة, الذين غامروا بمحاولة تنفيذه أن يفعل ذلك خارج نطاق الموازنات الدولية السائدة في عصره بل كان اللعب على التناقضات بين الدول الأوربية, أحد أهم الأسلحة التي مكنتهم من ذلك, كما كان هبوط تلك التناقضات, أحد أهم الأسلحة التي أنهت العمر القصير لتلك المحاولات:

اعتمد "علي بك الكبير" على التناقض الحاد بين الدولة العثمانية وكل من دولتي البندقية وروسيا القيصرية, اللتين دعمتاه, مما شجعه على أن ينتهز فرصة الحرب الروسية التركية ليعلن استقلال مصر, ويبدأ زحفه إلى الشرق, ثم إلى الشمال الشرقي, فينشىء دولته العربية, ويفتح طريق البحر الأحمر أمام التجارة الأوربية ويعقد معاهدة سلام مع البنادقة, ومعاهدة دفاع مشترك مع الروس, ومع أن الحرب انتهت بهزيمة العثمانيين أمام الروس, فإن الخيانة الداخلية كانت هي التي قضت على مشروع "علي بك الكبير", فلم يستفد كثيراً من دعمهم.

عداء خارجي ثابت

واعتمد "محمد علي" على شبكة من التناقضات المعقدة بين الدولة العثمانية والثائرين عليها, ثم بينها وبين الدول الأوربية, وبين هذه الدول وبعضها البعض.. إلى أن تحالف الجميع ضده, وأجبروه على تصفية مشروعه القومي والارتداد داخل حدود مصر.

وطرح "عبدالناصر" مشروعه القومي, في حقبة الحرب الباردة, واستفاد من التناقض بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي, وتواكبت تصفية مشروعه, مع بداية العد التنازلي لتصفية المعسكر الذي اضطر ـ في النهاية ـ للاعتماد عليه.

أضعف الاعتماد على الخارج, محاولات تنفيذ المشروع القومي خاصة في الحالات التي كان السلاح الرئيسي, وربما الوحيد لها هو سلاح التناقضات بين القوى العظمى, أو تلك التي لم تتح لها الظروف, الوقت الكافي لبناء أساس من القوة الذاتية, التي تمكن المشروع القومي من الصمود, حين يهبط التناقض الخارجي أو يتحول إلى تآمر مشترك للقضاء عليه, وهو مانلحظه بوضوح في محاولتي "علي بك الكبير" و "جمال عبد الناصر".

أما الأسوأ من ذلك, فهو أن الموقف المعادي, الثابت والمبدئي, الذي اتخذته القوى الخارجية من المشروع القومي, قد أضعفته ـ كذلك ـ ملكة الاستنتاج لدى العرب, وحالت بينهم وبين القراءة الصحيحة, لأسباب صعود وانهيار المشروع القومي, فاعتمدوا مؤامرات الإمبريالية, كسبب وحيد لفشل هذا المشروع, وأراحوا أنفسهم من البحث عن أسباب هذا الفشل داخل أنفسهم.. وفي بنية مشروعهم.

سبب النجاح.. سبب الفشل

ربما كان سببا للنجاح أن الذين تزعموا المحاولات الثلاث التي جرت لتنفيذ المشروع القومي, كانوا ـ أساساً ـ من العسكريين, وأن تأسيس جيش وطني, كان من بين أهدافهم الواضحة المعلنة, بل وكان أولى خطواتهم في الطريق إلى تحقيق مشروعهم.. وبطبيعة الأمور, قاد ذلك إلى نهضة حضارية شاملة في الصناعة والزراعة والتجارة والتعليم, لم تترك مجالاً من مجالات النشاط إلا وقفزت به إلى الأمام.

وربما كان ذلك أيضا, سببا للفشل, فالعقلية العسكرية, على تميزها في مجالات عديدة, من بينها سرعة اتخاذ القرار والحزم في تنفيذه, وعدم التردد أمام الصعاب, لاتهتم بالمواءمة بين التقدم المادي والتقدم الروحي والنفسي للمجتمعات, في تجبر الناس على ماتريد وتعتقد أنه الصواب, ومع أنه قد يكون كذلك فعلاً إلا أن حمل الناس عل تنفيذه قبل إقناعهم به ـ ومن دون مشاركتهم في اتخاذ القرار, يقتل روح المبادرة في الأفراد, وبالتالي يصيب روح الأمة في الصميم.

في وصف الإمام "محمد عبده" لـ "محمد علي الكبير" قال إنه كان زارعا ماهراً وصانعا مقتدراً ومحاربا شجاعا, لكنه لم يترك رأسا يستتر به ضمير "أنا" إلا ونفاه عن بدن صاحبه.. وكان من رأي الأستاذ الإمام "إنه لاوطن إلا مع الحرية, بل هما سيان, فإن الحرية هي حق القيام بالواجب المعلوم, فإن لم توجد الحرية, فلا وطن لعدم الحقوق والواجبات السياسية.. لذلك اعتمد مقولة "لابروير" وتساءل معه: ما الفائدة من أن يكون وطني عظيما كبيراً, إن كنت فيه حزينا حقيراً, أعيش في الذل والشقاء خائفا أسيراً?

ما يلفت النظر أن المشروع القومي ظل يعيش في مختلف أطواره ويطرح نفسه على الساحة السياسية, باعتباره مجرد استجابة للتحدي الخارجي, وليس باعتباره فعلاً في حد ذاته.. وقد برزت هذه السمة بشكل واضح, خلال عصر الحرب الباردة, الذي ظهرت فيه "إسرائيل" على خريطة الأمة العربية, ومع أن الهدف من هذا الظهور ـ كما حدده وزير الخارجية البريطانية اللورد "بالمرستون" عام 1840, كان الحيلولة دون تكرار مغامرة "محمد علي الكبير", بتوحيد المشرق العربي, وإقامة دولة يهودية تفصل بينه وبين المغرب العربي, فإن المبالغة في خطر "الدولة الحاجز", والعجز عن إزالتها, ثم الانقلاب المفاجىء إلى الاعتراف بها والتعامل معها وتناسي كل حديث عن خطرها.. قد أشاعت الظن بأن المشروع القومي قد فقد مبرر وجوده, أو لم يكن له مبرر من الأساس.

أما وذلك كذلك, فقد بدا وكأن تحقيق المشروع القومي رهين بعسكرة المجتمعات العربية, بكل مايحمله ذلك من مخاطر تلاشي السمات المدنية لتلك المجتمعات, كالدساتير والحريات العامة والتعددية الحزبية والفصل بين السلطات, بما ينتهي بدمج الشعب والوطن والأمة, والمشروع القومي نفسه في شخص الزعيم المخلص, ويحول هذا المشروع إلى حلم غائم, غير محدد الملامح, ويوصد الباب أمام كل الذين يحاولون إغناءه من حيث الأهداف والوسائل والبدائل بالحوار الخلاق.. بل وقد يغري بالقيام بمغامرات عسكرية لتحقيق الوحدة عن طريق القوة.. وهي محاولات تثبت خطؤها وخطرها. ولم تسفر إلا عن مزيد من تأكيد المشاعر القطرية.

والحقيقة أن الحماس للمشروع القومي, يعمي أبصار المتحمسين له, فلا يتنبهون إلى أن التجزئة التي استمرت قرونا, قد تركت رواسب وحواجز تتطلب اعترافا بها وتعاملاً معها, يسعى لإزالتها من خلال خطوات علمية مدروسة, ولايتذكرون أن الفتن والثورات والانقلابات التي تعكس رفضاً للدمج القسري وللحكم الفردي, كانت أهم العوامل التي قوضت المحاولات الثلاث لتنفيذ المشروع القومي, ويغيب عنهم دائما أن هذه المحاولات, التي تدين بوجودها لشخصيات تاريخية, لا شك في تفردها, قد اختفت ولم يعثر الورثة في تركتهم على سلاح واحد يستطيعون استخدامه في الدفاع عما تركوه, أو في مواصلة الطريق.. ولعلهم لم يجدوا حافزا واحداً لذلك.

ورثة الحلم

من حق جيلنا, نحن الذين ورثنا عن أجدادنا حلم المشروع القومي, وعشنا حتى وقفنا بين أطلاله نبكيه, أن نعلن للجيل القادم بأنه قد انهار على مشهد منا, لأنه كان رد فعل للتناقض الدولي فكان طبيعيا أن يضيق أمامه هامش المناورة, بانتقال النظام الدولي من نظام متعدد الأقطاب إلى نظام ثنائي القطب, وأن ينهار حين تحول هذا النظام إلى نظام أحادي القطب, لامجال فيه للعب على التناقضات! ومن حقنا أن نعلن لهم أنه انهار حين أنسي تحت وطأة الظروف, وأن القومية لايمكن إلا أن تكون ديمقراطية وعلمانية.

ومن واجبنا أن نؤكد لهم, أن انهيار طبعة القرن العشرين من المشروع القومي, لاتعني أنه دخل محاق التاريخ, إذ هو من حقائق الطبيعة, التي لاتفنى.. ولكنها تعني فقط أن عليهم أن يجددوا المشروع القومي, وأن ينحتوا له ملامح تتواءم مع القرن الحادي والعشرين.. وأن يقرأوا الماضي بعيون ناقدة.. لاناقضة.

 

صلاح عيسى