قراءة نقدية في كتاب.. اللغة العربية إضاءات عصرية

قراءة نقدية في كتاب.. اللغة العربية إضاءات عصرية

بقلم: الدكتور عبد الملك مرتاض

ما أكثر ما تحدث الناس, قديما وحديثا, عن اللغة العربية: ما بين مناصر لها, مدافع عنها, وما بين مناوىء لها, مهاجم إياها. ولا تخلو الساحة العربية, على عهدنا هذا, من التعصب الأعمى على اللغة العربية: من ذويها والناطقين بها أنفسهم حيث ما أكثر ما نُلفيهم يزعمون أنها عاجزة عن التطور والتطوير, وأنها عسيرة النحو, وأنها معقدة التركيب, وأنها لغة محنطة.. وهو ادعاء غير مؤسس, ومزعم لا يخلو إما من حقد عليها, وإما من جهل بها. وفي الحالين الاثنتين لا عذر للمتخرصين.

من أجل ذلك ترى هؤلاء يجنحون لاصطناع العامية في أحاديثهم, وربما في أحاديثهم العامة بوسائل الإعلام (الإذاعة والتلفزة خصوصا) طورا, ولمحاولة الترطين في شيء من التكلف البادي بإحدى اللغات الأجنبية الغربية (الفرنسية في المغرب العربي, والإنجليزية في المشرق) طورا آخر. وقد لاحظنا أن اللغة العربية أمست غائبة من لغة السياحة في المشرق والمغرب. أما في المغرب فيوظف الفتيان الذين يتقنون الفرنسية, وبعض الإنجليزية للتعامل بهما مع السياح في الفنادق الفخمة.. وأما في المشرق العربي فلا تكاد تصطدم في الفنادق الفخمة.. إلا برطانة الهنود وسواهم من الجنسيات الآسيوية الذين لا يتحدثون لغة إنجليزية راقية صوتا وتركيبا, وإنما تراهم يقطعون جملهم تقطيعا بدائيا يؤذي ولا يمتع.. ولا يعني شيء من هذا إلا امتداد الهيمنة الثقافية الأمريكية مشرقا, والفرنسية مغربا, أو مغاربيا, كما يقال الآن في المغرب العربي.

مع أن جمال اللغة العربية لا يكاد يعادله جمال, وهي, نتيجة لذلك, أولى بلغة السياحة, على الأقل فيما يعود إلى التخاطب مع السياح العرب, لو كُوِن فتيان وفتيات على ذلك, وحُملوا على استعمال العربية استعمالا أنيقا سليما, وخصوصا من الفتيات.. لكننا نعلم مسبقا أن الاستلاب الثقافي الذي يعانيه العرب, وأن تهاونهم في تقديرلغتهم أمام الأمم الأخرى, واعتقادهم بأن المسألة اللغوية هي مجرد مسألة شكلية.. سيجعل من اقتراحنا مجرد نفخ في رماد, وصرخة في واد.. ومما يزيد مسألة اللغة العربية تعقيدا أن كل قطر يعول على آخر في خدمتها وتطويرها وعصرنتها بحيث تغدو لغة الحياة اليومية كما تُمسي لغة الفكر والعلم والبحث والاختراع.. ومثل هذا التواكل سيذر هذه اللغة العزيزة على ما هي عليه.. والجامعة العربية بحكم أنها جسد مشلول, في منظورنا على الأقل, لا تستطيع أجهزتها أن تصنع شيئا ما عدا انتظار الراتب الشهري!

مقدسة.. أم قديمة?

والكتابات التي كتبت عن اللغة العربية تركض في مضطربين اثنين غالبا: أولهما أن اللغة العربية لغة مقدسة لأنها لغة القرآن العظيم, ولأنها لغة أهل الجنة, ولأنها.. وهي بحكم ذلك لغة عظيمة, خالدة بخلود القرآن, وهي محفوظة بحفظه. وهذه المكانة الممتازة, دينيا, لا تتبوؤها أي لغة أخرى في العالم. ثم لا توجد أي لغة أخرى ترقى إلى مستوى عمرها الذي يرتد إلى ستة عشر قرنا على الأقل. وميزة أخرى تتمتع بها اللغة العربية وهي نقاؤها الاشتقاقي بحيث تجد اللغات الأوربية كالإسبانية والفرنسية والإيطالية تعول أساسا في تكوينها الاشتقاقي على اللاتينية أطوارا, وعلى الإغريقية طورا. ومثل هذا الصنيع يفقدها الأصالة والقحة والنقاوة. بينما نجد الإنجليزية تكاد تأخذ من جميع الأصول اللغوية بما فيها اللاتينية والعربية في بعض المصطلحات العلمية.. أما الفارسية فهي فارسيتان: قديمة وقد اندثرت إلا على المختصين, وحديثة وفيها من الأصول العربية ما يفوق نسبة ستين في المائة.. وهلم جرا.. فالعربية, كما نرى, وبصرف النظر عن قرآنيتها, أو بصرف النظر عن عربية القرآن, فإن عمرها الطويل, بحكم أنها لسان القرآن, جعل بعض الناس يعتقد أن أثقال الزمن بدأت تبدو على وجهها, وهو ادعاء غير مقبول.. وآخرهما يدّعي أن هذه العربية متخلفة لتخلف أهلها, وقد أخلدت إلى سُبات عميق أزمان أسرت اللغات وركضت متقدمة مستشرفة, فلا هي اليوم قادرة على اللحاق بالركب الخابط, ولا هي قادرة على إثبات الذات. والذين يتمسكون بها, وينضحون عنها, تراثيون, وسلفيون, وماضويون, ويحنون حنينا عارما إلى عهود غابرة, وأزمنة لا تعود أخرى الليالي.

ويبدو أن كتاب: (اللغة العربية: إضاءات عصرية) (236 صفحة ـ نشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب) للدكتور حسام الخطيب جاء ليقوم مقاما وسطا بين أولئك وهؤلاء: فلا العربية قادرة على تناول كل شيء, والنهوض بكل شيء, ولا العربية, أيضا, خاملة, متخلفة وعاجزة عن النهوض بأي شيء. إنها لغة أزلية حقا. ولكن هل ننظر إلى هذه الأزلية فيها على أنها مزية ومحمدة, أم على أنها عبء ومرزأة? إننا, في تصورنا الخاص, لا نجعل من أزليتها محمدة ولا مرزأة, فهي لغة كبيرة يسمح لها كبرها وعظمها بأن تتكيف بسرعة على النحو الذي يراد لها, وخصوصا في المجال التقاني بشرط واحد ووحيد: أن يرقى أهلها إلى مستوى الإيقاع الحضاري للعصر, وأن يستعيدوا الثقة في النفس فيبادروا إلى الإيمان بقدرة لغتهم. وقد برهنت اللغة العربية بعد, في بعض بلدان المشرق, على كفاءتها العليا في التكيف مع كل العلوم العصرية. وواضح أننا نومىء إلى التجربة السورية الرائدة التي لم تعمم, في كل العالم العربي.. كما أن التجربة الجزائرية يجب أن تكون رائدة في المغرب العربي حيث إن الجزائر في ظرف زمني قصير استطاعت أن تمحو رطانة اللغة الفرنسية من جميع الإدارات الجزائرية, وتحل محلها اللغة العربية. كما أحلت اللغة العربية, محل الفرنسية, في جميع مستويات التعليم الثلاثة, بما في ذلك الاقتصاد, والتجارة, والحقوق, والفلسفة, والرياضيات, وعلم الأحياء (البيولوجيا).. ولم يبق إلا بعض الفروع القليلة التي لما تعرب كالطب مثلا.

لكن ذلك كله لا يعني أن اللغة العربية جاوزت المحنة, وأن أهلها أصبحوا يتحكمون فيها تحكما عاليا ابتغاء اصطناعها في كل مضطربات الحياة وفروع المعرفة والعلم.. فإننا لسنا راضين عن الطرائق التي تُدرس بها العربية, ولا عن كيفية استخراج المصطلحات العلمية وغير العلمية.. إننا مطالبون جميعا بتنسيق الجهود وتوحيدها من أجل التوصل إلى نتائج مثمرة توشك أن تنفض غبار الخمول عن العربية.

اللغة كائن اجتماعي

إني أتمثل اللغة, من حيث هي كائن اجتماعي, كالطفل الذي نستطيع أن نكونه للمستقبل بتعليمه وتثقيفه وتربيته والأخذ بيده سلوكيا, ومنهجيا وفكريا, ليكون رجلا صالحا نافعا لمجتمعه, وللإنسانية كلها.

العربية لغتنا تحتاج منا إلى أن نبذل جهدا أكبر في خدمتها وترقيتها: نحويا, وإملائيا, ومطبعيا, ومصطلحاتيا.

ولعل أول ما يجب البدء به, إن كنا حقا نريد أن نبدأ (والحديث مساق هنا إلى مجامعنا العلمية التي تتعلق بالسحاب, ولا تنزل إلى التراب!.. تراها تبحث في القضايا العربية في مجالسها ودوراتها, ثم تجتزىء بنشر مقرراتها في مجلاتها التي لا يقرؤها أكثر من بضعة آلاف قارىء من أصل مائتين وعشرين مليون عربي... بل ربما وضعت مقرراتها في أدراج المكاتب أو رفوف الخزائن حتى تأتكل بالبلى, وتأتخذ بالرطوبة... والحال أنه يجب تعميم المقررات (والفتاوى) اللغوية بين عامة المتعلمين العرب في المستويات التعليمية الثلاثة (توضع ملاحق في كتب القراءة والنحو مثلا.. حتى تعم فائدتها..), هو أن ننقي (وأكاد أقول: نطهر) ألسنتنا من اللغات الأجنبية والألفاظ العامية في حياتنا العامة (في التدريس, والإذاعة والتلفزة, وفي الصحافة المكتوبة, وفي كل الأحاديث الثقافية المبسطة) فليس هناك أي مبرر, ولا حجة, ولا عذر لنا في المضي في احتقار لغتنا, وتعفير خدها في الرغام, وتلطيخ مُحياها الكريم بالتراب, يوميا, أمام ضرائرها من اللغات الأجنبية.

وأما الأمر الآخر, فهو أن ننشر وعيا لغويا في مدارسنا, ومعاهدنا, وجامعاتنا, وجميع مؤسساتنا الثقافية بضرورة استعمال اللغة العربية الفصحى (والفصاحة تعني في أصل العربية: الخلوص والنقاء), وذلك كيما نهيىء الأجيال الصاعدة إلى تحمّل الرسالة, والنهوض بعبء الأمانة, ونفض غبار الخمول, وقتام الدهور, من على وجه هذه اللغة الأزلية الخالدة.

وأعتقد أن الموضوعات التي تناولها كتاب الدكتور حسام الخطيب على غاية من الأهمية والفائدة, وهي إسهامة رصينة, وقمينة بطرح جملة من الحلول لمشاكل اللغة العربية, لأن الكتاب لم يغرق في التنظير, ولم يسقط في التجريد, ولا الخوض في الجدال العقيم, وإنما عمد إلى عرض آراء وأفكار عملية حول وضع اللغة العربية. حاضرا ومستقبلا حيث يقدم الكتاب (مطالعتين مطولتين حول الجوانب العملية في قضية اللغة العربية, ودراسة مفصلة حول لغة التعليم العالي, وبعض النظرات المتفرقة حول طريقة استخدام اللغة العربية في مجالات الحياة العامة, ولا سيما في المجال الإعلامي, وينتهي بدراسة مترجمة عن اللغة عند المرأة) (اللغة العربية, إضاءات عصرية, مقدمة, ص3).

أربعة محاور

ويمكن أن نحلل نص بعض مقدمة الكتاب فنستخلص منه أنه ينهض على أربعة محاور كبرى:

أولها ـ أنه يركز على الجوانب العملية في ترقية اللغة العربية ومعالجة المشاكل التي تساور مستعمليها على مستويات النحو, والإملاء, والبحث عن الألفاظ في المعجم وهلم جرا.. فهو كتاب إذن مبسط, ومفيد لجميع المستنيرين, ولكل الهيئات العربية التي يعنيها شأن تطوير اللغة العربية. إنا لا نحسب أن المعلمين وأساتذة اللغة العربية ومفتشيها قادرون على الاستغناء عن هذا الكتاب الذي ضمنه مؤلفه ثمرة تجاربه الطويلة في مجال التعليم, فهو يشبه الدليل العملي لمحاولة حل مشاكل اللغة العربية على عهدنا الراهن.

وثانيها ـ يركز الكتاب على القضايا اللغوية في مجال التعليم العالي, ونتيجة لذلك في مجال البحث العلمي أيضا, لأن أشق الصعاب, وأكأد العقاب, يتلقاها أساتذة التعليم العالي لارتفاع مستوى التلقين والتعليم, ولبلوغ القضايا المعرفية المطروحة للتعلم حدا عاليا من التجريد. فأشد الأقطار العربية إخلاصا للغة الضاد وتحمسا لها, لم يستطع تذليل جميع الصعاب المتصلة بلغة التبليغ في المستوى المعرفي الرفيع.

والحق أن هذه المشكلة لا تعانيها اللغة العربية وحدها, بل نجد لغات حية, كالفرنسية مثلا, تُعنتُ نفسها أشق الإعنات من أجل التخلص من هيمنة الإنجليزية في مجالات التقانة (التكنولوجيا), والتخصصات المعرفية المتناهية اللطف.. ولا يمكن للعرب التغلب على هذه العقبة الكئود إلا بتضافر جهودهم, ومحض إخلاصهم, وصميم حبهم للغتهم, والإنفاق السخي على مشاريع البحث المتعلقة بترقية اللغة, ورصد جوائز سنية لعلماء اللغة الذين يبتكرون أفكارا وطرائق خليقة بترقية لغتنا لتتبوأ مكانتها الطبيعية بين أكثر اللغات المعاصرة تطورا وحياة. وشكر الله سعي الكويت حين تكفلت بالإنفاق على إجراءات إدخال اللغة العربية, لغة خامسة, في هيئة الأمم المتحدة.

وثالثها ـ يركز الكتاب ـ كما يستخلص ذلك من بعض مقدمته نفسها التي استشهدنا بنص منها, والتي نحن بصدد تحليل مضمونها ـ على لغة الإعلام, أو على لغة (الاتصال) كما نطلق نحن على ذلك في الجزائر. (والمسألة اصطلاحية ودلالية, فـ (الإعلام) لفظة عامة وبسيطة, وكأنها تقتضي البث دون الاستقبال, والإرسال دون التلقي على حين أن مصطلح (الاتصال) يعني, حتما, التواصل المتبادل أو المتفاعل بين قناتي الإرسال والاستقبال. فهو إذن أعم وأدق كما نرى ولفظ (الاتصال) في حقيقة استعماله في اللغة الجديدة الجزائرية, ترجمة عن بعض المصطلحات الأوربية حيث أصبح يطلق على وزارة الإعلام لدينا: وزارة الاتصال, ذلك بأن (الإعلام) يعني الإرسال الموجه, ومن طرف واحد دون اعتبار الطرف المستقبل وكيف يتلقى المعلومة المرسلة إليه..).

إن لغة الاتصال مفتاح السيادة لدى الدول, ووسيلة لمخاطبة الشعوب, وأداة لتبليغ الأسس السياسية والحضارية والثقافية والأيديولوجية للمتلقين: سواء علينا أيكون هؤلاء المتلقون مواطنين أم يكونون غير مواطنين إذ أمسى العالم اليوم قرية صغيرة بفضل هذه المستكشفات المذهلة المتعلقة بتقنيات الاتصال فيما بين الناس من أقصى العالم إلى أقصاه.

لغة الاتصال

وتأتي الأهمية للغة الاتصال من أن القائمين عليه, بحكم مخاطبتهم ملايين المشاهدين بالقياس إلى الصحافة المسموعة والمرئية, وعشرات الآلاف بالقياس إلى الصحافة السيارة, هم, حتما, يسهمون في نشر اللغة العربية السليمة, وفي استعمال الألفاظ الصحيحة النقية, المشهود بقحة عربيتها.. ونحن بمقدار ما ننوه بالوظيفة اللغوية المندمجة, ضمن الوظيفة الاتصالية, بجهود رجال الصحافة الذين بفضلهم استطاع الآلاف, بل الملايين, من عامة المتلقين, أن يحذقوا آلاف الألفاظ الجديدة, بمقدار ما نزدجيهم أن يراعوا أن لهم سلاحا رهيبا يمكن أن يدمروا به العربية إذا لم يحسنوا استعماله.

وآخرها ـ يركز كتاب الدكتور حسام الخطيب, في خاتمته, على اللغة لدى المرأة (سنتناول هذه المسألة بتفصيل عند نهاية هذه المقالة) لأن المرأة أم, ولأن الأم المؤسسة التربوية الأولى التي يتعلم فيها الطفل. فكم من رجل اغتدى عبقريا بفضل طفولته المرتبطة بعظمة أمومة أمه. ولأمر ما قالوا: (كل عظيم وراءه امرأة). فهذه المرأة لا يمكن أن تئول على أنها زوج فقط, وهو ما يُفهم, عادة, من سيرورة هذه المقولة بين الناس, وإنما يجب أن تكون مجسدة في شخص الأم التي تحسن تربية أبنائها, وتلقنهم اللغة الأولى.

ونلاحظ أن الأطفال المتعددي لغات الآباء (كالعربي الذي يتزوج من أمريكية أو فرنسية) مظنونون بالقدرة على تكلم لغتي الأم والأب جميعا. ثم إن للمرأة, فعلا, لغة خالصة لها من دون الرجل, كما سنرى, وكما تثبت المقالة المترجمة التي أوردها الدكتور حسام مختتم كتابه.

فلعل هذه هي الخلاصة العامة لمضمون هذا الكتاب, لكني أعتقد, مخلصا, أن مثل هذه الخلاصة لا تستطيع أن ترسم تفاصيل كل القضايا التي عولجت وبحثت ضمن هذا الكتاب الذي أجدني عاجزا, أنا أيضا, عن أن أنقل للقارىء الكريم كل ما فيه من تفاصيل في هذه المقالة القصيرة التي لم تكن الغاية منها إلا تقديم الكتاب, والإعلان عن صدوره قبل كل شيء, لا الإحاطة بتفاصيل مضمونه, وجزئيات موضوعه ومحتواه. وإذن فما كان لمقالتي هذه لتغني عن قراءة الكتاب الذي من بين فصوله أذكر:

ـ العربي المعاصر ولغته

ـ ظواهر من التعثر اللغوي

ـ أسباب عملية لمشكلات عملية

ـ اللغة العربية والهموم المقلقة

ـ ملامح المشكلة اللغوية

ـ العربية غير مخدومة لغويا

ـ اللغة العربية وأهل الإعلام

إلى ما لم نذكر من الفصول التي كأن بعض عناوينها مستفِز, وبعضها الآخر مقلق.

والحق أن الدكتور حسام بإصداره هذا الكتاب كأنه أراد أن يرجع بالأمر إلى الحافرة, وأن يعيد النقاش من حول مشاكل العربية جذعة, كما تقول العرب.. وليس ذلك بعزيز على لغتنا التي يفترض أن يصدر عنها كتاب كل أسبوع, أو كل شهر على الأقل, لمعالجة وضعها: حاضرها ومستقبلها, وطرائق إصلاحها, وكيفيات نشرها بين غير ناطقيها أصلا.. إذا شئنا حقا أن نسعى لتطوير هذه اللغة وعصرنتها, وجعلها في مستوى المشاكل الحياتية المختلفة التي تساور سبيلنا, وتعرض لنا في يومياتنا. فأين النحو المبسط الذي يقدم للمبتدئين وناشئة المتعلمين? وأين المعجم الواضح الدقيق الكامل الذي يجعل بين أيديهم ليحلوا مشاكلهم اللغوية والتعبيرية اليومية, وهم يهيئون تمارينهم, ويحضرون فروضهم ? ومتى يتفق العرب على طريقة موحدة مبسطة للمعجمية العربية التي تشكو من مشاكل عويصة: منها ما يمثل على مستوى التعريف (تعريف معاني الألفاظ في المعجم حيث إن كثيرا من الكلمات في معجم شهير كالقاموس المحيط للفيروز أبادي يشرحها برمز "م" (وتعني لديه "معروف", ولا يستدعي الأمر شرحه ولا تعريفه: وكأن المعجم في تصور بعض أجدادنا, أحسن الله إليهم, إنما وضع للعلماء واللغويين, لا للناشئة والمتعلمين) وعلى مستوى المنهج (أي الطرائق يتبع? وأيها يُترك ويُنكر? أطريقة المدار على أواخر الألفاظ كما جاء ذلك الجوهري, والفيروز أبادي, وابن منظور, والزبيدي, أم طريقة المدار على أوائلها كما كان جاء ذلك الزمخشري?, ولكن بعد تجريد الألفاظ التي يود البحث عن تعريف معانيها?! إني أعتقد أن أكثر الناس إلماما باللغة العربية قد يتعثر, أحيانا, في اهتداء السبيل إلى أصل بعض الكلمات الإشكالوية البناء فيتوقف به حماره في العقبة, بله المتعلمين والناشئين!.. وإذن فلا مناص من اتباع الطريقة البسيطة التي تعتبر أول الكلمة كما تنطق (وقد جاء ذلك بعض المعجميين التونسيين بعد..). ونحن نهيب بالهيئات الأكاديمية العربية المختصة أن تعمد إلى إعادة تقديم المعاجم التراثية على هذه الطريقة ليفيد الناس, ولييسر عليها اصطناعها.

وإذن فماذا كتبنا, إلى اليوم, عن اللغة العربية? وماذا قدمنا من اقتراحات عملية لإصلاحها وتيسيرها? إن معظم الجهود فردية ومشتتة مما يجعلها تظل مهدرة.. فمشكلة اللغة العربية مشكلة قومية حضارية حيوية بالقياس إلى جميع العرب... فليعتبر كل عالم من العلماء العرب هذه اللغة همه الأول, حتى يمكن أن ننهض بها, ونيسرها, ونطورها فنجعل منها لغة يومية للناس جميعا, كما نرقى بها إلى مستوى البحث العالي في المختبرات.

 

حسام الخطيب