طرائف عربية
طرائف عربية
حسن الحديث وغضب الملوك المليحة ترفع غضب الأمين: وبلغ إبراهيم ذلك, فبعث إلى الأمين بألطاف وهدايا, وكتابا يعتذر فيه, فرد الأمين الهدية, ولم يجب إبراهيم على كتابه. فوجه إليه إبراهيم وصيفة مليحة مغنية, كان رباها, وعلمها الغناء, وكانت بهية جميلة مثل فلقة القمر, وأرسل معها عودا معمولا من العود الهندي, مكللاً بالجوهر, وألبسها حلة منسوجة من الذهب, وقال أبياتا تغنيها, وألقى عليها الأبيات حتى حفظتها, وأتقنت لحنها, وأحكمت الصنعة فيه. فوقفت الجارية بين يدي الأمين, وقالت: عمك وعبدك, يقول.. واندفعت تغني: فقال الأمير: أحسنت يا صبية, مااسمك? قالت: هدية قال: أفأنت كاسمك? أم غير ذلك?. قالت أنا كاسمي, وبه سماني آنفا, لما أهداني إلى أمير المؤمنين. فسر بها الأمين, وبعث إلى إبراهيم فأحضره, ورضي عنه. الجاحظ وتاج الكلام: فقال له الجاحظ, خفض عليك, فوالله, لأن تكن المنة لك عليّ, خير من أن تكون لي عليك, ولأن أسيء وتحسن, أحسن في الأحدوثة من أن أسيء وتسيء, ولأن تعفو في حال قدرتك, أجمل بك من أن تنتقم. فقال له ابن أبي دؤاد: ماعلمتك إلا كثير تزويق اللسان, قد جعلت لسانك أمام قلبك, اغرب قبحك الله. فأنهض في قيوده. فلما كان من الغد, رئي الجاحظ متصدرا في مجلس ابن أبى دؤاد, وعليه خلعة من ثيابه, وطويلة من قلانسه, وهو مقبل عليه بوجهه, يقول: هات يا أبا عثمان. صب الماء على رأس الملك فقال الخادم للملك: أعيذ الملك بالله أن يقتلني ظلما بغير ذنب قصدته. فقال الملك: قتلك واجب, ليتعظ بك غيرك, فلاتهمل في عملك. لم يكن أمام الخادم إلا أن حمل الإناء وما به فصبها كلها على رأس الملك, وقال: أيها الملك, كرهت أن يشيع عنك أنك قتلتني ظلما, ففعلت هذا لأستحق القتل, فيزول عنك قبح الأحدوثة بظلم الخدم, فـشأنك الآن وماتريد. فقال الملك: أحسنت, وحسن حديثك, وعفا عنه. غلطة تضرب العنق: وقال: خذهما. فلما ذهب بهما ليخرجا, قال شارب الخمر: أيها الأمير, سلمني إلى غير هذا ليحدني, فلست آمن من غلطه وأخاف أن يضرب عنقي, ويحد الزنديق, والغلط في هذا الأمر لايتلافى. فضحك منه الوالي, وخلى سبيله, وضرب رقبة الزنديق.
هتكت الضمير برد اللطف
وكشفت هجري لي فانكشف
فإن كنت تنكر شيئا جرى
فهب للعمومة ما قد سلف
وجد لي بالصفح عن زلتي
فبالفضل يأخذ أهل الشرف