طائر الخرشنة .. صديق الرياح محمد محسن حافظ

طائر الخرشنة .. صديق الرياح

تستحق والطبيعة أن يوليها الإنسان نظرات متأملة، لعله يؤاخيها فلا تجافيه، وفي بؤرة الطبيعة تكون الكائنات الحية، وهاهنا نظرة تعزف على أحدها، إنه طائر الخرشنة الذي يشبه النورس وإن كان أكبر حجما.

يعيش طائر الخرشنة في جزيرة كاب كورني شمال المحيط الأطلنطي حيث يتناسل ثم يهاجر في الشتاء إلى السواحل الجنوبية لأمريكا الجنوبية، ويوجد من الخرشنة نوعان:

الخرشنة اللامع والخرشنة الوردي. والخرشنة اللامع ذو منقار أحمر طويل ينتهي بمنطقة سوداء والخرشنة الوردي ذو منقار أسود وينتهي بمنطقة حمراء. عندما يفرد الخرشنة جناحيه الطويلين على صفحة السماء أثناء طيرانه فوق مياه المحيط يبدو كطائرة فضية، وعندما يبدأ في الهبوط إلى مستعمرة أعشاشه فإنه يحرك جناحيه الطويلين ثم موجات صاعدة وهابطة في رشاقة وإنسانية بالغة يحسده عليها أبرع راقصي الباليه.

والغذاء الرئيسي للخرشنة هو الأسماك التي يصطادها بنفسه، ويفضل عادة أسماك الدنكة الحمراء والسردين والقاروص.

يمكن للخرشنة الطيران لمدة 21 ساعة متصلة بحثا عن الغذاء ويطير ذهابا وإيابا في حركة مكوكية باحثا من أعلى بتركيز شديد عن الغذاء ويقطع. الخرشنة في ساعات الطيران الاثنتي عشرة مسافة من 300 - 350 كيلو مترا، وأثناء طيران الخرشنة العالي تظهر المياه أسفله مكتسية اللون الوردي، إذن فهي أسماك الدنكة الحمراء أو مكتسية اللون الفضي فهي أسماك السردين أو القاروص فيهبط من أعلى عموديا قاصداً الفريسة بمنقاره الطويل وينقض عليها وقد يفشل هذا الانقضاض أكثر من مرة خاصة إذا كان الغذاء من اسماك الدنكة الحمراء لأنها سريعة الحركة، فيعاود المحولة مرة واثنتين فيطير إلى أعلى ثم يهبط عموديا حتى يتمكن من اقتناص الأسماك.

ومهما كانت رحلة بحث الخرشنة عن الغذاء فإنه لا يقرب الأسماك الميتة الملقاة من قوارب الصيد أو النفايات الملقاة منها فهو لا يصطاد غذاءه إلا طازجا.

قبل زواج هذه الطيور يبدأ طقس مهم من طقوس التكاثر وهو الملاطفة بين الذاكر والأنثى، وعادة ما يكون ذلك بمد الأعناق إلى الأمام لكي يشد كل منها انتباه الآخر ويبدأ كل ذكر بتحديد حدود منطقة خاصة به للملاطفة والمغازلة سواء في الأرض أو في الجو، وهي عادة منطقة تتراوح بين 2 - 3 ياردات مربعة ويبدو الذكر في هذه المنطقة كعاهل لها وإذا اقتحم ذكر آخر هذه المنطقة لمحددة يبدأ ذكر المنطقة أو العاهل في الدفاع عنها وعن الأنثى بالطيران بشكل لولبي والانقضاض على الذكر المعتدي حتى يطرده، وقد ينشأ من جراء هذا الاعتداء معركة شديدة العدوانية بين الذكرين المتصارعين وهذه المعركة تنتهي دائما بإصابات بالغة لأحد الذكرين غالبا ما تؤدي إلى موته.

في حضانة الأبوين

في شهري مايو ويونيو تضع الأنثى 2-3 بيضات ذات لون بني فاتح مبرقشة بلون بني أغمق للتمويه وتضع هذا البيض في أعشاش سطحية عبارة عن حفرة في الرمال بها قليل من القش، ويتناوب الذكر والأنثى الرقاد على البيض 3 أسابيع حتى يفقس وتبدأ الصغار بالارتطام بشدة بقشرة البيضة مناضلة للخروج إلى الحياة. والأفراج الصغيرة من الخرشنة تكون مغطاة بزغب ذهبي اللون بشك كثيف وتبلغ الطيور الصغيرة قدرتها على الطيران بعد خروجها من البيض بشهر لكنها تظل معتمدة على أبويها لعدة أسابيع أخرى في الحصول على الغذاء. وتعتني الإناث بشكل عام بأفراخها الصغيرة خلال الأربعة أو الخمسة الأولى من عمرها حيث تحتضنها، وتقوم الذكور بالصيد وتغذية هذه الصغار الشرهة للطعام وهي أسفل أمهاتها وعندما تصبح الصغار قادرة على الحركة والاختباء في الحشائش المجاورة للعش تبدأ الإناث أيضا ي صيد الطعام للصغار وكلما زاد قدرة الصغار على الحركة زادت شراهتها للطعام وتظل هكذا حتى تصطاد ما تحتاج إليه

وتعتمد الأنثى أثناء رعايتها للصغار على الذكر في توفير الطعام وحماية الصغار من أعدائها الخارجية مثل النورس والغربان التي تنقض على الأعشاش لأكل الصغار. ولحماية الأم والصغار يقوم الذكر برفع قشور البيض الفاقسة ووضعها بجوار الأعشاش كنوع من التضليل للطيور الراغبة في التهام الصغار

كما أنه في فترة عدم البحث عن الطعام يقوم بالطيران بشكل منتظم كنوع من الكشف عن الأعداء التي تحاول أن تقترب وطردها قبل الاقتراب من العش. والصغار التي تستطيع النجاة من هجوم الطيور الأخرى تتعرض لهجوم الطيور لالتهام غذائها مما يعرضها للضعف والهزال، وهذه الطيور تقضي الصيف في ميلادها وتقضي سنتين أو ثلاث سنوات قبل أن تبدأ أول موسم هجرة لها إلى المناطق الجنوبية بأمريكا اللاتينية. وزوج الخرشنة الصغير الذي ينمو معا في الشتاء يظل ملتزما ببعضه حتى الربيع التالي ويبقى معا في نفس العش وإذا كان ذكرا وأنثى فإنهما يظلان معا سنة بعد أخرى. ومما يؤسف له أن تجمعات هذه الطيور البالغة في تناقص مستمر منذ 40 عاما. فقد كان يوجد على جزيرة كاب كور حوالي 60 ألف زوج من الخرشنة تناقص إلى 15 ألف زوج وقد قام الباحثون المختصون بدراسة لمعرفة أسباب تناقص أعداد هذا الطائر. ومن هذه الأسباب تعرض الذكور للخطر نتيجة صراع الذكور الشديد العدوانية أثناء فترة التزاوج وهي صراعات غالبا ما تنتهي إلى إصابتها بإصابات بالغة السواء تؤدي إلى عدم قدرتها على الطيران وبالتالي موتها لعدم توافر الغذاء. وأيضا من الأسباب المهمة نقص غذاء هذه الطيور من الأسماك حيث أن ارتفاع درجة حرارة الأرض أدى إلى زيادة الملوحة في أماكن تجمع هذه الأسماك مما أدى إلى قلة أعدادها في مقابل التجمع الكبير لأعداد الخرشنة والصيد بكثرة. ويرجع النقص أيضاً في الأعداد إلى تعرض صغار الخرشنة إلى الهجوم المستمر للطيور الأخرى في أماكن تجمعها. وقد قال أحد الباحثين إن الدخول في المناطق التي توجد بها أعشاش الخرشنة يعتبر مجازفة كبيرة، فعندما يلفت نظرها وجود شخص غريب تبدأ في أخذ شكل دفاعي عن أعشاشها وتقوم بإصدار أصوات شديدة الإزعاج وتنقض على القادم في محاولة لنقرة بمنقارها الطويل الحاد، ولا بد من الابتعاد فإنها تستطيع بمنقارها أن تصنع حفرة في راس الإنسان لو هاجمته.

 

محمد محسن حافظ

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




طائر الخرشنة صديق الرياح





للطيور لغة خاصة مليئة بالدلالات: دعوة للهجرة وأخرى للخصوبة





هناك مساحات للملاطغة والمغازلة سواء في الأرض أو في الجو





هناك مساحات للملاطغة والمغازلة سواء في الأرض أو في الجو