جراحة نقل الأعضاء: واقعية الخيال الجميل إبراهيم البجلاتي

جراحة نقل الأعضاء: واقعية الخيال الجميل

عندما يرتفع العلم إلى ذراه، يتلامس مع أفق الفن. وها هنا رصد لهذه اللحظة من التلامس الخلاق، يتابعها كاتب هو جراح وشاعر في آن معا.

لم يجد الباحثون في الميثولوجيا شعبا من الشعوب إلا وقد وضع رءوس الطيور والحيوانات على أجساد الناس، أو رءوس الناس على أجساد الطيور والحيوانات. فبينما كانت البشرية تفتتح طريقها الصعب الطويل، ترك لنا الفنانون تصويرا، والعارفون كتابة، طرفا من كائناتهم الغريبة- آلهة وشياطين- شكلوها بطريقة غير مألوفة، ابتداء من أعضاء أو موجودات مألوفة بالفعل.

والقائمة طويلة في العدد، بعيدة في الزمن، تشمل الأرض من أولها لآخرها، وتضم كل الكائنات، كائنا كائنا قطعت أعضاؤه، خلطت الأعضاء جميعهـا معا في ماء التكوين الأول، فخرجت آلهة المصريين القدماء برءوسها الطوطمية في "وادي النيل" واحتفظ الثور البابلي بجناحي النسر ورأس الإنسان ليصير براقا أو قرابا في "بين الرافدين" واختلط الأمر بشدة على التنين المتعدد الرءوس في بلاد الصين، وهكذا.

ولم يكن العالم القديم حفلة تنكرية، يستعير فيها كائن ما عضوا - يعجبه- من أعضاء كائن آخر، بل تم ذلك وفق نظام صارم، يلتزم القيمة، ويحفظ المعنى. هذا ما يؤكده جل الباحثين في هذا المجال، لكن المدهش أن يحصى لنا جراح فرنسي هو امبرواز بارية (Ambroise Pare، 1510 - 1590) في افتتاحية من عصر النهضة الأوربي، العديد من هذه الكائنات الخرافية، ويلخص لنا - وجهة نظره - أسباب ظهورها، ودواعي وجودها، وفي رأيه أن أولها: تمجيد الآلة، وخامسها- وهو الأخير- الخيال!!

فهـل كان التصاق مسيو باريه الحميم بهذا الخيال القديم سببا في استثارة خياله هو؟ ربما، لكن يبدو لنا أن هذا الخيال القديم نفسه هو الذي حول باريه من جراح ماهر- بمقياس زمانه- يقوم ببتر الأطراف المعطوبة، إلى جراح أكثر مهارة وأكثر إنسانية، يضع مكان الأطراف المعطوبة أطرافا صناعية.

ويبدو لنا، كذلك، أن هذا الخيال القديم نفسه هو الذي نسب في الأخوين التوأمين كوزماس (Cosmas) ,داميان (Damian) تلك المعجزة الغريبة التي سجلها لنا جاكوب دافارجين في كتاب "الحكايات المقدسة" سنة 1270 ميلادية، تلك الحكاية العجيبة التي تعرف باسم "معجزة الساق السوداء" والتي يعتقد أنها وقعت سنة 348 ميلادية أي بعد أكثر من خمسين عاما من موت الأخوين القديسين (وقد كانا طبيبين من آسيا الصغرى. تعلما الطب في سوريا).

يروي لنا دافارجين الحكاية على النحو التالي:

كان أمين غرفة الأمتعة المقدسة يعاني من سرطان وحشي يأكل ساقه، كان العجوز يتألم بشدة، ولا يستطيع النوم إلا قليلا، بعد ليلة مضنية غفى العجوز، ليسمع في نومه سان كوزماس يسأل أخاه سان داميان: يتحتم علينا أن نقطع هذه الساق، لكن من أين لنا بلحم جديد نضعه في مكانها؟ رد عليه سان داميان قائلا: هناك أثيوبي دفن الليلة، ومازال جسده ساخنا، ويمكننا أن نأخذ من جسده ما نريد. وهذا ما تم. استيقظ الأمين من نومه، أشعل نورا يهتدي به، ذهب إلى المقابر، حيث وجد ساقه المعطوبة ترقد إلى جوار الأثيوبي. فرح الرجل فرحا عظيما، ورفع يديه للسماء شاكرا: "يا لها من معجزة". نعم، يا لها من معجزة، يا له من خيال!!

بعد مرور قرنين من الزمان على تدوين تلك الحكاية العجيبة، كان الأطباء والناس ينكرون تماما إمكان نقل عضو من جسم إلى جسم آخر. هكذا يجزم- ساخرا برنشفايج (Brunchwieg) في القرن الخامس عشر، ويصور الأمر بمحاولة جعل القرد فيلسوفا، أو أن يطير الإنسان بجناحين، ويستمر الإنكار حتى القرن الثامن عشر حين أعلن سومرنج (Sommering)، أن هناك: مسافة واسعة بين الحقيقة وخيال الفنان الذي يجعل كل شيء ممكنا، أكثر من ذلك، وفي بداية الربع الثاني من القرن التاسع عشر، يعلن بارون باير (Baron Bayer) بثقة متعجرفة أن علم الجراحة قد وصل إلى غاية المنى، هذا، ولم يكن قد يعرف بعد علم التخدير ولا كان الجراحون يستطيعون وقف النزيف بطريقة صحيحة، ولا حتى منع العدوى في المستشفيات القليلة الموجودة وقتهـا.

ولحسن طالع البشر، كان خيالهم أقوى من سخرية برنشفايج، وأجمل من واقعية سومرنج المتخاذلة، وأنيل من عجرفة باير، فقط منذ أربعين عاما، وبعد كفاح جميل، صار الخيال حقيقة تستفز الخيال، وتؤكد قيمة الجهد البشري المتواصل والمشترك من أجل تحقيق الخيال.

نقل الكلى

في عام 1896- طار الخبر من فيينا إلى كل الدنيا: نجح اميريش أولمان (E. Ulmann) في نقل كلى أحد الكلاب من موضعها إلى رقبة نفس الكلب. وفي نفس الوقت فشلت محاولات أخرى لنقل كلى أحد الكلاب إلى كلب آخر، وبالمثل فشلت محاولة نقل كلى أحد الكلاب إلى عنزة.

كان الاندهاش عظيما، والسؤال ملحا: لماذا تنجح تجربة نقل عضو من مكان إلى آخر داخل نفس الجسم، وتفشل تجارب نقل الأعضاء من جسم إلى جسم آخر؟

في ذلك الوقت كان الجراحون التجريبيون يعتقدون أن نقل الأعضاء ليس سوى فعل جراحي.

لذا وأمام إلحاح السؤال، والإصرار على تحقيق الخيال، استمر الجراحون التجريبيون - دون أن يمنعهم الفشل المتكرر- في إجراء تجاربهم. حتى في هذا الفعل الجراحي، كانت هناك أسباب جراحية للفشل، إضافة إلى الأسباب البيولوجية المجهولة.

وفي نفس ذلك الوقت من نهايات القرن التاسع عشر، كان هناك الكسس كارل ( 1944 - 1873 Alexis Carrel) وهو جراح فرنسي، ابتكر سنة 1903 الطريقة الصحيحة لإعادة توصيل الأوعية الدموية. ويعتبر من الرواد التجريبيين الأوائل لعلم نقل الأعضاء، حصل بتلك الريادة على جائزة نوبل للعلوم الطبية (1912). اتجه بعد ذلك إلى زراعة الأنسجة، وكيفية الاحتفاظ بالأعضاء خارج الجسم لفترة طويلة: لقد كان كارل يعمل بأحد مستشفيات ليون الفرنسية، شاهدا على عجز رؤسائه الجراحين عن وقف النزيف- الذي أحدثته سكين المعتدي- من الوريد البابي للرئيس سادي كارتو (Sadi Carnot)، رأى كارل أن المشكلة تكمن في تلك الطريقة السيئة لإعادة توصيل الأوعية الدموية المقطوعة أو الممزقة. إذن لا بد من طريقة صحيحة.. كيف؟ مؤرقا بهذا العجز، باحثا عن إجابة، عن طريقة صحيحة، وجد كارل ضالته عند عاملة التطريز، راقبها جيدا، رأى كيف تستخدم إبرة رفيعة، وخيوطا دقيقة، تضع الغرز على مسافات قريبة جدا من بعضها البعض، وتجعل طرف الثوب إلى الخارج. هكذا، أهدت عاملة التطريز لكارل الطريقة الصحيحة لإعادة توصيل الأوعية الدموية. مهاجرا إلى أمريكا، أجرى كارل برفقة زميله شارلي جرتري Char) (Iy Guthrie كل ما يمكن إجراؤه من جراحات نقل الأعضاء بين الحيوانات: كلى، كبد، قلب، رئتين، غدد..، هكذا استمد التكنيك الجراحي، لكن ظل ذلك الانتظام الغامض لمأساة اليوم الثامن؟ موت العضو المنقول.

في عام 1950 أكثر من خمسين عاما مضت بين ما حدث في فيينا، وما حدث في شيكاغو، حين نجح ريتشارد لاولر (Richard Lawler) في استبدال الكلى اليسرى لأحد المرضى بكلى أحد المتوفين حديثا. استمرت الكلى في العمل بشكل ما، ثمانية أشهر انتهت بعدها نهاية مؤسفة. الأغراض العلمية، بعد تنفيذ الحكم، نقلت كليتاه إلى مريضين محتاجين، فقط سبعة عشر يوما كانت كافية للوصول إلى نفس المصير المؤسف بعد عام آخر- رفي باريس كذلك- سقط عامل بناء في السادسة عشر من عمره من فوق السقالة، تمزقت كليته اليمنى، اضطر الجراحون إلى استئصالها - كحل وحيد لإنقاذ حياته - لسوء طالع الشاب، كان مولودا بتلك الكلية الوحيدة، أمام هذه المأساة، قرر الأطباء نقل كلى أخرى إليه، تبرعت الأم بكليتها لابنها، نجحت الجراحة، مرت أيام والجراحون والأم والابن والناس سعداء بذلك الحدث، مر اثنان وثلاثون يوما، انتهى الفرح، توقفت الكلى المنقولة عن العمل، ومات البناء الصغير وسط حزن عام.

بين عامي 1950 - 1954، أجريت أكثر من عشرين محاولة لنقل الكلى، في أمريكا وفي فرنسا، بين نجاح جراحي باهر، ورفض بيولوجي قاتل، فشلت كل المحاولات، وبدا أنه لا شيء يوقف هذه الدائرة الجهنمية.

على جانب آخر صادف نقلى الأعضاء نجاحات قليلة وهامشية، شمل ذلك عمليات نقل الجلد بين التوائم- كعلاج تجميلي وتكميلي بعد الحروق- وقع "طبيب عائلة" على هذا الخبر الصغير المنشور بإحدى الدوريات الطبية. هنا وفي ديسمبر 1954، قام هذا الطبيب بتحويل أحد مرضاه المصابين بقصور مزمن في وظائف الكلى هو ريتشارد هريك إلى الجراح جوزيف موراي (Joseph Murray) الحاصل على جائزة نوبل في العلوم الطبية، وقد تضمن خطاب التحويل أشارت إلى أن لهذا الشاب أخا توأما هو رولاند. وفي مستشفى بيتر بونت برجهام بولاية بوسطن الأمريكية، قام موراي بنقل كلى رولاند إلى أخيه ريتشارد. هكذا، إنها المرة الأولى، نجاح كامل ودائم، نعم المرة الأولى بين توأمين حقيقيين. لماذا؟ كيف؟ توالت بعدها عمليات قليلة بين التوائم، واستمر النجاح، واستمر السؤال في الإلحاح: لماذا التوائم فقط؟

تحولات علم المناعة

طوال النصف الأول من هذا القرن توالي العديد من الاكتشافات المهمة في علم المناعة. فإذا كان عقد الخمسينيات من قرننا العشرين قد شهد تحولا جوهريا في مجال نقل الأعضاء، فإن هذا العقد ذاته شهد تحولا جوهريا في علم المناعة، وتحديدا في "مناعة نقلى الأعضاء". ففي عام 1950 أعلن أميل هولمان (Emile Holmann) أن رفض الجسم للعضو المنقول يحدث نتيجة لهجوم تقوم به "جسام مضادة"، تفرزها الخلايا الليمفاوية المعروفة باسم الخلايا (ت) (T.Lymphocytes) ضد هذا العضو المنقول تحديدا.

أربعة أعوام أخرى ويعلن ميتشنصن .N. A) (Mitchinson أن رفض العضو المنقول يحدث أيضا نتيجة لهجوم مباشر تتولاه الخلايا (ت) بنفسها ضد هذا العضو المنقول تحديدا.

إذن يرفض الجسم المستقبل العضو المنقول إليه بطريقتين، إما بواسطة الأجسام المضادة التي تفرزها الخلايا (ت) أو أن تقوم هذه الخلايا (ت) بنفسها بهذا الهجوم الرافض.

في نفس الوقت تقريبا اكتشف كل من كاسن- -Ca) (Sen وجورج سنل (Snell) الحاصل على جائزة نوبل في الطب عام 1980، أن هذا الجهاز المناعي، الذي يطلق أجسامه المضادة على الأجسام الوافدة المثيرة، من الممكن أن ينتج أجساما مضادة غير هجومية، أجساما تقوم بالتسامح مع هذا الوافد الجديد. هكذا!!

أكد هذه الظاهرة المعروفة باسم "التسامح المناعي المكتسب" (Aquired immunological tolerance) كل من بورنيه (Bournet) ومداور (Medawar) وكلاهما حصل على جائزة نوبل في الطب مشاركة عام 1960. حيث توصلا من خلال الأبحاث المعملية إلى أن حقن أجنة الفئران ببعض خلايا الفئران الكبيرة يؤدي إلى حدوث درجة من التوافق بين الطرفين، وبالتالي في حال نقل الأعضاء بينهما لا يحدث رفض بل يحدث "تسامح" يصل إلى درجة "التعايش".

هذا هو المفتاح، فأين الباب الذي نفتحه لنخرج من معمل الأبحاث إلى دنيا الناس؟

كان هناك أكثر من باب، الباب الأول: أو كيف يمكن وقف وسائل الجسم الدفاعية- جهاز المناعة- لإجباره على قبول (التعايش" - بالقوة - مع العضو الجديد المنقول إليه؟!!

والباب الثاني: كيف يمكن اختيار المتبرع الأمثل- الأكثر توافقا- مع المريض كوسيلة للتحايل على جهاز المناعة، وتوفير أفضل الشروط الممكنة من أجل التعايش السلمي؟!!

فتح العلماء الباب الأول في (1959) حين توصل جون مريل وهامبرجر إلى فكرة تعريض جسم المريض لأشعة اكس قبل نقل الكلى إليه، بهدف تثبيط جهاز المناعة، وإجبار الجسم على التعايش مع العضو المنقول. تبين في حينه أن لهذه الوسيلة آثارها المدمرة، فهي تدمر جهاز المناعة بجملته، وتترك المريض مفتوحا لكل أنواع الميكروبات وللأمراض المعدية، فما فائدة الحفاظ على العضو المنقول وقتل المريض؟ وفي حينه توقف العلماء عن استخدام القوة الغاشمة لغرض التعايش، وقد ساعدت المصادفة السعيدة في ذلك، حيث اكتشف جون مريل وجوزيف موراي قدرة عقار الكورتيزون على وقف التفاعلات المناعية (1960) وقد عاش أول مريض طبق عليه عقار الكورتيزون لمدة عشر سنوات أخرى بعد الجراحة. وفي عام 1960 نفسه أعلن روى كالن قدرة عقار جديد هو "اميوران"، على وقف التفاعلات المناعية. ومرة أخرى تحت إشراف مريل وموراي تم استخدام العقارين لتثبيط جهاز المناعة بعد جراحات نقل الكلى ومازال العقاران يستخدمان معا منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا. فقد نجحت فكرة فرض التعايش بالقوة!!

وكان لهذا النجاح صدى واسع، وتداعيات مهـمة في استقرار علم نقل الأعضاء، هكذا استمر الباب مفتوحا، حتى استطاع بوريل اكتشاف عقار جديد هو السيكلوسبورين (1982) وقد أحدث هذا الاكتشاف الكثير من التطور المذهل في هذا العلم الجديد.

أما الباب الثاني- باب التحايل على جهاز المناعة، فقد استغرق زمنا أطول وجهدا أكبر حتى تمكن العلماء من مواربته وليس فتحه، فمن أبحاث السرطان في الفترة من 1920 - 1930، إلى جورج سنل الذي توصل في عام 1952 إلى تحديد المادة الوراثية (الجينات) المسئولة عن إدارة نظام التوافق النسيجي الرئيسي لدى فئران التجارب، إلى جان دوسيه الذي طور في نفس العام أبحاث سنك عند بني البشر وإليه يعود الفضل في التطبيقات العملية الأولى لهذا الكشف، حول جان دوسيه مكتبة إلى ورشة عمل مستمرة حتى أعلن (1968) على اكتشاف نظام (HLA) كمفتاح لدارسة التوافق بين المتبرع والمستقبل قبل إجراء الجراحة.

قبلها بسنوات قليلة (1965) كان هناك اختبار جديد، يتلخص هذا الاختيار في خلط السائل الدموي للمريض، بالخلايا الليمفاوية للمتبرع. كأحد اختبارات التوافق ودراسة مبدئية لمعرفة إمكان التعايش بين الطرفين قبل إجراء الجراحة، وهذا الاختبار يعرف باسم (Cross-match) أو (الخلط المتبادل)، هكذا أصبحت هناك ثلاثة شروط لا بد من توافرها قبل إجراء الجراحة لمعرفة درجة التوافق ونسبة التسامح:

أولا: توافق فصائل الدم الرئيسية (A, B, AB, O).
ثانياً: "خلط متبادل" سلبي (
Cross-match)
ثالثا: توافق (
HLA)

من الكلى إلى القلوب وغيرها

هكذا استقر نقل الكلى في بداية الستينيات من هذا القرن، وقد أغرى الجراحين في التخصصات الأخرى بالبدء في تجربة نقل الأعضاء الأخرى (القلب، الرئتين، الكبد...) فاشتغلت معامل التجارب في كل الدنيا بالتجريب المستمر على نقل هذه الأعضاء لدى الحيوانات المعملية. وفي 1963 أجرى توماس سترزل (Thomas Starzl) ست عمليات لنقل الكبد، انتهت جميعها بالفشل، ولم يعش أي من مرضاه لأكثر من ثلاثة وعشرين يوما، اضطر بعدها سترزل وفريقه إلى العودة مرة أخرى إلى حيوانات التجارب المعملية، ليعود بعد أربع سنوات، بنجاح هذه المرة، وفي نفس الوقت(1967) ينجح روي كالن (Roy Kalen) في كمبرديج في نفس العملية (نقل الكبد)، وبل ويعيش أحد مرضاه لمدة 9 سنوات كاملة بعد الجراحة.

في نفس الزمن كان نورمان شومواي (Norman Shumway) وتلميذه ريتشارد لور (Rhichard Lower) يستعدان للخروج من المعمل، بعد سنوات من التجريب في الحيوانات المعملية، إلا أن كريستيان برنارد الجنوب أفريقي خطف الأضواء(Christian Bernard) من الدنيا كلها في ديسمبر 1967 حين أجرى أول جراحة لنقل القلب لدى الإنسان - فشلت الجراحة الأولى - لكن بعد أسابيع قليلة ينجح في المرة الثانية، واستقبل برنارد ومريضه "الدكتور باليبرج" هستيريا الناس والصحافة في العالم أجمع، بعد قليل ينتقل برنارد إلى فئة رجال الأعمال بعد أن عجزت أصابعه عن فعل الجراحة العبقرية بسبب المرض.

هكذا، أجريت أكثر من مائة وخمسين محاولة لنقل القلب في ثلاث سنوات (1968 - 1970) مات فيها ثمانون بالمائة من المرضى على طاولة العمليات أو بعدها بقيل. لكن استقر التكنيك، واستمر المرض في طلب الجراحة، واستمر الجراحون في إجرائها.

في 1966 بدأت تجارب نقل البنكرياس على يد كيلي (Kelly) وليلهي (lillehei) ومن هذا التاريخ حتى 1970 أجريت ست وخمسون جارحة لنقل البنكرياس، لم تزد نسبة النجاح فيها على 3% حتى جاء دوبرنار (Dubernard) من ليون الفرنسية (1978) ليقدم للجراحة طريقة جديدة ومبتكرة وناجحة لنقل البنكرياس.

استقر العلم الجديد، أصبحت مراكز نقل الأعضاء تعد بالعشرات الكثيرة، والجراحون بالمئات، صار لكل مستشفى جامعي في أوربا وأمريكا والشرق فريق لنقل الأعضاء، والمرض بالآلاف، والمنتظرون لنقل عضو لهم بآلاف أخرى، ولم يعد الأمر يقتصر على نقل عضو واحد، بل أكثر من عضو في جارحة واحدة، فقد استطاع سترزل أن يقوم بنقل كبد وقلب معا (1983) وكذلك في كمبريدج (1989)، وبعد شهور قليلة ينجح فريق مستشفى بروسية بباريس في نقل ثلاثة أعضاء مرة واحدة (قلب، رئتين، كبد).

هل كان الطريق من الكائنات الغريبة الأولى هنا طويلاً؟ لقد كان طويلا بالفعل، لكن نحن مازلنا في فجر الطريق نحو ضميرنا الحي، شكرا للخيال الجميل وألف شكر لكل جهد نبيل.

 

إبراهيم البجلاتي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات