معرض العربي

   معرض العربي
        

منظر رمسيس يونان

          عاش رمسيس يونان حياة قصيرة، فقد ولد عام 1913، وانتقل إلى رحمة الله عام .1966 في تلك الحياة القصيرة التي لم تتعد الـ 53 عاماً، استطاع رمسيس أن يترك لنا تراثاً فنياً ثرياً، وتراثاً فكرياً لا يقل ثراءً. ترجم رمسيس يونان عن الفرنسية ترجمات أهمها (فصل من الجحيم) لرامبو، و(كاليجولا) لألبير كامو. كتاباته عن الفن بدأها عام 1938 يوم أن كان عمره  25 عاماً لا غير، يكتب لنا رمسيس يونان (غاية الرسام العصري) ومازال هذا النص بعد مرور أكثر من ستين عاماً يعتبر وثيقة حية لمن يريد أن يكون فناناً معاصراً حقاً. أتبع تلك المقالة بكتابات كانت تحاور الغرب وتقدم أهم ما توصل إليه، لكنه لم يكن ناقلاً فقط، بل كان محللاً، شارحاً مبيناً لإيجابيات النظرة الغربية وقصورها أيضاً، لا نستطيع العثور أبداً على قرين في حركتنا التشكيلية لعقل يوازيه، اللهم إلا عقل سمير رافع والذي لم نعثر بعد على كل كتاباته.

          كان رمسيس هو الداعية والمنظر للمدرسة السوريالية المصرية في التصوير، تحلق حوله الكثيرون من الفنانين مثل محمود سعيد والجزار وفؤاد كامل وحامد ندا وآخرين كثر. لم تقتصر الجماعة على الفنانين التشكيليين، بل كان بها شعراء مثل جورج حنين الذي انتقل فيما بعد إلى باريس، وأصبح من كبار شعراء الفرنسية، وتصدر أعماله الكاملة هذا العام في باريس بعد رحيله. ومن الغريب أن الثورة الفكـرية التي بشر بها وآتت ثمارها في أعمال الجزار ومحمود سعيد وحامد ندا، لم تعط رمسيس ما أعطته للآخرين، لكن المرحلة التي نقف لها جميعاً إجلالاً لتحققها الفني، هي التي قلت بشأنها يوماً: أنسن رمسيس يونان لنا (التجريد). لوحة المنظر التي نحن بصددها الآن هي إحدى تلك اللوحات التي أنتجها في آخر العمر، تفجّر فني نراه يتوهّج في تلك اللوحة مثلما حدث في كل تلك المجموعة من اللوحات. منظر به من التجريد، مثلما به من الطبيعة.

          صخور متشظية في كل اللوحة، تتوهج كأنها بلورات تعكس لنا الأضواء المتكسّرة من كل جانب. نحلم معها وبها، نراها وتراوغنا، تظهر لنا واضحة كجبال راسية، ثم تغيب عنا لنرى سحباً وغيوماً لكنها مضيئة أيضاً، ثم نرى شبهة أشخاص يتحرّكون، ماء يتسلل بين الصخور. عمل موسيقي بالدرجة الأولى، إيقاع الطبول والدفوف نراه بصرياً، نغمات الناي الشجية تقطر بها الألوان حين يتلامس الأزرق الفاتح مع (الأوكرات) ولون الطين، لتصرخ الموسيقى بألوان الصخور الداكنة التي تميل إلى البنيات الغامقة، لتعود إلينا الألوان البيضاء المشوبة بألوان شتى ولكنها هادئة كأنها تهدهدنا، رحلة العين على تلك اللوحة ومثيلاتها لا تتوقف أبداً، لوحة لن تعطيك كل ما فيها من النظرة الأولى. لكنها تعيش معك كلما أعطيتها وقتاً أعطتك فنّاً بصرياً، يثير فيك النشوة، ويعدل من كيميائك الجسمانية، يجعلك مقبلاً على الحياة، تلك لوحة رمسيس يونان.

 

عدلي رزق الله   

 
  




لوحة منظر التي أبداعها الفنان رمسيس يونان في الستينات