إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي
        

الأخ الأكبر.. يحبك

           وداعاً لحياتك الخاصة" كان هذا هو العنوان الذي اختارته صحيفة (الأوبزيرفر) البريطانية لتحقيق عن الحياة الخاصة للإنسان في الزمن الراهن، يكشف أن الحياة الخاصة باتت من أحلام الماضي، وأن (الأخ الأكبر) الذي اخترعه المؤلف البريطاني جورج أوريل كي يراقب جميع الناس وفي جميع الأوقات بات حقيقة واقعة، باستثناء أنه بدلاً من استخدام المخبرين كي يتعقبّوك، فإنه يستخدم الكاميرا والكمبيوتر وأجهزة التنصت وحتى الأقمار الصناعية ليعرف ماذا يفعل أي واحد وفي أي وقت.

          وهذا الأخ الأكبر العصري لا يهمه فقط ماذا تفعل، بل بماذا تفكر، وما الذي تشتهيه وترغب فيه، فهو يعرف وجبتك المفضلة في المطعم المفضل، ويعرف البرنامج التلفزيوني الذي يستهويك، ويعرف ساعتك المفضلة للحديث عن الشغل أو.. للغزل، وما ألوان ربطات العنق التي تستهويك، بل هو يستمع إليك ويسجل ما تقوله في محطة البنزين للعامل، وما تهمس به في أذن زوجتك في السوبرماركت، وما هي أمراضك وهواياتك وظروفك المالية والعائلية ومواقفك السياسية. ومع مَن تقف في الانتخابات المحلية والوطنية، ومَن هم أصدقاؤك في الداخل والخارج، وماذا تقولون في الرسائل المتبادلة على الإنترنت.

          وهذا الكم الهائل من المعلومات عن حياتك الشخصية، ربما تنسى بعضه بعد خمس أو عشر سنوات، ولكن (الأخ الأكبر) لا ينسى، وإذا كنت قد نسيت مثلاً أن تدفع فاتورة، أو تأخرت عن تسديد قسط سيارتك أو الثلاجة في بيتك، وقررت أن تنتقل من منزلك إلى منزل آخر أو تغيّر ولايتك أو قارتك فتنتقل من أوربا إلى أمريكا أو بالعكس، فإن ذاكرة الأخ الأكبر تطاردك إلى حيث تستقر.

          صحيح أنه في عصر ثورة المعلومات والاتصالات مازالت هناك أسرار تخفيها عن زوجتك، أو عن جيرانك، أو حتى عن حبيبتك، ولكن ليس عن الأخ الأكبر، فهو يعتبر أن أي معلومة ناقصة في ملفك لابد أن تستكمل، كي يعرف ماذا يبيعك، وكيف يوفّر لك الراحة والطمأنينة وتحقيق ما تتمناه وما تحلم به، فهو يحبك إلى حد أنه لا يطيق فراقك لا ليلاً ولا نهاراً، وهو يعمل من أجلك على مدى 24 ساعة متواصلة و365 يوماً في العام، وآخر ما يفكر به هو الطلاق، لأنه لا يريدك أن تفقد ظلك (!).

          .. ومع ذلك، فإنه مازال لدينا دول تملك 16 جهازاً للمخابرات على المواطنين، ولعل الأخ الأكبر يسهّل عليها وعلينا المهمة، فيحوّلها إلكترونية، فترتاح وتريح... (!)

 

 

أنور الياسين