أورانوس.. كوكب الأسرار

 أورانوس.. كوكب الأسرار

بدا وكأن كارثة كونية قد حاقت بهذا الكوكب الغازي "أورانوس" حيث إنه يميل على جانبه ويتدحرج في مداره حول الشمس! وأيقن العلماء أنهم على شفا اكتشاف فلكي! مثير! يتمثل في التعرف على أسرار أحد أغرب كواكب المجموعة الشمسية وأجملها! إذ يبدو كلؤلؤة في الفضاء.

أورانوس ثالث أكبر الكواكب التسعة التي تدور حول الشمس! ولايزيد عليه في الحجم سوى كوكبي المشتري وزحل. وكوكب أورانوس هو السابع في الترتيب من ناحية بعده عن الشمس! ويبلغ متوسط المسافة بينهما 2870 مليون كيلومتر. وقد اكتشفه الفلكي البريطاني ويليام هيرشل في عام 1781 باستخدام التلسكوب. ويتكون جو أورانوس أساسا من الهيدروجين والميثان والهليوم! ومقادير أقل من النشادر والغازات الأخرى. والميثان هو الذي يعطي لكوكب أورانوس ذلك اللون المميز! وذلك بامتصاص أشعة الشمس. وتسبح سحب مركبات النشادر والماء عميقا جدا في جو الكوكب! بحيث لايمكن رصدها بواسطة السفن الفضائية. ولاتوجد سوى سحب رقيقة كالضباب من جليد الميثان على مستويات بالغة الارتفاع فوق كوكب أورانوس! بحيث يمكن رؤيتها. وكذلك تهب الرياح ـ كالتيارات النفاثة ـ في الجو العلوي للكوكب! بسرعة تبلغ نحو ثلاثمائة كيلو متر في الساعة.

كما اكتشفت "فويجر 2" توهجات غريبة في جو أورانوس: هالة ضوئية براقة تشبه الشفق القطبي الذي يتألق عند القطبين الشمالي والجنوبي في كوكب الأرض. إذ تنحرف الجسيمات دون الذرية القادمة من الشمس! بتأثير المجال المغناطيسي لكوكب أورانوس ثم تغطس في الجو فتجعل جزيئات الهيدروجين ـ المكون الأساسي لجو الكوكب ـ تتوهج. ويحدث تألق آخر على سطح أورانوس أثناء "النهار" عندما تؤدي طاقة الأشعة فوق البنفسجية الصادرة من الشمس إلى تألق جزيئات جو الكوكب بشكل خافت جدا! في الاتجاه المواجه للشمس ويطلق على هذه الظاهرة "التوهج النهاري".

ولعل أكبر مفاجأة قدمها لنا كوكب أورانوس هي: مجاله المغناطيسي. فلم يكن ممكنا التحقق من وجود مجال مغناطيسي لكوكب أورانوس من كوكب الأرض. ولكن "فويجر2" تحققت من وجوده! وأثارت بعض التساؤلات. فقد كان المجال المغناطيسي لأورانوس مائلا بشكل غريب. فمن المعروف أن القطبين المغناطيسيين في كوكب الأرض يتفقان تقريبا مع القطبين الجغرافيين! إذ يبلغ الفرق بينهما نحو 12 درجة فقط! وكذلك الأمر فوق كوكبي المشتري وزحل! ولكن الوضع يختلف في كوكب أورانوس! فالمحور المغناطيسي لكوكب أورانوس يميل 60 درجة بالنسبة للقطبين الجغرافيين! وهذا يعني أن القطبين المغناطيسيين الشمالي والجنوبي للكوكب! يقعان أكثر قربا من خط الاستواء مقارنة بالقطبين الجغرافيين. ولكن الغرابة لاتقف عند هذا الحد. فالمحور المغناطيسي لكوكب الأرض يمر قريبا جدا من مركز كوكبنا! إذ يبتعد عنه بمسافة خمسمائة كيلومتر فقط! ولكن أورانوس يتفرد كعادته! إذ إن محوره المغناطيسي يبتعد بنحو ثمانية آلاف كيلومتر عن مركز الكوكب!

وأرجع علماء الفيزياء الأرضية هذه الغرائب إلى أن المجال المغناطيسي لكوكب أورانوس يتولد بعيدا عن مركز الكوكب! وهو لاينتج عن الحديد والنيكل المصهورين ـ كما يحدث في كوكب الأرض ـ بل من غلاف كوكب أورانوس حيث يكون الماء والنشادر تحت ضغط مروع! فتتحول الذرات إلى أيونات لها شحنات! ومن ثم تصبح موصلات كهربية جبارة! تنشىء المجال المغناطيسي لكوكب أورانوس. وعندما كان المجال المغناطيسي للكوكب يلتف حول "فويجر2" أخذت تزداد شدته! كلما دارت المركبة الفضائية حول أحد القطبين المغناطيسيين! ولاحظ العلماء أن المجال المغناطيسي للكوكب! يلف ذاتيا حول نفسه مرة كل 17 ساعة و 15 دقيقة أرضية! وهذا هو طول "اليوم" فوق أورانوس. وقد أدت هذه السرعة في الدوران! إلى انتفاخ الكوكب عند خط استوائه. ويبلغ قطر كوكب أورانوس عند خط الاستواء نحو 51200 كيلو متر! أي نحو أربعة أمثال قطر كوكب الأرض.

حلقات ضيقة.. معتمة

تحيط بكوكب أورانوس مجموعة معقدة من إحدى عشرة حلقة! تعد مكوناتها الرئىسية أضيق بكثير جدا من حلقات كوكب زحل.. وحلقة "ابسيلون" هي أبعد الحلقات وأكبرها إذ يتراوح عرضها بين 22 ـ 93 كيلو مترا! أما أضيق الحلقات فلا يزيد عرضها على حوالي كيلومترين فقط. ويعتقد أن حلقات أورانوس ماهي إلا فتات وحطام من التدمير المستمر لأقمار الكوكب. وأظهرت عمليات الرصد التي قامت بها "فويجر 2"! أن حلقات أورانوس خفيفة وضيقة ومعتمة! ومكونة أساسا من كتل ضخمة مستديرة من الصخور والجليد. وعندما قاست المركبة الفضائية كمية الغبار بالحلقات وهي تمر بكوكب أورانوس! وذلك بالنظر إلى الوراء بحيث سقط ضوء الشمس على أحد جوانب الحلقات! بينما راقبتها "فويجر 2" من الجانب الآخر! اتضح أن هناك كمية ضئيلة من الغبار في حلقات أورانوس. وكانت هذه الندرة للغبار أمرا مثيرا للدهشة! إذ لابد أن تتصادم باستمرار الجسيمات في كل حلقات الكوكب! ومن ثم فإنها تطحن ويقل حجمها! وينشأ عن هذا قدر معقول من الغبار الدقيق ولكن كان هناك شيء ما ينظف حلقات أورانوس من الغبار بنفس معدل تولده.

تصدت أجهزة "فويجر2" لهذه المشكلة ووجدت الإجابة الصحيحة. فقد أظهر مقياسها للطيف بالأشعة فوق البنفسجية! أن الهيدروجين الموجود في جو أورانوس! يمتد في شكل رقيق جدا من الكوكب إلى الخارج! خلال الحلقات. وفي هذه العملية تهرب ذرات الهيدروجين ببطء وثبات من أورانوس! ثم تعطي كثافة لإحداث مقاومة كبيرة لجسيمات الغبار في الحلقات.

وهكذا يتم إبطاء سرعة جسيمات الغبار باستمرار! ومن ثم تهبط إلى مدارات أدنى حتى تختفي من مجموعة الحلقات! وتدخل في الغطاء الغازي في جو أورانوس. ويعني هذا أن حلقات أورانوس بأكملها تتآكل بسرعة. وجميع حلقات أورانوس معتمة تعكس أقل من 5% من ضوء الشمس الساقط عليها! ويوحي ذلك أن هذه الحلقات تتكون من صخور غنية بالكربون.

ولكن كيف تحتفظ كل حلقة بمكوناتها?
بدأ العلماء النظريون في تفسير ذلك بشكل رائع. إن الجسيمات التي تكون كل حلقة! تم جمعها وحفظها في مواضعها بواسطة قيام قمرين صغيرين أطلق عليهما اسم "الراعيين" بهذه المهمة. ولنأخذ على سبيل المثال. الحلقة "ابسيلون"! إذ إن هناك قمرا صغيرا "كورديليا ويبلغ قطره نحو 31 كيلو مترا" داخل هذه الحلقة مباشرة. وقمر صغيرا ثانيا "اوفيليا ويبلغ قطره نحو 33 كيلومترا" يدور عند حافة الحلقة. ومن المعروف أنه كلما قرب الجسم من الشيء الذي يدور حوله! تحرك بسرعة أكبر. ولذلك فإن القمر الراعي الداخلي يدور أسرع من جسيمات الحلقة. وفي كل مرة يمر أمام جسيم بالحلقة! فإن جاذبيته تعطي هذا الجسيم دفعة صغيرة أي سرعة زائدة ضئيلة! وهذا الدعم يسبب صعود الجسيم إلى مدار أعلى. ويستخدم هذا القمر جاذبيته أيضا! لمنع سقوط الجسيمات المبعثرة من السقوط بعيدا عن حلقة ابسيلون.

لكن القمر الراعي الخارجي يدور بسرعة أقل من جسيمات الحلقة. وفي كل مرة يقابل أحد جسيمات الحلقة! تؤدي جاذبيته إلى تخفيض سرعته ومن ثم يبدأ في الهبوط إلى مدار أدنى. وبهذه الطريقة فإن الجسيمات ذات السرعة العالية المنطلقة إلى خارج الحلقة! تبطىء وتسقط راجعة إلى الحلقة مرة أخرى. وهكذا تحتفظ حلقة ابسيلون بكل مكوناتها بواسطة القمرين "كورديليا" و "اوفيليا" الراعيين.

طاقة حرارية وضغط تجاذبي

تكاد تكون كل كواكب المجموعة الشمسية عمودية على محورها القطبي! بينما تدور حول الشمس. إذن لماذا يرقد كوكب أورانوس على جانبه?

لم تقدم لنا "فويجر" أي حل لهذا اللغز. إن النظرية السائدة حتى الوقت الحاضر عن تكون كواكب المجموعة الشمسية! تقول إنها نشأت من سحابة جبارة من الغاز والغبار منذ نحو 4600 مليون سنة! ثم اصطدمت بها ودفنت فيها أعداد هائلة من المذنبات والكويكبات من مختلف الحجوم. وارتطم بعضها بالكواكب بالقرب من القطبين! مما أدى إلى ميل بعض الكواكب بشكل بسيط! أما الكواكب الأخرى فقد توازن تأثير هذه الاصطدامات! ومن ثم بقيت الكواكب عمودية كما كانت أصلا.

ولعل هذا الميل غير العادي! قد نتج عن تلقي أورانوس لصدمة مروعة ـ كانت بمنزلة كارثة كونية ـ أصابته بعيدا عن خط استوائه! من جسم في جسم كوكب الأرض! أثناء مرحلة مبكرة من نشأة الكوكب.

وتساءل العلماء: كيف يؤثر هذا على مناخ كوكب أورانوس?

يعني ميل كوكب أورانوس! أنه خلال السنة الواحدة على الكوكب ـ التي تعادل 84 سنة أرضية ـ تكون الشمس عمودية أو شبه عمودية! على كل نقطة فوق أورانوس. وهكذا فإنه لفترة طويلة! يكون القطبان الشمالي والجنوبي للكوكب معرضين لأشعة الشمس بشكل شبه رأسي. وهكذا تتلقى المناطق القطبية فوق أورانوس كمية من أشعة الشمس! أكثر قليلا من خط استواء الكوكب! وكان المتوقع أن يكون قطبا أورانوس أكثر "سخونة" من خط استوائه. ولكن مركبة الفضاء "فويجر2" وجدت أن درجات الحرارة متساوية تقريبا عند القطبين وخط الاستواء وتبلغ نحو 221 درجة مئوية تحت الصفر. ويرجع هذا إلى أن أشعة الشمس التي تصل إلى أورانوس تكون ضعيفة جدا بحيث تنتشر سريعا وتتوزع بالتساوي على كل أنحاء الكوكب بواسطة الرياح التي تهب من الشرق إلى الغرب. ووجدت المركبة الفضائية "فويجر2"! أن كوكب أورانوس أكثر دفئا بدرجة بسيطة عما يمكن أن تحدثه أشعة الشمس بمفردها إذ إن الكوكب يشع من الطاقة نحو 15 بالمائة! أكثر مما يستقبله من الشمس! وتشع هذه الطاقة في نطاق الموجات تحت الحمراء والراديوية! وهي ناتجة عن الانحلال المتواصل للعناصر المشعة داخل أورانوس! وأيضا من الحرارة الناتجة عن الضغط التجاذبي المروع المستمر على مركزه.

وتتكون بنية كوكب أورانوس من ثلاث طبقات: مركز صخري ساخن في مثل حجم كوكب الأرض! مكون أساسا من الحديد والسليكون! حوله محيط من الماء ممتزجا بالهيدروجين! وقد تأين بتأثير الضغط الهائل الذي يتعرض له. وأعلاه ـ حيث الضغط أقل ـ توجد طبقات الجو الغازي! التي تتكون في معظمها من الهيدروجين والهليوم والميثان. وبالرغم من أن الهيدروجين يسيطر على جو أورانوس! فإن السطح المرئي للكوكب عبارة عن طبقة ضبابية من الاستيلين والاثين تكونا بتأثير أشعة الشمس عندما تصطدم بالميثان الموجود في جو أورانوس.

فوهات وأودية.. وثورات بركانية

أضاف الطيران القريب للمركبة الفضائىة (فويجر2) من كوكب أورانوس عشرة أقمار جديدة صغيرة للأقمار الخمسة الكبيرة التي تم اكتشافها من قبل بواسطة التلسكوبات الأرضية! وهي: أوبيرون عام 1787 وتيتانيا عام 1787 وأمبرييل عام 1851 وآرييل عام 1851 وميراندا عام 1948.

وبالرغم من الميل الغريب لكوكب أورانوس ودورانه التراجعي (أي عكس معظم الكواكب الأخرى). فإن أقماره مداراتها دائرية تقريبا! مثل باقي الأقمار في المجموعة الشمسية. وتدور أقمار أورانوس حول خط استواء كوكبها! وتلف حول محورها في الفترة الزمنية ذاتها ومن ثم فهي تواجه كوكب أورانوس بوجه واحد دائما! كما يحدث لقمر الأرض. وأقمار أورانوس أدفأ قليلا من قمم السحب التي على كوكبها! لأن لها أسطح أكثر إعتاما تمتص طاقة أكبر من الشمس.

وبناء على دراسة جميع الأجسام الفضائىة التي تدور حول الشمس! توقع العلماء بالنسبة لأقمار أورانوس ـ .نظرا لصغر حجمها ـ ألا يحدث لها الكثير منذ تكونها! إلا من ارتطامات عرضية لمذنبات وكويكبات شاردة. أما الأقمار الكبيرة فقد تعرضت لتغيرات كثيرة بسبب وجود كميات من العناصر المشعة فيها. فالانحلال الإشعاعي لهذه العناصر! أطلق طاقة حرارية مروعة داخل كتل هذه الأقمار! مما أدى إلى حدوث انصهار ومن ثم سقوط المكونات الثقيلة إلى المركز! وصعود المواد الخفيفة إلى السطح. ويطلق على هذه العملية (التمايز) وعادة تظهر علامات التمايز الخارجية في النشاط البركاني! الذي يغطي جزءا من سطح أحد الأقمار الكبيرة لكوكب أورانوس! مع وجود مناطق شبه ملساء! وهي حديثة العهد لأنها انتشرت وأزالت عددا كبيرا من الفوهات. وعلى الأرجح لاتوجد ظاهرة التمايز في الأقمار الصغيرة لأن الحرارة الداخلية ليست من القوة بحيث تؤدي إلى حدوثها! إلا في أحوال نادرة.

ولأن أقمار أورانوس ذات أحجام صغيرة نسب (من 500 إلى 1600 كيلومتر) وبسبب كونها تدور وتقاسي من البرودة القارسة! إذ إنها تبعد عن الشمس بنحو ثلاثة آلاف مليون كيلومتر. فكان متوقعا لها أن تكون عبارة عن ركام من الفوهات التي خمدت فور تشكلها. ولم يبق منها سوى ندب غائرة في سطوح الأقمار! تنبىء عما حدث للفوهات منذ زمن سحيق.

ولكن أقمار أورانوس كانت شيئا مختلفا ومحيرا في نفس الوقت! إذ يبدو القمر (أو بيرون) ـ أبعد أقمار أورانوس ـ إنه تحمل الكثير من الارتطامات القاسية بأجسام فضائية! عندما تشكلت المجموعة الشمسية ونتج عن ذلك أن سطحه يمتلىء بالفوهات من كل الحجوم! وبعضها يزيد قطره على مائة كيلومتر. وهناك جبل شاهق فوق هذا القمر! يبلغ ارتفاعه نحو عشرين كيلومترا! أي أكثر من ضعف ارتفاع جبل ايفرست فوق كوكب الأرض. ربما كان عبارة عن القمة المركزية لفوهة يبلغ قطرها نحو ثلاثمائة كيلومتر وهذا بروز مروع فوق عالم يبلغ قطره 1/8 قطر كوكبنا. وفي أرضيات بعض الفوهات وجدت مادة داكنة سوداء! مما يدل على أن شيئا ما تدفق من باطن القمر (أوبيرون) إلى سطحه ثم تجمد. ولكن لايمكن أن يحدث لهذا القمر الصغير (قطره نحو 1550 كيلو مترا) أي انصهار داخلي!

والقمر (تيتانيا) أقرب قليلا إلى كوكب أورانوس! ووسط خليط كبير من الفوهات الصغيرة! لم يكن هناك سوى عدة آثار تدل على وجود فوهات كبيرة منذ بلايين السنين. ومن المؤكد أن (تيتانيا) تعرض لاصطدامات كثيرة أيضا. إلا أن عاملا كونيا غامضا محا هذه الفوهات الكبيرة. لكن كيف حدث هذا هنا! ولم يحدث للقمر (أوبيرون)? لا أحد يدري على وجه الدقة.

وتضاريس القمر (تيتانيا) ـ الذي يبلغ قطره نحو 1610 كيلو مترات ـ عبارة عن خطوط متقاطعة مع شقوق عملاقة يصل طولها إلى 1600 كيلومتر وعرضها 50 كيلومترا وعمقها نحو خمسة كيلومترات. وهذه الشقوق هي التي كشفت عن مواد أفتح لونا في باطن القمر. مما يدل على أن القمر (تيتانيا) شهد نشاطا جيولوجيا شاملا عند بدء تكونه. وتوقع العلماء أن القمر "امبرييل" ـ وهو أكثر قربا من أورانوس ـ سوف يستمر فيه إظهار النشاط الجيولوجي الكثيف. لكن ذلك لم يحدث! إذ أبدى هذا القمر سلوكا هادئا تماما.

و"امبرييل" هو أكثر الأقمار الكبرى لأورانوس قتامة! حيث إنه لايعكس سوى نحو 20% فقط من الضوء الساقط عليه! ويتميز بأن سطحه يمتلىء بالفوهات! ومن ثم فهو من أقدم أقمار أورانوس. وهناك ثمة ظاهرة غريبة فوق "امبرييل" إذ توجد علامتان سطحيتان لامعتان! إحداهما على منحدر إحدى الفوهات! والأخرى حلقة قطرها ثمانون كيلومترا تغطي أرضية فوهة أخرى. ولابد أن هذه المادة البراقة! أتت من باطن القمر. ولأن قطر "امبرييل" يبلغ نحو 1190 كيلومترا فقط! لذلك فلابد أنه لم يحدث به انصهار داخلي أو تمايز! إلا في ظروف غير عادية مثل اصطدام كوني هائل. ومن ثم فربما كان السطح الذي نراه هو القشرة الأصلية وأن الصخور الغنية بالكربون والقاتمة جدا! اختلطت بالجليد فاتح اللون.

ويعد القمر "أرييل" أكثر أقمار أورانوس تألقا. إذ تصل قدرة سطحه على عكس الضوء إلى 40%. ويعد سطح هذا القمر أقل أقمار أورانوس! من حيث عدد الفوهات ولهذا فيعتبر من أحدثها. والغريب أن الفوهات الصغيرة طمست تماما من على سطح "أرييل" وأعيد تشكيله مرة أخرى. وأصبح يظهر شبكة شاملة من الصدوع والأودية التي قد يصل عمقها إلى ثلاثين كيلومترا. وقد تسببت الثورات البركانية في إحداث هذه التغيرات الجيولوجية. لكن حمم هذه البراكين ليست صخورا مصهورة مثل التي تنتجها البراكين على سطح الأرض. ولكنها خليط من الجليد والصخور التي تشبه أنهار الجليد! التي تدفقت وغطت في بعض الأماكن جدران الفوهات. ثم توقفت لتشكل ارتفاعات صخرية وعرة يصل ارتفاعها لأكثر من ثلاثة أرباع كيلومتر. ولكن من أين أتت الحرارة التي تنشط الثورات البركانية?

ربما تولدت بعض هذه الحرارة من تحلل العناصر المشعة في باطن القمر "أرييل" أو جاء بعضها من الضغط التجاذبي للقمر بعد تكونه أو لعل حرارة نشأت من تأثير المد والجزر المتولد من القمر المجاور "امبرييل".

ميراندا.. متحف كوني

كان القمر "ميراندا" أكثر الأجسام الفضائية ـ التي رصدتها "فويجر2" ـ إثارة للدهشة! إنه عالم مثير فريد! فهنا توجد كل أنواع التضاريس الغريبة في المجموعة الشمسية! وكأن هذا القمر متحف كوني! وديان متعرجة تشبه وديان كوكب المريخ! نحتتها أنهار الجليد المتدفقة! وأخاديد في السطح مثل تلك التصدعات في "جانيميد" قمر المشتري! وهضاب كثيرة الفوهات تشبه سطح قمر الأرض! وثلاثة مناطق بيضاوية متراكبة بشكل غريب على السهول المتموجة! التي تمتد لمسافة ثلاثمائة كيلومتر عبر القمر "ميراندا" الذي يبلغ قطره نحو 485 كيلومترا فقط. وتوجد داخل هذه المناطق البيضاوية مواد فاتحة وداكنة اللون! تنتظم في حواف وأخاديد منحدرة! وتتقاطع مع بعضها البعض عشوائيا.

إلا أن غرابة القمر "ميراندا" لم تتوقف عند هذا الحد! فالمناطق البيضاوية والسهول المتموجة! تعرضت ذاتها للقطع بواسطة مجموعة كبيرة من الصدوع الضخمة التي أحاطت بالقمر "ميراندا" بأكمله مما أدى إلى تكون أودية ذات جدران شديدة الانحدار! يبلغ عمقها نحو عشرين كيلومترا.

أحد التفسيرات الحديثة للسطح الغريب للقمر "ميراندا"! أن هذا القمر نشأ أصلا من خليط غير كامل الانتظام من الصخور والجليد. ثم أدت الحرارة الباطنية إلى بدء حدوث التمايز! بالرغم من صغر القمر. وبدأت المادة الثقيلة تغوص إلى أسفل تجاه المركز. وأخذت المادة الخفيفة تطفو تجاه السطح! ثم تلاشت الحرارة الباطنية وتجمد القمر. وصعد الجليد الأكثر خفة ولمعانا إلى السطح في بضعة أماكن فقط مكونا المناطق البيضاوية.

وبعد نحو عشر سنوات من رحلة "فويجر2" إلى كوكب أورانوس! مازال العلماء يبحثون عن أجسام صغيرة مجهولة لنا! تكمن مختبئة في مدارات لها حول أورانوس! وخاصة الأقمار رعاة الحلقات! ومن ثم يكون للكوكب ذي الخمسة عشر قمرا ـ ضعف هذا العدد من الأقمار! ولكن الأرجح أننا لن نعرف ذلك على وجه اليقين حتى تصل مركبات فضائية مزودة بأجهزة أكثر تطورا إلى هذا الغازي الأخضر الراقد على جنبه. كوكب أورانوس من بعيد! لؤلؤة في الفضاء. تفاصيل أكثر لكوكب أورانوس خاصة المنطقة القطبية. شريحة في حلقة (إبسيلون) أكبر حلقات أورانوس. القمر (أمبرييل). وتتضح إحدى العلامتين اللامعتين إلى اليمين. شبكة الصدوع والأودية فوق القمر (أرييل). يبدو أورانوس هائلا! من فوق (ميراندا) المتحف الكوني.

 

رؤوف وصفي