وماذا عن الشعر وتساقطه؟

الشعر وتساقطه؟

قبل أن نخوض في معرض أدواء الشعر لابد من أخذ فكرة عن فسيولوجية الشعرة! وسنتحدث بشكل خاص عن أشعار فروة الرأس التي يقدر عددها بنحو 100.000 شعرة! وهي تنمو بمعدل 0.3 ملم يوميا وتطول حتى 30 -100 سم! ويسقط ضمن الحدود الطبيعية يوميا ما يقارب 50 ـ 90 شعرة وخلافا للاعتقاد العامي السائد! فإن قص الأشعار أو حلاقتها بالشفرة لا يؤثران على نموها ولا على مقدار كثافتها ولا على ازدياد طولها.

تتخلق الأشعار في الجريبات الشعرية حيث تكون لها مهدا ومعاشا! ثم لحدا قبل سقوطها! والأشعار لا تنمو بشكل مستمر وإنما لكل شعرة نظام دوري للنمو والراحة بشكل غير متماثل في المرحلة مع الأشعار المجاورة! وهذا ما يدعى بالدورة الشعرية وهي تقسم إلى ثلاث مراحل:
1 - مرحلة النمو حيث تنمو الشعرة بمعدل 0.3 ملم! يوميا وتستمر في امتدادها حوالي ثلاث سنوات تقريبا! هذا و09% من أشعار الفروة تكون في هذه المرحلة.

2 - مرحلة التراجع وتستمر أياما فقط! وهي فترة تحضير لمرحلة الانتهاء النهائىة فيتوقف النمو فجأة وتتجه الشعرة نحو الأعلى وكأنها تحس أن النهاية قد حانت.

3 - مرحلة الانتهاء وتستمر حوالي ثلاثة أشهر! تودع الشعرة فيها موطنها وتنتظر مشطا أرعن ليحملها بعيدا أو لتسقط عفويا! ولئن سقطت هذه الشعرة الحزينة فإن الحياة في الجريب نفسه لا تنتهي إذ سرعان ما تظهر شعرة جديدة فتية في مرحلة النمو! وبإمكان الجريب الشعري الواحد أن يقدم عشرين شعرة متعاقبة طيلة حياة الإنسان. وسنناقش فيما يلي أهم وأشيع أشكال تساقط الشعر.

الحاصة البقعية "Areata Alopecia":
ويعرفها العامة باسم "الثعلبة" وهي تتصف بفقدان سريع لأشعار منطقة محدودة من الرأس فيتساقط الشعر عنها كما يتساقط ورق الخريف وتتظاهر بشكل بقعة بيضوية أو مستديرة خالية من الأشعار على الفروة أو اللحية أو الشارب أو الحاجبين! وأحيانا تمتد يد المرض لتقطف أكثر من خصلة شعر لتتعدد بؤر الآفة! وقد تتحد البقع مع بعضها وكأنها تدرك أن في الوحدة قوة لتأخذ مساحات واسعة بأشكال معينة! ويكون الجلد في منطقة الإصابة سليما تماما فكأنه الوطن الصامد برغم الكوارث فوقه! ويفضل هذا الداء أن يتخذ من رءوس الأطفال مسرحا لاستعراضاته القبيحة! إلا أنه يمكن أن يحقق انتصارات على رءوس البشر في مختلف مراحلهم العمرية! ويمكن للمرض أن يترقى في 5% من الحالات ليحصد كل أشعار الرأس وتسمى الحالة عندها حاصة كلية
Alopecia totalis وعند 1% من الحالات يجتاح المرض كامل أشعار الجسم ليترك المريض أمرد كليا من مفرق رأسه حتى قدميه وتدعى الحالة عندها حاصة شاملة Alopecia universalis. أما أسباب هذه الحالة فتعزى لوجود بؤر إنتانية في منطقة ما من الجسم أو استجابة لشدائد الحياة ومصائبها. وحديثا تحظى نظرية المناعة الذاتية كمسبب لهذا الداء باهتمام الباحثين! وهي تعني أن الجهاز المناعي ـ وهو جهاز الدفاع النبيل المنوط به التصدي للمتعضيات الخارجية الغازية ـ يضطرب ليقوم بتدمير ذاته! فيخرب الجريبات الشعرية في مناطق معينة.

ومن المفيد أن نعلم أن 30% من حالات هذا الداء تشفى عفويا دون علاج في غضون ستة أشهر. ومن الطرق المتبعة لتسريع الشفاء ورفع نسبته استخدام الستروئيدات دهنا أو حقنا داخل الآفة وبتراكيز معينة ويمكن المعالجة بالإنترالين موضعيا أو بإثارة التحسس التماسي بواسطة بعض المواد مثل دي نترو كلور بنزين (DNCB) أو بالمعالجة الكيماوية الضوئية التي تعتبر البوفا PUVA أكمل وأبهى صورها.

وقد يلجأ بعض المرضى إلى الحلاقين أو الدجالين ابتغاء الشفاء! فيهرعون لفرك الآفات بالأحماض والقلويات والمخرشات والنباتات! أو يقومون بتشطيب الآفة بالموسي مما قد يؤدي لترك ندبات دائمة لايفيد فيها علاج! وإن نجحت بعض الحالات معهم فلا أظنها إلا شفاء عفويا يظهر في مسيرة الداء أحيانا كما أسلفنا.

الخاصة الأندروجينية "Androfenetic Alpecia":
وتسمى أيضا بالصلع الشائع وهي تبدأ في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات! تصيب الذكور غالبا فتعري قمم رءوسهم وتنهك بواطن نفوسهم! ومن حسن حظ النساء أنهن نادرا ما يصبن بهذه الحالة. تتساقط الأشعار بشكل تدريجي في كل من منطقتي جوانب الجبهة وقمة الرأس وفي النهاية تصبح قمة الرأس ساحة خالية تماما من الشعر لامعة تحت الشمس.

يعد العامل الوراثي أهم عامل في سببية هذه الحالة! وإضافة للوراثة فإن لهذه الحاصة علاقة مع هرمون الذكورة التستوسترون وهو يصنع بشكل أساسي في الخصيتين وترتفع نسبته بعد البلوغ حيث تظهر عجائب تأثيراته بإثارة نمو أشعار اللحية والشارب وتراجع الشعر عن الرأس عند المستعدين وراثيا. وهكذا فإن الصلع لا يصيب الخصيان شريطة أن يتم إخصاؤهم قبل سن البلوغ! وهذا بالطبع ليس حلا وقائيا يمكن اتباعه!

يعتبر دواء المينوكسيديل بتطبيقه الموضعي يوميا لعدة أشهر الدواء الوحيد تقريبا الذي أظهر فعالية علاجية في هذه الحالة. وهناك أيضا طريقة جراحية يشار بها إلى الحالات المتقدمة وتتضمن اغتراس قطع جلدية صغيرة تحوي جريبات شعرية مأخوذة من المنطقة القفوية في البقع الصلعاء وهذه الطريقة جيدة وتحل المشكلة نسبيا. أما بول الناقة ومخاط الماعز وغيره مما نسمعه من مرضانا كعلاج للصلع فلا أصول علمية له مطلقا.

تساقط الأشعار في مرحلة الانتهاء": "Egguvim Telogen"
وهي حالة شائعة يتزايد فيها تساقط الأشعار بشكل منتشر في الفروة حيث تقصر مرحلة النمو عن المدة الطبيعية وتدخل نسبة كبيرة من الأشعار بشكل مبكر في مرحلتي التراجع والانتهاء. أما الأسباب التي تقصر عمر الأشعار وتثير هذه الحالة فهي عديدة منها الحمى والولادة والجراحة والنزف الشديد والحمية القاسية والشدة النفسية. ومهما كان سبب الحالة فإن التساقط يبدأ بعد شهرين وحتى أربعة أشهر من بدء المحرض السببي أي بعد أن تنتهي مرحلتا التراجع والانتهاء اللتان دخلتهما الشعرة بعد المحرض وعندها تبدأ الأشعار بالتساقط بمعدل 100 ـ 1000 شعرة باليوم! ومن الجدير بالذكر أن الأشعار المتساقطة نادرا ما تزيد نسبتها على 50% من أشعار الفروة عامة! وكذلك فإن مدة المرض نادرا ما تتجاوز ستة أشهر وبعدها تعود الأشعار للنمو ثانية مغطية الأماكن المصابة وحتى دون دعم علاجي. وإذا كان معدل التساقط كبيرا أو طالت مدة الإصابة فإن الفروة تبدو قليلة الكثافة بالأشعار بشكل واضح مما يثير قلق المريض ويدفع به إلى مراجعة الطبيب.

ومن المعروف عند العامة في بلادنا أن الأشعار تتساقط عند الأم حين يتعرف عليها رضيعها بأنها أمه! وبقدر ما لهذا الواقع من صحة فإن الربط والتفسير خاطئان! فصحيح أن الأم يتساقط شعرها في الشهر الرابع بعد الولادة وهي السن التي يتعرف فيها الرضيع على أمه إلا أن هذه الحالة تدخل في تساقط الأشعار في مرحلة الانتهاء بعد الشدة الولادية. وهذا المرض شائع عند نسائنا المعذبات اللواتي لاتكاد تفرغ أرحامهن من الحمول وأحضانهن من الرضع! وما يفرغ فقط هو رءوسهن من الأشعار!

وهناك حالات أخرى عديدة لتساقط الشعر لن نخوض فيها لندرتها نسبيا.

قصدنا تكحيله فأعميناه..

يمارس الكثير من النساء على شعرهن عادات وطرائق مختلفة بهدف تجميله! ولكن من المؤسف أنها تعطي نتائج سيئة غير ما يقصدن أو يتمنين! ومن تلك العادات استعمال اللفافات والتجعيد بالحرارة (كي الشعر)! ووضع المواد الكيماوية لإكساب الشعر ألوانا معينة (الميش)! وهي غالبا ما تكون ضارة وتقصر عمر الشعر وتتلفه.

ولغسل الشعر عند البعض طقوس تثير في النفس الأسى والحزن! فهم يقضون الساعات في الحمام ينقضون خلالها على أشعارهم فركا ودعكا وغسلا وتمشيطا تعسفيا! ولا شك أن هذه الإجراءات ضارة! فغسل الرأس مرتين أو ثلاثا في الجلسة الاستحمامية الواحدة مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع كاف وواف.

والكثيرون لا يتورعون عن صب الزيت على رءوسهم والبيض والحليب والعسل والبصل والزنجبيل وعصير الفواكه التي عرفت بغناها بالفيتامينات والأعشاب التي يصفها أهل التجربة والنصح وكأن أشعارهم جاءت من مجاعات مجاهيل إفريقيا بفم ديناصوري لا يشبع! وهذه الإجراءات لا أقول إنها ضارة ولكنها بالتأكيد لا تفيد علميا في تقوية الشعر وزيادة كثافته أبدا.

وأخيرا هناك من الناس رجال يفرغون توترهم! الذي تشحنهم به ضغوط الحياة! بشد شعر رأسهم أو شاربهم! ويذهب هذا عادة عندهم لا تلبث أن تترك بصماتها على جوانب رءوسهم وذيول شواربهم. وفي النهاية لا يسعني إلا القول: رفقا بنفوسكم ولطفا بأشعاركم.. فما أطال الشد شعرا! ولا حل النتف هم البشر!.

 

أنور دندشلي
  




حالة متفاقمة من مرض الحاصة البقعية الثعلبة





الحالة الطبيعية للشعر