من شهر إلى شهرب

من شهر إلى شهر

لمحات من جديد العالم
طب
وسيلة بسيطة لاكتشاف السرطان

تمكن فريقان طبيان في الولايات المتحدة الأمريكية والسويد, وفي وقت واحد من اكتشاف النسخ المميزة من الحمض النووي (د.ن.أ) المرتبطة بخلايا سرطانات الرئة والدماغ والرقبة, في عينات من دم المرضى. وذلك يعني توفر وسيلة بسيطة للكشف عن السرطان, تغني عن اللجوء للجراحة لأخذ عينات من الأنسجة لتحليلها, وتوفير الوقت, وبالتالي, تزداد احتمالات نجاح العلاج, وقد تحمس لهذا الاكتشاف أحد أساتذة الطب البريطانيين, وقرر تطبيقه في متابعة حالات سرطان البنكرياس التي يتخصص بها, ويمتدح الطريقة قائلا إنها أفضل أسلوب تحقق حتى الآن للتشخيص المبكر لحالات السرطان باستخدام عينات من الدم, ويتوقع لها انتشارا واسعا في السنوات القليلة القادمة. نعود إلى الفريق السويدي الذي اكتشف النسخ المميزة لخلايا الأورام من حمض (د.ن.أ), حيث توجد في كل جزيء من ذلك الحمض تمددات قصيرة متكررة تنحصر بين الجينات.. لقد وجدت هذه النسخ من الحمض النووي في 16 حالة لسرطان الرئة من بين 21 حالة تم فحص عينات من دمائها. وهذه النسخ المشوهة من (د.ن.أ) تتبدل أشكالها في أنواع محددة من الأورام, لذلك, يدعو الفريق السويدي إلى إجراء دراسات موسعة, أولا, لتأكيد أن وجود تلك النسخ في الدم دليل على وجود الورم, وثانيا, قد تعين النتائج على إيجاد وسيلة لتحديد مدى تقدم المرض, وثالثا, قد تغير تلك الدراسات في الكشف عن كيفية انتشار الخلايا السرطانية بين أعضاء الجسم البشري.

ويؤكد الدكتور فيليب أنكر رئيس الفريق السويدي أن فحص الدم يمكن أن يكون مفيدا جدا في حالات خاصة, مثل سرطان الثدي وسرطان القولون, فهما يتميزان بأن تشوهات حمض (د.ن.أ) تحدث فيهما مبكرا جدا, فإذا تم رصد بداية ظهور هذه الجزيئات الشائهة من ذلك الحمض, تيسر التعامل مع المرض مبكرا.

غاز يلوث الهواء ويطهر الأنف!

على العكس من الأنف, الذي يعيش فيه أنواع عديدة من البكتيريا, فإن التجاويف الهوائية الموجودة بالجمجمة, والمعروفة باسم الجيوب الأنفية, تبقى ـ في الأحوال العادية ـ خالية من البكتيريا, بالرغم من أنها وسط مناسب لنموها, فما الذي يجعل من الجيوب الأنفية مكانا غير صالح, في العادة, لمعيشة البكتيريا?

لقد وجد الدكتور جون لندبرج, من معهد كارولينسكا, بالعاصمة السويدية ستوكهولم, الإجابة عن هذا السؤال: إنه أكسيد النيتريك! هذا المركب الغازي ذو السمعة البيئية غير الطيبة, نظرا لأنه مشارك أساسي في تكسير جزيئات الأوزون في طبقات الجو العليا, ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ شديد الفعالية ضد البكتيريا والفيروسات, حتى في التركيزات الضئيلة منه. فكيف توصل لندبرج وفريقه الطبي إلى هذا الاكتشاف?

لقد تمكنوا ـ بأدوات خاصة ـ من سحب بعض الهواء من الجيوب الأنفية لعشرات من الأفراد الأصحاء, غير المدخنين, ودفعوا به إلى أجهزة التحليل, فاتضح أن نسبة أوكسيد النيتريك في تلك العينات من الهواء تقترب من الحد الأقصى للتركيز المسموح به من هذا الغاز في الغلاف الجوي. وعندما فحصوا خلايا الغشاء المبطن للجيب الأنفي, وجدوا أن تلك الخلايا هي التي تفرز ذلك الغاز الذي تكمن فاعليته الحيوية في قدرته على الارتباط بالإنزيمات الحيوية في الخلايا الميكروبية, فيؤدي إلى وقف نموها وتعطل عملياتها الحيوية, فتبقى الجيوب الأنفية خالية منها. ومن جهة أخرى فإن لأوكسيد النيتريك تأثيرا دوائيا معروفا, فهو موسع للأوعية الدموية, وهو موجود دائما, وبتركيزات عالية, في تلك التجاويف الهوائية, وثمة احتمال لأن يتخذ ذلك الغاز طريقه إلى الرئتين, عبر مسارات معينة, مع هواء الشهيق, وعلى ذلك, فقد يكون مفيدا في تنشيط الأوعية الدموية في الرئتين, إذ إن معدل إنتاجه في الجيوب الأنفية ثابت عند مستوى لا يسبب أضرارا في هذا الاتجاه. ويقول لندبرج, إن تلك الفكرة غير مسبوقة في تاريخ الفسيولوجيا, وقد تكون مفيدة في إسعاف وعلاج مرضى ارتفاع ضغط الدم بالرئتين.

حشرات
خط ساخن.. للنمل!!

هل رأيت, مرة, نملة ساكنة? إن قانون حياة النمل يعني الحركة والعمل, فهو يقيم مزارع للفطريات, ويخزن ما يتيسر له من ألوان الطعام, ويشن الحروب.. وكائن بهذا الحجم من النشاط, لابد أن تكون له وسائل الاتصال الخاصة التي تنتظم بها حياته وتؤدى حاجاته. وقد عرفنا, منذ زمن طويل, أن النمل يتناقل المعلومات ويحقق الاتصال عبر وسيلة كيماوية, فهو يتبادل إفراز مواد كيماوية تسمى (الفيرمونات), ويترجم إحساسه بها إلى معلومات.. حتى أعلن أحد الباحثين بجامعة المسيسيبي, منذ أسابيع قليلة, أن للنمل وسيلة اتصال أخرى عاجلة, يلجأ إليها في الملمات, ويمكن تشبيهها بالخط الساخن, أو صفارة الإنذار!.. ففي حالات الحرج والضرورة القصوى, تصدر عن النملة ترددات صوتية واهنة نتيجة احتكاك أحد أرجلها البطنية بخطوط بارزة على ظهر النملة, فكأنها تضرب على أوتار! وقد استطاع الباحث أن يسجل تلك الأصوات الضعيفة أكثر من مرة, خلال تعامله مع النوع المعروف باسم نملة النار, في برنامج بحثي يهدف إلى إيجاد وسائل للسيطرة على هذه الحشرة الشرسة ومقاومتها, بعد أن تزايدت حشودها بشكل لافت للنظر في دول أمريكا الجنوبية. وكانت المرة الأولى عندما حاول الباحث, خارج نطاق البرنامج البحثي ـ بدافع من حب الاستطلاع ـ أن يستمع إلى ما تقوله تلك الحشرات المزعجة, فقام بدس لاقط صوت حساس داخل أحد الاستحكامات الترابية التي تبنيها جيوش نمل النار, وراح ينصت, فجاءته أصوات يصفها بأنها لا يمكن أن تكون ناتجة عن الهرولة الدائمة للنمل, وإنما أصوات ندت عنها نتيجة الاضطراب الذي أوقعه بمساكنها لاقط الصوت, وهي تشبه الصرير, كأنها ـ في تلاحقها ولهفتها ـ أجراس إنذار, أعقبها هجوم ضار على لاقط الصوت!

واستهوى الأمر الباحث, فرتب لتجربة وضع فيها بعضا من نمل النار في صندوق من البلاستيك مزود بلواقط صوت في قاعة, موصلة بأجهزة قياس حساسة, مع تصوير سلوكيات النمل بالفيديو (صوت وصورة). وبقيت النملات تروح وتجيء في صمت تام, حتى ألقى إليها في محبسها دودة, عندئذ أخذت تحك ظهورها, لتسجل الأجهزة موجات صوتية ذات تردد منخفض شبيهة بتلك التي صاحبت الهجوم على لاقط الصوت ثم انتهى الأمر بهجوم منظم على الدودة! ويبقى سؤالان: هل يفرز النمل, مع صيحات الإنذار, فيرمونات الاتصال التقليدي?, وكيف يستجيب النمل لهذه الترددات التي يصنعها عند الخطر المداهم, مع أن النملة ليس لها أذن?!.

لقد استدعت الإجابة عن هذين السؤالين أن ينشأ برنامج بحثي آخر, مواز لبرنامج الأبحاث الخاص بمقاومة نمل النار المزعج, فقد تفيد نتائج البرنامج المستجد في مسار أبحاث البرنامج الأصلي, ولا نملك غير الانتظار.

مطارات
ممرات الطائرات أكثر تقاربا..

يتزايد عدد المسافرين جوا عاما بعد عام (تنقل الرحلات الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 4 ملايين راكب سنويا), وذلك أمر يشغل بال المسئولين عن شئون الطيران في العالم, فهو يعني زيادة عدد رحلات الطيران, وكثافة حركة الطائرات, إقلاعا وهبوطا, في نفس المطارات, وفوق نفس العدد من الممرات. فهل يكون الحل في بناء مطارات جديدة أكثر اتساعا, أم يكون في تمديد مساحات المطارات القائمة حاليا?

أما إنشاء مطارات جديدة, فهو أمر ليس سهلا, مع ارتفاع تكلفة مثل هذه الإنشاءات الضخمة. وقد تكون زيادة المساحة مستحيلا أمام ظروف متصلة بتخطيط المدن, ولبعض الاعتبارات البيئية. كما أن الفكرة التي تنادي بزيادة عدد الرحلات الليلية يحول دون التعويل عليها ميل معظم المسافرين برحلات النهار.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية, حيث المشكلة أكثر إلحاحا, تدرس الهيئة الفيدرالية للطيران اختيارا رابعا لرفع القدرة الاستيعابية للمطارات, ويتمثل في زيادة عدد الممرات في نفس المساحة الخاصة بالمطار, عن طريق تقليل الفاصل بين الممر والآخر, ليصبح ثلاثة آلاف قدم, بدلا من 4300 قدم, وهو الحد الأدنى للمسافة الفاصلة بين ممر وآخر في المطارات المدنية, مع تجهيز الممرات بكافة التسهيلات التكنولوجية, لتعمل جميعا في نفس الوقت, وتحت مختلف الظروف. ويتوقع مقدمو هذا الاختيار أن تزيد طاقة تشغيل المطارات بنسبة 50%. وتجرى دراسة هذا الاختيار بحذر وتمهل شديدين, فهو محاط بالمخاوف, ويرى بعض المنتقدين له أنه حتى مع تقدم أنظمة التوجيه الراداري للطائرات المقلعة والهابطة, فإن احتمال وقوع خطأ فني يعني فداحة الخسائر, ولابد من التأكد تماما من أن حركة الطيران ستتم في أمان كامل فوق هذه الممرات المتلاصقة. وعلى ذلك, أعد الفنيون في هيئة الطيران الأمريكية بعض البرامج والنماذج الحاسوبية التي تحاكي أنشطة الطيران في مطارات ذات ممرات متقاربة, لحساب احتمالات حدوث الخطأ ووقوع التصادم بين الطائرات على هذه الممرات. وأعلنت الهيئة أنها لن توافق على هذا الاختيار إلا إذا كان احتمال تصادم الطائرات على الممرات المتقاربة لا يزيد على واحد من خمسمائة مليون, وفي الظروف الجوية المعاكسة!

خيال علمي
بيض الديناصورات يفقس بشرا!

تحقق إصدارات الكاتب النرويجي جوستين جاردر أعلى أرقام بيع في سوق الكتب, وهذا ـ على أي حال ـ دليل نجاح, وقد بلغت جملة ما تم توزيعه من الكتب العشرة التي ألفها, حتى الآن, 12 مليون نسخة, وتصدّر كتابه (عالم الفتاة صوفي), وهو من كتب الخيال العلمي, قائمة أحسن المبيعات في العالم, في عام 1995, وقد تمت ترجمته إلى 41 لغة. وهو كتاب مؤلف للصغار, غير أنه ـ كمعظم كتب جاردر ـ يجتذب القراء الكبار. أما أحدث مؤلفات جاردر, وهو بعنوان (مرحبا.. هل من أحد هناك?) فإنه يلقى رواجا محليا وعالميا, وقد بيعت حقوق نشره لاثنين وعشرين دولة.

ولا يتردد جاردر, وهو يكتب للأطفال, في أن يتعرض لموضوعات ثقيلة, مادامت لديه القدرة على جعلها في مستوى إدراك الطفل, فهو في (عالم الفتاة صوفي) يتحدث عن تاريخ الفلسفة بشكل مبسط, وهو في أحدث أعماله (مرحبا.. هل من أحد هناك?) يغامر بالدخول إلى عالم أسرار الحياة والتاريخ الطبيعي ونظرية التطور, ويحكي الكتاب قصة الطفل (يواقيم) الذي كان يبلغ من العمر ثماني سنوات حين وطأت أول قدم بشرية سطح القمر في عام 1969, فينشغل الطفل بذلك الحدث انشغالا شديدا, ويفاجأ بزائر عجيب يطرق بابه.. إنه (ميكا), الكائن البشري سليل الديناصورات!.. ونعرف أن (ميكا) جاء من بيضة ديناصور فقست فوق سطح كوكب بعيد اسمه (إيلجو)!. إن ديناصورات ذلك الكوكب لم تنقرض, ولو أن ديناصورات الأرض تحملت واستمرت, لكان التطور انتهى بها إلى أن تعطي بشرا, كما حدث في (إيلجو)!! وينجح الطفلان في التوصل إلى وسيلة للحوار (هل يذكرنا ذلك بالمخلوق الكوني E.T. في الفيلم السينمائي الشهير?), ويتبادلان اكتشاف الحقائق حول أسباب وكيفية تطور أشكال الحياة على الكواكب المختلفة. وقد حرص جاردر, أثناء كتابته لهذه القصة, على أن يراجع بعض المختصين بعلوم الحياة, فقد كان شديد الحذر وهو يكتب للأطفال خيالا علميا يقوم على احتمالات تبدل سلسلة وصورة التطور لو أن الديناصورات الأرضية لم تنقرض مبكرا! ويقول جاردر: لم أغفل لحظة أثناء الكتابة عن أن أقدم خيالا غير منبت الصلة بحقائق عالمنا المعاصر, وكان هدفي أن أجعل أطفالنا أكثر إقبالا على الحياة وتقبلا للتعلم, وأفتح شهيتهم للقراءة.

موسيقى
ألف عام من الموسيقى

افتتح في العاصمة النمساوية فيينا أخيرا معرض يحكي ألف عام من تاريخ الموسيقى في النمسا, شارك في تقديم محتوياته كل من متحف الفنون الجميلة, وجمعية محبي الموسيقى في فيينا. ويهدف المعرض إلى إضاءة جوانب مجهولة من تاريخ الموسيقى في النمسا, إبداعا وتوثيقا للإبداع, وعرض بعض الموروث الموسيقي النمساوي خلال الألف سنة الماضية. ويؤكد المعرض أن فيينا حفظت للعالم أضخم مجموعات من الآلات الموسيقية والصور الشخصية لأعظم المؤلفين الموسيقيين ومدوناتهم الأصلية النادرة. وتشمل قائمة المعروضات ثلاثمائة تحفة ووثيقة ومخطوط تاريخي, ولم يحدث من قبل أن شهد التاريخ الموسيقي العالمي مثل هذا المعرض الفريد.

ومن أبرز معالم المعارض الكراسة التي كتب فيها شتراوس فالس (الدانوب الأزرق) للمرة الأولى, والمدونة الأصلية للسيمفونية الناقصة لشوبان, والمعالجة الموسيقية الأولى التي كتبها بيتهوفن لرائعة الشاعر الإنجليزي شيللر (قصيدة للغبطة), وقد نسقت هذه المعروضات, وغيرها, بطريقة تجعل المشاهد يعايش غنى وجلال الماضي الموسيقي للنمسا. وتحكي المعروضات قصة تطور تدوين أو ترقيم الموسيقى, أي كتابتها بالرموز والاصطلاحات, وتاريخ طباعة الموسيقى وصناعة الآلات الموسيقية في عصور مختلفة. كما اهتم القائمون على المعرض بإبراز بعض المعالم الموسيقية المهمة في التاريخ الموسيقي, مثل أوبرا عصر الباروك, وما أطلقوا عليه اسم كلاسيكيات فيينا (وتشمل موسيقى كل من موزار وهايدن وبيتهوفن وشوبان), ثم ما سمي بالمدرسة الفيينية الثانية (برامز وبروكنار وماهلار), وتنتهي بالموسيقى المعاصرة. ويفرد المعرض ركنا خاصا لتكنولوجيا الموسيقى, يعرض مجموعة خاصة تبدأ بالآلات الموسيقية الميكانيكية, وتنتهي بالأقراص المدمجة. أما الطريف في هذا المعرض, فهو قسم مخصص (لوجبات) موسيقية, فلا يصح أن يغادر الزائرون دون إكرام, فيستمعون إلى مقتطفات من مختلف الألوان الموسيقية, لتتأكد في نفس الزائر (رسالة الموسيقى), وهي الهدف النهائي للمعرض.

وأخيرا, تنتهي زيارة المعرض في (سرداق) خاص, تتوافر فيه مختلف الأجهزة والأدوات الموسيقية, حيث يمكن للزائر أن يمضي بعض الوقت يعزف لنفسه, أو لآخرين, ما يشاء من موسيقاه المفضلة!

كـتـاب
طاغور.. صورة مختلفة!

من الإصدارات المهمة التي ظهرت في العام المنصرم, كتاب عن شاعر الهند طاغور, عنوانه: "رابندرانات طاغور.. الرجل ذو العقل المجزأ"!. للمؤلفين: كريشنا دوطا, وأندرو روبنسون, ويعرض لطبيعة نشأة طاغور, والقضايا والمواقف التي جعلته ـ من وجهة نظر المؤلفين ـ يستحق أن يوصف بذي العقل المجزأ أو المنقسم على نفسه. ويحكي المؤلفان عن تأثر الابن (رابندرانات) بالأب (ديبندرانات), زعيم طائفة البراهمة في وطنه البنغال, والذي كان يصطحب ابنه الطفل في رحلات تأملية بجبال الهيمالايا, حيث غرس فيه المفاهيم البنغالية التقليدية وحرك في نفسه القيم الروحية, ونمى فيه حس استقلال الذات والاعتماد على النفس, فقد كان يتركه وحيدا في جولات طويلة بمسالك تلك الجبال الخطرة. ولم يتلق طاغور تعليمه في مدرسة تقليدية, بل في البيت, وكان في شبابه الأول شديد الانشغال بأمور وطنه الأصلي البنغال, مهتما بكل ما يتصل بنهضته, كما كان ـ في الوقت نفسه ـ مستريبا من الإنجليز الذين ألغوا الوجود البنغالي حين وحدوا الهند والبنغال في مستعمرة واحدة كبيرة. من هنا, كانت بداية (انقسام) طاغور, بين إحساسه كمواطن بنغالي وولائه للكيان الكبير: الهند. لقد تولد ذلك الصراع الداخلي في زمن كان إقباله على معطيات الحضارة الغربية العلمية والجمالية والفلسفية يتزايد, كما أن ذلك قد تزامن أيضا مع نمو شخصيته الأسرية وتميزه بين أشقائه وأبناء عمومته باستقلاليته وشجاعته ومواجهته الحادة لبعض مظاهر الوثنية في طقوس طائفة البراهمة التي كان ينتمي إليها.

وفي عام 1912, ارتحل طاغور بأسرته إلى إنجلترا, حيث خالط المجتمع الأدبي الإنجليزي, ونال إعجاب الشاعرين ييتس وإزراباوند, بينما نفر منه برتراند راسل!. وكان قد نشر بالبنغالية أهم أعماله, وهي: جيتا نجالي (القربان الشعري), وروايته (جورا), ومسرحيته (مكتب البريد), وقد ترجمت إلى الإنجليزية. وصار طاغور نجما يسعى إلى لقاءاته جمهور المثقفين الإنجليز, ثم أصبح شخصية عالمية بعد حصوله على جائزة نوبل في العام التالي لوصوله إلى إنجلترا ـ 1913 ـ متخطيا, في قائمة المرشحين للجائزة الروائي العظيم ليو تولستوي!

وفي عام 1916, انقلب طاغور على الزعيم الروحي الهندي غاندي, وانتقد أسلوب اعتماده على المغزل والحياة البسيطة كوسيلة لمقاومة الاستعمار الإنجليزي, معتبرا ذلك تبسيطا وتسطيحا للأمور أكثر مما ينبغي!

ويقول المؤلفان: يبدو أن طاغور لم يكن وطنيا بالدرجة الكافية ليرضى عنه أبناء جلدته, كما أنه ـ من جهة أخرى ـ لم يكن مريحا تماما للنظام الإنجليزي التقليدي المحافظ, وعلى أي حال, فقد استقر طاغور في الأذهان رمزا حيا للهند!

كرة قدم
النرويج تبيع لاعبيها

تكاد لا تخلو أسرة من بعض ناشئتها الحالمين باحتراف الرياضة, حيث يتحقق للمرء كسبان براقان: المال والشهرة. ولعل لعبة كرة القدم هي الأقرب إلى أحلام هؤلاء الناشئة, فهي الأوسع انتشارا, وتتناقل وسائل الإعلام أخبار انتقالات لاعبيها من ناد لآخر, وأسعارهم في (بورصة) اللعبة, فاللاعبون المحترفون لا يستقرون في ناد أو دولة, وولاؤهم مكرس لمن يدفع أكثر! ولهذه المظاهر البراقة وجه آخر لا يعرفه إلا العاملون في إدارة وتدريب كرة القدم, مثل المدير الفني للفريق القومي النرويجي إيجيل أولسين الذي ضجّ من تسرّب اللاعبين المحترفين إلى بعض الدول الأوربية ـ إنجلترا بشكل خاص ـ حتى أنه اكتشف أن بقاءه في النرويج لا معنى له, فالأفضل له, ولفريقه, أن ينقل مكتبه إلى إنجلترا, حيث يلعب معظم اللاعبين الذين يعتمد عليهم في تشكيل فريقه! ويلعب لفرق الأندية الإنجليزية 16 لاعبا نرويجيا, بينما نجح عدد آخر في الالتحاق بأندية في ألمانيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا. ومع نهاية أكتوبر من كل عام, حيث ينتهي الموسم الرسمي لكرة القدم في النرويج, ينطلق جيش من اللاعبين يسعون لإضافة أسمائهم إلى قوائم أندية أوربية, بغض النظر عن قيمة النادي وسمعته في عالم الكرة, فرواتب اللاعبين في الخارج تزيد على عشرة أضعاف الرواتب النرويجية. وقد حقق بعض اللاعبين النرويجيين أسعارا لابأس بها في سوق اللعبة, فقد انتقل (جنرسولسكجير) لاعب نادي (مولد) النرويجي إلى نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي مقابل 2.3 مليون دولار. أما اللاعبون الذين لم يهمهم سوى المال فقد تدهور مستواهم الفني في أنديتهم الأوربية المغمورة, ولهذا السبب, استبعد بعضهم من قائمة الفريق القومي النرويجي. ويرى خبراء اللعبة أن الهجرة شبه الجماعية للاعبين المحترفين لم تؤثر على مستواهم الفني فحسب, وإنما امتد تأثيرها إلى فرق الأندية النرويجية نفسها, ففقدت القوى الفاعلة فيها, وانطفأ بريقها, وأدى ذلك ـ بالتالي ـ إلى فقدان الحماس لدى جماهير الكرة وعدم إقبالها على ارتياد الملاعب لمشاهدة المباريات المحلية, فخسرت الأندية جانبا مؤثرا من مصادر تمويل أنشطتها, وهو إيراد المباريات.