طرائف عربية

طرائف عربية

خلفاء وشعراء
المأمون والفضل بن الربيع

حدث سعيد بن هريم! قال: لما ظفر المأمون بالفضل بن الربيع! ومثل بين يديه! قال له: يافضل! أكان من حقي عليك! وحق آبائي! ونعمتهم عندك! وعند أبيك! أن تسيء إليّ! وتشتمني! وتحرض على دمي?! أتحب أن أفعل بك مع القدرة! ما أردته بي? فقال له الفضل: يا أمير المؤمنين! إن عذري يحقدك إذا كان واضحا جميلا! فكيف إذا عفته العيوب! وقبحته الذنوب! فلا يضيق عني من عفوك ماوسع غيري منه! فأنت ـ والله ـ يا أمير المؤمنين! كما قال الشاعر:

صفوح عن الإجرام حتى كأنه من العفو لم يعرف من الناس مجرما
وليس يبالي أن يكون به الأذى إذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما

المأمون ودعبل الخزاعي

قال المأمون وكان في مجلس من أصحابه:

أسمعوني ما قال دعبل في حقنا! فأنشدوه هذين البيتين:

إني من القوم الذين سيوفهم قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكر بعد طول خموله واستنقذوك من الحضيض الأوهد

فقال المأمون: قبحه الله! ما أبهته! متى كنت خامل الذكر! وفي حجر الخلافة ربيت! وبدرها غذيت! خليفة! وأخو خليفة! وابن خليفة.

ثم جد في طلب دعبل! حتى ظفر به! فلم يشك أحد في أنه قاتله.

فلما دخل عليه قال له: يا دعبل! واستنقذوك من الحضيض الأوهد.

فقال: يا أمير المؤمنين! قد عفوت عمن هو أعظم مني جرما.

فقال: صدقت! لابأس عليك! أنشدني (مدارس آيات) وهي قصيدة عامرة نظمها دعبل في رثاء أهل البيت.

فقال: أنشدها وأنا آمن?

قال: نعم.

فأنشده إياها! فجعل المأمون يبكي! لما بلغ قوله:

بنات زياد في القصور مصونة وبنت رسول الله في الفلوات

ثم وصله وأمنه.

يوسف بن عبدالله والحجاج

ذكر الحسن المدائني في كتابه! عن ابن أبي عقبة عن أبيه! قال: لما أمن الحجاج الناس! أتاه يوسف بن عبد الله بن عثمان! وكان عبدالملك بن مروان قد كتب له أمانا.

فقال له الحجاج: ثكلتك أمك.

قال: وأبي مع أمي.

قال: أين ألقتك الأرض بعدي

قال: ماقمت مقاماً! منذ لم ترني! أوسع من مقام قمته الساعة! إن الله استعملك علينا! فأبينا! فأبى علينا. فعفا عنه. فقال الفرذدق في ذلك:

ولو لم ينل حبل الخليفة يوسفا لمج نجيعا من دم الجوف أحمرا

المأمون وإسحاق الموصلي:

أقام المأمون عشرين شهرا ببغداد! ولم يسمع حرفا من الأغاني! ثم سمع متسترا أربع سنين متشبها بالرشيد. وعندما سأل عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي أشهر المطربين في زمانه أجابه أحد الواشين قائلا: مايقول أمير المؤمنين في رجل يتيه على الخلفاء! ما أبقي هذا من التيه شيئا إلا استعمله. فأمسك عن ذكره وجفاه وكان يصله برغم سوء رأيه فيه حتى قابل يوما علوية الموصلي وقال له: أتأذن لي في ذكرك! فإنا قد دعينا اليوم! فقال اسحاق: لا! ولكن غنه بهذا الشعر! فإنه يدفعه ليسألك عن صاحبه. وقال اسحق:

يا سرحة الماء قد سدت موارده أما إليك طريق غير مسدود
لحائم حام حتى لا حيام به مشرد عن طريق الماء مطرود

فلما سمع المأمون قال: ويلك ياعلوية! لمن هذا الشعر?

فقال: يا سيدي لعبد من عبيدك! جفوته من غير ذنب.

فقال المأمون: اسحاق تعني?

قال: نعم

فقال المأمون: يحضر الساعة.

موسي الهادي وأحد كتابه

ذكر محمد بن عبدوس أن موسى الهادي سخط على بعض كتابه! ولم يسمه! وعامله أسوأ معاملة! وبما لايليق! فكان يؤنبه ويتهدده! ويتوعده. فقال له الكاتب: يا أمير المؤمنين إن اعتذاري إليك فيما تقر عني به رد عليك! وإقراري بما بلغك عني! يوجب ذنبا لم أجنه! ولكني أقول كما قال الشاعر:

إذا كنت ترجو في العقاب تشفيا فلا تزهدن عند التجاوز في الأجر

فصفح عنه! وأمر بترك التعرض له.