الشيخ حمد محققا للتراث المخطوط

الشيخ حمد محققا للتراث المخطوط
        

 عرف الشيخ حمد الجاسر (رحمه الله) بمواهبه المتعددة، وقدراته الفذة التي اهلته وهيأته للبروز والتميز في ميادين كثيرة من ميادين المعرفة الإنسانية، فهو مؤرخ، وجغرافي، وأديب، ورحالة، وصحفي ضرب في كل من هذه الميادين بسهم وافر، وترك فيها من الكتابات والابحاث والتاليف ما يفوق جهد الفرد الواحد.

          لم تقتصر الميادين التي برز فيها الشيخ حمد على الكتابة والتأليف، وإنما برز في ميدان آخر هو ميدان تحقيق كتب التراث العربى المخموط الذي ضرب فيه أيضا بسهم وأفر، وتميز فيه على كثير من أقرانه، وقدم للقارئ العربي تحقيقات علمية مميزة لعشرات الكتب والرسائل المخطوطة التي الفت في تاريخ جزيرة العرب، وجغرافيتها، والارتحال في ارجائها، وطرق الحج الموصلة إليها، وخلاف ذلك من مصادر التراث العربي الممتد من العصور الإسلامية المبكرة حتى العصر العثماني. وبلغ الشيخ حمد من الدقة في التحقيق، والاعتناء به دراسة، وتحليلا، وتقديما، وتعليقا، ومقابلة، وضبط نصوص، درجة تضعه في الصفوف الأولى مع كبار المحققين العرب أمثال إحسان عباس ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وفهيم شلتوت، ورمضان عبد التواب وسواهم، بل إن ما يفرده الشيخ حمد، ويخصصه للدراسة، والتحليل، والإثراء المعرفي الواسع في مقدمات ما سواه، ويجعل تحقيقاته لا تقل أهمية، ومنهجية، واستبفاء بمتطلباتها العلمية عن تلك التي قدمت لنيل درجات علمية من أعرق الجامعات الغربية. ويكفي دليلا على ما ذكرت تتبع الجهود التي بذلها الشيخ حمد الجاسر في تحقيقه لكتاب: المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة لإبراهيم بن إسحاق الحربي (الرياض: دار اليمامة 1389 هـ/ 1969م)؟ فقد بلغ عدد صفحات مقدمة التحقيق أو الدراسة في هذا الكتاب (177) صفحة، وفهارسه العامة (136) صفحة، وهو جهد لا  يمكن للمرء إلا أن يكبره ويقدره لعالم مثل الشيخ حمد الجاسر، عمل في ميادين معرفية كثيرة لم يكن تحقيق كتب التراث المخطوط إلا واحدا منها.

          ولا يتسع المجال هنا للحديث عن كامل جهود الشيخ حمد في تحقيقه للكتب، والرسائل الخطية، ولا حتى عن عمل وأحد من الآعمال الكبرى التي تناولها بالدراسة، والتحقيق، والتعليق.

          لذا سآكتفي بواحد فقط من تحقيقات الشيخ حمد العلمية، لعله من بواكير ما حقق من كتب التراث العربي، إن لم يكن أبكر،لا جميعها، ذلكم هو كتاب: البرق أليماني في الفتح العثماني، تأليف قطب الدين محمد بن أحمد النهروالي (ت 990 هـ/ 1585 م)، ط1، (الرياضة: دار اليمامة 1387 هـ/ 1977 م).

البرق ونسخه

          يقع الكتاب في (621) صفحة من القطع المتوسط، شاملة الدراسة، أو مقدمة الناشر- كما يسميها-  والمتن، والفهارس العامة؟ منها (242) صفحة للدراسة، والفهارس العامة، و (379) صفحة هي كل متن الكتاب. وموضوعه- كما يتضح من عنوانه- تسجيل للغزوات التي قامت بها الدولة العثمانية لبسط سيطرتها على اليمن، وإخضاعها لسلطانها، وتدوين لمجمل تاريخ اليمن من أول القرن العاشر الهجري/ الخامس عشر الميلادي إلى آخر سنة 978 هـ/ 1570 م، بالإضافة إلى ما فيه من تفصيلات عدت الأعمال الحربية العنيفة التي قامت بها الدولة العثمانية بهدف ألاستيلاء على اليمن، والمواجهات القوية التي أبداها أهل جنوب الجزيرة العربية ضد الأتراك الغزاة. ويقدم الكتاب كذلك توثيقا مهمآ لبعض الجوانب الاجتماعية المتعلقة بالاستقبالات، والاحتفالات الرسمية لرجال الدولة التي يقيمها أهل الحجاز لهم عندما يفدون إلى جدة ومكة، وكذلك الوفادات التي يقوم بها الحجازيون إلى اسطنبول طلبا لولاية، أو رفعا لظلامة من وال جائر، ونحو ذلك. ويحتوي آخر الكتاب على وصف موجز لغزو الدولة العثمانية لأطراف البلاد التونسية في شهر جمادى الأولى عام 981 هـ/ 1573 م. وكان تأليف هذا الكتاب استجابة لرغبة سنان باشا القائد العثماني الذي كلف بسط السيادة العثمانية على اليمن، وسماء مؤلفه في أول الأمر: "الفتوحات العثمانية للأقطار اليمانية"، وأهداه إلى السلطان سليم خان (974-982 هـ/ 1566-1574م). وفي وقت لاحق زاد في الكتاب زيادات يسيرة وسماه: البرق اليماني في الفتح العثماني، وأهداه للسلطان مراد خان بن السلطان سليم خان (982-1003 هـ/1574-1595م).

          ويقع متن الكتاب المحقق في استهلال ومقدمة، وستين فصلا بين طويل وقصير لا يتعدى صفحة واحدة، وكل فصل معنون بعنوان مفصل عن مضمونه ومحتواه، ثم خاتمة مكونة من خمسة فصول قصيرة تتضمن توجه سنان باشا إلى مصر، ثم إلى الباب العالي، ثم توجهه إلى تونس، وفتحها، ومحاربته للنصارى في تلك الجهات. ويرى الشيخ حمد أن "هذا الكتاب من أجل كتب القطبي وأشهرها، وأكثرها انتشارا) ويذكر أن لهذا الكتاب نسخا كثيرة في مكتبات اسطنبول وغيرها، منها ثلاث نسخ يرجح أنها كتبت في حياة المؤلف الذي أهدى واحدة منها إلى مكتبة سنان باشا الخاصة، وأهدى الثانية إلى محمد باشا، رئيس وزراء السلطان مراد خان، والثالثة أهداها إلى خزانة السلطان مراد نفسه، ويذكر في مكان آخر أن  الكتاب انتشر انتشارا واسعآ "فقل أن تخلو مكتبة عامة في العالم العربي منه، في مصر، والحجاز، والعراق، أما في تركيا فيوجد في مكتبات اسطنبول العديد من نسخه، ولعل من أسباب رواجه (كما يذكر الشيخ حمد) ما لمؤلفه من الشهرة عند ولاة الأتراك وعلمائهم، فهو مؤرخ دولتهم بين العرب، وهو أحد مشاهير علماء المذهب الحنفي، مذهب الدولة الرسمي".

          هذا الانتشار الكبير لنسخ الكتاب، والعدد الوافر منها في مختلف المكتبات يجعل مهمة المحقق صعبة جدا من حيث اختياره للنسخ المعتمدة للتحقيق. إلا أن الشيخ حمد استطاع بوعي الباحث المدقق أن يهتدي إلى معيار ( ( Criteria منهجي رسمه لنفسه، وهو اختيار النسخ التي حررت في حياة المؤلف، ولها اتصال وثيق به، وبالشخصيات التي أهديت لهم، ولهذا يقول الشيخ حمد في هذا الخصوص: "وعلى هذا انحصرت الغاية في إخراج الكتاب بأوفى صورة أرادها مؤلفه، وأوضحها، وهذا يرجع قبل كل شيء- إلى اختيار أقرب النسخ إلى المؤلف، وألصقها به، فكان أن وقع الاختيار على أربع نسخ من نسخه الكثيرة التي قل أن تخلو منها مكتبة من المكتبات الكبرى" وهذه النسخ الأربع هي:

          1 - النسخة الأولى: وهي التي أهداها المؤلف للقائد سنان باشا الذي طلب منه تأليف الكتاب، ورمز لها بالحرف (س)، وعلل اختياره لهذه النسخة بأن المؤلف سيختار لمن ألف كتابه هذا من أجله، أجود النسخ وأصحها.

          2- النسخة الثانية: أهداها المؤلف إلى رئيس وزراء ذلك العهد، وهو محمد باشا، وتشبه إلى حد كبير نسخة سنان باشا، ويظهر أنها منقولة عنها، وأن ناسخها هو نفسه الذي نسخ الأولى (الرمز ساقط).

          3- النسخة الثالثة: وهي ما يعتقد الشيخ حمد أنها تلك التي أهداها المؤلف إلى السلطان مراد خان (الرمز ساقط).

          4- النسخة الرابعة: وهي النسخة الأولى للكتاب في صورته التي عنون بها في بادئ الأمر، وهي كتاب: الفتوحات العثمانية للأقطار اليمانية ورمز لها بالحرف (ف). وأورد الشيخ حمد- كما هو متبع- مصورات واضحة للصفحة الأولى والصفحة الأخيرة من كل نسخة من النسخ المذكورة، وطرتين للنسخة الأولى والثانية تحمل كل منهما في صفحتيهما الأولى عنوان الكتاب، والإهداء، وختم التملك.

          تلك هي الأصول الأربعة التي أتخذها الشيخ حمد أساسأ للنشر، واعتمد عليها في تحقيق الكتاب، وهو جهد يفي بدرجة الكمال في هذا الخضم الكبير من النسخ الخطية التي قل أن تخلو منها مكتبة عربية أو تركية.

رحلة النهروالي

          معروف عن الشيخ حمد حبه وإجلاله للعلماء الذين سبقوه، ويزداد هذا الحب والإجلال حينما يكون هؤلاء من علماء الجزيرة العربية الذين خلفوا لنا تراثا علميا خالدا من خلال ما وصلنا من مؤلفاتهم، وما عرض (رحمه الله) لترجمة أحد منهم إلا وأمطره بالثناء والذكر الحسن، وأفاض عليه من النعوت الحسنة والألقاب المحببة، ومن أساليب الدعاء له بالرحمة والمغفرة والأجر والثواب الشيء الكثير. ومؤلفنا هذا له عند الشيخ حمد مكانة كبيرة، هو جدير بها، لقاء ماتركه من مؤلفات جقة في فنون مختلفة، أخذت في المقدمة حقها من التعريف بها، وبصاحبها. يقول الشيخ حمد في مطلع التعريف بالنهروالي: "ومؤلفه عالم من علمائنا أسدى يدأ بيضاء لبلادنا بتسجيل تاريخها في مؤلفه هذا، أو في مؤلفات أخرى كتاريخه لمكة وغيره، ومن حق هذا العالم علينا، ومن الوفاء له إبراز كل أثر من آثاره المفيدة". ثم يمضي الشيخ حمد في تناول حياة المؤلف مبتدئا من تهرواله، المدينة المنسوب إليها في إقليم "كجرات" الواقع في الهند، ذلك الإقليم الذي شهد قيام إحدى الدويلات الإسلامية الهندية والمسماة: "الدولة الإسلامية الكجراتية"، فقد خص الشيخ هذه الدولة بجزئية تناول فيها موقعها، ومساحتها، وأقسامها الإدارية، وعدد سكانها، والدول الإسلامية التي قامت على أرضها، وتاريخ تلك الدول، وأشهر سلاطينها، وصلاتها بالبلاد العربية، وأنتقال جد أسرة المؤلف، واسمه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عمر بن محمد، من عدن إلى إقليم الكجرات، ثم استيطانه في بلدة نهروالة. وهناك تعاقب من ذريته علماء كان منهم الشيخ علاء الدين أبوالعباس أحمد بن شمس الدين محمد بن قاضي خان بهاء الدين محمد بن يعقوب بن حسن بن علي العدني الذي تولى في زمانه منصب الإفتاء في مملكة الكجرات، ثم سافر إلى مكة أكثر من مرة، واستقر بها في آخر الأمر إلى أن مات بها في عام 949 هـ/ 1542 م. وهو والد مؤلفنا محمد بن أحمد النهروالي، الذي ولد في الهند عام 917 هـ/ 1511 م، في مدينة لاهور، والتحق بوالده في مكة، وهو صغير.

          نال النهروالي حظا وافرا من التعليم على يد والده، وعلى يد علماء آخرين في مكة، وأتقن اللغة الفارسية، وهو بالهند، إتقانا مكنه من نظم الشعر بها، ومن ترجمته لبعض الكتب عنها وإليها. ورحل في طلب العلم إلى تركيا (مرتين) مرورا بالشام التي أخذ عن بعض علمائها، ومثلهما رحل إلى مصر حيث درس فيها على يد علماء كثيرين، أورد الشيخ حمد أسماءهم، ونتفا من وصف مؤلفنا لمصر وعلمائها، ومنه قوله: "وكانت مصر مشحونة بالعلماء العظام، مملوءة بالفضلاء الفخام، ميمونة بيمن بركات المشايخ الكرام، كأنها عروس، تتهادى بين أقمار وشموس" وقد أفاد النهروالي قائده كبيرة من رحلاته تلك التي كان لها الدور الأكبر، والأثر الأبعد في تأهيله وتثقيفه.

ثقافته

          وعن ثقافة النهروالي، وتنوع معارفه يقول الشيخ حمد: "هذه الاتجاهات المختلفة من نواحي الثقافة، عربية، وفارسية، وتركية، مكنت القطبي من أن يضرب بسهم وافر، وأن يأخذ بنصيب كبير من ضروب المعرفة وأنواعها في عصره، حتى أصبح علما يشار إليه فيها جميعها. فقد بلغ في التقافة الدينية الإسلامية درجة أهلته لتولي منصب الإفتاء في مكة المكرمة، وأن يتولى أعلى المناصب الدينية فيها، وهو القضاء، وأن يؤلف في تاريخها كتابا يعد مرجعا مهما لا يستغني عنه أي باحث في تاريخ تلك البلاد. كما ألف مؤلفات دينية أخرى تدل على سعة اطلاع، وعمق معرفة". ويذكرالشيخ حمدان ثقافته التركية مكنته "بأن يحظى بمنزلة رفيعة لدى رجال الدولة في ذلك العهد، وأن ينقل بعض المؤلفات التركية إلى اللغة العربية".

          "وفي اللغة الفارسية (كما يذكر الشيخ حمد) نقل رسالة للوزبر التركي لطفي باشا في شرح الفقه الأكبر في سنة 949 هـ نقلها من التركية إلى العربية ثم طلب منه ذلك الوزير، ترجمتها إلى الفارسية فترجمها.... وله نظم بهذه اللغة، أورد شيئا منه في تذكرته".

          إن آثاره التي سنفرد لها حديثا خاصا- (والكلام للجاسر) تدل على سعة ثقافته، وتنوعها، وعمقها. وتدل- في الوقت نفسه- على أنه استطاع أن يوجه تلك الثقافة وجهة تهيئ له الفرص ليستفيد منها في حياته؟ ولتصله بأهل عصره من رجال الدولة، ومشاهير العصر".

          ثم أفرد الشيخ حمد صفحات عدة من مقدمته لمؤلفات قطب الدين النهروالي التي بلغت ثلاثة عشر  كتابا، عرضها جميعها عرضا وافيا، وأفود صفحات آخرى للحديث عن بعض الجوانب الخاصة من حياته، مثل احترام بيته وكتبه، وسبب احتراقهما، وعنايته بالكتب، وخلاف ذلك وخص المشاهير ن أسرته  بجزئية مفيدة ضمنها ترجمات لثمانية أفراد من أسرته تلك، وخلص إلى القول: "هؤلاء هم أبرز بيت القطبي، ويلاحض آن لقب الشيخ نفسه (القطبي) صاهـ يطلق على أبناء أخيه كعبد الكريم وغيره. وعلى ذكر هذا  اللقبن تحسن الإشارة غلى أن الشيخ القطبي كان يسكن في بيت بقرب الحرم الشريف، بقرب الباب الذي لا يزال حتى هذا العهد يعرف ببال القطبي".

مثقف السلطة

          وعلى الرغم من إعجاب الشيخ حمد بقطب الدين النهروالين وإطرائه له ولأعماله الخالدة فإنه لم يعفه من النقد الموضوعي إذ يرى الشيخ حمد أنه "بحكم علمه، وبحكم سيطرة الدولة العثمانية على الحرمين الشريفين- يعتبر صنيعة للدولة، بل يصح أن يوصف بأنه مؤرخها الرسمي من علماء العرب، ومن هنا تبرز ناحية من نواحي الضعف فى هذا الكتاب. هذه الناحية التي قد تطغى على عاطفة المؤلف طغيانا كبيرا يبرز أثره في استعمال كثير من الكلمات النابية في حق من يصفهم بأنهم أعداء ملك البرين والبحرين، وخادم الحرمين الشريفين، ويصفهم بأوصاف هي ألصق بأعداثهم من الغزاة، كالخروج عن الدين، والإلحاد، وطاعة الشيطان".

          ويقول شي مكان آخر "إن القطبي، وهو ربيب تلك الدولة، وصنيعة من صنائعها ظهرت جل مؤلفاته طافحة بالمبالغات في الثناء على سلاطين الأتراك، وعلى رجال دولتهم، بل أصبح القطبي المؤرخ العربي الوحيد لتلك الدولة في عهده، وهذا مما ينبغي أن نلاحظه عندما نقرأ كتاباته، وخاصة كتابه "البرق اليماني" الذي نجده تحامل فيه تحاملا شديدا على العرب، وخاصة اليمنيين، ونسب إليهم أشياء بدافع الهوى، وما كانت صحيحة. ويؤخذ على القطبي أشياء- غير تعصبه للدولة التي عاش في كنفها- يؤخذ عليه أنه كثيرا ما يهضم أعداءها حقهم، ويصفهم بصفات هم أبعد ما يكونون عنها، فهو عندما يصف العرب الذين لم يخضعوا لتلك الدولة، يقول: (عربان جهلاء، ليسوا عقلاء بل غفلاء، ينخدعون بالكلام الباطل، ويصدقون بالمموهات والأباطل، ركبوا من عقولهم متن عمياء، وضبطوا ضبط عشواء)، ومثل هذا يرد كثيرا في كلامه". ولم يعجب الشيخ حمد الجاسر اعتداد قطب الدين النهروالي بنفسه، وإطراءه لشعره، من ذلك ما يقوله هو عن نفسه واصفا قصيدة رائية استهل بمها كتاله "وقد افتتحته بقصيدة طنانة، سارت بذكرها الركبان، وتتسابق ألفاظها إلى الآذان والأذهان، يعد كل بيت منها بديوان، وتسحب كل كلمة منها أذيال البلاغة على سحبان".

عمله فى التحقيق

          رسم الشيخ حمد لنفسه منهجا وطيقة  مثلى في تحقيق هذا الكتاب ونشره حينما يقول: "الغاية من تحقيق أي كتاب إبرازه للقارئ بالصورة التي رسمها المؤلف، أو بأقرب صورة مماثلة لها بقدر الإمكان. ولثن احتاجت بعض المخطوطات اللغوية والأدبية القديمة إلى بعض الشروح والإيضاحات لبعض جملها، تضاف في هوامشها، فإن مثل هذا بالنسبة للكتب التي تسرد الحوادث، أو تسجل بعض المعلومات العامة- يعتبر خارجا عن منهج التحقيق، بل ويعتبر دراسة خاصة لذلك المخطوط. ولقد فكرت- عندما أردت البدء في طبع هذا الكتاب- أن أضيف إليه بعض الحواشي لإيضاح معنى كلمة لغوية، أو للتنبيه على خطأ في التعبير، أو لتحديد موضع وذكر اسمه الصحيح، إلا أنني رأيت هذا قد يثقل الكتاب بحواشي كثيرة، وتلك الأمور التي أشرت إليها هي من السهولة بحيث يدركها القارئ".

          وعلى الرغم من هذا الاعتذار فإن الشيخ حمد في تحقيقاته اللاحقة لا يغفل هذا الجانب، بل يوليه عناية واهتماما خاصا، فكيرا ما نرى في تلك التحقيقات اللاحقة بعض التعليقات الضرورية دونما إسهاب يضيع معه النص في زحمة الحواشي والهوامش الطويلة التي يلجأ إليها بعض المحققين لكتب التراث. وإذا كان قد اعتذر هنا عن عدم إضافة بعض الشروحات والإيضاحات لبعض الجمل في المتن، فإننا نجد له اعتذارا آخر عن عدم إضافته فهارس للشعر ولأسماء الكتب إلى جانب الفهارس الموضوعية الشاملة التي وضعها للكتاب، ويعلل ذلك بأن "الكتاب ليس أصلا قديمآ، أو مصدرا من مصادر دراسات اللغة أو الأدب بحيث يقدم للباحث جديدا فيهما، ووضع فهارس له من هذا القبيل قليل الجدوى".

          هذا الاعتذار من الشيخ حمد نحمله على محمل حرصه (رحمه الله) على الوصول بتحقيقاته غلى درجة الكمال، وإلا فإن كثيرين من المحققين يضربون صفحا عن إيراد الأساسيات من الفهارس الموضوعية الشاملة مثل فهارس الأعلام من أمكنة، واشخاص، وجماعات، فضلا عن فهارس الشعر والكتب التي تعد عند كثيرين من سقط المتاع، على أن الشيخ حمد لم يغفل هذا الجانب في تحقيقاته اللاحقة، وعلى راسها كتاب: المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة للحربي الذي صدر بعد كتاب: البرق اليماني بعام واحد فقط - كما قدمنا - حيث زوده بفهارس للشعر والرجز.

 

أحمد بن عمر الزيلعي   

 
 








إبحار دائم مع الكتاب