تبهـير الطعـام... نكهـة وفـائـدة
تبهـير الطعـام... نكهـة وفـائـدة
البهارات التي تكسب طعامنا نكهة ومذاقاً طيبين، هل لها من فائدة صحية؟ البهارات والتوابل هي عبارة عن مواد نباتية تستخدم للتبهير في أعمال الطبخ، وقد استخدمت بعض المواد منها في الأزمان القديمة كمقومات أساسية في صناعة البخور، وكمواد حافظة للجثث المحنطة، وفي صناعة المراهم والعطور وأدوات التجميل والأدوية، وكترياقات ضد السموم، وكانت آنذاك تستخدم وإلى مدى محدود للأغراض المطبخية. ومع حلول القرن الأول الميلادي لوحظ ازدياد استخدام البهارات والتوابل لتبهير الأغذية حيث حاول الأوربيون القدماء استخدام البهارات في تنكيه أغذيتهم الفاسدة جزئياً، ولإخفاء العديد من الروائح المزعجة غير المرغوبة، ومن المعروف أن البحث عن البهارات الاستوائية قد لعب دورا مهما في التاريخ العالمي ونشط اكتشاف الكرة الأرضية وأدى إلى اكتشاف أمريكا وفتح الدول الشرقية على الحضارة والتجارة الغربية. إن معظم البهارات الاستوائية موطنها الأصلي هو المشرق وذلك في حزام خط العرض ما بين 25 درجة شمالا و10 درجات جنوب خط الاستواء، بينما تنتج بقية أجزاء العالم كميات قليلة نسبياً، فمثلاً آسيا الاستوائية تنتج الفلفل، القرفة، كبش القرنفل، الزنجبيل، حب الهال، الكركم، جوز الطيب وقشورها. والبهار الرئيسي الذي كان موطنه الأصلي المناطق الاستوائية الأمريكية هو البهار (PIMENTO)، والفانيلا، والفلفل الأحمر "الفليفلة" أما منطقة البحر الأبيض المتوسط متضمنة شمال إفريقيا والشرق الأوسط فقد زودتنا بمعظم الأعشاب المطبخية البهارية مثل: أوراق الغار، الكزبرة، الكمون، الشبث، الحلبة، بذور الخردل، إكليل الجبل، الزعفران، والمريمية الناعمة، أما المناطق الباردة في شمال أوربا وآسيا فقد أنتجت أنواعا قليلة جداً من البهارات مثل بذور الكراوية وفجل الحصان. لقد بقي الطلب على البهارات كبيراً حتى في الدول الأقل نمواً في العالم وخاصة في الشرق الأقصى أما في الدولة الغربية فقد أدت طريقة التبريد المتطورة إلى انخفاض الطلب على البهارات المستخدمة في حفظ الأغذية وتمويه روائح الأغذية المتحللة جزئياً، وبالرغم من ذلك فقد ظهرت حالياً إستعمالات جديدة للبهارات ومستخلصاتها وذلك في حفظ الأغذية المجمدة وتبهيرها، وحفظ الأغذية المجففة وصناعة التعليب. ومن المعروف أن الفلفل وحده يمثل حوالي 25% ومن مجموع تجارة البهارات في العالم حيث يبلغ حجم التجارة العالمية بالبهارات في الوقت الحالي حوالي 170 مليون دولار سنوياً، وبشكل عام فإن البهارات تلعب دوراً أساسياً في اقتصاد الدول التي تنتجها وإن الطلب على البهارات هو طلب ثابت، لكن التزويد العالمي يتغير سنوياً حسب ظروف الطقس، والأمراض والحشرات، والعوامل السياسية التي تلعب دورها في مناطق الإنتاج - ولهذا السبب فإن أسعار البهارات تعتبر متغيرة جداً وتتذبذب إلى حد كبير سنوياً. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول المستوردة للبهارات والتوابل في العالم، فقد استوردت في عام 1968 حوالي 150 مليون طن من البهارات بما قيمته حوالي 60 مليون دولار، أما ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا فتستورد سنوياً من البهارات ما قيمته 35 مليون دولار، ودول اتحاد الكومنولث ما قيمته 12 مليون دولار، والمملكة المتحدة بما قيمته 7 ملايين دولار سنويا. تأثيرات صحية إن تأثير البهارات في الصحة العامة يشكل موضوعاً مثيراً لا يمكن تجاهله، حيث تعتبر أمراً مهماً جداً في حميات الأغذية وخاصة القليلة المحتوى بالصوديوم، وقد أجريت التجارب العديدة لتقدير أهمية البهارات كمواد بديلة لملح الطعام في معالجة الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم وخاصة التجارب التي أجريت في قسم الكيمياء الحيوية في جامعة ويسكنسون الأمريكية وأشارت النتائج إلى أن البهارات يمكن أن تستخدم وبشكل مأمون في الحميات الغذائية القليلة المحتوى بالصوديوم حيث إن المريض يمكنه أن ينكه طعامه بأي نوع من البهارات المطحونة النقية الخالية من الملح وذلك لكي يعوض عن حاجته للملح. لقد قيل إن للبهارات آثارا منشطة للجنس - وقد بحث علم الطب الحديث هذا الموضوع وذكر بعض الأطباء المختصين بالأمراض البولية والتناسلية أن هذا التأثير يعود سببه إلى التأثير المهيج للبهارات، حيث إن بعض المواد المهيجة تمر إلى المثانة أو إلى أي جزء آخر من أجزاء الجهاز البولي التناسلي وتسبب تنشيط وتحفيز الشهوة الجنسية. أما عن تأثير البهارات على الإفرازات المعدية فقد أجريت حديثاً بعض التجارب والأبحاث لتقدير هذا التأثير، وقد أعطت نتائج متناقضة ومشوشة إلا أن أطباء الهضمية الآن متفقون على أن مظهر ورائحة الطعام يمكن أن يكون لهما تأثير واضح في تنبيه الإفرازات المعدية، وأن دخول مادة منكهة ذات طعم ممتاز إلى الفم ربما يؤدي إلى زيادة إفراز اللعاب والإفرازات المعدية - وبالمقابل فإن الرائحة غير المرغوبة للطعام، أو الطعم السيئ له ربما يؤدي إلى رفض الطعام وإنقاص الفعاليات الإنزيمية في الجهاز الهضمي. وقد توصل أحد العلماء الألمان (H.Glatzel) إلى أن البهارات الحريفة مثل الزنجبيل، أو الفلفل الأحمر، أو الخردل، عندما تضاف بكميات قليلة جداً إلى وجبة من الرز فإنها تسبب زيادة إفراز اللعاب 6 مرات على المعدل العادي، كما دلت دراسات أخرى على أن إفرازات الأمعاء الضرورية لهضم الدهون ربما تكون محفزة عن طريق استخدام قليل من الزيوت العطرية مثل زيت الكراوية. إن الخصائص الحافظة للطعام التي تتميز بها البهارات قد خضعت للبحث أيضاً وقد وجد فعلاً أن الزيوت المستخلصة من بعض نباتات البهارات مثل زيت القرفة، وزيت كبش القرنفل، وزيت الثوم، وزيت المريمية الناعمة لها خصائص ضد البكتريا. ومن المعروف أن ملح الطعام هو ملح معدنى بالطبع وبالرغم من ذلك فإن له أهمية كبيرة في التبهير والحفظ، ويجب أن يشار إليه في أي بحث يتكلم عن البهارات، لقد استخدم هذا الملح من قبل الإنسان منذ فجر التاريخ. ومن وجهة نظر الكيمياء الحيوية فإن هذا الملح ضروري لصحة الإنسان ويلعب دورا مهماً وحيوياً ويستخدم بشكل مذرور فوق الأطعمة ويساعد على تحسين طعمها ونكهتها، كما أنه غالباً ما يخلط مع بعض الأعشاب المجففة المطحونة ويساعد على تحسين نكهتها. وتسمى هذه الخلطة باسم الملح العربي البهاري مثل ملح الكرفس، ملح الثوم، وملح المقدونس. تصنيف وتوصيف ومن ناحية تصنيف البهارات يوجد هناك العديد من الطرق المختلفة التي تصنف البهارات، فمثلاً يمكن تصنيفها حسب الجزء المستعمل من النبات مثل البراعم الزهرية المجففة لكبش القرنفل والثمار من الفلفل الأسود وجوز الطيب والفانيلا، والسوق التحت أرضية "الرايزومات" من الزنجبيل وفجل الحصان والكركم واللحاء من القرفة، والبذور من اليانسون والشمرة وحب الهال أو يمكن تصنيف البهارات حسب خصائصها وذلك بوضعها في ثلاث مجموعات: الأولى هي مجموعة التوابل والبهارات المشهية مثل الفلفل الأسود - الفلفل الأحمر - الثوم - وفجل الحصان والخردل، والثانية: هي مجموعة التوابل العطرية مثل اليانسون - وحب الهال - القرفة وكبش القرنفل، والثالثة: هي مجموعة الأعشاب العطرية مثل الريحان - المقدونس الإفرنجي "السرفيل" والمقدونس العادي والمريمية الناعمة والشمرة. كما أن هناك تصنيفا آخر يعتمد على الفصائل التي تنتمي لها النباتات البهارية فمثلاً الفصيلة المركبة تضم اليانسون، الكراوية، الكرفس، المقدونس الإفرنجي، الكمون، الكزبرة، الشبث و الشمرة والمقدونس العادي. والفصيلة الشفوية وهي تضم الريحان، المردقوش، النعنع، حبق الشيوخ، إكليل الجبل "حصا البان"، المريمية الناعمة، ندغ البساتين والزعتر. أما الفصيلة الغارية فتضم الغار والقرفة، والفصيلة الزنجبيلية التي تضم حب الهال والزنجبيل والكركم. ومن الجدير بالذكر أن عدد أهم الأنواع النباتية التى يستخدمها الإنسان في تبهير وتنكيه غذائه يقدر بحوالي 40 نوعا. ويختلف الجزء المستعمل من النبات حسب طبيعة البهار نفسه وبالإضافة إلى استخدام هذه الأنواع كمادة للتنكيه فإن لمعظمها فوائد مهمه فمثلا اليانسون يفيد كمادة مقشعة وطاردة للغازات ويدخل فى تنكيه طعم الأدوية، كما أن الريحان له فوائد معالجة الإسهال ومشاكل الكليتين والصداع. أما الغار فيستخدم لمعالجة بعض الأمراض العصبية ويشفى من الشلل والتشنج. أما الكراوية فبذوره تعتبر مقوية للمعدة، كلما يعتبر الكرفس مقويا ومنشطا للأعصاب. والقرفة تعتبر مفيدة لمعالجة التشنج الكولوني والإسهالات. والكزبرة تفيد السعال وتقوي المعدة أما الكمون فيعتبر ممتازا في حالات المغص والإسهال. والشمرة تعتبر طاردة للغازات ومقوية للمعدة ومفيدة لآلام الأذن والأسنان.
|